الثانية: الحركة الإصلاحية:
وقد تأخر ظهورها بسبب البعد الجغرافي عن دار الإسلام، وكثرة الحجب الكثيفة من الافتراء والتشويه التي فرضتها الكنيسة الكاثوليكية على أوروبا الغارقة حينها في الجهل والهمجية.
ولكن نشأ عن الاتصال بالمسلمين(23) ظهور الحركة الإصلاحية البروتستانتية ــ التي لم تسلم عند تأسيسها من أيدي الصهيونية العالمية ــ التي كانت فاتحة التاريخ الأوروبي الحديث، والتي أحدثت زلزالًا هائلًا في الكنيسة الغربية بل في حياة أوروبا بصفة عامة، إلا أن تأثيرها الإصلاحي للأسف لم يمس جوهر الخرافة (التثليث) بل اقتصر أساسًا على ظواهر منها الحد من طغيان البابوات، وفساد رجال الدين، وتحطيم الصور والتماثيل، وتعديل بعض الشعائر والطقوس.
ويتمثل تأثيرها التاريخي الهائل في تأسيس كنائس جديدة منسوبة لزعماء الحركة مثل لوثر وكالفن، وزونجلي، فكانت الاستجابة الواسعة لها تمثيلًا عميقًا وتصويرًا دقيقًا لمدى ما تُعانيه النفسية الأوروبية من كبت وضجر تحت سيطرة جبروت الاضطهاد البابوي الفاتيكاني.
لكنها ــ ولأنها لم تصحح اللب والأساس ــ ما لبثت أن ارتكبت جل الخطايا التي ارتكبتها كنيسة روما لاسيما اضطهاد المخالفين، وربما زادت عليها أحيانًا!. وهو الأمر الغريب الذي أدخل أوروبا في دوامة عنف لم يشهد لها التاريخ مثيلًا وحدث من الفظائع والجرائم والإبادة من البروتسانت والكاثوليك ما تقشعر لها أبدان المؤرخين، حتى وصفوها بأنها وحشية تترفع وتتنزه عنها الوحوش والضواري!.
وبالطبع فقد نالت الوحشية طائفة الموحدين المسالمة التي فرحت بادئ الأمر من انكسار السجن الكاثوليكي الكبير لكي تـخرج من أسره، ولكن الاضطهاد الذي قُمعت به من البروتستانت كانت أفظع عليها مما تصوّرت ــ وهل تلد الحيّة إلا حُيّية ــ بل كانت مثار دهشة المؤرخين الغربيين الذين لم يطيقوا مجرد ذكرها فضلًا عن سردها(24).
وفي عصر التنوير الأوروبي(25) ظهرت العقيدة التوحيدية في أوروبا الغربية لاسيما في هولندا وبريطانيا ومنها إلى أمريكا ضد الخليط الناتج من الأفكار التي شهدها عصر التنوير الأوروبي الذي تُعد حركة التوحيد بين أحد روافده، كما تعد أحد المستفيدين والقاطفين ثماره.
ولا ريب أن عصر التنوير يعد امتدادًا طبيعيًا لعصر النهضة الأوروبية الذين يدين بالفضل للإسلام، فقد كان تأثير الحضارة والثقافة الإسلامية واضحًا في إيطاليا منطلق النهضة الأوروبية الحديثة، بل لقد كان هو أكبر أسباب النهضة؛ فقد كان الإمبراطوري فردريك الثاني في القرن الثالث عشر محبًا ومقدرًا للثقافة الإسلامية لدرجة أن الكنيسة لما قلقت من حرصه على تعلم اللغة العربية، وكثرة المسلمين في بلاطه، وتأثره الواضح بهم أصدرت بحقه حرمانًا كنسيًا، وسمّته الزنديق الأعظم(26)! ولكن المؤرخين في الفكر سمّوه أول المحدثين، تقديرًا لريادته في الحضارة والعلوم الإنسانية.
