العدالة ورواية المبتدع ..
العدالة تنقسم إلى قسمين تنقسم إلى قسمين:
فالعدالة هي: " الإ ستقامة " وهذه الإستقامة مرجعها إلى الإعتقاد والأقوال والأعمال. فلا بد أن يكون الإعتقاد والأقوال والأعمال مستقيمة حتى يكون هذا الراوي مستقيماً وعدلاً. لكن أحياناً قد تتخلف بعض هذه الأشياء ومع ذلك لا يضر هذا الراوي فيما يتعلق بالحكم عليه من حيث الثقة وعدم ذلك.
فمثلاً المبتدع إذا لم تكن بدعته بدعة كبرى تخرجه من الملة. فهذا لا ينافي أن يحكم عليه بالثقة. وذلك أنه إذا كان صادقاً وكان حافظاً وضابطاً، فهذا لا يمنع من إطلاق الثقة عليه وإن كان هوليس بعدل فيما يتعلق بالإعتقاد وذلك بسبب ابتداعه لأن هذا ليس له دخل في الحكم على الراوي من حيث الثقة وعدم ذلك. تلك الثقة التي تدعونا لقبول الإسناد وعدم رده. ولذلك أهل العلم وثقوا كثيراً من الرواة ممن وصف ببدعة وقبلوهم في مجال الرواية وصححوا أحاديثهم.
مثال ذلك: محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله، قال في صحيحه: " حدثنا عباد بن يعقوب الراوجني الثقة في حديثة، المتهم في دينه ". ففرق مابين توثيقه في
حديثه وما بين اعتقاده فقال: " المتهم في دينه " وذلك أنه متهم بالتشيع، ففي الحقيقة أن البدعة لا يرد بها الخبر مطلقاً على القول الصحيح، سواءً كان هذا الراوي روى فيما يؤيد بدعته أوفيما لا يؤيد بدعته. وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: رد رواية المبتدع مطلقاً. وأن الراوي المبتدع لا يقبل في مجال الرواية، وبالتالي لا يصح خبره ولا يقبل.
وهذا القول يذهب إليه أحياناً " أبوحاتم بن حبان البستي " صاحب الصحيح وهناك أمثلة على تضعيفه لبعض الرواة من أجل بدعة ثقتهم في حديثهم. فمثلاً أنه ضعف " حريز بن عثمان الرحبي" وهوثقة ثبت وإنما الذي دعاه إلى تضعيفه، هوما يتعلق ببدعته ألا وهى بدعة النصب، فلذلك ذهب إلى تضعيفه مع أنه ثقة ثبت وممن يذهب إلى ذلك أبوإسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وخاصة فيمن وصف بالتشيع، فكان يرد حديث من هوموصوف بذلك. إلا نفراً من الرواة ممن اشتهروا بالحفظ والضبط. كأبي إسحاق عمروبن عبد الله السبيعي، وسليمان بن مهران الأعمش، مع أنه حاول أن يرد أحاديثهم، ثم قبلهم. ولذلك دائماً يصف الراوي إذا كان من أهل الكوفة وموصوفاً بالتشيع، فدائماً يصفه بأنه " زائغ مفتري "، والأمثلة على فعل الجوزجاني كثيرة ويكفي في ذلك أن تقرأ كتاب (الشجرة في معرفة أحوال الرجال) له، فتجد الأمثلة الكثيرة.
القول الثاني: هوالتفصيل: فإذا كان هذا الراوي روى حديثاً يؤيد بدعته فهنا لا يقبل، وأما إذا روى حديثاً لا يؤيد بدعته فيقبل , وهذا التفصيل قال به إبراهيم بن إسحاق الجوزجاني كذلك، واختاره كثير من المتأخرين ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله
القول الثالث: أن البدعة لا تؤثر على الراوي. إذا ثبت أنه حافظ ضابط وصادق ليس بكاذب، وهذا قول جمهور النقاد، جمهور المتقدمين وعلى رأسهم" الإمام علي بن المديني ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان" وغيرهم، وعلى هذا المذهب البخاري ومسلم والترمذي والنسائي" وغيرهم من أهل العلم بالحديث.
