موقع الفرقان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دعاء من أصابته مصيبة ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول كما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها (رواه مسلم632/2) دعاء الهم والحزن ما أصاب عبداُ هم و لا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي " . إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً رواه أحمد وصححها لألباني.لكلم الطيب ص74 اللهم إني أعوذ بك من الهم والخزن ، والعجز والكسل والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال ". كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء دعاء الغضب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم رواة مسلم .2015/4 دعاء الكرب لاإله إلا الله العظيم الحليم ، لاإله إلا الله رب العرش العظيم ، لاإله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم متفق عليه قال صلى الله عليه وسلم دعاء المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً صحيح . صحيح سنن ابن ماجه(959/3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعوة النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت :" لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له . صحيح .صحيح الترمذي 168/3 دعاء الفزع لا إله إلا الله متفق عليه ما يقول ويفعل من أذنب ذنباً ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الطهور ، ثم يقوم فيصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غُفر له صحيح صحيح الجامع 173/5 من استصعب عليه أمر اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً رواة ابن السني وصححه الحافظ . الأذكار للنووي ص 106 ما يقول ويفعل من أتاه أمر يسره أو يكرهه كان رسول الله عليه وسلم إذا أتاه أمر ه قال :الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و إذا أتاه أمر يكرهه قال : الحمد الله على كل حال صحيح صحيح الجامع 201/4 كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره أو يُسر به خر ساجداً شكراً لله تبارك وتعالى حسن . صحيح ابن ماجه 233/1) مايقول عند التعجب والأمر السار سبحان الله متفق عليه الله أكبر البخاري الفتح441/8 في الشيء يراه ويعجبه ويخاف عليه العين إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ، فإن العين حق صحيح. صحيح الجامع 212/1.سنن أبي داود286/1 . اللهم اكفنيهم بما شئت رواه مسلم 2300/4 حاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم رواه مسلم 1363/3 دعاء صلاة الاستخارة قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمُنا السورة من القرآن ، يقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، و أ ستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -يسمي حاجته - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجلة و اجله - فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال : عاجله و أجله - فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به رواه البخاري146/8 كفارة المجلس من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه ؟ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك . صحيح. صحيح الترمذي 153/3 دعاء القنوت اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي و لا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت صحيح. صحيح ابن ماجه 194/1 اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " صحيح. صحيح ابن ماجه 194/1 اللهم إياك نعبد ، و لك نُصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحقدُ ، نرجُو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إن عذابك بالكافرين ملحق ، اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونثني عليك الخير ، ولا نكفرك ، ونؤمن بك ونخضع لك ، ونخلع من يكفرك . وهذا موقف على عمر رضي الله عنه . إسناد صحيح . الأوراد171/2-428 مايقال للمتزوج بعد عقد النكاح بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير صحيح. صحيح سنن أبي داود 400/2 اللهم بارك فيهما وبارك لهما في أبنائهما رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني. آداب الزفاف ص77) على الخير والبركة وعلى خير طائر رواه البخاري 36/7 ( طائر : أي على أفضل حظ ونصيب ، وطائر الإنسان : نصيبه) ما يقول ويفعل المتزوج إذا دخلت على زوجته ليله الزفاف يأخذ بناصيتها ويقول : اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جلبت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جُلبت