الحديث المنسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأنبياء، قال: يا جابر أن الله تعالى خلق قبل الأنبياء نور نبيك من نوره، فجعل هذا النور يدور بالقدرة حيث يشاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر، فخلق من الجزء الأول القلم ومن الجزء الثاني اللوح ومن الثالث العرش ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الجزء الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول السموات ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الجزء الثالث الجنة والنار، وقسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم نظر إليه فترشح النور عرقا فتقطرت منه مائتا ألف قطرة وعشرين ألفا وأربعة الآلف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول، ثم تنفست روح أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة، فالعرش من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري، والكروبيون من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والسعداء والصالحون من نائح نوري ثم خلق الله آدم من الأرض وركب فيه النور وهو الجزء الرابع ثم أنتقل منه شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى وجه أمي آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين، وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين . أ. هـ
وقد نقلناه بتمامه لنبين مدى الكذب والكفر والهذيان وهذا الحديث هو عمدة الصوفية فيما زعموه واعتقدوه ونشروه أن الرسول هو قبة الكون، وهو أول الوجود، وأنه جزء من نور الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وأن كل المخلوقات خلقت بأجزاء منه، بل قال ابن العربي أن الرسول هو الذي استوى على عرش الله حيث يقول بالنص "بدء الخلق الهباء وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية الموصوفة بالاستواء على العرش الرحماني وهو العرش الإلهي "-الفتوحات المكية ج1 ص152، وقد شرح هذه العبارات القاشاني شارح فصوص الحكم وحديث جابر المكذوب هذا هو الذي جاء متأخروا المتصوفة وبنوا عليه أن القرآن أنزله الرسول من فوق سبع سماوات وأن محمدا هو الذي أعطاه جبريل في السماء واستلمه في الأرض !!يقول محمد عثمان عبده البرهاني في كتابه تبرئة الذمة في نصح الأمة: ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم استغراب سيدنا جبريل عليه السلام مما قاله لجابر "أن أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر "سأل الرسول جبريل قائلا: يا جبريل كم عَمّرت من السنين ؟فقال جبريل: يا رسول الله لست أعلم غبر أنه في الحجاب الرابع نجم يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة ورأيته سبعين ألف مرة، فقال صلى الله عليه وسلم: وعزة ربي أنا ذلك الكوكب . . ثم سأل الرسول جبريل عن المكان الذي يأتي منه الوحي؟ فقال: حينما أكون في أقطار السموات والأرض أسمع صلصلة جرس فأسرع‘ إلى البيت المعمور فأتلقى الوحي فأحمله إلى الرسول أو النبي فقال الرسول له: اذهب إلى البيت المعمور الآن واتل نسبي "فذهب جبريل مسرعا إلى البيت المعمور وتلا نسب النبي قائلا "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب …فانفتح البيت المعمور ولم يسبق أن فتح من قبل ذلك فرأى جبريل النبي بداخله !!فتعجب فعاد مسرعا إلى الأرض فوجد الرسول في مكانه كما تركه مع جابر فعاد بسرعة خارقة إلى البيت المعمور فوجده صلى الله عليه وسلم هنالك، ثم عاد مسرعا إلى الأرض فوجده مازال جالسا مع جابر فسأل جبريل عليه السلام جابرا قائلا: هل ترك رسول الله مجلسه هذا؟فقال جابر: كلا يا أخا العرب فإننا لم ننته بعد من الحديث الذي تركتنا فيه !!فقال جبريل للنبي: إذا كان الأمر منك وإليك فلماذا تَعَبِي ؟فرد عليه صلى الله عليه وسلم قائلا: للتشريع يا أخي جبريل، وتلا قوله تعالى "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما "وأضاف "كل هذه الأدلة توضح أن القرآن وهو أكبر معجزة للنبي كان عند النبي قبل البيت المعمور وقبل جبريل وهو والخلق جزء من كل أ. هـ. تبرئة الذمة ص 100 –101"، قلت: وليس بعد هذا الكفر والزندقة كفر ولا زندقة، بل ولا هذيان وكل هذا الذي جعلوه أحاديث ما هو إلا افتراءات لا أصل لها ولا توجد في ديوان معلوم من دواوين السنة بل كتبها المتصوفة ونقلوها ودونوها وزعموا أنهم ينصحون بها الأمة والعجب أن هذا الكتاب ظهر في مصر منذ عشر سنوات، وقد أفتى العلماء بكفر من يعتقد ما فيه ووجوب منع نشره ولكن العجب أنه طبع طبعات أخرى ومازال يوزع في كل مكان !!
