حكم التسبيح في الدعاء
محمد فنخور العبدلي
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
المقــــدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران 102) ، وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ( النساء 1) ، وقال تعالى ( يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) ( الأحزاب 70 , 71 ) أما بعد
عندما يدخل رمضان وتبدأ المساجد تعج بالمصلين الذين يصلون التراويح أو القيام ، والدعاء المصاحب لهما ، ومن ضمن الأدعية ( إنك تقضي ولا يقضى عليك ، تبارك ربنا وتعاليت ) ونحوها مما لا يؤمن عليه ، فتظهر إشكالية قولنا ( سبحانك أو سبحان الله ) بين ملتزم بها وتارك لها ، وبين مجيز لها ومانع ، فأردت بهذا البحث اللطيف أن أجمع ما تيسر حول جواز قولنا ( سبحانك ) .
الحــــــكم
اختلف العلماء حول التسبيح في الدعاء والثناء على الله على أقوال هي :
القـــــول الأول
يقول سبحانك أو سبحانه تنزيها وتقديسا لله
يقول الشيخ محمد صالح المنجد : سألت شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله عن التسبيح في دعاء القنوت إذا مرّ بموضع فيه تعظيم الله تعالى ، ما دليله ؟ فقال : يؤخذ من حديث إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ ، في رواية حذيفة لقيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل ، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله جلسات رمضانية 1415 هـ : فإذا ورد ثناء على الله عز وجل في قنوت الوتر وقال المأموم : سبحانك : فلا بأس ، وقال الشيخ الدكتور صالح الفوزان حفظه الله : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
يُذكر أن بعض الإخوة الأفاضل من المشايخ يستنكر قول المأمومين : ( سبحانك ) إذا قال الإمام في دعاء القنوت : ( إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ) فيما رواه الحسن بن علي رضي الله عنه مما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من دعاء القنوت .
يقول هؤلاء الإخوة إن قول سبحانك بعد كل جملة معناه تنزيه الله عما جاء فيها - هكذا بلغني عنهم - وأقول ليس لهذا الاستنكار وجه لأمرين :
الأمر الأول : أن قول سبحانك ثناء على الله والله تعالى أمر بتسبيحه فقال ( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) [الأحزاب 42 ] ، وقال ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) [ الروم 17] ، فالتسبيح من أنواع الذكر لله فالمأموم إذا قاله إنما يذكر الله به حينما يثني الإمام بهذه الألفاظ على الله سبحانه فهو ذكر ابتدائي ليس تنزيها لله عما قاله الإمام .
الأمر الثاني : وحتى لو قلنا إنه تنزيه لله فإنه يعود إلى تنزيه الله عن ضد ما قاله الإمام ، فإذا قال ( لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت ) فمعناه تنزيه الله عن أن يذل من والاه أو يعز من عاداه ، وكذلك في قوله ( إنك تقضي ولا يُقضى عليك ) فإن التسبيح معناه تنزيه الله من أن يقضى عليه فينبغي التنبيه لذلك وعدم التسرع في الإنكار قبل التثبت ، وفق الله الجميع ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : وعند الثناء على الله سبحانه يكفيه السكوت وإن قال سبحانك أو سبحانه فلا بأس ، وفي فتوى للجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله : يؤمن المأموم على دعاء الإمام ، ويثني على الله ويسبحه إذا أثنى إمامه على الله أو ينصت ، وقال فضيلة الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي : الأمر في هذا واسع إن شاء الله ، وإن سبح فهو حسن فقد جاء عن حذيفة رضي الله عنه لما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل قال : وإذا مر بآية تسبيح سبح رواه مسلم ومثل هذا الثناء فيه تسبيح لله والله أعلم .
القـــــول الثاني
يســــكت ولا يقـــول شيــــئا
إذا قلت سبحانك ( بعد جمل الثناء ) فإنك تنزه الله تعالى عن صفات الكمال ، فينبغي أن تسكت ليكون ذلك إقرارا ، فقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : وعند الثناء على الله سبحانه يكفيه السكوت وإن قال سبحانك أو سبحانه فلا بأس ، ويقول الشيخ عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء حفظه الله : تسكت ولا تقول سبحانك لأنها من التنزيه وأستدل بقوله تعالى ( وقالوا أتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون ) ، ويقول الشيخ صالح المغامسي حفظه الله : الأمام إذا أثنى على الله في دعاء القنوت ... أما قول يا الله أو سبحانك فلا أعلم ما يدل عليه في مثل هذا الموضع وإنما يقوله بعض العوام اجتهادا منهم ، وقال الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد : لا أعلم دليلا على مشروعة التسبيح أو غيره إذا ذكر الإمام شيئا من أسماء الله تعالى أو صفاته في دعاء القنوت ، والذي ورد إنما هو عند قراءة القرآن في صلاة الليل ، وفي موقع الإسلام سؤال وجواب : وردت السنة بأن الإمام إذا قنت في الصلاة فإن المأمومين يؤمنون على دعائه ، فيقولون : آمين ، وأما عند الثناء على الله فإن الأفضل هو سكوتهم اكتفاء بثناء الإمام على الله ، وأما قول بعض المأمومين : نشهد ويا الله ونحو ذلك ، فهذا لا أصل له .
القـــــول الثالث
يــــكرر الثنــــاء ولــــكن ســـراً
وحجتهم : أنه ثناء وذكر لا يليق فيه التأمين
الخـلاصــــــــة
قال الشيخ الدكتور عمر بن عبد الله المقبل
فالأمر في هذا واسع ، وإن كان ظاهر القرآن يدل على أن الداعي يؤمن في كل الأحوال ، لأن الله تعالى سمى تسبيحه والثناء عليه دعاءً ، كما في قوله تعالى ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، فتأمل كيف سمى الله تسبيحهم ، وقولهم : الحمد لله رب العالمين دعاء ، وكذلك في قول يونس عليه الصلاة والسلام ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين ) ، ولا ينبغي التشديد في مثل هذه المسائل ، فمن ظهر له الأمر ، وأنه أقرب للأدلة فليفعله ، وإلا فلا ، ولا يثرب على غيره .
---------------------------------------------
* الحقوق محفوظة للمؤلف
ولكن يجوز لكل مسلم الاستفادة من البحث بشروط هي
الإشارة للبحث عند الاستفادة منه
الدعاء لوالدّي وأخي وزوجته بالمغفرة والرحمة
الدعاء لأسرتي بالصلاح والتوفيق والسداد
الدعاء لأبني بحفظ كتاب الله
نشر البحث على أوسع نطاق ممكن للاستفادة منه
قال الشاعر
كتاب قد حوى دررا ،،،،، بعين الحسن ملحوظة
لـذا قد قلت تنبيــها ،،،،، حقوق الطبع محفوظة