وفي الأندلس كان التواصل الثقافي مستمرًا خاصة مع أوروبا الغربية التي كادت أن تُسلم، حيث يتحدث التاريخ عن إسلام أحد ملوكها، وكذلك ملك النرويج، فلما استطاعت الكنيسة الكاثوليكية استرداد البرتغال وأسبانيا (الأندلس) من المسلمين، وأقامت محاكم التفتيش المروّعة، لجأ كثير من أصحاب الفكر الحر إلى أوروبا الغربية، لاسيما هولندا التي علت فيها العقيدة التوحيدية وظهرت بوضوح إلى جانب العقائد الأخرى المتحررة من ربقة الفاتيكان.
وفي المرحلة الثانية لم يقف الصراع الكبير الذي أحدثته الحركة الإصلاحية عند التمرد على البابا فقط، بل انقلب على كل العقائد الكنسية باسم العقل وحرية التفكير والدين المنطقي والدين الطبيعي وأشباه ذلك(27).
وكان لبريطانيا نصيب الأسد في ظهور هذه العقائد، وفشت عقيدة التوحيد بين مفكري عصر التنوير الإنجليز، وكادت تسيطر لولا ظهور دين الربوبيين، وقد كان الحدث الأبرز هو إعلان الموحدين لعقيدتهم في التوحيد صراحة في بيان وجهوه إلى طلاب جامعتي أوكسفورد وكامبردج سنة (1790م).
أما حين يرسو بنا القارب في شواطئ أمريكا فإنا نجد أنفسنا أمام تاريخ مستفيض، ووجود متميز للحركة الموحدية، ومن ذلك أن المؤسسين الكبار لأمريكا كانوا يؤمنون بأفكار عصر التنوير(28) ولا ينسجم هذا الفكر إلا مع كنيسة واحدة هي الكنيسة الموحدة، بحيث يمكن القول أنه لو كانت للحكومة الناشئة أن تـختار دينًا رسميًا للدولة لما كان إلا دين الموحدين(29)، وهذا ظاهر من استقراء عقائد الرؤساء الأوائل، والمفكرين الأوائل مثل بنيامين فرانكلين، ورالف أمرسن.
ففي سنة (1785م) تحولت كنيسة الملك في بوسطن إلى كنيسة موحدة(30)، ثم أسست كنيسة موحدة في فلادلفيا سنة (1794م) وبعد ذلك حدث تحول عظيم؛ حيث تحولت كنيسة الحجاج التي تأسست سنة (1620م) إلى كنيسة موحدة سنة (1802م).
وتوّج هذه الأحداث حدث من أعظم أحداث التاريخ المسيحي؛ وهو قيام الرئيس الثالث توماس جيفرسون بتأليف إنجيل جديد هذّب فيه الأناجيل المعروفة في نسخة منقحة، وحذف منها كل ما يدل على التثليث(31).
وفي سنة (1825م) أسست المنظمة الموحدية في أمريكا، ثم المجمع الوطني للموحدين (1865م) ولم تزل الحركة في صعود مستمر ــ لا سيما بين الطبقة المثقفة ــ حتى بلغت ذروتها في تولي أحد الموحدين رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وهو وليام تافث، وأعقب ذلك توليه رئاسة الكنيسة الموحدية سنة (1917م).
وآخر المشهورين من السياسيين الموحدين هو أدلاي ستيفنس المرشح الرئاسي الذي كان وزيرًا في حكومة جون كندي(32)، وقد توفي سنة (1965م) ولم ينجح في أن يكون رئيسًا.
أما في العقود الأخيرة فقد انتشرت العقيدة الموحدية وانتكست كنيستها(33)!
أما الرؤساء الأمريكيون الموحدون فهم كما ذكر ذلك الدكتور الحوالي:
1ــ الرئيس الثاني: جون آدمز، تولى (1797ــ 1801م).
2ــ الرئيس الثالث: توماس جيفرسن، تولى (1801ــ 1809م) وهو أكثر المؤسسين أثرًا في تكوين الفكر الأمريكي.
3ــ الرئيس السادس: جون قوينسي آدمز، تولى (1825ــ 1829م) وهو ابن الرئيس الثاني.
4ــ الرئيس الثالث عشر: ميلارد فلمون، تولى (1850ــ 1853م).
5ـ الرئيس السابع والعشرين: وليام تافث، تولى (1909ــ 1913م).
