في ولاية الفقيه وأدلتها
بعد أن بسطنا القول بعصمة أئمة الشيعة وبينت بدعتها وضلالها، نبحث في بدعة معاصرة سماها أصحابها بولاية الفقيه.
فالرافضة تعتقد أن الإمام لابد أن يكون معصوماً، لأن إمامته راجعة إلى الله تعالى لا إلى اختيار الأمة، لأن الأمة ليست معصومة عن الخطأ، فكيف لها أن تختار معصوماً!
وحيث أن الرافضة يرون هذا الرأي نلاحظ أن بدعتهم في ولاية الفقيه قد قلبت مفهومهم في الإمام المعصوم وعودته رأساً على عقب وخصوصاً بما يتعلق باختيار الأمة لإمامها أونائبه وصلاحيات هذا النائب الذي ينسخ عقيدة الرافضة في انتظار الفرج عن إمامهم المزعوم الذي طالت غيبته مما جعل اليأس، والإحباط يملأ قلوب الرافضة ونقرأ هذا جليأ في قول الخميني: (قد مر على الغيبة الكبرى ([1]) لإمامنا المهدي أكثر من ألف، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر، في طول هذه المدة المديدة هل تبقى أحكام الإسلام معطلة يعمل الناس من خلالها ما يشاؤون، القوانين التي صدع بها في الإسلام صلى الله عليه وسلم وجهد في نشرها وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، هل كان ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلاً؟ وهل ينبغي أن يخسر الإسلام بعد عصر الغيبة الصغرى كل شئ؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ ... ) ([2]).
ومن خلال مقالة الخميني الرافضي نستطيع أن نستنتج ما يلي:
أن غيبة إمام الرافضة المزعومة قد طالت وربما تطول قروناً ولا بد من مخرج من هذا المأزق الذي وضعوا فيه أنفسهم جراء بدعتهم ومخالفتهم للإسلام وأصوله.
أن الرافضة قد أصابهم اليأس من طول الغيبة المزعومة وخصوصاً أنهم لا يملكون شيئاً أمام هذه العقيدة الفاسدة التي صاغها الشيعة الرافضة لأنفسهم.
أن عقيدة الشيعة قائمة على عدم تطبيق الأحكام الشرعية إلا بوجود الإمام المعصوم حتى أنهم قالوا: (كل راية قبل راية القائم رضي الله عنه صاحبها طاغوت) ([3]).
أن عقيدة انتظار خروج الإمام أدت إلى فساد المجتمع الشيعي لعدم وجود من يردعهم دينياً.
أن عقيدة انتظار خروج الإمام المعصوم أدت إلى نسخ الشريعة عند الشيعة، لأن أحكام الشريعة عندهم لا تطبق إلا بوجود إمامهم المعصوم وهذا المزعوم غائب ولا يمكن معرفة تاريخ عودته إن كان سيعود أصلاً.
وأمام هذه الحقائق الواقعية حاول الخميني ومن أخذ برأيه الخروج من هذا المأزق ببدعة جديدة أطلقوا عليها اسم " ولاية الفقيه "
أدلة ولاية الفقيه:
رحم الله تعالى الإمام الشاطبي الذي قال: (لا تجد مبتدعاً ممن ينتسب إلى الملة إلا وهويستشهد على بدعته بدليل شرعي فينزله على ما وافق عقله وشهوته)).
وعلى هذا كان لابد لهؤلاء النفر أصحاب بدعة ولاية الفقيه من أدلة نقلية وعقلية لتسويغ بدعتهم وتمريرها على أتباع المذهب الشيعي الرافضي ومن هذه الأدلة ما يلي:
أولاً - القرآن الكريم:
قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)) [النساء:58].
قال الخميني مستدلاً بهذه الآية لتبرير بدعته: (إن الخطاب موجه إلى من يمسكون الأمور بأيديهم، وليس خطاباً للقضاة، لأن القضاة جزء من الحكومة) ([4]).
ثانياً - السنة المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
وجاء القوم بحديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (اللهم ارحم خلفائي - ثلاث مرات - قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون بعدي، يرون حديثي وسنتي فيعلمونها الناس من بعدي).
وقد قال الخميني: (أن المقصود بخلفاء الرسول أولئك الذين يسعون إلى نشر علوم الإسلام وأحكامه ولا علاقة لها بنقلة الحديث ورواته المجردين عن الفقه، فالمقصود هم فقهاء الإسلام الذين يجمعون إلى فقههم وعلمهم العدالة والاستقامة في الدين ليصل في نهاية المطاف إلى تبرير نظرية ولاية الفقيه وصلاحية الفقيه لتعمم جميع شؤون الحياة) ([5]).
ثالثاً - أقوال منسوبة للإمام الغائب:
كما استدل أصحاب هذه البدعة بتوقيع منسوب عن إمام الرافضة المغيب والذي زعموا فيه أنه قال: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) ([6]).
