إشارات في التعامل مع ( الخوارج )
ماجد بن محمد العسكر
@majed149
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
هذه إشارات في التعامل مع " الخوارج " حرصتُ على توثيقها بما وقفتُ عليه من النصوص والآثار .. أسأل الله أن ينفع بها ..
تعريف الخوارج
الخوارج هم : الطائفة الذين يخرجون على كل مَن لم يوافقهم مِن الأئمة ، عدولاً كانوا أم جائرين .
وقد كان أول خروجهم في وقت حَدَثَت فيه فرقة بين المسلمين، وقد أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " تمرق مارقة عند فُرقة مِن المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق " . رواه مسلم .
وقد تحقق ذلك في زمن الفرقة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما .
صفات الخوارج
للخوارج صفات جاءت بها النصوص ، وأسهب في الحديث عنها العلماء .
هذه الصفات ينبغي التحقق مِن وجودها ؛ فإنه ربما بَلَغ أحدَنا حديثٌ أو وصفٌ لفلانٍ مِن الناس فيتعجل في إسقاط الحكم عليه ، ولو أنه تأنى وتثبَّت لربما ظهر له خلاف ما بلغه .
قال مسروق : سألتني عائشة رضي الله عنها: « هل أبصرتَ أنت الرجل الذي يذكرون ذا الثدية ؟ » قال: قلت : لَم أره، ولكن قد شهد عندي مَن قد رآه. فقالت : « فإذا قدمتَ الأرض فاكتب إليَّ بشهادة نفرٍ قد رأوه أمناء » . قال : فجئتُ والناس أشياع ، فكلَّمتُ مِن كُلٍّ سبعَ عشرةَ مِن مَن قد رآه ، قال: فقلت: كل هؤلاء عَدْلٌ رِضى . فقالت: « قاتل الله فلاناً ، فإنه كتب إليَّ أنه أصابه بمصر » [1] .
فإذا كان هذا قد وقع في زمن الصحابة فكيف بزماننا هذا الذي انتشرت فيه الشائعات والأكاذيب ؟!
- وهذه جملةٌ مِن صفات الخوارج :
1 – أنهم يرون الحجةَ في القرآن ، وأما السنة فإنها إن لَم توافق أهواءهم دفعوها إما بالرد أو بالتأويل .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل ، فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل ؟! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ... " الحديث . [2]
قال شيخ الإسلام : " فقوله: " فإنك لم تعدل " [3] جَعْلٌ مِنه لِفعل النبي صلى الله عليه وسلم سَفَهَاً وتَرْكَ عَدلٍ . وقوله: " اعدل " أَمْرٌ له بما اعتقده هو حَسَنة مِن القسمة التي لا تصلح . وهذا الوصف تشترك فيه البدع المخالفة للسُّنَّة فقائلها لا بد أن يثبت ما نفته السُّنَّة وينفي ما أثبتته السُّنَّة ويُحَسِّن ما قَبَّحَته السُّنَّة أو يُقَبِّحُ ما حَسَّنَتْ السُّنَّة وإلا لم يكن بدعة . وهذا القَدْر قد يقع مِن بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل؛ لكن أهل البدع يخالفون السُّنَّة الظاهرة المعلومة . والخوارج جَوَّزُوا على الرسول نفسه أن يَجُور ويَضِلَّ في سُنَّتِهِ ولم يُوجبوا طاعته ومتابعته وإنما صَدَّقُوه فيما بَلَّغَهُ من القرآن دون ما شرعه من السُّنَّة التي تخالف - بزعمهم - ظاهر القرآن. وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا؛ فإنهم يرون أن الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه كما يحكى عن عمرو بن عبيد في حديث الصادق المصدوق ، وإنما يدفعون عن نفوسهم الحجة: إما برد النقل؛ وإما بتأويل المنقول. فيطعنون تارة في الإسناد وتارة في المتن. وإلا فهم ليسوا متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السُّنَّة التي جاء بها الرسول بل ولا بحقيقة القرآن " [4] .
2 – ضعف فهمهم لأحكام الشريعة ونصوصها .
وهذا الوصف نتيجة لِما قبله .
ويشهد لهذه الصفة حديث أبي سعيد المتقدم ، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن أصحاب ذي الخويصرة : " يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ... " .
