بحوث ومقالات في كتاب "نهج البلاغة" ..
الكاتب: سليمان بن صالح الخراشي
نسبة نهج البلاغة لعلي – رضي الله عنه - دعوى باطلة بعشرة أوجه
قال محمد العربي التباني في كتابه " تحذير العبقري من محاضرات الخضري " في بيان كذب الشيعة على علي رضي الله عنه عندما نسبوا له ( كل ) ما في كتاب " نهج البلاغة " الشهير :
الأول : عدم نقد العلماء الذين جاؤوا من بعد الشريف المرتضى إلى عصرنا لنهج لا يكون حجة على صحة نسبته لحيدرة رضي الله تعالى عنه عند العقلاء.
الثاني : عدم نقدهم له مفرع عن اطلاعهم كلهم عليه في هذه القرون العديدة وإقرارهم نسبته لعلي رضي الله تعالى عنه ، واطلاعهم كلهم عليه في هذه القرون العديدة وإقرارهم له مستحيل عادة وإن جاز عقلا.
الثالث: اتفاقهم كلهم على صحة نسبته لحيدرة على فرض اطلاعهم عليه ليس بحجة أيضًا ؛ لأنه بلا أسانيد توصل مؤلفه بحيدرة.
الرابع: الخوارج والرافضة والمعتزلة أبعد أهل الإسلام عن الرواية وأجهلهم بها وأعداهم لها ولحملتها، فالخوارج والرافضة لتضييقهم دين الإسلام وحصره فيهم ؛ بتكفير الخوارج لجل الصحابة ما عدا الشيخين وجماعة قليلة والأمة الإسلامية كلها ، والرافضة للصحابة كلهم ما عدا علياً وأولاده والأمة الإسلامية كلها ، والمعتزلة لجعلهم العقل أصلاً والنقل فرعاً تابعاً مؤكداً له، لذلك يزدرون أهل السنة والجماعة ويلقبونهم بالحشوية وعليه :
فالخامس : الشريف المرتضى ليس من أهل الرواية ؛ لأنه رافضي إمامي معتزلي بين وفاته ووفاة علي بن أبي طالب أربعمائة سنة إلا أربعاً.
السادس: على تقدير أنه من أهلها ؛ بينه وبين حيدرة على أقل تقدير سبع طبقات من الرواة وقد حذفهم وقطع كتابه منهم :
وكل مالم يتصل بحال إسناده منقطع الأوصال
فمجرد قوله فيه (من خطبة له عليه السلام ..من كلام له عليه السلام) لا يدل على مطلق نسبته لحيدرة ، ولو نسبة ضعيفة عند أهل الرواية ، فضلاً عن كونها صحيحة.
السابع: لو فرض أن لكل ما يتعلق فيه بسبب الصحابة والتعريض بهم سنداً متصلاً بحيدرة لوجب البحث فيه عن أحوال رجاله واحداً واحداً على طريق فن الرواية.
الثامن: إذا قطع النظر عن هذه الأوجه يكفي في بطلانه أمران ظاهران : النيل من أعراض سادات الصحابة ( الخلفاء الراشدين ) تصريحاً وتعريضاً ، والسجع المتكلف الظاهر التوليد الذي تنبو عنه فصاحة الصحابة والهاشميين، ولقد كان من واجب محمد عبده ( المعتني بطبع الكتاب ) عند المتغالين فيه في كل فن وخاصة في اللغة والكتابة ألا يخفى عليه هذا السجع المصطنع الذي يجزم كل من له إلمام بالعربية بأنه بعيد من فصاحة الصحابة السليقية . ولأجله جزم الصفدي والأدباء العصريون الذين عبر عنهم الأستاذ محمد محيي الدين بصيغة الإبهام بأنه من وضع الشريف المرتضى في قوله : " ولكن بعض المعروفين من أدباء عصرنا يميلون إلى أن بعض ما في الكتاب من خطب ورسائل لم يصدر عن غير الشريف المرتضى جامع الكتاب " . وجل الكتاب خطب ورسائل فليست بعضاً كما قال.