قال الهمداني الرافضي في شرح هذا القول: (يتضح من التأمل والتدقيق في الرواية المذكورة، التي هي الدليل لأساس على نصب الفقهاء في عصر الغيبة أن الفقيه الذي يأخذ روايات الأئمة ويتمكن منها، يكون في موقعهم، ليرجع الشيعة إليه في الأمور التي يجب أن يرجعوا فيها إلى الإمام) ([7]).
صلاحيات الفقيه في ولايته:
بعد أن أورد فقهاء الشيعة أدلتهم من أجل تبرير وتشريع بدعة ولاية الفقيه، اختلفوا في حدود وسلطات الفقيه الولي إلى اتجاهات ثلاثة ([8]):
الاتجاه الأول: يرى أن للفقيه ولاية عامة، فالفقيه هونائب الإمام الغائب وله أن يملكه الإمام الغائب.
الاتجاه الثاني: يرى أن للفقيه ولاية خاصة فقط، أي يملك سلطة الفتيا والقضاء، ويملك إصدار الأحكام في الموضوعات العامة أوالخاصة فينفذ حكمه فيها، كما ينفذ حكمه في القضايا الشرعية ولكنه لا يملك الولاية العامة.
الاتجاه الثالث: هذا الاتجاه يسلب من الفقيه سلطة إصدار الأحكام في الموضوعات، فليس له الحق في ذلك، ولا يجب على الناس إطاعته فيها، فلوأصدر حكماً في ثبوت هلال شهر رمضان، فلا يجب على الناس الصيام، لأن حكمه ليس حجة عليهم إلا إذا أوجب لهم الاطمئنان الذاتي.
وأمام هذه الآراء لمتكلمي الشيعة الروافض اختيار الخميني المبتدع هذه البدعة القائلة بالولاية العامة للفقيه.
إذ يرى الخميني أن سلطة الفقيه أثناء ولايته سلطة مطلقة، لا تختلف أبداً عن سلطة الإمام المعصوم، ولا حتى عن النبي صلى الله عليه وسلم ويستند في ذلك إلى التوقيع المزعوم للإمام المزعوم، الذي يقول فيه: (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).
فالخميني يرى أن الفقيه حجة على أهل زمانه ولا فرق بينه وبين الإمام الغائب مما يعني حقيقة أن عقيدة ظهور الإمام أوعدم ظهوره أصبحت تحصيل حاصل للشيعة الرافضة ما دام هناك من يطبق شريعة الشيعة.
وقد توقف الخميني طويلاً عند رواية سماها (صحيحة قداح) وهي قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء) ([9]) ليثبت من خلالها ما يريد من أن المقصود بالعلماء في البيان النبوي هم الفقهاء، وليسوا الأئمة وأن منزلة العلماء مثل منزلة الأنبياء من حيث الطاعة والامتثال لأوامرهم.
ومما قاله لتبرير بدعته: (إن المقياس في فهم الروايات آخذ بظواهر ألفاظها، هوالعرف والفهم المتعارف وإذا رجعنا إلى العرف في فهم عبارة (العلماء ورثة الأنبياء) وسألنا العرف: هل أن هذه العبارة تعني الفقيه بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلام؟
لأجاب: نعم!؟ لأن هذه الرواية تجعل العلماء بمنزلة الأنبياء، وبما أن موسى وعيسى عليهما السلام من الأنبياء، فالعلماء بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلام، وإذا سألنا العرف: هل أن الفقيه وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأجاب: نعم ... فورود كلمة الأنبياء بصيغة الجميع، إنما يقصد به كل الأنبياء ... حتى لونزلنا العلماء منزلة الأنبياء بوصفهم أنبياء، فإنه ينبغي إعطاء جميع أحكام المشبه بهم للمشبه) ([1.]).
ثم يؤكد الخميني بدعته بقوله: (أن جميع شؤون الرسول صلى الله عليه وسلم قابلة للانتقال والوراثة، ومن جملتها الإمارة على الناس، وتولي أمورهم، من كل ما ثبت للأئمة من بعده وللفقهاء من الأئمة) ([11]).
ثم ينتهي إلى البدعة التي تمناها، فيقول: تبين لنا أن ما ثبت للرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة فهوثابت للفقيه) ([12]).
وتبعاً لهذه المقدمات فإن الجاحد لولاية الفقيه يعتبر جاحداً للإمام المعصوم والجاحد للإمام المعصوم يعتبر جاحداً لحقوق الله والجاحد للحقوق الله يقع في حد الشرك الأكبر عند الشيعة الروافض.
وهذا ما عبر عنه الخميني عندما قال: (إن الراد على الفقيه الحاكم يعد راداً على الإمام، والرد على الإمام رد على الله، والرد على الله يقع في حد الشرك بالله) ([13]).