ومن ذلك أن مسلم بن الحجاج - رحمه الله - خرج من طريق عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: " إنه لعهد النبي الأمي إلى أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" وعدي بن ثابت" موصوف بأنه قاص الشيعة. ولا شك أن هذا الحديث قد يكون فيه تأييد لبدعته. وهولا يدل على ذلك. ومع ذلك خرج الإمام مسلم هذا الحديث له من طريقه. وحتى أن أبا نعيم صاحب الحلية عندما روى هذا الحديث في كتابه قال هومتفق على صحته، ويعني بقوله هذا أن هذا الحديث قد جمع شروط القبول التي يشترطها أهل العلم بالحديث فهوله اصطلاح خاص في قوله متفق على صحته فليست عنده ما رواه البخاري ومسلم وإنما معناها ما أسلفنا. ومن الأمثلة على ذلك هذا الحديث رواه وقال متفق على صحته، فأقول إن القول الثالث هوالقول الصحيح لأنه:
أولاً: قول المتقدمين من أهل العلم بالحديث.
ثانياً: أنه الذي جرى عليه العمل.
ثالثاً: أنه الذي يدل عليه الدليل وذلك أنا قد وثقنا هذا الراوي فيما يتعلق بضبطه
وحفظه. وكذلك أيضاً قد صدقناه فيما يتعلق بصدقه، ولم نجد له حديثاً منكرا. فحكمنا على هذا الراوي أنه ثقة إذاً علينا أن نقبل روايته سواء كانت هذه الرواية تتعلق ببدعته أولا وأما القول بأن الراوي إذا روى حديثاً يؤيد بدعته أنه يرد حديثه وإذا روى حديثا لا يؤيد بدعته فإنه يقبل حديثه، فهذا قول فيه تناقض وتدافع، وذلك لأنك قد حكمت عليه بأنه ثقة فيلزم من هذا قبولك لحديثه، وإما إذا رددت حديثه فيما يؤيد بدعته فهذا مصير منك إلى عدم القول بثقته، وإلى الشك في ثقته، وإلى إمكان كذبه وإتيانه بشيء يؤيد بدعته، إذن لم تثبت لك ثقة هذا الراوي، وقد حكمت قبل ذلك بأنه ثقة فهذا القول ضعيف وليس بصحيح وهذا ما يتعلق بمسألة العدالة.
قال الجوزجاني في كتابه الشجرة في معرفة الرجال (32) عن الرواة (ومنهم زائغ عن الحق، صادق اللهحة، فليس فيه حيلة، إلا أن يؤخذ من حديثه مالا يكون منكرا إذا لم يقوبه بدعته).
وقال ابن حجر في لسان الميزان (1/ 11) (وينبغي أن يقيد قولنا بقبول رواية المبتدع إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية بشرط أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشيدها فآنا لأنعمن حينئذ عليه من غلبة الهوى والله الموفق).قال ابن حجر في النخبة (136) (ثم البدعة إما بمكفر، أوبمفسق: فلأول: لا يقبل صاحبها الجمهور. والثاني: يقبل من لم يكن داعية في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته، فيرد على المختار، وبه صرح الجوزجاني شيخ النسائي)
قال ابن المديني قلت ليحيى بن سعيد إن عبد الرحمن أي (ابن مهدي) يقول: اترك من كان رأساً في البدعة يدعوإليها قال: فكيف يصنع بقتادة وابن أبي رواد وعمر بن ذر، وذكر قوماً ثم قال يحيى إن ترك هذا الضرب ترك ناساً كثيراً).السير (5/ 278)
قال الذهبي في الميزان (3/ 61) (عدي بن ثابت عالم الشيعة وصادقهم وقا صهم وإمام مسجدهم)
والعدالة على قسمين:
1. أن تكون هذه العدالة في الاعتقاد.
2. أن تكون هذه العدالة في الأقوال والأعمال.