ومن جملة الأحاديث الواهية التي أستند إليها من يؤمن بهذه العقيدة الباطلة "كنت أول النبيين في الخلق وأخرهم في البعث فبدأ بي قبلهم "السلسلة الضعيفة برقم 661، وحديث "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين "ذكره صاحب تنزيه الشريعة وقال بعده: قال ابن تيميه موضوع، أنظر السلسلة الضعيفة 302، 303، وكذلك حديث أن عبد الله بن مسعود قال: بينما أنا عند رسول الله أقرأ عليه حتى بلغت "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا "قال: يجلسني على العرش، قال ناصر الدين: باطل ذكره الذهبي في العلو من طريقين عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن الأشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود وقال الذهبي: هذا حديث منكر لا يفرح به، وسلمة هذا متروك وأشعث لم يلحق ابن مسعود "السلسلة الضعيفة رقم 865 ".
وقسم آخر من أهل الشرك والخرافة جعلوا النبي حيا في قبره يطلب من الناس زيارته والتوسل به إلى الله، ودعائه من دونه سبحانه وتعالى . . . وافتروا في ذلك أحاديث منها "توسلوا بجاهي فجاهي عند الله عظيم" وهو حديث لا أصل له قط في كتب من كتب السنة، كما قال شيخ الإسلام بن تيميه، وكذلك حديث "من زار قبري وجبت له شفاعتي "وحديث "من زار قبري كنت له شفيعا، ومن زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة "ذكرها جميعا الشوكاني في الفوائد المجموعة، وقال عقب الحديث الأخير: قال ابن تيميه والنووي أنه موضوع لا أصل له . وقال السيوطي في الذيل: وكذا ما روي بلفظ "من لم يزرني فقد جفاني "، قال الصنعاني: هو موضوع وكذا بلفظ "من حج ولم يزرني فقد جفاني "أ. هـ. الفوائد 117-118، وهذه الأحاديث الواهية هي عمدة من يرى مشروعية واستحباب شد الرحال إلى قبر النبي ومن يراها فريضة كفريضة الحج وأنه يطلب من النبي عند قبره كما يطلب من الله وتركوا لذلك العمل بحديث الصحيحين "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " ولم يفقهوا أن نية زيارة المدينة يجب أن تتوجه لمن يشد الرحال للصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم وليس لزيارة قبره .
ب- من أرادوا شين النبي صلى الله عليه وسلم:
وأما الوضاعون الذين أرادوا شْين النبي فإنهم وضعوا عليه أحاديث في الأطعمة والأشربة يناقضون بها ما صح عن الرسول في ذلك ويعيبون بها النبي كحديث "ربيع أمتي العنب والبطيخ "، "ومن أكل فوله بقشرها أخرج الله منه من الداء مثلها "، "الباذنجان شفاء من كل داء"، "الباذنجان لما أكل له "، "أكل السمك يذهب الجسد "وحديث "إن الله خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته "وحديث "عليكم بالعدس فإنه مبارك، وإنه يرق القلب، ويكثر الدمعة، وأنه قد بارك فيه سبعون نبيا "وحديث "بئست البقلة الجرجير "وحديث "لو كان الأرز رجلا لكان حكيما ",حديث " الأرز مني وأنا من الأرز "_أنظر تنزيه الشريعة 235-267_ ونحو هذا من السخافات والهذيانات التي وضعها الوضاعون وألصقوها بسيد المرسلين ومن بعثه الله رحمة للعالمين وهاديا للخلق أجمعين، وهذه الأحاديث التي استغلها من يريد الطعن بالرسالة المحمدية قديما وحديثا، كما أخبرني بعض الطلاب ممن درس في جامعات تبشيرية أن القس الذي كان يدرس لهم كان يقول لهم: رسولكم كان يقول لو كان الأرز رجلا لكان حكيما . وهذا لا يصدر من نبي !!
