شَرحُ آياتِ " قِوَامَة الرِّجالِ عَلَى النِّسَاءِ " للشَّيخِ "مُصطَفى العَدَوي".
أبو همام السعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين , وعلى آله وصحبه التابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين, وبعدُ:
هذه دروس مباركة ألقاها فضيلة الشيخ "مصطفى العدوي" ضمن سلسلة "أحكام النساء" في شرحِ "آياتِ قوامةِ الرجال على النساء" وهذا موضوعٌ مهمٌ لنسائنا ورجالنا في هذا الزمان الذي قصر فيه فهمُ كتابِ الله فضلاً عن تطبيقه .
* فمتى كانَ الرجلُ يطبق أحوال ما أمره الله بهِ أولاً: من العظةِ لهنَّ , ثم من هجرهنَّ في المضاجعِ , ثم منْ ضربهنَّ ضرباً غير مبرحٍ !؟
* ومتى كان الرجلُ يعقل حدودَ قوامتهِ على زوجتهِ ؟! وكيفَ كانَ الزوجانِ يفعلانِ عند حصولِ نزغٍ شيطانٍ بينهما ؟!
(هذا ما أفاضه الشيخ -حفظه الله- في دروسه فأحببتُ تفريغها مع تنقيحها ليستفيد منه الأزواج حفظهم الله).
قال الشيخ -حفظه الله-:
لا شكّ أن النساء بحاجة إلى التفقه في أحكام دينهنّ. قال النبي –صلى الله عليه وسلم- النساء شقائق الرجال. وهنَّ داخلات في قوله تعالى {وقل رب زدني علما} وقول النبي –صلى الله عليه وسلم- من يردِ الله به خيراً يفقهه في الدين. وغيرها من العموماتِ التي لا تختصّ بجنسٍ عن آخرَ, وفي تفضيلِ كل معلم عن كل جاهل, حتى إن الكلاب المعلمة أفضل من الكلاب التي هيَ غير معلمة. كما قال تعالى {تعلمونهن مما علمكم الله} وقال –عليه السلام-: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها كما سمعها .
فجدير على أخواتنا الفضليات أن يعرفنَ أحكام معاملتهن, وقد أثنت عائشة –رضي الله عنها- على نساء الأنصار: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من الفقه في الدين .
وقال الله لنساء محمد –عليه السلام- [واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءاياتِ الله والحكمة] وقد طلبَ بعض النسوة مجلساً يعلمهن النبي فيهِ ويدرسهنّ ويعظهنّ .
وكانَ النبي يأمرُ بإخراج النساءِ إلى مصلى العيدِ حتى الحيّض, وربما يعلم أنَّ النساء لم يكن قد سمعن خطبته فيقبل عليهنّ ويعلمهن ما قاله .
(مقدِّمةُ)
قال تعالى [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) ]
هذه الآية رسمت منهاجاً للأسرةِ وللحياةِ الزوجيةِ, يرتّب أمرها ويقوّمها ويسددها, وهو "الرجل" يسعى لجلبِ الأرزاقِ وتهيأةِ الحاجات والكماليات, لما أنّ المرأة غير ملزمة بذلك, فالرجل "راعٍ ومسؤول عن رعيته" وهذا الرجل عليهِ أن يلتزمَ بقيوميته على بيته بشرعِ الله سبحانه تعالى.
لماذا الرجل هو القيّم ؟ وما حدوده ؟
[بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ] فهناكَ أمر جبليٌ فطر به الرجل كان بذلك مفضّلا به على المرأةِ وهو: قوته البدنية وقوته العقلية وجلادته, ولذا جعل شهادة المرأة على النصفِ من شهادةِ الرجل, لما في عقلها ودينها من نقصان. وسئل النبي لمَ ذلك؟ قال: أليسَ اذا حاضت لم تصل ولم تصم . قالت بلى يا رسول الله. قال: فذلك من نقصانِ دينها. أليسَ إذا شهادة المرأةِ تعدل نصف شهادةِ الرجل. قالت بلى يا رسول الله. قال: فذلك من نقصانِ عقلها.
