رؤى متناثرة حول الدراسات الأصولية المعاصرة... (أفكار ومقترحات)
محمد بن حسين بن سيد أحمد الأنصاري
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين. أما بعد:
فقد قرأت ما سطرته أنامل المشايخ الفضلاء حول الدراسات الأصولية المعاصرة، وما لها أو عليها، وما يجب أن تكون عليه في الحدود الممكنة، والنظريات المتاحة؛ وتتميما لما سبق طرحه، فقد أحببت أن أشارك في هذا المجال بجملة من الأفكار والمقترحات، وإن لم يدرك الضالع شأو الضليع في العلم والتعلم، وهي في نظري تخدم شِقَّين في هذه الدراسات؛ المطالب والمآخذ، مع بيان الأسباب الموجبة لهما.
وأنبِّه القارئ قبل البدء في المقصود إلى ضرورة الإنصاف، وقبول الحق من أي أحد، وعدم الاستعجال في الأحكام والردود، وإن كانت ولا بد، فلتكن موضوعية وبعدل، وعلى الأفكار فحسب.
وهذه المقترحات خواطر أو ورقة عمل للحوار البناء، لنرتقي بهذا العلم نحو الأفضل، فقد تجد في مضمونها دعاوى عريضة تحتاج إلى أدلة وبرهان، أفرزها عندي طول المعالجة لهذا العلم فترة من الزمن، وهي في طريقها للبحث المؤيد بالحجة والدليل قبولا أو ردا. بحول الله.
أضعها بين إخواني من المتخصصين لتقويم معوجها، وتسديد خطأها، وهي في نقاط:
الأولى: وضوح الرؤية، وحسن التصور.
فإن من مسائل الأصول ما هو مترامي الأطراف، كثير الشعب، بحاجة إلى لملمة وتصنيف، ومن ثَمَّ إلى فهم متجرّد، فمثلاً: مناهج الأصوليين في التأليف. ما حقيقتها؟ وما أثر المعتقد فيها؟ وهل للمذهب أثر في التأليف وتقرير المسائل؟ أم أن الأصول واحدة والفروع تختلف باختلاف المذاهب والاتجاهات؟ وماذا عن مدرسة المتكلمين والفقهاء؟ وهل هذا التقسيم صحيح في ذاته أم لا؟ ثم ما مدى صدقه على كتب الأصول المؤلفة؟ وهل ثمت فرق منهجي بين المدرستين؟ وماذا عن كلام ابن خلدون؟ الذي يتضمن تقسيم المدارس الأصولية، وهل سُبق بهذا التقسيم؟ وهل قوبل بالتسليم أم بالرفض؟ وهل ابن خلدون أراد الحصر؟ وماذا يقصد بالمتكلمين والفقهاء؟
هذه بعض التساؤلات في هذه المسألة، وفي تقديري لا أظن أن بإمكان باحث ما، صادقٍ في بحثه، اختزال الجواب في جملة أو جملتين، قبل التصور التام للمسألة، واستكمال جوانبها.
ومما يصلح مثالا مبحث المتواتر عند الأصوليين، فمن تصوره بشروطه، علم أن تحقق وجوده في السنة أمر متعذر، وقد ذكر ابن حبان في مقدمة صحيحه: (أن الأخبار كلها أخبار آحاد). (للاستزادة انظر: "المنهج المقترح" للشريف حاتم العوني ص:91ـ127)
وحينما أدرك صدر الإسلام البزدوي (ت:493هـ) هذا المعنى وحقيقة ما يفضي إليه قال- بعد تعريف المتواتر-: (ولكن مثل هذا الحديث لم يرد في الأحكام، وإنما ورد في غيرها، وهو مثل قولهم: إنّ في الدنيا مكة..) (معرفة الحجج الشرعية 118)
فانظر كيف قضى هذا التقرير على كثير من المسائل الأصولية بالعدم في حقيقتها، لأن أصلها المخرّجة عليه - تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد- لا وجود له في السنة.