أما في بقية دول العالم خارج الولايات المتحدة الأمريكية ورومانيا فتوجد أقليات منتمية إلى كنيسة التوحيد في بلاد كثيرة أهمها جمهورية التشيك وهنغاريا والهند والفلبين وألمانيا ونيجيريا وكندا وأيرلندا وإسكندنافيا.
على أنه ينبغي أن يُعلم أن الذين لا يؤمنون بالتثليث، ولا يعتقدون ألوهية المسيح، ولا يجمعهم الانتماء لهذه الكنيسة هم أكثر عددًا، وهم ينتسبون إلى هذه الدول ولغيرها منتسبين إلى كنائس أخرى، أو متحررين من أي نسبة، وسيظلون برهانًا ساطعًا على أن الإسلام هو دين الفطرة، وأن وعد الله تعالى بإظهاره حق "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [يوسف: 21]، "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" [الصف: 9].
وهذه الطوائف المُوَحّديّة لها أدلتها الفطرية والعقلية والنصّيّة من الكتاب المقدس بعهديه(34)، لذا فمن الظلم بخسهم حقهم وإلغاؤهم وطمس معالمهم ومعهم تلك الحجج الداحضة للشرك والخرافة، ولئن وفق أحدهم لتأمل أمثل العقائد انسجامًا مع الفطرة وتناغمًا مع الروح وتوافقًا مع العقل فليجدنّ ذلك بحذافيره في الإسلام (35).
اللهم اهدنا سبلنا وتولّنا وثبّتنا على الحق يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين, وصلِّ اللهم وسلم وبارك على البشير النذير والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.
......للحديث صلة
مَسِيرَةُ التَّوْحِيدِ فِي الدِّيَانَةِ النّصْرَانِيَّةِ 2
إبراهيم الدميجي
30/ 3/ 1433
@aldumaiji
المصدر: "مدونة كلنا نحب المسيح عليه السلام"
http://eslam100.blogspot.com/...........................................................................
(1) لا توحيد على الحقيقة إلا ما أرسل الله به رسله وأنزله في كتبه، وهو الإيمان بأن الله تعالى واحد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وعبادته وحده لا شريك له؛ فهذا هو التوحيد المطلق، أما إذا قيد بطائفة أو مذهب أو نحلة فهو بحسب ما قيد به ولا يعدو كونه مطلق توحيد.
(2) وللاطلاع على كثرة الموحدين في القرون الأربعة الأولى راجع ما سبق في مجمع نيقيه، وانظر كذلك: محاضرات في النصرانية للشيخ محمد أبو زهرة، ص110 وما بعدها.
(3) وقد بقيت منهم بقايا حتى فجر الإسلام كما في قصة سلمان رضي الله عنه في بحثه عن الحق وتنقله بين العلماء الأربعة, حيث كان يلزم أحدهم حتى إذا أدركته الوفاة دله على آخر، حتى كان الأخير الذي لم يُحِلْهُ على أحد من المسيحيين من أبناء ملته لأنه لا يعلم أحدًا بقي على الحياة ممن كانوا على نهجه، لكنه أحاله على مليء؛ بأن بشّره بالنبي الخاتم الذي أزف خروجه, وأعطاه أربع علامات ليتأكد بنفسه من أنه النبي الموعود، وقد وفق الله تعالى سلمان حتى أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم كذلك أصحمة النجاشي ملك الحبشة الذي كان موحدًا مسيحيًا مخلصاً، كما في قصة مهاجري الصحابة للحبشة وإقراره ما في سورة مريم ثم إسلامه، وغيرهم، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما بين حال الناس قبل بعثته الشريفة المباركة: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب» رواه مسلم.
(4) والأظهر أن هذه العبارة لا يقصدون بها بنوّة الولادة، إنما هي عبارة كانت شائعة عند بعض اليهود بمعنى الأتباع والاختصاص بالشيء ونحو ذلك، وهو ما يُلقي بظلال الشك على تفسر اللاهوتيين للعبارات المنسوبة للمسيح عليه السالم والتي يقول فيها: إنه ابن الله، إذ ربما ــ على فرض صحتها ــ أنه قد قصد ما ذكرنا، فهو من نسل داوود |, وقد بعثه الله تعالى لليهود لتقويم ديانتهم التي حرفوها.