وقد بين النراقي الرافضي في كتابه عوائد الأيام صلاحيات الولي الفقيه، فقال: (إن كلية ما للفقيه العادل تولية وله الولاية فيه أمران:
أحدهما: كلما كان للنبي والأئمة الذين هم سلاطين الأنام وحصون الإسلام وفيه الولاية وكان لهم، فللفقيه أيضاً ذلك إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أونص أوغيرهما.
وثانيهما: إن كل فعل يتعلق بأمور العباد في دينهم أودنياهم ولابد من الإتيان به ولا مفر منه عقلاً أوعادة، أومن حجة توقف أمور المعاد أوالمعاش لواحد أوجماعة عليه وإناطة انتظام أمور الدين أوالدنيا، أوشرعاً من حجة ورود أمر به) ([14]).
ومما سلف يتبين لنا مما نقلناه حول حدود بدعة ولاية الفقيه أن للفقيه ما للإمام المعصوم من صلاحيات وحدود وهذا الأخير كل ما كان للنبي من حدود وصلاحيات.
والسؤال الذي يطرح نفسه عند هذه النتيجة التي أرادها الخميني ومن دار بفلك بدعته.
ما هي الضمانات التي وضعت لعدم انحراف واستبداد الفقيه أثناء ولايته وخصوصاً أن له صلاحيات وسلطات الإمام المعصوم بحسب ما يعتقد هؤلاء؟.
لا شك أن الروافض بهذه البدعة الجديدة قد خرجوا حتى عن أس دينهم ومعتقدات شيعتهم الأوائل. لا بل ضربوا بعرض الحائط أصول دينهم الذي يدور على بدعة الإمام المعصوم وعودته. وفي معنى أوضح أن الشيعة الجدد قد نسخوا عقيدة الإمام المعصوم وعودته، ليتلاقوا مع إخوانهم في النظرية والتطبيق الفرقة البهائية المعروفة بالكفر والفساد والضلال.
ذلك أنهم قد قرروا أن حكم الفقيه هوبمثابة حكم الرسول وحكم أئمتهم مع الفارق الذي ذكره الخميني إذ قال: (أن عصمة المعصوم إنما كانت بسبب المنزلة العالمية والمقام المحمود الذي لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأيضاً بسبب خلافته التكوينية التي تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون) ([15]).
فالخميني وغيره من شيوخ الرافضة يضع أئمة الشيعة فوق الأنبياء وهذا كفر بواح، لا تأويل ولا تفسير حسن له، عصمنا الله من هذا الاعتقاد وأمثاله.
والحقيقة أن الخميني ومن قال بقوله يتلاقى مع البهائية في بدعة ولاية الفقيه ذلك أن هذا الاعتقاد قد أدى إلى نسخ عقيدة الإمام المعصوم وعودته فما الحاجة إلى ظهور الإمام الغائب وهناك من يتولى جميع صلاحياته فعلاً ولم يعد هناك أي ضرورة أوحاجة لعودته.
لذلك نرى أحد مراجع الشيعة (الخوئي) الذي عارض عقيدة ولاية الفقيه فأسس جمعية في إيران سماها (جماعة الحجتية) أي جماعة الإمام الحجة، والتي ترفض الولاية من حيث المبدأ وتدعوا إلى الالتزام بمبدأ الانتظار حتى يظهر إمامهم الغائب ([16]).
كما نجد الشيخ محمد جواد مغنية الرافضي ينتقد ولاية الفقيه في كتاب أسماه (الخميني والدولة الإسلامية) الذي قال فيه: (إن التفاوت في المنزلة يستدعي التفاوت في الآثار لا محالة ومن هنا كان للمعصوم الولاية على الكبير والصغير حتى على المجتهد العادل، ولا ولاية للمجتهد على البالغ الراشد، وما ذاك إلا لأن نسبة المجتهد إلى المعصوم تماماً كنسبة القاصر إلى المجتهد العادل) ([17]).
لذلك يصل جواد مغنية الرافضي ومن أخذ برأيه إلى نتيجة مفادها أنه: (لا دليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام المعصوم، رغم ورود أخبار تبين أن العلماء كالأئمة فالإنصاف يقتضي الجزم بأن مقام العلماء لنشر الأحكام الشرعية، لا كون العلماء كالأنبياء والأئمة المعصومين) ([18]).
-----------------
([1]) يدعي الشيعة أن لإمامهم غيببة صغرى وغيبة كبرى أما الغيبة الصغرى: فالإمام احتجب عن عامة الشيعة دون نفر قليل سموا رواة الحديث إذ كانوا هؤلاء - حسب دعواهم - ينقلون إلى الإمام المزعوم مسائل الناس ومشاكلهم، ويعودون بالأجوبة عنها. أما الغيبة الكبرى: فإن الإمام المزعوم احتجب عن جميع الشيعة العامة والخاصة منهم.