عليه حسن . صحيح ابن ماجه 324/1 الدعاء قبل الجماع لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً متفق عليه الدعاء للمولود عند تحنيكه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يؤتي بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم صحيح . صحيح سنن أبي داود 961/3) (التحنيك : أن تمضغ التمر حتى يلين ، ثم تدلكه بحنك الصبي) ما يعوذ به الأولاد أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامه ، وكل عينِ لامه رواه البخاري الفتح 408/6 من أحس وجعاً في جسده ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ، ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بالله وقُدرته من شر ما أجد وأحاذر رواه مسلم1728/4 مايقال عند زيارة المريض ومايقرأ عليه لرقيته لابأس طهور إن شاء الله رواه البخاري 118/4 اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً ، أو يمشي لك إلى جنازة صحيح . صحيح سنن أبي داود 600/2 مامن عبد مسلم يعود مريضاً لم يحضر أجله فيقول سبعة مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي صحيح . صحيح الترمذي 210/2 بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس ، وعين حاسدة بسم الله أرقيك ، والله يشفيك صحيح . صحيح الترمذي 287/1 أذهب الباس ، رب الناس ، إشف وأنت الشافي لاشفاء إلا شفاء لايُغادر سقماُ رواه البخاري الفتح 131/10 تذكرة في فضل عيادة المريض قال صلى الله عليه وسلم : إن المسلم إذا عاد أخاه لم يزل في خرفة الجنة صحيح. صحيح الترمذي 285/1 قيل ما خُرفة الجنة ؟ قال : جناها . وقال صلى الله عليه وسلم :" مامن مُسلم يعود مُسلماً غُدوة ، إلا صل عليه سبعون ألف ملكِ حتى يُمسي ، وإن عاده عشيةَ إلا صلى عليه سبعون ألف ملكِ حتى يُصبح وكان له خريف في الجنة صحيح . صحيح الترمذي 286/1 مايقول من يئس من حياته اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق متفق عليه اللهم الرفيق الأعلى رواه مسلم1894/4 كراهية تمني الموت لضر نزل بالإنسان لايدعون أحدكم بالموت لضر نزل به ولكن ليقل : اللهم أحيني ماكنت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي متفق عليه من رأى مببتلى من رأى مُبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يُصبه ذلك البلاًء صحيح. صحيح الترمذي 153/3 تلقين المحتضر قال صلى الله عليه وسلم : لقنوا موتاكم قول : لاإله إلا الله رواه مسلم 631/2 من كان آخر كلامه لاإله إلا الله دخل الجنة صحيح . صحيح سنن أبي داود 602/2 الدعاء عند إغماض الميت اللهم اغفر ( لفلان) ورفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه رواه مسلم 634/2 مايقول من مات له ميت مامن عبد تصيبه مصيبة فيقول :" إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي واخلف لي خيراً منها . إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها رواه مسلم 632/2 الدعاء للميت في الصلاة عليه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نُزُله . ووسع مُدخلهُ . واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ( ومن عذاب النار ) رواه مسلم 663/2 اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأُنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لاتحرمنا أجره ولاتضلنا بعده صحيح. صحيح ابن ماجه 251/1 اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك ، وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار ، أنت الغفور الرحيم صحيح . صحيح ابن ماجه 25/1 اللهم عبدك وابن عبدك وابن امتك إحتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان مُحسناً فزده في حسناته ، وإن كان مُسئاً فتجاوز عنه واه الحاكم ووافقه الذهبي . انظر أحكام الجنائز للألباني ص159 وإن كان الميت صبياً اللهم أعذه من عذاب القبر حسن . أحكام الجنائز للألباني ص161. اللهم اجعله فرطاً وسلفاً ، وأجراً موقوف على الحسن - البخاري تعليقاً عند ادخال الميت القبر بسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله ( أو على سُنة رسول الله ) صحيح. صحيح الترمذي 306/1 مايقال بعد الدفن كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال :" استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل دعاء زيارة القبور السلام عليكم أهل الديار ، من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المُستقدمين منا والمستأخرين وإنا ، أن شاء الله بكم للاحقون رواه مسلم 671/2 دعاء التعزية .. إن لله ماأخذ وله ماأعطى . وكل شئ عنده بأجل مُسمى ...فلتصبر ولتحتسب متفق عليه