ولعل من المباحث المقترحة لكشف زيف هذا التقسيم هو: البحث عن أثره في استنباط المسائل الفقهية والقواعد الأصولية. أو البحث عن أثره في السنة.
وهكذا - لا بد من حسن التصور- في كثير من المسائل خاصة الأصول منها - كالسنة والإجماع والقياس - قبل الفروع.
وضعف التصور قد ينشأ من قلة الاطلاع، أو عدم التعمق في البحث، وكلاهما للباحث كالسمع والبصر للإنسان. وقد ينتج من ضعف الاستقراء والتتبع، وهو المقترح الثاني.
الثانية: الاستقراء والتتبع.
عدم الاستقراء سمة لازمة في كثير من الدراسات المعاصرة إلا ما ندر. فالاستقراء التام قدر المستطاع مقياس للبحث الجاد، ووسيلة حتمية لبناء نتائج علمية محققة. ولا يختلف الباحثون في أهميته للعلوم، إذ هو الأصل في تطور العلوم، وهو الأساس المعتمد، والمنهج المقترح نحو التجديد في كافة العلوم.
إذا ضعف الاستقراء أو عدم فيما حقه أن يستقرأ، فلا تحتفل بتلك النتائج، ولا تثق بالأصول المبنية من غير طريقه مهما كان أثرها، أو عم انتشارها، لأنها مهما امتد بها الأجل ستجد ما ينقض أصلها، ويبدد قاعدتها، ولو بعد حين.
انظر مثالا لنقص الاستقراء في كتاب: "الاستقراء" للطيب السنوسي (ص426و445).
والأمثلة حول هذه المسألة أكثر من أن تحصر.
وكل ما أذكره لك من مقترحات من قبل ومن بعد فأصله وأسّه، وشرط إنتاجه الاستقراء لا غير.
فقبل كل تقرير أو تقعيد أو تأصيل- كما ذكر الأستاذ محمود شاكر- لابد من توفر أمرين:
الأمر الأول: جمع المادة من مظانها على وجه الاستيعاب المتيسر، ثم تصنيف هذا المجموع، ثم تمحيص مفرادته تمحيصاً دقيقاً، وذلك بتحليل أجزائها بدقة متناهية، وبمهارة وحذر، حتى يتيسر للدارس أن يرى ما هو زيفٌ جلياً واضحاً، وما هو صحيح مستبيناً ظاهراً، بلا غفلة، وبلا هوى، وبلا تسرع.
الأمر الثاني: التطبيق فيقتضي إعادة تركيب المادة بعد نفي زيفها وتمحيص جيّدها، باستيعاب أيضاً لكل احتمال للخطأ أو الهوى أو التسرع، ثم على الدارس أن يتحرّى لكل حقيقة من الحقائق موضعاً هو حقُّ موضعها، لأن أخفى إساءةٍ في وضع إحدى الحقائق في غير موضعها، خليقٌ أن يشوه عمود الصورة تشويهاً بالغ القبح والشناعة.
(أباطيل وأسمار24-25 بتصرف يسير)
ولا يخفى على كل من له أدنى إلمام بعلم الأصول أهمية الاستقراء في هذا العلم.
وفي هذا يقول الشاطبي: (وأصول الفقه؛ إنما معناها استقراء كليات الأدلة، حتى تكون عند المجتهد نصب عين وعند الطالب سهلة الملتمس). (الاعتصام 1/44)
والقاعدة الأصولية بعد الاستقراء قد يظهر فيها الخلل والقصور في الصياغة والتطبيق من ثلاثة أوجه:
- الوجه الأول: من جهة التقعيد والتعميم، فقد تحتاج إلى قيد، أو استثناء، أو عدم الاطراد حسب الأدلة.
-الوجه الثاني: من جهة الأمثلة والفروع المخرَّجة عليها فقد تسلم القاعدة من المعارض النقلي والعقلي، ولكن يبقى مورد النزاع: انطباقها على القاعدة.
- الوجه الثالث: من جهة القاعدة والمثال فكل منهما بحاجة إلى تنقية وتصفية ومراجعة، ومن ثم التحقيق والتقعيد.