([2]) الحكومة الإسلامية، للخميني، ج23 - 24.
([3]) أصول مذهب الشيعة الإمامية، ج2/ 738.
([4]) الحكومة الإسلامية، ج 2/ 738.
([5]) الحكومة الإسلامية، ص 6. - 63 - 69.
([6]) آراء في المرجعية الشيعية، ص 65.
([7]) آراء في المرجعية الشعية، ص 65.
([8]) آراء في المرجعية الشيعة، ص 137 - 138.
([9]) ففي مجمع الزوائد: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء خلفاء الأنبياء قلت له في السنن العلماء ورثة الأنبياء، رواه البزار ورجاله موثقون، ج 1/ 126.
([1.]) الحكومة الإسلامية للخميني، ص 84 - 85.
([11]) المصدر السابق، ص 86.
([12]) المصدر السابق، ص 88.
([13]) كشف الأسرار للخميني، ص 2.7.
([14]) آراء في المرجعة الشيعية، ص 6..
([15]) الحكومة الإسلامية، للخميني، ص 47.
([16]) إيران من الداخل، فهمي الهويدي، ص 1.5.
([17]) الخميني والدولة الإسلامية، ص 61 - 62.
([18]) المصدر السابق ص 63.
الخاتمة
ومما سلف يتبين لنا النتائج التالية:
إن أصحاب عقيدة ولاية الفقيه يرون أن تولي الفقيه لمصالح الناس إنما هوتنفيذ لأوامر الله ورسوله وإمامهم الغائب المزعوم، لأن الإمام عند الرافضة معين من قبل الله تعالى وحيث إن هذا الإمام غائب وأن رجعته غير معلومة، فإن الفقيه نائب عن ذلك الإمام الغائب في كل صلاحياته ومميزاته.
إن بدعة ولاية الفقيه ما هي من حيث النظرية والتطبيق إلا الابن التوءم لعقيدة البهائية الذين يعتقدون أن إمامهم ناطق بعلم الإمام المستور وأنه الباب إليه ([1]).
من خلال استقراء آراء مخالفي عقيدة ولاية الفقيه (من الشيعة الروافض أنفسهم) يتبين لنا أنه لا يوجد عند الشيعة ما يدل على وجوب طاعة الفقيه طاعة عامة مطلقة كطاعة إمامهم الغائب ومما يعني عدم شرعية ولاية الفقيه وبالتالي بطلان تأسيس ما يسمى بجمهورية إيران الإسلامية بحسب قواعد الشيعة أنفسهم.
إن إثبات عقيدة ولاية الفقيه تنتهي عند الشيعة إلى مساواة الفقيه بإمامهم المعصوم صاحب المقامات العليا التي تتغلب حتى على الأنبياء وهذا مخالف لكل منقول ومعقول.
إن الفكر الشيعي المعاصر يعيش في مأزق خطير يتمثل في استحالة التوفيق بين بدعة الإمام المعصوم وعودته وبدعة ولاية الفقيه بصلاحياته المطلقة ([2]).
إن عقيدة الشيعة قائمة على أن الدولة الشيعية لا تقوم بشكل شرعي إلا بظهور الإمام الغائب مما يعني أن تلك العقيدة أصبحت من الأوهام الخيالية عند أصحاب بدعة ولاية الفقيه الذين ضربوا بعرض الحائط كل آمال الشيعة وتاريخهم في الإمام الغائب وعودته. ذلك أن إعطاء الحق للأمة في اختيار الفقيه النائب عن الإمام الغائب يعتبر مناقضاً لأصول الشيعة في إنكارهم حق الأمة في اختيار إمامها باعتبار أن الإمامة لطف إلهي أوجبه الله على ذاته - والعياذ بالله تعالى - فلا يجوز بأي حال من الأحوال فعله وهم الذين أنكروا على الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - اختيارهم للخلفاء الراشدين بالشورى بين أهل الحل والعقد. وهاهم اليوم بعد كل هذه الفتن التي حاكوها ضد أهل السنة والجماعة يعطون الحق للأمة في اختيار إمامها.
وأخيراً أختم هذا البحث بقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى عندما قال في الرافضة:
(هم أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلماً يعادون خيار أولياء الله تعالى، من النبيين، من السابقين الأوليين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم ورضوا عنه - يوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين،.) ([3]).
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (سورة البقرة: 286 - 285).
كتبه
العبد الفقير إلى ربه
مسلم محمد جودت اليوسف
الأحد 13 ذي الحجة 1425هـ
الموافق لـ 23/ 1/2..5م
abokotaiba@hotmail.comhttp://saaid.net/Doat/moslem------------
([1]) انظر تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبوزهرة، ص 212.
([2]) عقيدة العصمة بين الإمام المعصوم والفقيه عند الشيعة، د. محمد الخطيب، ص 225.