(5) سيأتي الحديث عنها مفصلًا بمشيئة الله تعالى.
(6) علمًا بأنه ليس الوحيد الذي تشير إليه النصوص الإنجيلية بكونه أخًا للسيد أو أخًا للمسيح، بل هو واحد من مجموعة يطلق عليهم إخوة السيد بمعنى أنهم أقرب الناس إليه، فهي أخوة السبب لا النسب.
(7) لعل جيمس هذا هو كبير الحواريين أو في مرتبة عالية فيهم، وربما يكون هو بطرس عينه.
(8) كذا من الترجمة الإنجليزية، فإن صحّت فلعل المقصود أنها وحي الله.
(9) الأصول العقدية لجميع المرسلين واحدة، إنما الاختلاف في الشرائع.
(10) التي هي من قبيل تـخفيف الآصار التوراتية، قال تعالى على لسان المسيح لقومه: "ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم" [آل عمران: 50].
(11) هناك من يرى أن آريوس كان مؤلهًا للمسيح، وأن خلافه مع مجمع نيقية ونزاعه مع اثناسيوس كان من أجل قوله: إن المسيح مخلوق وقد أوكل الله إليه خلق السماوات والأرض. فإن صح هذا الزعم فهو ليس من الموحدين، ولكن بسبب احتدام النقاش معه في البداية, واشتهاره بمخالفة اثناسيوس وُصِمَ مخالفوا المجمع بالآريوسيين.
ومن المحققين من يرى أن هذه فرية مكذوبة عليه، وأنه كان موحدًا مخلصًا منافحًا عن دين المسيح الأصيل وهذا أقرب القولين وهو الظن به وبأتباعه، ولعل القول الأول ناتج عن قوة الإعلام المضاد لهذه الدعوة الحنيفية، ومما يستأنس به في هذا المقام ما خرجه الإمام البخاري ‘ في صحيحه في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر، وفيه: «فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين» (رواه البخاري). وقد فسرها بعض الشراح بأن المقصود بالأريسيين هم الطائفة الآريوسية التي لا زال لها بقية في مصر آنذاك، وهذا ما دعاهم للدخول في دين الله الإسلامي أفواجًا لموافقة التوحيد الذي عندهم للتوحيد الذي جاء به إمام الموحدين قاطبة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، ولما عندهم من البشارات ببعثته ورسالته.
(12) ظهرت آراء سوسنيان في عنفوان ثورة مارتن لوثر وكالفن على الكنيسة الكاثوليكية.
(13) وقد سبب هذا الاضطهاد تشويه تاريخهم وطمس الكثير من معالمه، فوقع خلط كبير بين الموحدين وبين الفرق الأخرى المنشقة عن الكنيسة الملكية الرومانية التي تسمى جميع المنشقين عنها «هراطقة» ومن ذلك نجد من لا يفرق بينهم وبين النسطورية أو اليعقوبية مع أن هاتين الطائفتين من المثلثة ولكن خالفوا الكنيسة الملكانية في وصف الحلول والاتحاد بين الخالق والمخلوق، مع ذلك فالكنيسة تتهمهما بالتوحيد لتخرجهم بذلك من العقائد المسيحية السائدة.
(14) وبقي بعضهم على مسيحيته بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام وهم على قسمين:
الأول: من بلغته الدعوة الإسلامية والبعثة المحمدية فلم يؤمن بمحمد رسولًا بل جحده، فهذا لا ينفعه توحيد؛ لأنه ناقضه بتكذيبه النبي القائل: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار» (رواه مسلم). وقال تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" [الأعراف: 158]، وقال تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" [آل عمران: 85]، وقال تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران: 19]، وقال تعالى: "فإن ءامنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" [البقرة: 137]، وقال النبي عليه صلوات الله وسلامه: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» (رواه البخاري).
الثاني: من لم تبلغه الدعوة الإسلامية، أو بلغته بصورة مشوهة جدًا من قبل الكنائس الحاقدة على الإسلام ورجالاتها الذين لا يألون جهداً بكيل التهم والأكاذيب ضده، فهذا قد يكون حاله كحال أهل الفترة الذين لم يبلغهم رسول.