ولما كان الطلاب لا يعرفون أن هناك حديثا صحيحا وآخر مكذوبا ما كانوا يستطيعون جوابا، وترك هذا في أنفسهم ما ترك، ولو رحنا نتتبع الخرافات والخزعبلات التي ألصقت بالرسول لا تسع الأمر جدا، وحسبك الوقوف على بعض الكتب التي ألفت في الموضوعات لتعلم أي البلاء حل بعقيدة الأمة من جراء المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثا: في العصبيات والأهواء:
وأما في باب العصبيات والأهواء والكيد لأهل الإسلام، فإن الوضاعين قد ملئوا الأرض بكذبهم في هذا المجال، قال أبو الحسن علي بن محمد بن عراق صاحب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة المرفوعة: قال الجليل في الإرشاد قال بعض الحفاظ: تأملت ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل البيت فزاد على ثلاثمائة ألف أ. هـ.
ومن هذا الموضوع ما رواه الخطيب في تاريخ "10/356-358" بإسناده إلى بن مالك مرفوعا "أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء "وقال بعده: هذا الحديث موضوع من القصاص. وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه أ. هـ.
وحديث "خلقت أنا وعلي من نور، وكنا على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام "ثم خلق الله آدم فانقلبنا في أصلاب الرجال ثم جعلنا صلب عبد المطلب، ثم شق أسماؤنا من اسمه فالله محمود وأنا محمد والله الأعلى وعلي علي، قال الإمام الشوكاني: بعد أن أوردوه وهو موضوع وضعفه جعفر بن أحمد بن علي بن بيان وكان رافضيا وضاع، وحديث "من لم يقل علي خير الناس فقد الكفر "قال الشوكاني رواه الخطيب والمتهم به محمد بن كثير الكوفي، وحديث "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب "-الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 348 – وحديث أن الرسول أمر الشمس أن تعود لعلي لما فاتته صلاة العصر-الفوائد 350 -، وحديث "النظر إلي علي عبادة "وحديث "اسمي في القرآن والشمس وضحاها، واسم علي والقمر إذا تلاها، واسم الحسن والحسين والنهار إذا جلاها واسم بني أمية والليل إذا يغشاها "-الفوائد ص 359 -قال الشوكاني: رواه الخطيب في السابق واللاحق عن ابن عباس مرفوعا وهو موضوع وقال الذهبي في الميزان: هذا خبر كذب، وحديث "لما عرج إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي، نصرته بعلي "قال في الذيل: هذا باطل اختلاق بين، وقوله لعلي "غسلت النبي فشربت من ماء محاجر عينيه فورثت علم الأولين والآخرين –الفوائد 983، وحديث ابن عباس "سألت الرسول عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب عل" –تنزيه الشريعة ج1 ص 395 – وهذا مثله كثير جدا لا تسعه هذه العجالة وإنما المقصود التذكير بأن هذا ومثله كان السبب في نشأة الفرق العقائدية، وتمزيق الأمة المحمدية، وإكفار بعضها بعضا وكل هذه مسائل أصولية وليست فرعيات عبادية وعملية ولا شك أن انتحال الأحاديث ووصفها كان الدعامة التي عمد إلية أهل الأهواء لتأصيل ما أصلوا، ولاعتقاد ما اعتقدوه .