والرجل قيّمٌ كأيّ مسؤولٍ ومديرٍ يكون قيما على مركزِه وشركته, إذا عصيَ أمره أو عصى أمرَ الله, حصل من الفسادِ الكبير, لذا..جاءَ قوله " فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ" أي مطيعاتٌُ لأمرِ زوجها, لأنّ من شئنِ الصالحاتِ أن يكنّ مطيعاتٍ . وهذا على صورةِ الخير يرادُ بهِ الإنشاءُ . وهذا كثيرٌ في القرآن الكريم كقوله تعالى "ومن دخله كان آمنا" أي: أيها الناسُ أمّنوا من دخل المسجد الحرام.
ولكن لا طاعةَ لزوجٍِ في معصية الله –عزوجل- لقول النبي –عليه السلام-: لا طاعةَ لمخلوقٍٍ في معصيةِ الخالقِ. وبهذا نعلمُ أنّه لا يجوز في حالٍ معصية الزوج, لأنه القيم في بيته, وقال عليه السلام: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم –التطوع- وزوجها شاهد إلا بإذنه, ولا تأذن في بيتٍ لأحدٍ إلا بإذنه ولا تجلس على تكرمةٍ إلا بإذنه .
فالقيّم يُستأذنُ حتى لا تضطربَ الأمور, وقال –عليه السلام-: إذا استأذنتِ امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها. فدلَّ أنَّ الاستئذانَ مشروع في كل حال. وقال –عليه السلام-: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
ما هيَ واجبات القيّم ؟
* هذا القيم عليهِ واجباتٌ كما له حقوقاً, وهكذا في أيِّ قيم شركةٍ وبيتٍ وجماعةٍ وإمام البلدةِ, فهذا سليمانُ عليه الصلاة والسلام كان يخرجُ ويراقبُ رعيته وخدامه وحشمه حتى ماتَ وهو متَّكاٌ على عصاه.
فعليه
أولاً: أن يشكرَ الله –سبحانه- بأن جعله قيما وبأن رزقَ امرأةً صالحةً, قال –عليه السلام-: الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة وفي بعض الروايات "إن نظر إليها أسرته, إذا أمرها أطاعته, إن غاب عنها حفظته" فهذه سمةُ المرأةِ الصالحة .
ثانياً: أن يكونَ رفيقاً على أهلِهِ ورعيَّته, قال تعالى لمحمد –عليه الصلاة والسلام- [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ]. وقال –عليه السلام-: ما كان الرفق في شيءٍ إلاّ زانه, لا نزع من شيءٍ إلاَّ شانه. وقال –عليه السلام- : إن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على باب الرفق . وعن مَالِك بن الحويرث قال: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا ، أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُواإِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ..الخ.
فكانَ –عليه السلام- كما هو مبعوث رحمةً للعالمين, رحيما بأمثالِ هؤلاءِ الشببةِ رفيقا بنسوتهم لغيابِ أزواجهم عنهم . ولذا...أقولُ –لمن يسافر لجمع الأموالِ فوق الأموال وقد ترك نسائه وبناته السنين- أن يحاسبَ نفسه, وأن يتقيَ الله عزوجلّ, لأنَّ المرأة ضعيفة وأسرع إلى الميل إلاَّ أن يرحمَ اللهُ بها, وقال –عليه السلام-: تعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شيكَ فَلا انْتَقشْ. [وقال –عليه السلام-: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي] فلا تأتِ زوجكَ ووجهكَ " عبوساً قمطريراً " وتبتهج إلى غيرها, وتقابلها بغليظِ القولِ والفعلِ, فالزوجةُ أولى بكلِّ خيرٍ, وهيَ إنما إن فقدتِ السعادة والحنان والعفةَ من زوجها رغبت إلى آخرَ والعياذ بالله.
فعلى القيّم الزوجِ أن يحسّن أخلاقَهَ ويهذِّبها بمكارمِ الأخلاقِ, لأنَّ –عليه السلام- يقول عن النسوة "إنما هنَّ عوانٍ عندكم" وقال موجّها في التقويم [اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاء" وعند ابن حبان "فدارها تعش بها] .