(15) انظر: مقال الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي ــ شفاه الله تعالى ــ: الموحدون من النصارى، مجلة البيان، العدد 204.
(16) انظر: الكنيسة قبل الإسلام، سلفستر شولر، ج12.
(17) لاحظ وصفهم عند غالب مؤرخي أوروبا بالبرابرة، وقد كانت التسمية قديمة, وأول من أطلقها الرومان ضد غيرهم من الشعوب الأخرى من باب التعالي والتكبر، ولعل مغزى بعض المؤرخين من إطلاق تلك التسمية على الشعوب الموحدة المخالفة للكنيسة العامة هو من باب تجهيلهم وأنهم بعيدون عن العلم والمعرفة والأخذ بأسباب الحضارة المادية والروحانية، وانظر كيف تم التحول في مغزى لفظ البرابرة من الجنس إلى الدين، ومن أسباب ذلك نسبتهم لقبائل البربر التي كانت من الشعوب المسلمة المحاذية للشعوب المسيحية الموحدة بجامع التوحيد العام بينهما، ولا زالت كلمة (بربرية) مرادفة للهمجية في زماننا، وهذا خطأ تاريخي وجناية على شعب البربر المسلم المجاهد العظيم.
(18) الكنيسة قبل الإسلام، سلفستر شولر (3/ 81).
(19) ينظر: تراثنا الموحدي، إيرل مورس ويلبر، قصة الحضارة، ول ديورانت (29/190).
(20) انظر: مؤلفات سليمان الغزي (3/ 75).
(21) وهي: «لا يكون لك آلهة أخرى أمامي ولا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة» (الخروج 20: 3ــ 5).
(22) لاحظ أن الإمبراطورية الشرقية كانت أكثر تأثرًا بالإسلام لقربها من داره.
(23) عن طريق عدة أمور، ومنها: مراكز الحضارة الإسلامية في جنوب أوروبا، والحروب الصليبية، والعامل التجاري وغيرها. وقد كان للعلوم الإسلامية أكبر الأثر في إيقاظ أوروبا من رقدتها الطويلة بسبب الكابوس الكنسي الكهنوتي الجاثم على عقولها وقلوبها، ولما أرادت أوروبا اللحاق بركب الحضارات العالمية ــ في وقتها ــ وكانت الحضارة الإسلامية متربعة على عرشها بلا منازع، أرسلت أوروبا أبناءها ليدرسوا في بلاد المسلمين, ولما عاد هؤلاء الطلاب المبتعثون إلى بلادهم كان لهم أثر كبير في صناعة نقلة علمية حضارية أوروبية بمنهج إسلامي علمي، فتعلموا في الأندلس وشمال أفريقيا وصقلية والشرق الطب والهندسة والجبر والرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء على أيدي الأساتذة المسلمين فتأثروا بروح الإسلام، فجن جنون الكنيسة من تأثير الإسلام الزاحف على أوروبا مع حركة العلم فقامت تضع السدود بين الناس وبين هذا الدين ذي الجاذبية للقلوب والعقول، فكلفت كتابها أن يكتبوا ضد الإسلام وأن يحذروا منه ويشوهوا صورته وصورة نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه، لمقاومة ذلك الغزو الفكري الإسلامي لأوروبا، مع ذلك فقد بقي الانبهار بهذا الدين المتكامل وبجماله وبهائه.
قال الفارو ــ وهو مسيحي أسباني ـ: «يطرب إخواني المسيحيون لأشعار العرب وقصصهم، فهم يدرسون كتب الفقهاء والفلاسفة المحمديين لا لتنفيذها بل للحصول على أسلوب عربي صحيح رشيد. فأين تجد اليوم علمانيًا يقرأ التعليقات اللاتينية على الكتب المقدسة؟... فهم يقرؤون كتب العرب بلهفة وشوق, ويجمعون منها مكتبات كاملة تكلفهم نفقات باهظة ويترنمون في كل مكان بمدح تراث العرب، في حين يزدرون كتب المسيحية ويقولون: إنها غير جديرة باحترامهم» علمًا بأن الكاتب قد عاش في القرن التاسع الميلادي لكنه نموذج للسائد حينها وبعدها.