قال النووي : " ليس حظهم مِن القرآن إلا مروره على اللسان فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم " [5] .
وعن أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن ... يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء... " [6] .
وقد شَهِد أهل العلم على غفلتهم وعدم فهمهم فقد جاء عن أبي مسلم الخولاني أنه قال للوفد الذين قدِموا من قتل عثمان : أما مررتم ببلاد ثمود ؟ قالوا: نعم. قال: أشهد أنكم مثلهم، لَخليفة الله أكرم عليه من ناقته [7] .
قال ابن عبدالبر : " كان خروجهم فيما زعموا تغيير للمنكر ورد الباطل فكان ما جاؤوا به أعظم المنكر وأشد الباطل ... وكان للقوم صلاة بالليل والنهار وصيام يَحتقر الناس أعمالهم عندها ، وكانوا يتلون القرآن آناء الليل والنهار ولم يكن يتجاوز حناجرهم ولا تراقيهم ؛ لأنهم كانوا يتأولونه بغير علم بالسنة المبينة ، فكانوا قد حُرِموا فهمه والأجر على تلاوته ، فهذا والله أعلم معنى قوله : " لا يجاوز حناجرهم " يقول : لا ينتفعون بقراءته كما لا ينتفع الآكل والشارب من المأكول والمشروب بما لا يجاوز حنجرته " [8] .
قال شيخ الإسلام : " بدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن . لم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب " [9] .
3 – شدة اجتهادهم في العبادة .
ومما يدل على وجود هذه الصفة فيهم حديث أبي سعيد المتقدم ، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن ذي الخويصرة : " فإنَّ لهُ أصحاباً يَحْقِرُ أحدكم صلاتَهُ مع صلاتهم ، وصيامَهُ مع صيامِهم ... " .
وفي حديث ابن مسعود إشارة إلى عبادتهم ، فقد جاءه أبو موسى الأشعري – رضي الله عنهما – يخبره عن قومٍ رآهم في المسجد حِلَقاً جلوساً ينتظرون الصلاة ، وفي أيديهم حصا، وعندهم مَن يأمرهم بأن يكبروا مائة، فيكبرون مائة، ويهللوا مائة، فيهللون مائة، ويسبحوا مائة، فيسبحون مائة . [10]
وقد نَقل ابن عباس ما يدل على ذلك ؛ فحين ذهب ليتحدث إلى الخوارج قال عنهم : " فإذا هم مسهمة وجوههم من السهر، قد أَثَّرَ السجود في جباههم " [11] .
- وهذه الصفة ما أحسنها لو كان الدليل رائد أهلها ، أما والخوارج مضطربون في أدلتهم وطريقة استدلالهم – كما تقدم – فإنها لا تكون حينئذ دليلاً كافياً على صحة المنهج .
قال محمد بن الحسين الآجري : " لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، نعم , ويُظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يَهوون، ويموهون على المسلمين ... " [12] .
وقال أيضاً : " فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلاً كان الإمام أو جائراً ، فخرج وجمع جماعة وسَلَّ سيفه ، واستحل قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه، ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قلته أخبار لا يدفعها كثير من علماء المسلمين، بل لعله لا يختلف في العلم بها جميع أئمة المسلمين " [13] .
4 – أنهم يَغلون ويتعمقون بما يجعلهم يمرقون مِن الدين .
ويشهد لهذه الصفة حديث أبي سعيد المتقدم ، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن أصحاب ذي الخويصرة : " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم ... " .
فكما أنه لم يتعلق بآلته شيء من الدسم والدم فكذلك هؤلاء لم يتعلقوا بشيء من الإسلام !
قال ابن هبيرة : " هؤلاء إنما أُتُوا مِن الغلو في الدين، وكونهم جفت طباعهم حتى ظنوا أن الدين كله إهانة النفوس للقتل، وأكل الجشب، ولبس الخشن وغير ذلك، فرأوا الصبر على القتل ظانين أن ذلك مما يقربهم عند الله عز وجل، وكان ذلك غلطاً منهم، وسوء تدبير؛ فإن الحق هو ما شرعه الله عز وجل في الحنيفية السمحة السهلة، وأن يكونوا أشداء على الكفار، رحماء بينهم " [14] .