التاسع: ليس السب تصريحاً وتلويحاً وتعريضاً والهمز واللمز من أخلاق عامة المؤمنين فضلاً عن ساداتهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فضلاً عن سادات الصحابة مثل حيدرة رضي الله تعالى عنه ، فصدور ما في نهج البلاغة من ذلك عنه مستحيل ؛ لأنه منابذ لما وصفه الله به مع جميع الصحابة في كتابه العزيز من الأخلاق العالية، وقد ثبت عنه رضي الله عنه في التاريخ القطعي والظني احترامه لجميع الصحابة وخصوصاً الشيخين، وقد نقلت منه شيئاً كثيراً فيما مضى عن أئمة الرواية ؛ منه قوله : من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد الفرية ، وتفضيلهما مع عثمان على نفسه في خطبة خطبها حضرها جم غفير من المسلمين ، ثبت ذلك عنه من طرق كثيرة عن ابنه محمد بن الحنفية وغيره يجزم من تتبعها بصدور ذلك عنه. قال الحافظ الذهبي : وقد تواتر ذلك عنه في خلافته وكرسي مملكته وبين الجم الغفير من شيعته .. ثم بسط الأسانيد الصحيحة في ذلك قال ويقال رواه عن علي نيف وثمانون نفساً وعدّد منهم جماعة، والرافضة وأشباههم لما لم يمكنهم إنكار صدور هذا القول منه لظهوره منه بحيث لا ينكره إلا جاهل بالآثار أو مباهت قالوا : إنما قال علي ذلك تقية !! وما أحسن ما أبطل به الباقر هذه التقية المشؤومة لما سئل عن الشيخين فقال : إني أتولاهما ، فقيل له : إنهم يزعمون أن ذلك تقية ؟ فقال : إنما يخُاف الأحياء ولا يخاف الأموات ، فعل الله بهشام بن عبدالملك كذا وكذا ، أخرجه الدارقطني وغيره ،وهشام إذ ذاك خليفة ، فلم يخف منه ، وبعد هذا : فكل مسلم أحكم عقيدته في الصحابة رضوان الله تعالى عليهم بالاطلاع على شمائلهم الكريمة الواردة في القرآن الكريم المستفيضة في كتب السنة يجزم بأن أكثر ما في نهج البلاغة أباطيل موضوعة على أمير المؤمنين رضي الله عنه ، هو برئ منها .
العاشر: قال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال : "علي بن الحسين العلوي الحسيني المتوفى 426 الشريف المرتضى المتكلم الرافضي المعتزلي وهو المتهم بوضع كتاب نهج البلاغة، ومن طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ففيه السب الصراح والحط على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، وفيه التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفَس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن أكثره باطل " اه، وأيده الحافظ ابن حجر في لسانه ). انتهى كلام محمد التباني .
قلت : وللزيادة انظر كتاب الشيخ مشهور سلمان – وفقه الله – ( كتب حذر منها العلماء ) ( 1/250..)
نهج البلاغة
كتاب نهج البلاغة كتاب بغير إسناد ، فسواء أكان من تأليف وجمع الشريف الرضى المتوفى سنة 406 ه ، أم أخيه الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 ه ، فليس متصل الإسناد إلى الإمام على رضي الله عنه بل كان التأليف والجمع بعد ما يقرب من أربعة قرون ، وكما قال عبد الله بن المبارك وابن سيرين وغيرهما : " لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " .
وروى الإمام الحاكم بسنده عند عبد الله بن المبارك قال : " الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء "، ثم قال بعد هذا وهو شيعي لكنه غير رافضى : " فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له ، وكثرة مواظبتهم على حفظه ، لدرس منار الإسلام ، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث ، وقلب الأسانيد ، فإن الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فيها كانت بترا " .
وروى أن ابن أبى فروة ذكر أحاديث بغير إسناد فقال له الزهرى : " قاتلك الله يا بن أبى فروة ، ما أجرأك على الله ! لا تسند حديثك ؟ تحدثنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة " ! .
( انظر كتابه معرفة علوم الحديث ص 6 ) .
فكتاب نهج البلاغة إذا بغير خطم ولا أزمة ، ولا وزن له من الناحية العلمية . وفى ضوء المنهج العلمى لا يعتبر حجة في أي فرع من فروع الشريعة فضلا عن أصول العقيدة .
وإذا ثبت أن هذا الكتاب للشريف الرضى كما سيأتي فإن هذا الشاعر رافضى جلد لا يحتج بروايته كما هو معلوم من ترجمته ، وهذا يعنى أن نهج البلاغة لو كان مسندا عن طريقه فلا يجوز الإحتجاج بما جاء فيه . فلو كان مسندا فليس بحجة ، فما بالك إذا خلا تماما عن الإسناد ؟ !