رابعا: الأحاديث الموضوعة والخرافة:
عمد الوضاعون إلى تصوير عالم من نسيج خيالهم، وبنات أفكارهم المريضة، ونفثات صدورهم الخبيثة المليئة بالحقد على الإسلام وأهله، وذلك صرفا للناس عن دين ربهم وتشويها لجمال الإسلام، وتخليطا، واكتسابا للمال الحرام من العامة وشرح هذا أمر يطول وإنما نذكر بعض ما دونته أيديهم الآثمة في ذلك، فمن ذلك زعمهم أن الله خلق ملائكة السماء الأولى على صورة بقرة، الثانية على صورة العقبان، والثالثة على صورة الناس والرابعة على صورة الحور العين، والخامسة على صورة الطيور، والسادسة على صورة الخيل المسومة، والسابعة حملة العرش الكروبيون . ذكره صاحب تنزيه الشريعة 213 وعزاه لأبي الشيخ في العظمة . وزعموا أن هاروت وماروت كانا ملكين ألقى الله عليهما الشبق وأن امرأة من أهل الأرض فتنتهم فوقعوا بها فمسخ الله كوكبا في السماء فهي الزهرة المعروفة ,أن هذين الملكين اختارا عذاب الدنيا . المرجع السابق 209 . وافتروا على الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن لله تعالى ديكا براثنه في الأرض السفلي وعرفه تحت العرش ويصرخ عند مواقيت الصلاة، وتصرخ له ديك السماء وديكه الأرض سبوح قدوس رب الملائكة والروح . تنزيه الشريعة189 وجعلوا المجرة لعاب حية تحت العرش فرووا عن الرسول صلى الله عليه وسلمأنه قال: يا معاذ أني مرسلك إلى قوم أهل كتاب فإذا سئلت عن المجرة التي في السماء فقل لهم هي لعاب حية تحت العرش . ونسبوا كذلك له صلى الله عليه وسلم أنه قال: وكل بالشمس تسعة ملائكة يرمونها بالثلج كل يوم ولولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته . السلسة 293 وأن الأرض على الماء، والماء على صخرة، والصخرة على ظهر حوت يلتقي طرفاه بالعرش، والحوت على كاهل ملك قدماه في الهواء وأن العنكبوت مسخ . تنزيه الشريعة 210 وأن سهيل النجم المعروف كان عشارا يسم‘ الناس في الأرض بالظلم فمسخه الله وأن النخلة من فضل طينة آدم وأن الله خلق جبلا يقال له "قاف " محيط بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي القرية فيزلزلها ويحركها ثم تتحرك القرية دون القرية وأن الأرض على صخرة، والصخرة على قرن ثور فإذا حرك الثور رأسه تحركت الأرض، والموضوع في هذا الباب لا يكاد يحصى كثرة وكلها تصب عند مصب واحد وهو تخريب العقائد وتشويه الإسلام، وشين رسول الأنام .
خامسا: الأحاديث الموضوعة في القرآن:
لعل أخطر ما دمرته الأحاديث الواهية من العقائد هو تشويه القرآن، وهو ما رامه وابتغاه أهل الأهواء من صرف الناس عن كتاب الله وتفسيره بالخرافات والخزعبلات والأهواء، وجعل القرآن كتابا فقط للتعاويذ والتطبيب من أمراض الأجسام وتصوير القرآن أنه كتاب خرافات وأساطير وليس كتابا منزلا من الحكيم الحميد سبحانه، وإليك بعضا من افتراء هؤلاء الوضاعون على القرآن، وللأسف أن يعتمد أهل التفسير حتى لا يكاد يخلو تفسير واحد أن يناله شيء من ذلك، ناهيك بتفاسير لم تعتمد إلا كل خرافة وجهالة تفسر بها كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفة، فمن ذلك على سبيل المثال: ما ذكره بعض المفسرين عمن سماه عوج بن عنق الطويل وفي هذا الحديث "أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثين ذراع "وأن نوحا لما خوفه الغرق قال له أتحملني في قصعتك هذه، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته، وانه خاض البحر فوصل إلى حجزته فقط، وأنه كان يأخذ الحوت من عمق البحر فيشويه في عين الشمس، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى، وأراد أن يرضخهم بها فقورها الله في عنقه مثل الطوق . قال ابن القيم الجوزية: ولا ريب أن هذا وأمثاله من وضع الزنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا السخرية والاستهزاء بالرسل وأتباعهم أ. هـ. الأسرار المرفوعة 484 . وكذلك في تفسيرهم لقوله تعالى "قالوا يا موسى أن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها "أنهم العماليق وأن سبعين رجلا من قوم موسى استظلوا في قحف رجل واحد منهم، وأن موسى لما نزل قريبا من أريحا في فلسطين بعث أثني عشر رجلا من بني إسرائيل ليتعرف خبرهم فهالهم ما رأوه من هيئتهم وجسمهم وأنهم دخلوا في بستان أحد العماليق فجاء فتتبع أثارهم ثم حملهم في كمه مع الفاكهة وذهب إلى ملكهم ونثرهم مع الفاكهة أمامه . وللأسف أن يذكر ابن جرير مثل هذا الهراء في تفسيره، فإذا كان العماليق على ذلك النحو من العظم والكبر فهل كانت حبة البرتقال في ذلك الوقت في حجم رجل من قوم موسى ؟! ومن ذلك نسبتهم الشرك إلى آدم وحواء في تفسير قوله تعالى "فجلا له شركاء فبما آتاهما فتعالى الله عما يشركون "وقد مضى بك تفسيرهم لقوله تعالى "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا "قال يجلسه على العرش.