قال شيخ الإسلام : " فهؤلاء أصل ضلالهم: اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون ، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم . ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفراً. ثم يرتبون على الكفر أحكاماً ابتدعوها. فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم. في كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام حتى مرقوا منه كما مرق السهم من الرمية " . [15]
5 – أنهم يخرجون على حين فرقة بين الناس .
ويشهد لهذه الصفة حديث أبي سعيد المتقدم ، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن أصحاب ذي الخويصرة : " ... ويخرجون على حين فرقة من الناس " .
قال ابن عبدالبر : " وهم بحمد الله مع الجماعة مستترون بسوء مذهبهم غير مظهرين لذلك ولا ظاهرين به والحمد لله "[16] .
6 – أنهم حربٌ على المسلمين سِلمٌ على الكافرين !
فعن أبي سعيد قال : قال رسول الله عليه وسلم في شأن الذي اعترض على قسمته : " إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان " .[17]
عن عون بن عبد الله، قال: بعثني عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الخوارج أكلمهم ، فقلت لهم : هل تدرون ما علامتكم في وليكم التي إذا لقيكم بها أمِن بها عندكم وكان بها وليكم ، وما علامتكم في عدوكم التي إذا لقيكم بها خاف بها عندكم وكان بها عدوكم ؟ قالوا : ما ندري ما تقول . قلت: فإن علامتكم عند وليكم التي إذا لقيكم بها أمِن بها عندكم وكان بها وليكم أن يقول: أنا نصراني ! أو يهودي ! أو مجوسي ! وعلامتكم عند عدوكم التي إذا لقيكم بها خاف بها عندكم وكان بها عدوكم أن يقول : أنا مسلم ! [18] .
وحربهم على المسلمين نتيجة لتكفيرهم مَن سواهم !
قال شيخ الإسلام : " يكفرون بالذنوب والسيئات. ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم وأن دار الإسلام دار حرب ودارهم هي دار الإيمان " [19] .
7 – التحليق .
فقد جاء في حديث أبي داود المتقدم : " قالوا: يا رسول الله ، ما سيماهم ؟ قال: " التحليق " .
قال القرطبي : " قوله : " سيماهم التحليق " أي : جعلوا ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا وشعاراً ليُعرفوا به . وهذا منهم جهل بما يزهد ومالا يزهد فيه ، وابتداع منهم في دين الله شيئاً كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون وأتباعهم على خلافه " .
ولا يلزم أن يكون الحلق سِمة للخوارج في كل زمان ، فإنَّ عادات الناس تختلف .
- وقد جاءت نصوص أخرى تبين قبح صفتهم وشناعة طريقتهم ، ومنها :
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم : " شر الخلق والخليقة " . [20]
وقال صلى الله عليه وسلم : " شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء ، وخير قتيل من قَتلوا ، كلاب أهل النار ، قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً " [21] .
قال سعد بن أبي وقاص : " الحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه " وكان يسميهم الفاسقين . [22]
وقال أيضاً : الحرورية قومٌ زاغوا فأزاغ الله قلوبهم [23] .
وقال أبو هريرة : " أولئك شرار الخلق " . [24]
وقال عبدالله بن عمرو : " أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " [25] .
حال الخوارج لو تمكنوا
قال وهب بن منبه : ولو مَكَّنَ الله لهم من رأيهم، لفسدت الأرض، وقطعت السبل والحج، ولعاد أمر الإسلام جاهلية، وإذا لقام جماعةٌ كلٌ منهم يدعو إلى نفسه الخلافة، مع كل واحد منهم أكثر من عشرة آلاف، يقاتل بعضهم بعضا، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر، حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله، لا يدري مع من يكون[26] .
وهذا أمرٌ يشهد له التاريخ قديماً وحديثاً .
عن حميد بن هلال عن عبادة بن قرط الليثي، أنه قال للخوارج حين أخذوه بالأهواز : ارضوا مني بما رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلمت. قالوا: وما رضي به منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أتيته فشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقبل ذلك مني .
قال: فأبوا، فقتلوه [27] .