وفى عام 1406 ه ( 1986 م ) ظهرت طبعة جديدة للكتاب ، وجاء تحت العنوان ما يأتي :
نسخة جديدة محققة وموثقة ، تحوى ما ثبت نسبته للإمام على رضي الله عنه وكرم الله وجهه من خطب ورسائل وحكم . تحقيق وتوثيق دكتور صبرى إبراهيم السيد ، تقديم العلامة المحقق الأستاذ عبد السلام محمد هارون .
فلننظر في هذه النسخة لنرى ماذا قال أستاذنا رحمه الله في تقديمه ، ولنرى نتيجة التحقيق والتوثيق . قال أستاذنا في التقديم :
إنها قضية ذات كتاب : أو كتاب ذو قضية . فكتابنا هذا " نهج البلاغة "يعد في طليعة أمهات كتب الأدب العربى . ولا تكاد مكتبة أديب حفى بالتراث العربى تخلو من الظفربه أو اقتنائه .
وكنا إلى الأمس القريب في ريبتين اثنتين منه : أولاهما : من هو صانع هذا الكتاب ؟ أهو الشريف الرضى ، أم هو أخوه المرتضى ؟ والأخرى : مدى صحة هذا الحشد الهائل من الخطب والرسائل والحكم ، أو بعبارة أدق : ما مدى توثيق هذا الكم الضخم ونسبته إلى الإمام على كرم الله وجهه ؟ من ذا الذي يقضى في هذه المسائل ؟ فإن كثيرين من علماء القرن السادس الهجرى يزعمون أن معظم هذه النصوص لا يصح إسناده إلى الخليفة الإمام ، وإنما هو من صناعة قوم من فصحاء الشيعة ، صنعوه ليزيدوا الناس يقينا بما عرفوه من فصاحة الإمام واقتداره، مع أن فصاحة وبلاغة وسمو بيانه لا تحتاج إلى دليل ، أو تفتقر إلى برهان ، وزعموا أيضا أن الشريف الرضى أو غيره من الشيعة نظموا أنفسهم في سلك هؤلاء الأقوام .
وقالوا : إنه مما يحير هذا الشك ويقويه ، ما اشتمل عليه هذا الكتاب من تعريض بالصحابة في غير ما موضع : وإن السجع والصناعة اللفظية تظهر في كثير من جوانبه على خلاف المعهود في نتاج هذا العصر النبوي .
قالوا : إن فيه من دقة الوصف ، وغرابة التصوير ما لم يكن معروفا في آثار الصدر الأول الإسلامي ، كما أنه يطوى في جنباته كثيرا من المصطلحات التي لم يتداولها الناس بعد أن شاعت علوم الحكمة ، كالأين والكيف ، إلى ما فيه من لغات علم الكلام وأبحاث الرؤية الإلهية ، والعد ، وكلام الخالق ، ومالم يكن معهودا كذلك من التقسيمات الرياضية ذات النظام .
وقالوا : إن الكتاب مشتمل على ادعاء المعرفة بالغيبيات ، وهو الأمر الذي يجل قدر الإمام على بن أبى طالب وإيمانه الصريح الخالص عن التلبس له أو اصطناعه .
وأن في الكتاب تكرارا للمقاطع بالتطويل تارة ، وبالإيجاز أخرى ، وأن كثيرا من نصوصه لم يظهر فيما أثر من كتب الأدب والتاريخ التي صنعت قبل الشريف الرضى أو أخيه ، وأن فيه تطويلا يتجاوز حد الغلو في بعض نصوصه ، كعهده إلى الأشتر النخعى . دع عنك ما يسرى فيه من مظاهر التشيع المذهبى ، والتعصب الشيعي التي يعلو قدر الإمام عنها .
وأمر آخر يريب : وهو أن جامع هذه النصوص لم يسجل في صدر كتابه أو أثنائه شيئا من مصادر التوثيق والرواية ، كما هو المألوف في أمثال هذه الكتب التي ينظر إليها بعين خاصة ، وهذه كلها شبهات تعلو ، ومسائل تطفو ، تحمل الباحث على كثير من التأمل ، وطويل من الدرس . شبهات ومسائل كانت تحيك في صدر كل دارس لهذا الكتاب الخالد ، ويود لو أن قد تفرغ لدراستها من يزيل عنها تلك الأوضار ، ليظهر من بينها يقين التحقيق .