إذن، كيف تتم صياغة القاعدة الأصولية بطريقة سليمة من النقض مماثلة لخطاب الشريعة، ومطابقة لمقصدها؟
يتم ذلك بأمور منها:
1- الاستقراء لنصوص الكتاب والسنة وآثار السلف.
2- الاحتكام التام إلى أساليب لغة العرب.
فالأول: من جهة الأصل والمستند. والثاني: من جهة الصياغة.
بهذه المحاور نستطيع الوصول إلى بناء قواعد أصولية محكمة، بعيدا عن فراغ التنظير العقلي، والجدل العقيم.
وهنا أؤكّد على ضرورة الاعتماد الكلي على لغة العرب في الاستدلال وبناء الأحكام، لبعد الأصوليين عنها من جرّاء ما علق به من سفسطات المناطقة، وفلسفات المتكلمين.
وفي هذا قاعدة علمية محكمة وهي: أن الشريعة جاءت على مقتضى اللغة في المعاني والأساليب. وهذا يدل عليه النقل والعقل والإجماع.
ولكي يستبين لك الأمر تأمل هذه النقول، وتمعّن فيها، وتدبرها وطبقها على الواقع.
قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - (ت:790هـ) نقلا عن المازري: (وإنما نبهنا على ذلك لما ألفينا بعض المتأخرين صنف كتابا أراد أن يرد فيها أصول الفقه لأصول علم المنطق.
هذا ما قاله المازري. وهو صحيح في الجملة، وفيه من التنبيه ما ذكرناه من عدم التزام طريقة أهل المنطق في تقرير القضايا الشرعية). (الموافقات 4/338).
وقال أيضًا: (ومنها: أنه لا بد في فهم الشريعة من إتباع معهود الأميين - وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم - فإن كان للعرب في لسانهم عرفٌ مستمر، فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة. وإن لم يكن ثم عرف فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه. وهذا جار في المعاني، والألفاظ، والأساليب). (2/82،64)
وقال أيضًا: (... القرآن الكريم ليس فيه من طرائق كلام العجم شيء وكذلك السنة .... إذا حُقق هذا التحقيق سُلك به في الاستنباط منه والاستدلال به مسلكُ كلام العرب في تقرير معانيها ومنازعها في أنواع مخاطباتها خاصة؛ فإن كثيراً من الناس يأخذون أدلة القرآن بحسب ما يعطيه العقل فيها، لا بحسب ما يُفهم من طريق الوضع، وفي ذلك فساد كبير وخروجٌ عن مقصود الشارع). (الموافقات 1/44)
وانظر للأهمية: "الرسالة" للإمام الشافعي - رحمه الله - (ص:42-53) .
وهنا سؤال: هل كتب الأصوليين الموجودة الآن ـ خاصة المذهبية المتأخرة من القرن السابع تقريبا ـ تخدم علم الأصول خدمة أوليّة أم تخدم المذهب فحسب؟
ثم كيف تتم الاستفادة منها على الوجه المطلوب؟ وهل هناك فرق بين من كان منهم صاحب رأي وتحرير، وبين من كان همه النقل لا غير؟ وكيف يمكن التمييز بين هذا وذاك؟
الثالثة: تقويم الخلاف الأصولي.
موضوع الخلاف في علم الأصول، من المواضيع الشائكة، التي تفتقر إلى التحقيق والتدقيق.
وكثرة الخلاف في مسائل الأصول له علاقة بضعف التصور. وقلة الاستقراء.
وأبرز العوامل في توليد مادة الخلاف في علم الأصول هو ما دخله من علم الأوائل، وتوسيع العبارات وتشقيقها، وبعده عن مصادره وأصوله التي نشأ منها، وأيُّ علم تجافى عن مصدره أصابه النقص بقدر ذلك البعد.
ومما يفعّل الخلاف الأصولي ويدعو إلى تطويره؛ هو النقل لمذاهب الفرق الإسلامية دون الحاجة إليه.