ومن أسخف خرافاتهم في هذا ما رووه أن سفينة نوح قد طافت بالبيت سبعا وصلت خلف المقام ركعتين وآفة هذا الحديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال الحاكم: وأبو نعيم روى عن أبيه أحاديث موضوعة .
وتفسيرهم قوله تعالى "وحملناه على ذات ألواح ودسر "قالوا الدسر خمس مسامير، مسمار باسم الرسول، والثاني باسم علي والثالث باسم فاطمة ورابع باسم الحسن وخامس باسم الحسين، وأن الرسول قال: الألواح خشب السفينة ونحن الدسر لولانا ما سارت السفينة بأهلها . "تنزيه الشريعة 1/250"
وأن إبراهيم لما و‘ضع في النار لم يسأل الله وقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي . وتفسيرهم قوله تعالى "أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو"أن الرسول ذكر إبليس فقال: رأيته الساعة أدخل ذنبه في دبره فأخرج سبع بيضات فأولدها سبع أولاد: فولد موكل بالفقهاء ينسهم الذكر ويغريهم بكثرة الوضوء والثاني موكل بالنعاس في المساجد والثالث بالأسواق . . قال الحافظ بن حجر ظاهر الوضع . وأن النملة التي كلمت سليمان كانت في حجم الذئب، ولم يع هؤلاء الأغبياء أن الله سبحانه وتعالى قد قال عن تلك النملة "لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون "فكيف لا يشعر سليمان وجنوده أنهم يقتلون نملا في حجم الذئاب !!
إلى خرافات وخزعبلات يضيق بها المقام عمن سموه هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس الذي كان مفسدا في الأرض ثم تاب وكان مع نوح ثم هود ثم صالح ثم موسى ثم عيسى ثم محمد صلى الله عليه وسلم ثم مات الرسول ولم يمت "تنزيه الشريعة 1/250 ".
إلى خرافات في الإسراء والمعراج في تفسير ابن مردوية ، مكذوبة على ابن عباس في صفة السموات سماء سماء وأن الأولى من دخان والثانية من حديد والثالثة من نحاس والرابعة من فضة . . الخ
إلى تلاعب عجيب بالقرآن وفي تفسير قصة آدم بأبجد هوز حطي كلمن . . الخ، حيث يروون حديث "لكل شيء سبب وليس أحد يفطن له، وأن لأبي جاد حديثا عجيبا . أما أبجد فأبى الطاعة وجد في أكل الشجرة، وأما هوز فهوى من السماء إلى الأرض، وأما حطي فحطت عنه الخطايا، وأما كلمن فأكل من الشجرة ومن عليه بالتوبة . . الخ، قال الإمام الشوكاني بعد إيراد طرف من هذا الحديث المفترى في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: أخرجه ابن جرير في تفسيره واستطرد قائلا: وهذا ما الكذب الذي لا يصدر عن أجهل الجاهلين وأقبح المفترين، وحاشا ابن عباس وأهل طبقته ومن بعدهم أن يتكلموا بمثل هذا، فمن رواه في مؤلفه مغترا به غير عالم ببطلانه فهو أجهل من واضعه أ. هـ. "الفوائد المجموعة 463 " ولا شك أن الشوكاني قد أغلظ هنا القول جدا وابن جرير لم يسكت عن هذا وكان يروي مثل هذا للتحذير منه، ولكن لا شك أن الأولى والأحرى أنه لا يجوز أن يلتفت إلى مثل هذه الروايات الساقطة خاصة وأن هناك من يغتر بها ممن يظن أن كل سواد في بياض يعد علما وأن كل ما سمي حديثا فهو حديث، وأن مثل هذا قد يتبعه من يحبون غرائب القصص والخرافات ليوهموا العامة أنهم من أهل العلم والجمع، والحاصل أن كتب التفسير قد شحنت بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والروايات الواهية، بل قيل في بعض التفاسير فيه كل شيء إلا