([3]) -منهاج السنة النبوية، ج1/ 2..
ولاية الفقيه وأدلتها
بعد أن بسطنا القول بعصمة أئمة الشيعة وبينت بدعتها وضلالها، نبحث في بدعة معاصرة سماها أصحابها بولاية الفقيه.
فالرافضة تعتقد أن الإمام لابد أن يكون معصوماً، لأن إمامته راجعة إلى الله تعالى لا إلى اختيار الأمة، لأن الأمة ليست معصومة عن الخطأ، فكيف لها أن تختار معصوماً!
... وحيث أن الرافضة يرون هذا الرأي نلاحظ أن بدعتهم في ولاية الفقيه قد قلبت مفهومهم في الإمام المعصوم وعودته رأساً على عقب وخصوصاً بما يتعلق باختيار الأمة لإمامها أونائبه وصلاحيات هذا النائب الذي ينسخ عقيدة الرافضة في انتظار الفرج عن إمامهم المزعوم الذي طالت غيبته مما جعل اليأس، والإحباط يملأ قلوب الرافضة ونقرأ هذا جليأ في قول الخميني: (قد مر على الغيبة الكبرى (1) لإمامنا المهدي أكثر من ألف، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر، في طول هذه المدة المديدة هل تبقى أحكام الإسلام معطلة يعمل الناس من خلالها ما يشاؤون، القوانين التي صدع بها في الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وجهد في نشرها وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، هل كان ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلاً؟ وهل ينبغي أن يخسر الإسلام بعد عصر الغيبة الصغرى كل شئ؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ ... ) (2).
...
... ومن خلال مقالة الخميني الرافضي نستطيع أن نستنتج ما يلي:
__________
(1) - يدعي الشيعة أن لإمامهم غيببة صغرى وغيبة كبرى أما الغيبة الصغرى: فالإمام احتجب عن عامة الشيعة دون نفر قليل سموا رواة الحديث إذ كانوا هؤلاء - حسب دعواهم - ينقلون إلى الإمام المزعوم مسائل الناس ومشاكلهم، ويعودون بالأجوبة عنها. أما الغيبة الكبرى: فإن الإمام المزعوم احتجب عن جميع الشيعة العامة والخاصة منهم.
(2) - الحكومة الإسلامية، للخميني، ج23 - 24.
أن غيبة إمام الرافضة المزعومة قد طالت وربما تطول قروناً ولا بد من مخرج من هذا المأزق الذي وضعوا فيه أنفسهم جراء بدعتهم ومخالفتهم للإسلام وأصوله.
أن الرافضة قد أصابهم اليأس من طول الغيبة المزعومة وخصوصاً أنهم لا يملك شيئاً أمام هذه العقيدة الفاسدة التي صاغها الشيعة الرافضة لأنفسهم.
أن عقيدة الشيعة قائمة على عدم تطبيق الأحكام الشرعية إلا بوجود الإمام المعصوم حتى أنهم قالوا: (كل راية قبل راية القائم رضي الله عنه صاحبها طاغوت) (1).
أن عقيدة انتظار خروج الإمام أدت إلى فساد المجتمع الشيعي لعدم وجود من يردعهم دينياً.
أن عقيدة انتظار خروج الإمام المعصوم أدت إلى نسخ الشريعة عند الشيعة، لأن أحكام الشريعة عندهم لا تطبق إلا بوجود إمامهم المعصوم وهذا المزعوم غائب ولا يمكن معرفة تاريخ عودته إن كان سيعود أصلاً.
وأمام هذه الحقائق الواقعية حاول الخميني ومن أخذ برأيه الخروج من هذا المأزق ببدعة جديدة أطلقوا عليها اسم " ولاية الفقيه "
أدلة ولاية الفقيه:
رحم الله تعالى الإمام الشاطبي الذي قال: (لا تجد مبتدعاً ممن ينتسب إلى الملة إلا وهويستشهد على بدعته بدليل شرعي فينزله على ما وافق عقله وشهوته)).
وعلى هذا كان لابد لهؤلاء النفر أصحاب بدعة ولاية الفقيه من أدلة نقلية وعقلية لتسويغ بدعتهم وتمريرها على أتباع المذهب الشيعي الرافضي ومن هذه الأدلة ما يلي:
أولاً - القرآن الكريم:
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء:58)
__________
(1) - أصول مذهب الشيعة الإمامية، ج2/ 738.
... قال الخميني مستدلاً بهذه الآية لتبرير بدعته: (إن الخطاب موجه إلى من يمسكون الأمور بأيديهم، وليس خطاباً للقضاة، لأن القضاة جزء من الحكومة…) (1).
... ثانياً - السنة المنسوبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وجاء القوم بحديث منسوب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول فيه: (اللهم ارحم خلفائي - ثلاث مرات - قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون بعدي، يرون حديثي وسنتي فيعلمونها الناس من بعدي).