قال الزركشي (ت:794هـ) في مقدمة "البحر المحيط":
(..ثُمَّ جَاءَتْ أُخْرَى مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ, فَحَجرُوا مَا كَانَ وَاسِعًا, وَأَبْعَدُوا مَا كَانَ شَاسِعًا, وَاقْتَصَرُوا عَلَى بَعْضِ رُؤوسِ الْمَسَائِلِ, وَكَثَّرُوا مِنْ الشُّبَهِ وَالدَّلَائِلِ, وَاقْتَصَرُوا عَلَى نَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الْفِرَقِ, وَتَرَكُوا أَقْوَالَ مَنْ لِهَذَا الْفَنِّ أَصَّلَ, وَإِلَى حَقِيقَتِهِ وَصَّلَ, فَكَادَ يَعُودُ أَمْرُهُ إلَى الْأَوَّلِ, وَتَذْهَبُ عَنْهُ بَهْجَةُ الْمُعَوَّلِ, فَيَقُولُونَ: خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ, أَوْ وِفَاقًا لِلْجُبَّائِيِّ, وَتَكُونُ لِلشَّافِعِيِّ مَنْصُوصَةً, وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالِاعْتِنَاءِ مَخْصُوصَةً, وَفَاتَهُمْ مِنْ كَلَامِ السَّابِقِينَ عِبَارَاتٌ رَائِقَةٌ, وَتَقْرِيرَاتٌ فَائِقَةٌ, وَنُقُولٌ غَرِيبَةٌ, وَمَبَاحِثُ عَجِيبَةٌ).
وقال المرداوي (ت:885): (..وأغيرهم من أرباب البدع، كالجهمية والرافضة والخوارج والمعتزلة ونحويهم، فلا اعتبار بقولهم المخالف لأقوال الأئمة وأتباعهم، ولا اعتماد عليها... وقد ذكر الأصوليون ذلك حتى بالغوا، فذكروا بعض مذاهب اليهود والنصارى والسوفسطائية، والسمنية فرقة من عبدة الأصنام، والبراهمة وهم الذين لا يجوزون على الله بعث الرسل، والملاحدة وغيرهم.
وكان شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني يعيب على من يذكر ذلك في أصول الفقه، ويقول: (إنما محل ذلك أصول الدين)، وهو كما قال). (التحبـير شرح التحرير 1/128-129)
هذه النقول مع ما فيها من الفوائد النفيسة، والحقائق المهمة، إلا أن فيها كذلك ما هو بحاجة إلى مراجعة.
وهنا قد يتفق الجميع على وجود هذا الخلل في علم الأصول، وأنه من الدخيل في تقرير مسائله، كالمنطق وعلم الكلام، لكن العيب المتكرر قديما وحديثا هو الانفصال بين النظرية والتطبيق، فمن الصعوبة بمكان الانفكاك عن أسلوب الأصوليين في التأليف والتقرير، ولله در الشاطبي فقد تميز في أسلوبه وتقريره ولم يتأثر تأثرا بينا بمن سبقه.
والخلاف الأصولي بحاجة إلى تقويم من جوانب عدة منها:
أولاً: أصله وحقيقته.
فقد يفتعل الأصوليون خلافاً لا حقيقة له في بعض الأحيان. إما أنه غير موجود في الأصل.
وإما أنه شُقّق من قولين إلى أكثر، أو من أقوال ليس بينها تعارض، إلى أقوال متوازية لا يمكن الجمع بينها. وهذا يَحدُث كثيرا بسبب العجلة في حكاية الخلاف، وعدم تحرير محل النزاع.
ولديَّ مؤشرات وأمارات بأن غالب الخلاف المحكي عن الأئمة ـ ولا سيّما مالك والشافعي وأحمد في علم الأصول ـ (أي: الأدلة) خلاف لا وجود له. وهذا مبني على مقدمتين:
الأولى: أن أصول الفقه هي الأدلة.
والثانية: أن أدلة الأئمة في الفقه واحدة.
فلو قيل: بأنه لا خلاف بينهم في الأصول ألبتة،لم أستبعد ذلك.