قال رجل من عبد القيس كان مع الخوارج ثم فارقهم، قال: دخلوا قرية، فخرج عبد الله بن خباب، ذعرا يجر رداءه، فقالوا: لم ترع؟ قال: والله لقد رعتموني. قالوا: أنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فهل سمعت من أبيك، حديثا يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثناه ؟ قال: نعم، سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قال: " فإن أدركت ذاك، فكن عبد الله المقتول، قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال، ولا تكن عبد الله القاتل ". قالوا: أنت سمعت هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فقدموه على ضفة النهر، فضربوا عنقه فسال دمه كأنه شراك نعل مَا ابْذَقَرَّ ، وبقروا أم ولده عما في بطنها [28] .
وقد كان مما قاله عمر بن عبدالعزيز لطائفة منهم أثناء دحضه لشبههم :
" فأخبروني عن عبد الله بن وهب الراسبي حين خرج من البصرة هو وأصحابه يريدون أصحابكم بالكوفة فمَرُّوا بعبد الله بن خباب فقتلوه ، وبقروا بطن جاريته ، ثم عدوا على قوم مِن بني قطيعة فقتلوا الرجال ، وأخذوا الأموال ، وغلوا الأطفال في المراجل ... " ! [29]
هل خَرَج الخوارج عن دين الإسلام ؟
الخوارج وإن كانوا فرقة ضالة مضلة إلا أنهم معدودون مِن المسلمين .
سئل علي عن أهل النهروان : أمشركون هم ؟ فقال: «من الشرك فروا»، قيل: منافقون هم ؟ قال: «إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا»، قيل: فما هم ؟ قال: «إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم» [30] .
ومِن أجل ذلك لم يستحل علي قتالهم حتى وقع القتل منهم .
قال ابن عباس رضي الله عنه : لما اجتمعت الحرورية يخرجون على علي - رضي الله عنه - جعل يأتيه الرجل يقول: يا أمير المؤمنين القوم خارجون عليك . فكان يقول : دعهم حتى يخرجوا [31] .
وعن حميد بن هلال العدوي , قال: لم يستحل علي قتال الحرورية حتى قتلوا ابن خباب [32] .
قال شيخ الإسلام : " والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين. واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار. ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم " [33].
وقال : " فكلام علي وغيره في الخوارج يقتضي أنهم ليسوا كفارا كالمرتدين عن أصل الإسلام وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره " [34] .
الواجب إذا خرج الخوارج
ينبغي أن يُبدَأ الخوارج بالحوار والاستتابة لعل الله أن يُمَنَّ عليهم بالرجوع إلى طريق الصواب .
ومما يشهد لجدوى ذلك :
أن عمر – رضي الله عنه – لما سمِع صبيغ بن عسل يسأل عن متشابه القرآن ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد ضَرَبَه ونفاه ، فلما خرجت الحرورية بعد ذلك قالوا لصبيغ: إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا . فقال: هيهات، نفعني الله بموعظة الرجل الصالح !
قال ابن بطة : وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على وجهه أو رجليه أو على عقبيه، ولقد صار صبيغ لمن بعده مثلاً، وتردعة لمن نقر وألحف في السؤال . [35]
وقال يزيد الفقير : كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم، جالس إلى سارية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} و {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} ، فما هذا الذي تقولون؟ قال: فقال: «أتقرأ القرآن؟» قلت: نعم، قال: «فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام - يعني الذي يبعثه الله فيه -؟» قلت: نعم، قال: «فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج»، قال: ثم نعت وضع الصراط، ومر الناس عليه، - قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك - قال: غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها، قال: - يعني - فيخرجون كأنهم عيدان السماسم، قال: «فيدخلون نهرا من أنهار الجنة، فيغتسلون فيه، فيخرجون كأنهم القراطيس»، فرجعنا قلنا: ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد، أو كما قال . [36]
قال القاضي عياض : يعنى: أن الله نفعهم بما حدثهم به جابر، وصرفهم عن الخروج مع الخوارج، لما كان خامرهم من محبة رأيهم. [37]
وعن سَالم بن ربيعة ، قال: إني جالس عِنْدَ المغيرة بن شعبة حين أتاه معقل بن قيس يسلم عَلَيْهِ ويودعه، فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَة: يَا معقل بن قيس، إني قَدْ بعثت معك فرسان أهل المصر، أمرت بهم فانتخبوا انتخابا، فسر إِلَى هَذِهِ العصابة المارقة الذين فارقوا جماعتنا، وشهدوا عليها بالكفر، فادعهم إِلَى التوبة، وإلى الدخول فِي الجماعة، فإن فعلوا فاقبل مِنْهُمْ، واكفف عَنْهُمْ ... [38]
وقد كان لابن عباس مجلس طويل عَقَدَهُ مع مَن خرج مِن الخوارج على علي – رضي الله عنه – كانت نتيجته رجوع ألفين مِن الخوارج عن ضلالهم . [39]
ثم إنَّ الخوارج خرجوا في زمن عمر بن عبدالعزيز في أكثر من مكان فكان لا ينفك عن حوارهم والجلوس معهم .