حضارة الإسلام، فون جرونيبام، ص81، 82، عن: مذاهب فكرية، محمد قطب، ص48، 49، وقال روجر لبكون: «من أراد أن يتعلم العلم فليتعلم العربية فإنها لغة العلم» السامية ص214.
(24) تشهد على ذلك مأساة سرفت التي تعد عند مؤرخي الفكر الغربي وصمة عار في جبين الإصلاحيين عامة، وكالفن خاصة، الذي حكم على سرفت بأن يحرق حيًا على نار هادئة بطيئة، عقوبة له على إنكار التثليث سنة (1553م)!
إضافة إلى نبز مارتن لوثر لسرفت بأنه مراكشي (نسبة إلى مراكش وهي المغرب «موروكو») وهذا دليل على أن سبب الضغينة هو تأثر سرفت بالإسلام أكثر من كونه كافرًا بالتثليث.
فعلوا بسرفت هذا لتأليفه كتابه (خطأ التثليث) وشبه الرب الذي تعبده المثلثة بالصنم الخرافي الوثني سربيروس الذي كان أتباعه يعتقدون أن له ثلاثة رؤوس، وبعد حرق سرفت بعد ربط كتابه به هرب الموحدون إلى بولندا وهولندا ورومانيا ــ إقليم ترانسلفانيا ــ حيث كان الملك الموحد جون سيجموند. وقد كان الوجود التوحيدي في شرق أوروبا ظاهراً, ومن ذلك إسلام ملك البلغار الذي أسلم وراسل الخليفة العباسي المقتدر ليرسل من يفقهه في الدين فأرسل له الرحالة المشهور ابن فضلان سنة (301للهجرة الموافق 922م) وقد دوّن ابن فضلان تفاصيل رحلته في كتاب صار اليوم عمدة في تأريخ تلك الحقبة من تلك البقاع.
(25) يسمى عصر الثورة العامة على المعتقدات الدينية المسيحية عصر التنوير، وهو يشمل المرحلة ما بين اشتداد الحروب الدينية في أوروبا وبين ظهور الثورتين الأمريكية والفرنسية، أي أن القرن الثامن عشر الميلادي ــ تقريبًا ــ هو عصر التنوير الذي أحدث في الفكر العالمي عامة والغربي خاصة زلزالًا مدويًا لا زالت توابعه حتى الآن، وقد خلف آثارًا عظيمة في السياسة والاجتماع والأدب والفن، بيد أن أعظم آثاره تجلى في الصراع بين الكنيسة والعقل.
انظر: العلمانية، د. الحوالي.
(26) انظر: الزنديق الأعظم، جاي ديس.
(27) ومن هنا اختلط الأمر على الباحثين، وصعب التفريق بين منكر الدين كله ــ أي من ينكر وجود الله ــ وبين من ينكر العقائد الخرافية للكنائس المسيحية ــ لاسيما خرافة التثليث وتأليه البشر ــ لكنه يؤمن بالوحي والكتاب المقدس، وهناك من يقف بين ذينك الطرفين. فمثلًا تدعي الموحدة أن جون لوك وإسحاق نيوتن وشارل ديكنز وروسو وداروين من أتباعها، وغيرهم لا يسلّم لها بذلك، بل يجعلهم ربوبيين، وهم الذين يؤمنون بالله ربًا ولا يؤمنون به إلهًا معبودًا، أي يؤمنون بتوحيد الربوبية وينكرون الألوهية، وفريق ثالث يصنفهم من اللاأدريين أو الطبائعيين أو الملاحدة... إلخ.
(28) أما مفكري الإسلام فليسوا بحاجة إلى أدبيات ذلك العصر للفرق الجوهري بين الديانة المسيحية المبدلة المليئة بالخرافة ومناقضة العقول، وبين الديانة الإسلامية التي تحفز العقل وتحثه على مزيد من التقدم والغور في المنطقيات والطبائعيات.
(29) د. الحوالي، في مقاله السابق.