ففيما يتعلق بالعدالة بالاعتقاد بينت أنها لا تؤثر فيما يتعلق بصحة الحديث وعدمه وأما ما يتعلق بالأقوال والأعمال. فلا شك أنها مؤثرة إن كان هذا الإنسان يكذب في أقواله فلا شك أن هذه العدالة منقوضة ومردودة. وكذلك أيضاً إن كانت أعماله غير مستقيمة وذلك أن يكون هذا الراوي مثلاً يشرب الخمر أويزني، فهذه الأشياء في الغالب تؤدي به إلى أن لا يكون مستقيماً في قوله. فتؤدي إلى رد خبره، أويكون تاركاً للصلاة أوالزكاة أوالحج أوالصوم. ففي تركه للصلاة يكون هذا كفراً له مخرجاً من الملة. فإذن العدالة فيما يتعلق بالقول والعمل لا بد منها. وأما فيما يتعلق بالاعتقاد فهذا لا يؤثر.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (1/ 5) (قد يقول قائل: كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والإتقان؟ وجوابه: أن البدعة على ضربين:1 - فبدعة صغرى كغلوالتشيع، أوكالتشيع بلا غلوولاتحرف فهذا كثير في التابعين وتابعيه الدين والورع والصدق، فلورد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة 2 - بدعة كبرى: كالرفض الكامل والغلوفيه، والحط على أبي بكر وعمر والدعاء إللى ذلك فهذا النوع لا يحتج بحديثهم ولاكرامة. قال الذهبي في السير (7/ 154):هذه مسألة كبيرة وهى القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه، ولم يكن داعيا إلى بدعته فالذي عليه أكثر العلما قبول روايته والعمل بحديثه، وترددوا في الداعية هل ي} خذ عنه؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه وهجرانه. وقال بعضهم: إذا علمنا صدقه وكان داعية ووجدنا عنده سنة تفرد بها فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه عن دائرة الإسلام، ولم تبح دمه فإن قبول ما رواه سائغ وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي، الذي اتضح لي منها أن متن دخل في بدعة ولم يعد من رؤؤسها ولاأمعن فيها يقبل حديثه…قال الذهبي في الميزان (1/ 5) في ترجمة أبان بن تغلب: شيعي جلد لكنه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته.
وقال في السير (7/ 21):قد لطخ بالقدر جماعة، وحديثهم في الصحيحين أوأحدهما لأنهم موصوفون بالصدق والإتقان.
وقال في السير (19/ 368):العمدة في ذلك صدق المسلم الراوي، فإن كان ذا بدعة أخذ عنه، والإعراض عنه أولى، ولاينبغي الأخذ عن معروف بكبيرة، والله أعلم. وقال في السير (13/ 395):له أسوة بخلق كثير من الثقات الذين حديثهم في الصحيحين أوأحدهما ممن له بدعة خفيفة بل ثقيلة، فكيف الحيلة؟ نسأل الله العفووالسماح.
وقال الذهبي في الميزان (1/ 27) (اختلف الناس في الإحتجاج برواية الرافضة على ثلاثة أقوال:
1 - المنع مطلقاً. 2 - الترخيص مطلقاً إلا فيمن يكذب. 3 - التفصيل.
فتقبل رواية الرافضي الصدوق العارف بما يحدث.
وترد رواية الرافضي الداعية ولوكان صدوقاً.
قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1/ 1.) (فالننع من قبول رواية المبتدعة الذين لم يكفروا ببدعتهم كالرافظة والخوارج ونحوهم ذهب إليه مالك وأصحابه والقاضي أبوبكر الباقلاني وأتباعه والقبومطلقا إلا فيمن يكفر ببدعته وإلا فيمن يستحل الكذب ذهب إليه أبوحنيفة وأبويوسف وطائفة وروى عن الشافعي وأما التفصيل فهوالذي عليه أكثر أهل الحديث بل نقل فيه ابن حبان اجماعهم ووجه ذلك أن المبتدع إذا كان داعية كان عنده باعث على رواية ما يشيد به بدعته).
أنظر الباعث الحثيث (1/ 299)، الموقظه (85)، تدريب الراوي (1/ 383)
نقلا عن شيخنا السعد بزيادة وتصرف