التفسير !! ولا شك أن هذه الروايات الواهية قد أعدمت نفع القرآن وهدايته عند من يحسن الظن بها، بل جعلت القرآن كتاب خرافة بدلا من أن يكون كتاب هداية وتبصير، بل زادوا على ذلك بأن جعلوا القرآن لكل شيء إلا الهداية فزعموا أن الرسول قال: خذوا من القرآن ما شئتم لما شئتم . وهو حديث لا أصل له مطلقا "سلسلة الأحاديث الضعيفة 557 ". ولذلك عمد المتصوفة ومن على دربهم لجعل كل آية من القرآن لشفاء مرض من الأمراض فلوجع الرأس يقرأ "وله ما سكن في الليل والنهار "وللأورام يقرأ "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا "وللحبلى المتعسرة في ولادتها يقرأ" وتضع كل ذات حمل حملها "ونحو هذا من الهذيان يجعل في كتب ويقال أن هذا أمر مجرب والرسول يقول "خذوا من القرآن ما شئتم لما شئتم "أ. هـ.
ولا شك أن ارتباط الآيات القرآنية الحكيمة بمثل هذه الأمور يصرفها عن معانيها التي أنزلت من أجلها ويحول القرآن من كتاب هداية وتربية وتبصير إلى كتاب عبث ولعب واستهزاء وأكل لأموال الناس بالباطل، ولا شك أن كل ذلك تشويه للمعتقد .
خاتمة:
العقيدة بمعناها الواسع
بعد فأرجو أن أكون بهذا البيان قد ألقيت أضواء على خطورة الأحاديث الضعيفة و المكذوبة على عقيدة الأمة، ولعل هذا الباب من أبواب الشر، أعني الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان ومازال هو أعظم أبواب الشر التي فتحت على الأمة، ولا شك أن أول ضرر عقائدي من الحديث الموضوع المكذوب هو استحلال الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن مستحل الكذب كافر، وكذلك من كان هدفه من الكذب إفساد الدين وصد الناس عن رسول رب العالمين، وأدنى من ذلك ما كان من أجل أهداف دنيوية أو لعصبية جاهلية، وقد نص العلماء على أن هذا كبيرة من الكبائر .
ولقد رأينا أن الحديث الضعيف والموضوع قد كان ومازال المستند لمعظم الانحرافات العقائدية، هذا إذا نظرنا إلى ما وضع في العقائد فقط، فكيف إذا نظرنا لعقيدة بمعناها الواسع الشامل، وهو النظر إلى الجانب في كل أمر ونهي تشريعي، فإننا سنجد أن دائرة الشر التي سببتها الأحاديث الضعيفة والواهية متسعة جدا ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة:
فالذكر مثل الصلاة والطهارة وعمل الخير كل ذلك من فروع الدين ومسائلة العملية والأحاديث الواهية والمكذوبة فيه قد يتساهل بعض الناس فيها على أنها تحث على الخير ولذلك يؤخذ بها في فضائل الأعمال، ولكنهم ينسون أحيانا الجانب العقائدي في هذه الأحاديث وهو ما يقترن بها عادة من الثواب والعقاب ممن قرأ حديث "من أغتسل من الجنابة حلالا أعطاه الله عز وجل مائة قصر من درة بيضاء وكتب له بكل قطرة ثواب ألف شهيد " الموضوعات 2/84، وحديث يا علي غسل الموتى فإن من غسل ميتا غفر له سبعون مغفرة لو قسمت منها على الخلائق لوسعتهم " نفس المرجع السابق، وحديث "إن شهر رجب عظيم، من صام منه يوما كتب الله له صوم ألف سنة ومن صام يومين كتب له صيام ألفي سنة، ومن صام ثلاثة أيام كتب له صيام ثلاثة آلاف سنة، ومن صام من رجب سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ومن صام منه خمسة عشر يوما بدلت سيئاته حسنات ونادى مناد من السماء قد غفر لك فاستأنف العمل ومن زاد زاده الله عز وجل "الموضوعات 2/84، 85 .