(30) حيث قرر أعضاؤها حذف الألفاظ الدالة على التثليث في الصلوات.
(31) كما حذف ما يدل على المعجزات ــ ويلاحظ أثر فكر عصر التنوير ــ وبسب أن جيفرسن لم يكن ينتمي إلى أي كنيسة فقد عدّه بعض الباحثين من الفلاسفة المتدينين! ونحن سنتسامح في هذا الشرط عند ذكر رؤساء أمريكا الموحدين بعد قليل، فالموحد هنا هو من ينتمي إلى المسيحية بلا تثليث، وإن لم ينتم إلى كنيسة معينة، مع ملاحظة أن غالب مبحثنا في الكنيسة الموحدية الأمريكية وبعض الأوروبية منقول بتصرف يسير عن مقال الدكتور سفر الحوالي: الموحدون من النصارى، مجلة البيان، 204.
(32) وهو الرئيس الكاثوليكي الوحيد للولايات المتحدة. والجدير بالذكر أن الرواد المؤسسين لأمريكا قد اتفقوا على نفي أن تكون الدولة مسيحية رسميًا، ورد ذلك في وثائق رسمية منها المعاهدة بين حكومة الولايات المتحدة وولاية طرابلس (ليبيا) سنة (1218للهجرة) المادة (12): «أن أمريكا ليست دولة نصرانية، ومن ثم فليس بينها وبين أي دولة محمدية علاقة عداء».
(33) فيمكن القول بأن الغالبية في أمريكا تنكر التثليث وتأليه المسيح عليه السلام، مع ذلك فالكنيسة الموحدية قد تقلصت، بل انتكست، مع أن تقديراتها تقول إن لها زهاء ألف معبد ينتمي إليها قرابة (160.000) عضو، وقد انحرف كثير من أتباعها انحرافًا خطيرًا، وذلك أن الغليان الفكري والاجتماعي في أمريكا لدى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية أدى إلى ظهور موجة من التحلل والتفسخ والانقسامات الدينية الحادة، والحركات المتطرفة، وشمل ذلك الكنيسة الموحدة التي تحولت تحولًا كبيرًا إلى الاتجاه الليبرالي (التحرري) واتـخذت خطوة بعيدة وخطيرة بتوحدها مع كنيسة الخلاص للجميع (اليونيفرسالية) وهي كنيسة تدعي التوحيد وقد أسست سنة (1793م) وهي لا تؤمن بالتثليث، لكنها تؤمن بعقيدة الخلاص للجميع، ثم تطور الأمر إلى إقرار عام لجميع الأديان والأفكار، ثم اندمجت الكنيستين سنة (1961م) ومن ثم بدأت مسيرة الذوبان مع كنائس كثيرة في بوتقة الليبرالية الحديثة، التي تشمل تنوعًا مدهشاً من العقائد الشرقية والغربية، وتعطي برهانًا ساطعًا على حاجة هذه الأمة الأمريكية للدين الصحيح، وتلقي على كاهل المسلمين واجبًا عظيمًا في إنقاذ هؤلاء الحيارى في مجتمع يظل ــ بغض النظر عن حكوماته ــ من أكثر مجتمعات العالم تقبلًا للإسلام، وإقبالًا على التعرف عليه، ومما يؤكد ذلك أن الاتجاه المقابل لهذا الاتجاه الليبرالي هو الاتجاه الأصولي الصهيوني آخذٌ في التقهقر أمامه، إنها لمفارقة عجيبة أن تؤسس أمريكا لتكون دولة تنويرية توحيدية وينتهي بها الأمر لتكون إنجيلية صهيونية صليبية!.
الموحدون من النصارى، د. الحوالي، مقال في مجلة البيان.
(34) وقد تقدم بيان ذلك.
(35)وانظر للمزيد: طائفة الموحدين من المسيحيين عبر القرون، أحمد عبد الوهاب، المسيحية، أحمد شلبي، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، رؤوف شلبي، تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، عقائد النصارى الموحدين بين الإسلام والمسيحية، حسني الأطير، موسوعة الأنبا غريجوريس، المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح، علاء أبو بكر، الله جل جلاله واحد أم ثلاثة، د. منقذ السقار.