وقد قال الخميني: (أن المقصود بخلفاء الرسول أولئك الذين يسعون إلى نشر علوم الإسلام وأحكامه ولا علاقة لها بنقلة الحديث ورواته المجردين عن الفقه، فالمقصود هم فقهاء الإسلام الذين يجمعون إلى فقههم وعلمهم العدالة والاستقامة في الدين…ليصل في نهاية المطاف إلى تبرير نظرية ولاية الفقيه وصلاحية الفقيه لتعمم جميع شؤون الحياة) (2).
ثالثاً - أقوال منسوبة للإمام الغائب:
كما استدل أصحاب هذه البدعة بتوقيع منسوب عن إمام الرافضة المغيب والذي زعموا فيه أنه قال: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) (3).
قال الهمداني الرافضي في شرح هذا القول: (يتضح من التأمل والتدقيق في الرواية المذكورة، التي هي الدليل لأساس على نصب الفقهاء في عصر الغيبة أن الفقيه الذي يأخذ روايات الأئمة ويتمكن منها، يكون في موقعهم، ليرجع الشيعة إليه في الأمور التي يجب أن يرجعوا فيها إلى الإمام) (4).
صلاحيات الفقيه في ولايته:
__________
(1) - الحكومة الإسلامية، ج 2/ 738.
(2) - الحكومة الإسلامية، ص 6. - 63 - 69.
(3) - آراء في المرجعية الشيعية، ص 65.
(4) - آراء في المرجعية الشعية، ص 65.
بعد أن أورد فقهاء الشيعة أدلتهم من أجل تبرير وتشريع بدعة ولاية الفقيه، اختلفوا في حدود وسلطات الفقيه الولي إلى اتجاهات ثلاثة (1):
الاتجاه الأول: يرى أن للفقيه ولاية عامة، فالفقيه هونائب الإمام الغائب وله أن يملكه الإمام الغائب.
الاتجاه الثاني: يرى أن للفقيه ولاية خاصة فقط، أي يملك سلطة الفتيا والقضاء، ويملك إصدار الأحكام في الموضوعات العامة أوالخاصة فينفذ حكمه فيها، كما ينفذ حكمه في القضايا الشرعية…ولكنه لا يملك الولاية العامة.
الاتجاه الثالث: هذا الاتجاه يسلب من الفقيه سلطة إصدار الأحكام في الموضوعات، فليس له الحق في ذلك، ولا يجب على الناس إطاعته فيها، فلوأصدر حكماً في ثبوت هلال شهر رمضان، فلا يجب على الناس الصيام، لأن حكمه ليس حجة عليهم إلا إذا أوجب لهم الاطمئنان الذاتي.
وأمام هذه الآراء لمتكلمي الشيعة الروافض اختيار الخميني المبتدع هذه البدعة القائلة بالولاية العامة للفقيه.
إذ يرى الخميني أن سلطة الفقيه أثناء ولايته سلطة مطلقة، لا تختلف أبداً عن سلطة الإمام المعصوم، ولا حتى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستند في ذلك إلى التوقيع المزعوم للإمام المزعوم، الذي يقول فيه: (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).
فالخميني يرى أن الفقيه حجة على أهل زمانه ولا فرق بينه وبين الإمام الغائب مما يعني حقيقة أن عقيدة ظهور الإمام أوعدم ظهوره أصبحت تحصيل حاصل للشيعة الرافضة ما دام هناك من يطبق شريعة الشيعة.
__________
(1) - آراء في المرجعية الشيعة، ص 137 - 138.
وقد توقف الخميني طويلاً عند رواية سماها (صحيحة قداح) وهي قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (العلماء ورثة الأنبياء) (1) ليثبت من خلالها ما يريد من أن المقصود بالعلماء في البيان النبوي هم الفقهاء، وليسوا الأئمة وأن منزلة العلماء مثل منزلة الأنبياء من حيث الطاعة والامتثال لأوامرهم.
ومما قاله لتبرير بدعته: (إن المقياس في فهم الروايات آخذ بظواهر ألفاظها، هوالعرف والفهم المتعارف…وإذا رجعنا إلى العرف في فهم عبارة (العلماء ورثة الأنبياء) وسألنا العرف: هل أن هذه العبارة تعني الفقيه بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلام؟
لأجاب: نعم!؟ لأن هذه الرواية تجعل العلماء بمنزلة الأنبياء، وبما أن موسى وعيسى عليهما السلام من الأنبياء، فالعلماء بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلام، وإذا سألنا العرف: هل أن الفقيه وارث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ لأجاب: نعم ... فورود كلمة الأنبياء بصيغة الجميع، إنما يقصد به كل الأنبياء ... حتى لونزلنا العلماء منزلة الأنبياء بوصفهم أنبياء، فإنه ينبغي إعطاء جميع أحكام المشبه بهم للمشبه) (2).