وحديث "من عطس فقال: الحمد لله على كل حال ما كان من حال وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته أخرج الله من منخره الأيسر طائرا يقول اللهم اغفر لقائلها " .
وحديث "من صلى علي صلاة تعظيما لحقي جعل الله عز وجل من تلك الكلمة ملكا له جناحَ في المشرق وجناحَ له في المغرب ورجلاه في تخوم الأرض وعنقه ملوي تحت العرش يقول الله عز وجل: صلي على عبدي كما صلى على نبيي فيصلي عليه إلى يوم القيامة ". تنزيه الشريعة 331 .
ونحو هذا آلاف كثيرة كلها على هذا المنوال الساذج من ترتيب ثواب عظيم جدا على عمل قليل ولا شك أن هذا مفسد للاعتقاد لأنه يؤدي في النهاية إلى توهين العمل بالشريعة ونفي الحكمة عن الخالق، بل قد أدت هذه الأحاديث فعلا إلى القول بسقوط التكاليف عند من رأى نفسه قد بلغ من الله مثل هذا الثواب الذي لا ثواب بعده على مثل هذه الأعمال اليسيرة .
2" ولا شك أن ما في كثير من هذه الأحاديث الضعيفة من ركاكة اللفظ وسخافة السياق ومخالفة المعقول ومعارضة القرآن والتناقض والاختلاف نظرا لتباين وتناقض أهداف الوضاعين، فالذين ألفوا في مدح العرب غير الذين جعلوا معاوية خير الناس وهكذا، والذين جعلوا أبا حنيفة سراج الأمة قد جعلوا الشافعي وهو مجمع على إمامته أضر على أمة محمد من إبليس، وهكذا قد أدت هذه الأحاديث الضعيفة الواهية وهي في فروع الدين وليست في أصوله إلى الطعن في الرسول ونَسَبتْ إليه التناقض وركاكة العبارة وكل ذلك طعن في العقيدة وتشويه للإسلام، وهذه جميعها في النهاية صوارف عن التمسك بالدين والالتزام بالحق والعزوف عن الإسلام .
كلمة أخيرة:
هكذا كان الحديث الضعيف بلاء كله سواء منه ما كان في العقيدة، أو ما كان في الفضائل والعمل وأن المحصلة النهائية أن كل حديث ضعيف وموضوع يلثم ثلما في الإسلام، ويضع نقطة سوداء على ثوب أبيض، ويدخل جاسوسا غريبا بين جند مخلصين ويقيم بدعة تنافس سنة وتزيحها، ولذلك كان علماء الحديث هم حراس الدين وقادة الأمة كما قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض . أ. ه، وهم كذلك أصحاب الرسول في كل وقت وحين كما قال قائلهم:
أصحاب الحديث هم أصحاب النبي وإن ****** لم يـصحبـوه أنـفاســه صـحبـوا
وأختم كلمتي بكلمة جامعة وشهادة صادقة للشيخ مصطفى السباعي حيث يقول:
ولولا أن هيأ الله لدينه العلماء الأثبات الأئمة الحفاظ من كل مصر وعصر يذبون عن شريعة الله تحريف المحرفين، ويجردون سنة رسول الله من كل ما خالطها من دس وتحريف، لكانت المصيبة شاملة، ولكانت معالم الحق في دين الله مطموسة، لا نستطيع أن نهتدي إليها إلا بشق الأنفس، وهيهات أن نصل إلى اللباب الحق لولا نهضة السلف الجبارة التي قاوموا بها الوضع و الوضاعين، وحفظوا بها حديث رسول الله من الكذب والكذابين إلى يوم القيامة أ. هـ. "السنة ومكانتها في التشريع 89 ".
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء المرسلين ومن أرسله الله رحمة للعالمين، وقائدا للغر المحجلين، و سيدا للبشر أجمعين .
------------------
عليكم باتباع الكتاب و السنة و على منهج السلف الصالح
عليكم بالتصفية و التربية
عليكم بالعلم النافع و العمل الصالح
________________________________
عبد الرحمن عبد الخالق
الكويت في يوم الخميس
28 من ذي القعدة سنة 1405
الموافق 15/8/1985