عن هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه، قال: خَرَجَتْ عليَّ الحروريةُ بالموصل فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز بمخرجهم، فكتب إليَّ يأمرني بالكف عنهم وأن أدعو رجالاً منهم فأجعلهم على مراكب من البريد حتى يقدموا على عمر فيجادلهم فإن يكونوا على الحق اتبعهم وإن يكن عمر على الحق اتبعوه، وأمرني أن أرتهن منهم رجالاً وأن أعطيهم رهناً يكون في أيديهم حتى تنقضي الأمور، وأجلهم في سيرهم ومقامهم ثلاثة أشهر، فلما قدموا على عمر أمر بنزولهم ثم أدخلهم عليه فجادلهم حتى إذا لم يجد لهم حجة رجعت طائفة منهم ونزعوا عن رأيهم وأجابوا عمر . وقالت طائفة منهم: لسنا نجيبك حتى تُكَفِّر أهل بيتك وتلعنهم وتبرأ منهم . فقال عمر : إنه لا يسعكم فيما خرجتم له إلا الصدق، أعلموني هل تبرأتم من فرعون ولعنتموه أو ذكرتموه في شيء من أموركم؟ قالوا: لا، قال: فكيف وسعكم تركه، ولم يصف الله عز وجل عبداً بأخبث من صفته إياه، ولا يسعني ترك أهل بيتي ومنهم المحسن والمسيء والمخطئ والمصيب . [40]
وعن هشام بن يحيى الغسابي عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه في الخوارج : إنْ كان مِن رأي القوم أن يسيحوا في الأرض من غير فساد على الأئمة ، ولا على أحد من أهل الذمة ، ولا يتناولون أحداً ، ولا قطع سبيل من سبل المسلمين ، فليذهبوا حيث شاؤوا ، وإنْ كان رأيهم القتال فوالله لو أن أبكاري مِن ولدي خرجوا رغبة عن جماعة المسلمين لأرقت دماءهم ألتمس بذلك وجه الله والدار الآخرة . [41]
وعن محمد بن سليم أحد بني ربيعة بن حنظلة بن عدي قال: بعثني وعونَ بن عبد الله عمرُ بن عبد العزيز، إلى خوارج خرجت بالجزيرة فذكر الخبر في مناظرة عمر الخوارج، وفيه قالوا: خالفت أهل بيتك وسميتهم الظلمة، فإما أن يكونوا على الحق أو يكونوا على الباطل، فإن زعمت أنك على الحق وهم على الباطل فالعنهم وتبرأ منهم، فإن فعلت فنحن منك وأنت منا، وإن لم تفعل فلست منا ولسنا منك، فقال عمر: " إني قد علمت أنكم لم تتركوا الأهل والعشائر وتعرضتم للقتل والقتال إلا وأنتم ترون أنكم مصيبون، ولكنكم أخطأتم وضللتم وتركتم الحق، أخبروني ... [42]
ولما ظَهر الخوارج على الكوفة أخذوا أبا حنيفة فقالوا: تُب يا شيخ من الكفر . فقال : أنا تائب إلى الله من كل كفر . فخلوا عنه . فلما ولى قيل لهم: إنه تاب من الكفر، وإنما يعني به ما أنتم عليه فاسترجعوه. فقال رأسهم: يا شيخ إنما تبت من الكفر، وتعني به ما نحن عليه ؟ فقال أبو حنيفة: أبظنٍ تقول هذا أم بعلم ؟ فقال: بل بظن. فقال أبو حنيفة: إن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} وهذه خطيئة منك، وكل خطيئة عندك كفر، فتب أنت أولا من الكفر. فقال: صدقت يا شيخ أنا تائب من الكفر ! [43]
وجاؤؤه مرة أخرى ليناظروه لما علموا أنه لا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ، فقالوا: هاتان جنازتان على باب المسجد ، أما إحداهما فلرجل شرب الخمر حتى كظته وحشرج بها فمات غرقاً في الخمر، والأخرى امرأة زنت حتى إذا أيقنت بالحمل قتلت نفسها . فقال لهم أبو حنيفة: مِن أي الملل كانا؟ أمِن اليهود؟ قالوا: لا، أفمِن النصارى؟ قالوا: لا، قال: أفمِن المجوس؟ قالوا: لا، قال: مِن أي الملل كانا؟ قالوا: مِن الملة التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال: فأخبروني عن الشهادة كم هي من الإيمان؟ ثلث أم ربع أم خمس؟ قالوا: إن الإيمان لا يكون ثلثاً ولا ربعاً ولا خمساً، قال: فكم هي من الإيمان؟ قالوا: الإيمان كله، قال: فما سؤالكم إياي عن قوم زعمتم وأقررتم أنهما كانا مؤمنين ؟!.