شاطر
 

 التوسل وموقف إبن تيمية ..

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عابر سبيل
عابر سبيل


♣♣♣« المدير العام »♣♣♣

معلومات اضافيه للعضو
♣♣ الجنس» ♣♣ الجنس» : ذكر
♣♣ مشَارَڪاتْي » ♣♣ مشَارَڪاتْي » : 33128
♣ ♣ نقاط» ♣ ♣ نقاط» : 98890
♣ ♣ العـمْرّ» ♣ ♣ العـمْرّ» : 39

التوسل وموقف إبن تيمية .. Empty
https://alforqan.ahlamontada.com

التوسل وموقف إبن تيمية .. Empty
مُساهمةموضوع: التوسل وموقف إبن تيمية ..   التوسل وموقف إبن تيمية .. Emptyالثلاثاء 23 سبتمبر 2014 - 17:49

التوسل وموقف إبن تيمية ..

المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل.
المبحث الثاني: دعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين، وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها.
المبحث الثالث: دعوى أن شيخ الإسلام هوالذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي، ومناقشتها.
المبحث الرابع: دعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين وإهانته لهم، ومناقشتها.
المبحث الأول
عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل
الوسيلة لغة: القربة، والمنزلة والدرجة، وهي فعيلة من توسلت إليه أي تقربت، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35].
وقال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء:57].
وقال عنترة (1):
إن الرجال لهم إليك وسيلة *** أن يأخذوك تكحلي وتخضبي (2)
والواسل هوالراغب بالقرب من المتوسل إليه، كما قال لبيد (3):
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم *** بلى كل ذي دين إلى الله واسل (4)
فالتوسل بمعنى التقرب والتوصل إلى الشيء برغبة (5).
ومصطلح التوسل فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه، ويعطى كل ذي حق حقه، فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة، وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه.
ثم يعرف ما أحدثه المحدثون.
فالتوسل المشروع هوالذي أمر الله بابتغائه من الواجبات والمستحبات قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35].
وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل فيه سواء كان محرماً أومكروهاً أومباحاً، وجماع الوسيلة الشرعية هو: التوسل باتباع ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم (6).
وأنواعه ثلاثة (7):
الأول: التوسل إلى الله عزّ وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وذلك بأن يقدم شيئاً من الثناء على الله - عز جل - قبل مطلوبه في الدعاء فيكون من علامات قبول واستجابة الدعاء، قال الباري عزّ وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].
وما ذكره الله من توسل إبراهيم عليه السلام: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء: 78 - 85].
ومن الأدلة قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في صلاته: "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" (8).
ومنها قوله صلّى الله عليه وسلّم: "ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، اسألك بكل اسم هولك، سميت به نفسك، أوعلمته أحداً من خلقك، أوأنزلته في كتابك، أواستأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً" (9).
وكان من استعاذة النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله: "اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني" (10).
الثاني: التوسل إلى الله عزّ وجل بعمل صالح في قضاء الحوائج كتفريج الكربات ومغفرة الذنوب وغيرها، كما قال سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: 193].
وقال عزّ وجل: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53].
وقال - سبحانه -: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16].
وقوله سبحانه: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109].
وقال عزّ وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
وعن بريدة بن الحصيب (ت - 63هـ) رضي الله عنه أنه قال: سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "قد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب" (11).
وما رواه البراء بن عازب (12) رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على جنبك الأيمن وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت) فإن مت مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول" (13).
وعن ابن عمر (ت - 72هـ) رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم، حتى أووا إلى غار، فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدّت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يوماً، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما، وأن أغبق قبلهما أهلاً أومالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي، فأردتها عن نفسها، فامتنعت مني حتى ألمت بها سَنة (14) من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا قدرت عليها، قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها، وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء، فأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره، حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين قال: يا عبد الله أدّ إلي أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك، من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزي بي، فقلت: إني لا أستهزيء بك، فأخذه كله، فاستاقه، فلم يترك منه شيئاً، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون" (15).