وإنما الخلاف بينهم في تخريج الفروع على الأصول فقط. هل هذا الفرع يُخرّج على هذا الأصل أم ذاك؟
فالاستحسان المردود عند الشافعي هو كذلك عند مالك وأحمد.
وعمل أهل المدينة المعمول به عند مالك، معمول به عند الشافعي وأحمد.
والإجماع الذي يردُّه أحمد هو كذلك عندهما، وكذا المرسل.
وكون إمام أكثر في تخريج فروعه على هذا الأصل، لا يعني رده عند الإمام الآخر. ثم من الذي كان يُخرّج الأصول من الفروع؟ لا شك أنهم أصحاب أئمة المذاهب، ألم يختلفوا في نقل الأصل الذي بنى عليه الإمام؟
بلى، فكونهم اختلفوا في أصول الأئمة، أو في جملة من الفروع، هل يقتضي ذلك رد هذا الأصل أم لا؟ لا يلزم منه اختلاف الأئمة أنفسهم في هذا الأصل.
ثم إن من أكثر ما يشعّب الخلاف في الأصول هو تخريج الأصول من كلام الأئمة لا من الأدلة، فينتج عن هذا التخريج تأويل الأدلة بحسب المذهب، كما هو الحال في بعض كتب الأصول من المدرستين، ولهذا نبه العلماء على هذا الخطأ المتكرر.
قال أبو إسحاق الشيرازي (ت:476هـ):
(وينبغي أن تحفظ الأدلة وتحكم الأصول ثم حينئذ تبنى عليها المذاهب في مسائل الاجتهاد، لأن الأدلة هي الأصول والمذاهب تتبعها؛ فينبغي أن نستخرج المذاهب على حسب ما يقتضيه الدليل ولا تنصب الدليل على ما يقتضيه المذهب).(شرح اللمع1/162)
ثانياً: منزلته.
قيمة الخلاف ومنزلته مما يساعد على عدم تصعيده، بل وعدم حكايته إن تبيّن ضعفه.
وكتب الأصول خاصة المتأخرة منها مرتع خصب للأقوال التي ليس لها خطام ولا زمام، فقد تجد قولاً مشهوراً في كتبهم، ولا تجد له قائلاً، ولا أصلاً، ولا سنداً. وهذا يدلك على بعد هذا العلم عن أصوله ومصادره الحقيقية.
فمثل هذه الأقوال قد يبنى عليها خلاف في كثير من مسائل علم الأصول، وقد لا يُتنبه أن هذا الخلاف من قبيل الشاذ أو الضعيف.
لهذا كانت معرفة الخلاف ومنزلته في علم الأصول أمرًا جديرًا بالاهتمام.
ثالثاً: ثمرته.
ومما يجعل للخلاف قيمة ومنزلة أن تكون له ثمرة، فالثمرة هي الميزان للخلاف، يقوى ويستمر بحسبها، فإبراز ثمرة الخلاف، وقيمة هذه الثمرة، وأثرها في التطبيق، مما يعطي أهمية لهذا الخلاف، وعلم أصول الفقه غني بهذا النوع من الخلاف. وتعيين الثمرة للخلاف الأصولي كثيرا ما تتجاذبها الأقوال، لهذا يحسن التريث في الحكم على خلافٍ ما بأنه عديم الثمرة، إلا ما كان ظاهراً.
فقد يكون للخلاف ثمرة لم تتبين لك إلا مع طول التأمل والبحث، والخلاف الأصولي محفوف بجملة من المخاطر، كأن يكون مبنياً على أصل عقدي، أو أصل كلامي أو منطقي، فالحكم له بعدم الثمرة حينها، قد يختلف بحسب أصل الخلاف.
والخلاف الذي يعني الأصولي هو الذي يدور حول أصلٍ ما، هل يعد من الأصول أم لا؟ وهل ينتج فرعا صحيحا أو لا؟
ومما يعين في تحديد ثمرة الخلاف تحرير محل النزاع في الخلاف.