فقالوا: دعنا عنك ! أمِن أهل الجنة هما أم مِن أهل النار؟ قال: أما إذا أبيتم، فإني أقول فيهما ما قال نبي الله إبراهيم في قوم كانوا أعظم جرما منهم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . وأقول فيهما ما قال نبي الله عيسى في قوم كانوا أعظم جرما منهما {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وأقول فيهما ما قال نبي الله نوح: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} .وأقول فيهما ما قال نبي الله نوح عليه السلام وعليهم أجمعين وعلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.
فألقوا السلاح وقالوا: تبرأنا من كل دين كنا عليه، وندين الله بدينك فقد آتاك الله فضلاً وحكمةً وعلماً. [44]
قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : ولو أن قوماً أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا جماعات الناس وكفروهم لم يحلل بذلك قتالهم لأنهم على حرمة الإيمان لم يصيروا إلى الحال التي أمر الله عز وجل بقتالهم فيها . بَلَغَنا أن علياً - رضي الله تعالى عنه - بينما هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد : لا حكم إلا الله عز وجل . فقال علي - رضي الله تعالى عنه - : كلمة حق أريد بها باطل ، لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بقتال .
قال الشافعي - رحمه الله - : أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي الغساني عن أبيه أن عدياً كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك . فكتب إليه عمر بن عبد العزيز : إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم ، وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم ، وإن ضربوا فاضربوهم .
قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : وبهذا كله نقول . [45]
قال البغوي : إذا بَغَت طائفة من المسلمين، وخرَجَتْ على إمام العدل بتأويل محتمل، ونصبت إماماً، وامتنعت عن طاعة إمام العدل، يبعث الإمام إليهم، فيسألهم: ما تنقمون؟ فإن ذكروا مظلمة، أزالها عنهم، وإن لم يذكروا مظلمة بينة، يقول لهم: عودوا إلى طاعتي لتكون كلمتكم، وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة، فإن امتنعوا يدعوهم إلى المناظرة، وإن امتنعوا عن المناظرة، أو ناظروا وظهرت الحجة عليهم، فأصروا على بغيهم، يقاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته، قال الله سبحانه وتعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} . [46]
- أما حين لا ينفع معهم الحوار ولَم تُجدِ معهم الاستتابة فإنه يقاتَلون إذا أشهروا السلاح .
وقد تقدم أن علياً – رضي الله عنه – لَم يستحل قتالهم حتى قتلوا ابن خباب .
وكان مذهب مالك في الإباضية والحرورية وأهل الأهواء كلهم أن يُستتابوا فإن تابوا وإلا قُتِلوا . [47]
بل جاء في النصوص ما يُبيِّن فضل مَن تقتله الخوارج !