لهذا كله كانت غبطتى بهذا البحث الذي تولاه باحث أعرف فيه الدقة والصبر، وأعرف فيه خلة التأنى ، فقد استطاع الدكتور صبرى أن يحقق نسبة الكتاب إلى الشريف الرضى بما لا يدع مجالا للشك .
ويمكن من تحقيق نسبة النصوص في هذا الكتاب بمختلف ضروبها من خطب ورسائل وحكم إلى أصحابها ، ومن بينها ما صحت نسبته إلى الإمام على في جملتها وتفصيلها ، أو في تفصيلها فقط دور جملتها . وهذا أمر يحدث للمرة الأولى بين الباحثين في هذا الكتاب بهذا الأسلوب المنهجي الفريد " ا . ه
وبعد هذا التقديم نأتى إلى نتائج التوثيق التي انتهى إليها الدكتور صبرى ، حيث قال :
وهكذا أجد نفسى بعد هذه الجولة التوثيقية أمام مستويات خمسة من النصوص :
1- نصوص ثبتت نسبتها إلى الإمام علي.
2- نصوص رواها الشيعة وحدهم .
3- نصوص لم يروها أحد .
4- نصوص مشكوك في صحة نسبتها لأسباب خاصة .
5- نصوص ثبتت نسبتها لآخرين .
( انظر ص 81 : 97 )
والذى يعنينا هو المستوى الأول فقط . وكيف استطاع المحقق إثبات نسبتها إلى الإمام على ؟
بين المحقق منهجه في التوثيق حيث قال : ( ص 65 )
" وهأنذا أحاول استكشاف ما في بطون الكتب الأدبية والتاريخية من نصوص أوردها صاحب النهج ، ملتزما في ذلك باعتماد أقوال من سبقوا الشريف الرضى ، أو عاصروه ، واستبعاد من جاءوا بعده أو لم يعاصروه " .
وقبل أن ننظر في مراجع المحقق نراه هنا يذكر أنها كتب أدبية وتاريخية،وهذه الكتب كما نعلم ليست حجة في أي فرع من فروع الشريعة ، فما بالك بأصول العقيدة ؟ !
بعد نتائج التوثيق انتقل المحقق إلى تحقيق النصوص وتوثيقها ، وبدأها بتوثيق الخطب :
أثبت الخطبة الأولى من أولها إلى قوله : " ولا وقت معدود " ، ومرجعه العقد الفريد لابن عبد ربه . ( انظر ص 101 ) وهى هنا خمسة أسطر فقط ، وفى الأصل أكثر من خمسين ومائة سطر . والثانية نصف سطر ، وقال المحقق ( ص 101 ) : الكلمة موجودة في تاريخ اليعقوبى . والثالثة في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ( ص 102 ) قلت : الكتاب غير صحيح النسبة لابن قتيبة . وهكذا نجد مراجع المحقق من هذا النوع من الكتب التي لا تعتبر إطلاقا مراجع معتمدة في مجال الشريعة . وفى ص 297 : 309 ذكر مراجع البحث والتوثيق . وبالنظر فيها نراها كما ذكر المحقق من كتب الأدب والتاريخ ما عدا مسند الإمام أحمد ، وقد سبق جمع ما في المسند ودراسته ، إذن لا يجوز ذكر شىء مما جاء في نهج البلاغة ليحتج به في أي مجال من مجالات الشريعة ، ولسنا بعد هذا في حاجة إلى مناقشة ما يذكره هذا الرافضي ، وبيان أن ما جاء به من طعن في الصحابة الكرام الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وخيرهم الشيخان ، يتعارض مع كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما ثبت متواترا وصحيحا عن الإمام على هو نفسه، رضي الله عنه.
لمن ينسب نهج البلاغة
كتاب "نهج البلاغة"من الكتب المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وفيه كثير من الأمور التي وقع فيها الخلاف بين المنتسبين إلى الإسلام ، وتبعا للقاعدة العلمية العظيمة التي سار عليها أئمة الإسلام امتثالاً للأمر الشرعي بالتثبُّت فإننا لا بدَّ أن نرجع إلى أهل العلم والاختصاص للتأكد من صدق ما ينسب إلى علي رضي الله عنه لأن ما ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم له أثره في الشريعة ، لا سيما من كان مثل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الذي غلا في حقه من غلا وقصَّر من قصَّر ووفق الله أهل السنة للتوسط .