ثم يؤكد الخميني بدعته بقوله: (أن جميع شؤون الرسول - صلى الله عليه وسلم - قابلة للانتقال والوراثة، ومن جملتها الإمارة على الناس، وتولي أمورهم، من كل ما ثبت للأئمة من بعده وللفقهاء من الأئمة…) (3).
... ثم ينتهي الخميني إلى البدعة التي تمناها، فيقول: تبين لنا أن ما ثبت للرسول - صلى الله عليه وسلم - والأئمة فهوثابت للفقيه) (4).
__________
(1) - ففي مجمع الزوائد: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلماء خلفاء الأنبياء قلت له في السنن العلماء ورثة الأنبياء، رواه البزار ورجاله موثقون، ج 1/ 126.
(2) - الحكومة الإسلامية للخميني، ص 84 - 85.
(3) - المصدر السابق، ص 86.
(4) - المصدر السابق، ص 88.
وتبعاً لهذه المقدمات فإن الجاحد لولاية الفقيه يعتبر جاحداً للإمام المعصوم والجاحد للإمام المعصوم يعتبر جاحداً لحقوق الله والجاحد للحقوق الله يقع في حد الشرك الأكبر عند الشيعة الروافض.
وهذا ما عبر عنه الخميني عندما قال: (إن الراد على الفقيه الحاكم يعد راداً على الإمام، والرد على الإمام رد على الله، والرد على الله يقع في حد الشرك بالله) (1).
وقد بين النراقي الرافضي في كتابه عوائد الأيام صلاحيات الولي الفقيه، فقال: (إن كلية ما للفقيه العادل تولية وله الولاية فيه أمران:
أحدهما: كلما كان للنبي والأئمة الذين هم سلاطين الأنام وحصون الإسلام وفيه الولاية وكان لهم، فللفقيه أيضاً ذلك إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أونص أوغيرهما.
وثانيهما: إن كل فعل يتعلق بأمور العباد في دينهم أودنياهم ولابد من الإتيان به ولا مفر منه عقلاً أوعادة، أومن حجة توقف أمور المعاد أوالمعاش لواحد أوجماعة عليه وإناطة انتظام أمور الدين أوالدنيا، أوشرعاً من حجة ورود أمر به…) (2).
ومما سلف يتبين لنا مما نقلناه حول حدود بدعة ولاية الفقيه أن للفقيه ما للإمام المعصوم من صلاحيات وحدود وهذا الأخير كل ما كان للنبي من حدود وصلاحيات.
والسؤال الذي يطرح نفسه عند هذه النتيجة التي أرادها الخميني ومن دار بفلك بدعته.
ما هي الضمانات التي وضعت لعدم انحراف واستبداد الفقيه أثناء ولايته وخصوصاً أن له صلاحيات وسلطات الإمام المعصوم بحسب ما يعتقد هؤلاء؟.
__________
(1) - كشف الأسرار للخميني، ص 2.7.
(2) - آراء في المرجعة الشيعية، ص 6..
لا شك أن الروافض بهذه البدعة الجديدة قد خرجوا حتى عن أس دينهم ومعتقدات شيعتهم الأوائل. لا بل ضربوا بعرض الحائط أصول دينهم الذي يدور على بدعة الإمام المعصوم وعودته. وفي معنى أوضح أن الشيعة الجدد قد نسخوا عقيدة الإمام المعصوم وعودته، ليتلاقوا مع إخوانهم في النظرية والتطبيق الفرقة البهائية المعروفة بالكفر والفساد والضلال.
ذلك أنهم قد قرروا أن حكم الفقيه هوبمثابة حكم الرسول وحكم أئمتهم مع الفارق الذي ذكره الخميني إذ قال: (أن عصمة المعصوم إنما كانت بسبب المنزلة العالمية والمقام المحمود الذي لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأيضاً بسبب خلافته التكوينية التي تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون) (1).
فالخميني وغيره من شيوخ الرافضة يضع أئمة الشيعة فوق الأنبياء وهذا كفر بواح، لا تأويل ولا تفسير حسن له، عصمنا الله من هذا الاعتقاد وأمثاله.
والحقيقة أن الخميني ومن قال بقوله يتلاقى مع البابية في بدعة ولاية الفقيه ذلك أن هذا الاعتقاد قد أدى إلى نسخ عقيدة الإمام المعصوم وعودته فما الحاجة إلى ظهور الإمام الغائب وهناك من يتولى جميع صلاحياته فعلاً ولم يعد هناك أي ضرورة أوحاجة لعودته.
لذلك نرى أحد مراجع الشيعة (الخوئي) الذي عارض عقيدة ولاية الفقيه فأسس جمعية في إيران سماها (جماعة الحجتية) أي جماعة الإمام الحجة، والتي ترفض الولاية من حيث المبدأ وتدعوا إلى الالتزام بمبدأ الانتظار حتى يظهر إمامهم الغائب (2).