فقد رأى أبو أمامة رءوساً منصوبة على درج دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} إلى آخر الآية، قال الراوي : قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا - حتى عد سبعاً - ما حدثتكموه .[48]
وعن أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه... » . [49]
ومما جاء في شأن قتال الخوارج أن علياً ذَكَر الخوارج فقال: فيهم مخدج اليد، - أو مودن اليد، أو مثدن اليد -، لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد. قلت: أنت سمعته من محمد؟ قال: إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة . [50]
قال ابن هبيرة: فيه من الفقه توفر الثواب في قتل الخوارج، وأنه بلغ إلى أن خاف علي رضي الله عنه أن يبطر أصحابه إذا أخبرهم بثوابهم في قتلهم، وإنما ذكر هذه لئلا يرى أحد في وقت ظهور مثلهم أن قتال المشركين أولى من قتالهم، بل قتالهم على هذا الكلام أولى من قتال المشركين لأن في ذلك حفظ رأس مال الإسلام، وقتال المشركين هو طلب ربح في الإسلام .[51]
وكان سمرة بن جندب شديداً على الخوارج . ونُقِل أنه قتل منهم جماعة . [52]
قال كعب الأحبار : للشهيد نوران، ولمن قتله الخوارج عشرة أنوار له . [53]
قال شيخ الإسلام : والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتَلَهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحدُ الخلفاء الراشدين. واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم [54] .
حكم مَن قُبِض عليه مِنهم
عن عيسى بن المغيرة , قال: خرج خارجي بالسيف بخراسان فأُخِذ فكُتِب فيه إلى عمر بن عبد العزيز فكَتَب فيه: إن كان جَرح أحداً فاجرحوه , وإن قَتل أحداً فاقتلوه , وإلا فاستودعوه السجن , واجعلوا أهله قريباً منه , حتى يتوب من رأي السوء . [55]
قال البربهاري : ويحل قتال الخوارج إذا عرضوا للمسلمين في أنفسهم وأموالهم وأهاليهم، وليس له إذا فارقوه أن يطلبهم، ولا يجهز على جريحهم ، ولا يأخذ فيئهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يتبع مدبرهم. [56]
الخوارج ليسوا على منهج واحد
ومع ما تقدم مِن إسراف الخوارج في القتل والفساد إلا أنهم ليسوا على منهج واحد . ولذلك نُقِل عن كثير منهم الرجوع لما تبين له الحق – كما تقدم – ، كما نُقِل عن غيرهم الإصرار والبقاء على طريق الضلال – والعياذ بالله – .
قال أبو محمد اليمني ( من علماء القرن السادس ) : فإنَّ نافع بن الأزرق أحد شيوخهم وعظمائهم، انفرد هو وفرقته بإباحة قتل الأطفال والعميان والعرجان والعجائز والمرضى، وحتى إنهم كانوا يطرحون الأطفال في قدور الأقط وهي تغلي، واستحلوا الأمانات، فبلغ ذلك نجدة ابن عامر أحد الخوارج أيضاً فكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فإني يوم فارقتك، وأنت لليتيم كالأب الرحيم، وللضعيف كالأخ في البر، لا تأخذك في الله لومة لائم ولا ترضى معونة ظالم، فقد شريت نفسك في طاعة ربك ابتغاء رضوانه، فأصبت من الحق عينيه، فحزن ذلك الشيطان فأغواك، ولم يكن أحد أثقل عليه وطأة منك ومن أصحابك، واستمالك فأغواك فغويت حين كَفَّرْتَ الذين عذرهم الله تعالى في كتابه من قُعَّدِ المسلمين وضعفهم، فقال عز من قائل: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} واستحللت أنت قتل الأطفال، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتلهم .
ثم كان من رأيك أن لا تؤدي الأمانة إلى أهلها فاتق الله يا نافع، وانظر لنفسك فإن الله بالمرصاد، وحكمه العدل، وقوله الفصل والسلام ... [57]
الخوارج مستمرون إلى خروج الدجال
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَنشأ نشء يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، كلما خرج قرن قُطِع » . قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلما خرج قرن قُطِع، أكثر من عشرين مرة، حتى يخرج في عراضهم الدجال » . [58]
موعظة للخوارج
قال قتادة : إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثيرٌ بالمدينة والشأم والعراق، وأزواجه يومئذ أحياء. والله إنْ خَرَج منهم ذكرٌ ولا أنثى حروريًّا قط، ولا رضوا الذي هم عليه، ولا مالؤوهم فيه، بل كانوا يحدّثون بعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم ونعتِه الذي نعتهم به، وكانوا يبغضونهم بقلوبهم، ويعادونهم بألسنتهم، وتشتدّ والله عليهم أيديهم إذا لقوهم. ولعمري لو كان أمر الخوارج هُدًى لاجتمع، ولكنه كان ضلالا فتفرّق. وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافًا كثيرًا. فقد ألاصوا هذا الأمر منذ زمان طويل. فهل أفلحوا فيه يومًا أو أنجحوا؟ يا سبحان الله؟ كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأوّلهم؟ لو كانوا على هدى، قد أظهره الله وأفلجه ونصره، ولكنهم كانوا على باطل أكذبه الله وأدحضه. فهم كما رأيتهم، كلما خَرج لهم قَرْنٌ أدحض الله حجتهم، وأكذب أحدوثتهم، وأهرَاق دماءهم. إن كتموا كان قَرْحًا في قلوبهم، وغمًّا عليهم. وإن أظهروه أهرَاق الله دماءهم. ذاكم والله دينَ سَوْء فاجتنبوه. والله إنّ اليهودية لبدعة، وإن النصرانية لبدْعة، وإن الحرورية لبدعة، وإن السبائية لبدعة، ما نزل بهن كتابٌ ولا سنَّهنّ نبيّ. [59]
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
28 / 8 / 1435 هـ
----------------------------------
[1] الشريعة : 1 / 361 .
[2] رواه البخاري .
[3] وهي رواية ابن ماجه .
[4] مجموع الفتاوى : 19 / 72 .
[5] شرح النووي لصحيح مسلم : 6 / 105 .
[6] رواه أبو داود وصححه الألباني .
[7] البداية والنهاية : 10 / 341 .
[8] التمهيد : 23 / 322 .
[9] الفتاوى : 13 / 30 .
[10] الحديث رواه الدارمي .
[11] جامع بيان العلم : 2 / 962 .
[12] الشريعة : 1 / 325 .
[13] الشريعة : 1 / 345 .
[14] الإفصاح : 1 / 282 .
[15] الفتاوى : 28 / 497 .
[16] التمهيد : 23 / 322 .
[17] رواه البخاري .
[18] السنة لعبدالله بن أحمد : 2 / 630 .
[19] الفتاوى : 19 / 72 .
[20] رواه مسلم .
[21] رواه ابن ماجه وحسنه الألباني .
[22] رواه البخاري .
[23] رواه الحاكم .
[24] رواه ابن أبي شيبة .
[25] السنة لابن أبي عاصم : 2 / 455 .
[26] سير أعلام النبلاء : 4 / 555 .
[27] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 7 / 1306 .
[28] رواه أحمد .
[29] جامع بيان العلم : 2 / 966 .
[30] رواه البيهقي .
[31] جامع بيان العلم : 2 / 962 .
[32] رواه عبدالرزاق .
[33] الفتاوى : 3 / 282 .
[34] الفتاوى : 28 / 518 .
[35] الإبانة الكبرى : 1 / 417 .
[36] رواه مسلم .
[37] إكمال المعلم : 1 / 175 .
[38] البداية والنهاية 11 / 156 .
[39] انظر تمام الخبر في جامع بيان العلم وفضله 2 / 962 .
[40] جامع بيان العلم 2 / 965 .
[41] التمهيد : 23 / 336 .
[42] انظر تفصيل الخبر في جامع بيان العلم 2 / 966 .
[43] مناقب أبي حنيفة : 151 .
[44] مناقب أبي حنيفة : 108 .
[45] الأم : 4 / 229 .
[46] شرح السنة 10 / 235 .
[47] المدونة 1 / 530 .
[48] رواه الترمذي وحسنه الألباني .
[49] رواه أبو داود وحسنه الألباني .
[50] رواه أحمد .
[51] الإفصاح 1 / 280 .
[52] سير أعلام النبلاء : 3 / 186 .
[53] الشريعة للآجري : 1 / 142 .
[54] الفتاوى : 3 / 282 .
[55] رواه عبدالرزاق .
[56] شرح السنة 1 / 58 .
[57] انظر تمام الخبر في كتاب " عقائد الثلاث والسبعين فرقة " لأبي محمد اليمني : 1 / 20 .
[58] رواه ابن ماجه وحسنه الألباني .
[59] تفسير الطبري : 5 / 207 .