وبالرجوع إلى كلام أهل العلم في هذا الكتاب وبالنظر والمقارنة بين ما فيه وما ثبت بالأسانيد الصحيحة عن علي رضي الله عنه ، يتبيَّن ما في هذا الكتاب من أمور تخالف ما ثبت عنه رضي الله عنه ، ولنترك الكلام لبعض هؤلاء الأئمة الأعلام :
قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة المرتضى علي بن حسين بن موسى الموسوي (المتوفى سنة436ه) قلت : هو جامع كتاب " نهج البلاغة" , المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي -رضي الله عنه- , ولا أسانيد لذلك , وبعضها باطل , وفيه حق , ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها , ولكن أين المنصف؟! وقيل : بل جمع أخيه الشريف الرضي ... وفي تواليفه سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فنعوذ بالله من علم لا ينفع . سير أعلام النبلاء 17/589 .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( أكثر الخطب التي ينقلها صاحب "نهج البلاغة "كذب على علي ، وعليٌّ رضي الله عنه أجلُّ وأعلى قدرا من أن يتكلم بذلك الكلام ، ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدح ، فلا هي صدق ولا هي مدح ، ومن قال إن كلام علي وغيره من البشر فوق كلام المخلوق فقد أخطأ ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فوق كلامه ، وكلاهما مخلوق ... وأيضا فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام علي موجودة في كلام غيره ، لكن صاحب نهج البلاغة وأمثاله أخذوا كثيرا من كلام الناس فجعلوه من كلام علي ، ومنه ما يحكى عن علي أنه تكلم به ، ومنه ما هو كلام حق يليق به أن يتكلم به ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره ، ولهذا يوجد في كلام البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير علي وصاحب نهج البلاغة يجعله عن علي ، وهذه الخطب المنقولة في كتاب نهج البلاغة لو كانت كلها عن علي من كلامه لكانت موجودة قبل هذا المصنف منقولة عن علي بالأسانيد وبغيرها ، فإذا عرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيرا منها بل أكثرها لا يعرف قبل هذا علم أن هذا كذب ، وإلا فليبيِّن الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك ، ومن الذي نقله عن علي ، وما إسناده ، وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد ، ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث ومعرفة الآثار والمنقول بالأسانيد وتبين صدقها من كذبها ؛ علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن علي من أبعد الناس عن المنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها ). منهاج السنة النبوية 8/55 .
وممن أشار إلى الكذب فيه أيضاً الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/161 ، وكذلك القاضي ابن خلكان ، والصفدي وغيرهم ، وخلاصة المآخذ التي قيلت فيه يمكن حصرها في التالي :
1) بين مؤلف الكتاب وبين علي رضي الله عنه سبع طبقات من الرواة وقد قام بحذفهم كلهم ، ولهذا لا يمكن قبول كلامه من غير إسناد.
2) لو ذكر هؤلاء الرواة فلا بد من البحث عنهم وعن عدالتهم .
3) عدم وجود أكثر هذه الخطب قبل ظهور الكتاب يدل على وضعها .
4) المرتضى صاحب الكتاب ليس من أهل الرواية بل إنه من المتكلم في دينه وعدالته .
5) ما فيه من سب لسادات الصحابة كافٍ في إبطاله .
6) ما فيه من الهمز واللمز والسب مما ليس هو من أخلاق المؤمنين فضلا عن أئمتهم كعلي رضي الله عنه .
7) فيه من التناقض والعبارات الركيكة ما يعلم قطعاً أنه لا يصدر عن أئمة البلاغة واللغة .
كونه أصبح عند الرافضة مسلَّماً به ومقطوعاً بصحته كالقرآن مع كل هذه الاعتراضات يدل على عدم مراعاتهم في أمور دينهم لأصول التثبت والتأكد السليمة .
وبناءً على ما تقدم ذكره يتبين عدم ثبوت نسبة هذا الكتاب لعلي رضي الله عنه ، وعليه ؛ فإن كل ما فيه فإنه لا يحتج به في المسائل الشرعية أيًّا كانت ، أما من قرأه ليطالع بعض ما فيه من الجمل البلاغية فإن حكمه حكم بقية كتب اللغة ، من غير نسبة ما فيه لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه . (أنظر كتاب " كتب حذًّر منها العلماء" 2/250 ) .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (
www.islam-qa.com)