ثالثاً: أن يعلمَ عن خصالِ وطبائعِ من هم تحتَ يديكَ, فجرت سنَّة الله -عز وجل- أن تختلفَ طبائع النساءِ, فصاحب الشركةِ وصاحب الرعية عليه أن يسوسَ أحوالَ الناسَ وكيف استجابتهم ومالطريقة لتقويهم؟ فجديرٌ بالزوجِ أن يتقنَ معرفة من تحتَ يديه, فيتعامل معهنّ بمقتضى معرفته بهن, حتى تستقيم أموره, ثم إنَّ الهدايةَ من الله –عزوجل- فالتمس من الله هدايتك وهدايةَ زوجتك وللنساء المسلمات.
[وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ] فعلى الزوجِ أن ينفقَ على زوجته على قدر استطاعته –وجوباً بإجماعِ العلماء-, فلا يبخلَ عنها, ولا يمسكها عن التصرّف بمالها الشخصي, ولها إن لم ينفق عليها زوجها أن تأخذَ منهُ بغيرِ علمه, كما في حديث "هند" زوجةِ أبي سفيان –رضي الله عنهما-. وذلكَ بالمعروف من غير إسراف ولا إقتارٍ, كما قال لها النبي –عليه السلام-: خذي منه ما يكفيك وولدك بالمعروف .وقال تعالى [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] وقال تعالى [وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا] .
وبيّن الله سبب القوامة من الرجلِ حتى لا تأتي أمرأة مترجلة وتنافحُ بالمساواةِ بينهن والرجالَ, وهذا من عظيمِ التطاول على شرعِ الله سبحانه تعالى, وقال الله تعالى راداً ذلك [لَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا] فقد شرع لكلٍ من الرجالِ والنساءِ ما يتناسب مع أصل خلقته وطبيعته, والواجبُ من المسلم أن يستسلمَ لأمرِ الله, ويكون شعارنا "سمعْنا وأطعْنا غفرانكَ ربنا وإليكَ المصير" .
[فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ] أي طائعات, وفسّر بعضهم "القنوت" الطاعة, والقنوت له معانٍ: منه "الدعاء" بقولهم " نقنت في صلاة الفجر, ومنه "السكوت" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِى الصَّلاَةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِى الصَّلاَةِ حَتَّى نَزَلَتْ (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلاَمِ.
ومنه "طول القيام" قال –عليه السلام-: أفضلُ الصلاةِ طول القنوتِ . والسياق هو الذي يحدد المعنى الائق بها.
[حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ] حافظات لغياب أزواجهن ولفروجهن في غيابِ الأزواج عن الحرامِ, فليسَ حفظك فرجك أيتها الزوجةُ باجتهادكِ أصالةً, إنما بحفظ الله لكِ, فلتسألِ الله سبحانه أن يحفظَك ويبعدك عن كلّ سوء.
ثم بيّن تعالى طرائقَ التقويم من الرجلِ في حال وجود نشوز أو تمرّد فقال تعالى:
[وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا] والنشوز: التعالي على الأمر ورفضه.
وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم أي النساء خير؟ قال: التيتسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره.
فبهذا على الزوجِ أن يكونَ حافظاً لأهلِ بيتِهِ, كما أنَّ صاحبَ الشركةِ يكون القيم والمسؤول عن أركانِ شركتهِ كلها, فإنه سيجد الصالحَ والطالحَ, وقد كانَ سليمان –عليه السلام- في ملكه العظيم وحشمه الكبير من الجنِّ والإنسِ, فقد كانَ يراقِبُ أعمالهمْ وينظر للمطيعِ والعاصي, فمن يزغ عن أمره [نُذقّه منْ عَذَابِ السَّعِير] وكذلك ذو القرنينِ فلما مرَّ بقومٍ في مغرب الشمس قال تعالى [قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا]فإنَّ الزوجَ سيبتلى كذلك بتمرد من زوجته, إن أمرها عصتْه, وإن نهاها عصتْهُ, فما الحلُّ من هذا؟