__________
(1) - الحكومة الإسلامية، للخميني، ص 47.
(2) - إيران من الداخل، فهمي الهويدي، ص 1.5.
كما نجد الشيخ محمد جواد مغنية الرافضي ينتقد ولاية الفقيه في كتاب أسماه (الخميني والدولة الإسلامية) الذي قال فيه: (إن التفاوت في المنزلة يستدعي التفاوت في الآثار لا محالة ومن هنا كان للمعصوم الولاية على الكبير والصغير حتى على المجتهد العادل، ولا ولاية للمجتهد على البالغ الراشد، وما ذاك إلا لأن نسبة المجتهد إلى المعصوم تماماً كنسبة القاصر إلى المجتهد العادل) (1).
لذلك يصل جواد مغنية الرافضي ومن أخذ برأيه إلى نتيجة مفادها أنه: (لا دليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام المعصوم، رغم ورود أخبار تبين أن العلماء كالأئمة فالإنصاف يقتضي الجزم بأن مقام العلماء لنشر الأحكام الشرعية، لا كون العلماء كالأنبياء والأئمة المعصومين) (2).
الخاتمة:
ومما سلف يتبين لنا النتائج التالية:
إن أصحاب عقيدة ولاية الفقيه يرون أن تولي الفقيه لمصالح الناس إنما هوتنفيذ لأوامر الله ورسوله وإمامهم الغائب المزعوم، لأن الإمام عند الرافضة معين من قبل الله تعالى وحيث إن هذا الإمام غائب وأن رجعته غير معلومة، فإن الفقيه نائب عن ذلك الإمام الغائب في كل صلاحياته ومميزاته.
إن بدعة ولاية الفقيه ما هي من حيث النظرية والتطبيق إلا الابن التوءم لعقيدة البهائية الذين يعتقدون أن إمامهم ناطق بعلم الإمام المستور وأنه الباب إليه. (3)
من خلال استقراء آراء مخالفي عقيدة ولاية الفقيه (من الشيعة الروافض أنفسهم) يتبين لنا أنه لا يوجد عند الشيعة ما يدل على وجوب طاعة الفقيه طاعة عامة مطلقة كطاعة إمامهم الغائب ومما يعني عدم شرعية ولاية الفقيه وبالتالي بطلان تأسيس ما يسمى بجمهورية إيران الإسلامية بحسب قواعد الشيعة أنفسهم.
__________
(1) - الخميني والدولة الإسلامية، ص 61 - 62.
(2) - المصدر السابق ص 63.
(3) - انظر تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبوزهرة، ص 212.
إن إثبات عقيدة ولاية الفقيه تنتهي عند الشيعة إلى مساواة الفقيه بإمامهم المعصوم صاحب المقامات العليا التي تتغلب حتى على الأنبياء وهذا مخالف لكل منقول ومعقول.
إن الفكر الشيعي المعاصر يعيش في مأزق خطير يتمثل في استحالة التوفيق بين بدعة الإمام المعصوم وعودته وبدعة ولاية الفقيه بصلاحياته المطلقة (1).
إن عقيدة الشيعة قائمة على أن الدولة الشيعية لا تقوم بشكل شرعي إلا بظهور الإمام الغائب مما يعني أن تلك العقيدة أصبحت من الأوهام الخيالية عند أصحاب بدعة ولاية الفقيه الذين ضربوا بعرض الحائط كل آمال الشيعة وتاريخهم في الإمام الغائب وعودته. ذلك أن إعطاء الحق للأمة في اختيار الفقيه النائب عن الإمام الغائب يعتبر مناقضاً لأصول الشيعة في إنكارهم حق الأمة في اختيار إمامها باعتبار أن الإمامة لطف إلهي أوجبه الله على ذاته - والعياذ بالله تعالى - فلا يجوز بأي حال من الأحوال فعله وهم الذين أنكروا على الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - اختيارهم للخلفاء الراشدين بالشورى بين أهل الحل والعقد. وهاهم اليوم بعد كل هذه الفتن التي حاكوها ضد أهل السنة والجماعة يعطون الحق للأمة في اختيار إمامها.
وأخيراً أختم هذا البحث بقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى عندما قال في الرافضة: (هم أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلماً يعادون خيار أولياء الله تعالى، من النبيين، من السابقين الأوليين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم ورضوا عنه - يوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين،….) (2).
__________
(1) - عقيدة العصمة بين الإمام المعصوم والفقيه عند الشيعة، د. محمد الخطيب، ص 225.
(2) -منهاج السنة النبوية، ج1/ 2..
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (سورة البقرة: 286 - 285).
كتبه
العبد الفقير إلى ربه
مسلم محمد جودت اليوسف
الأحد 13 ذي الحجة 1425هـ الموافق لـ 23/ 1/2..5م