وينبه ابن تيمية رحمه الله إلى أن هذا النوع من التوسل المشروع هوأهم أنواعه الذي يوصل إلى سعادة الدنيا والآخرة فيقول: (التوسل بذلك - أي بالإيمان بالرسل وطاعتهم - إلى حصول ثواب الله وجنته ورضوانه فإن الأعمال الصالحة التي أمر بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم هي الوسيلة التامة إلى سعادة الدنيا والآخرة) (16).
ومما توسل به ابن تيمية رحمه الله من الأعمال الصالحة: محبة الصحابة، وآل البيت فقال في لاميته:
حب الصحابة كلهم لي مذهب *** ومودة القربى بها أتوسل (17)
الثالث: التوسل إلى الله - عز وجل - بدعاء الرجل الصالح:
قال أنس بن مالك (ت - 93هـ) رضي الله عنه: (أصابت الناس سنة على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبينا النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب قائماً في يوم الجمعة، قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع يديه يدعو، وما نرى في السماء قزعة (18)، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته صلّى الله عليه وسلّم، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد، والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي أوغيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة (19)، وسال الوادي قناةً شهراً ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود) (20).
وكان عمر بن الخطاب (ت - 23هـ) رضي الله عنه، إذا قحطوا استستقى بالعباس بن عبد المطلب (21) رضي الله عنه، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلّى الله عليه وسلّم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون) (22).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت - 852هـ) رحمه الله أنه كان من دعاء العباس (ت - 32هـ) قوله: (اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، فأرخت السماء، مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس) (23).
والأصل في دعاء الرجل الصالح لأخيه أنه مأمور به مرغب فيه، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (دعاء المسلم لأخيه حسن مأمور به، وقد ثبت في الصحيح عن أبي الدرداء (24)، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "ما من رجل يدعولأخيه بظهر الغيب إلا وكل الله به ملكاً كلما دعا لأخيه بدعوة، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل" (25)، أي بمثل ما دعوت لأخيك به) (26).
ولكن هل يطلب المسلم من الرجل الصالح أن يدعوله؟
الصواب: أن هذا العمل في الأصل غير محرم، وغير مأمور به، إلا أن يكون قصد طالب الدعاء من الرجل الصالح أن ينتفع المطلوب منه بالدعاء، وينتفع هو- أيضاً -، أما إذا كان قصده انتفاع نفسه فقط فهذا غير مأمور به.
قال رحمه الله: (وأما سؤال المخلوقِ المخلوقَ أن يقضي حاجة نفسه، أويدعوله فلم يؤمر به) (27).
وقال - أيضاً -: (ومن قال لغيره من الناس: ادع لي - أولنا - وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء، وينتفع هوأيضاً بأمره، ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره لسائر فعل الخير، فهومقتد بالنبي صلّى الله عليه وسلّم مؤتم به، ليس هذا من السؤال المرجوح.
وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته، لم يقصد نفع ذلك، والإحسان إليه، فهذا ليس من المقتدين بالرسول المؤتمين به في ذلك، بل هذا من السؤال المرجوح الذي تركه إلى الرغبة إلى الله وسؤاله أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله، وهذا كله من سؤال الأحياء الجائز المشروع) (28).
وأما التوسل الممنوع فهوالذي لم يأمر الله بابتغائه، وهوتوسل بغير ما شرعه وأراده الله ورسوله، وهوثلاثة أنواع:
الأول: التوسل إلى الله - عز وجل - بذوات المخلوقين، كأن يقول المتوسل: اللهم إني أتوسل إليك بفلان - أي بذاته - أن تقضي حاجتي، في طلب رزق أوعلم أوفك كربة أوغيرها.
وهذا النوع من التوسل لم يكن الصحابة يفعلونه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا في الاستسقاء، ولا في غيره لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره، ولا عند غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المعروفة المشهورة بينهم، وكل ما نقل في هذا إنما هوأحاديث ضعيفة، أوعمن ليس قوله حجة.
وأما توسل الصحابة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فالمقصود به التوسل بدعائه في حياته، لا بذاته في حياته أوبعد مماته، كما يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، والتوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته) (29).
وبيّن رحمه الله التوسل الصحيح بالأنبياء، وأن التوسل بذواتهم لا يجوز، ولا منفعة للعبد حاصلة منه: فقال: (التوسل إلى الله بالنبيين هوالتوسل بالإيمان بهم، وبطاعتهم، كالصلاة والسلام عليهم، ومحبتهم، وموالاتهم، أوبدعائهم وشفاعتهم.
وأما نفس ذواتهم فليس فيها ما يقتضي حصول مطلوب العبد، وإن كان لهم عند الله الجاه العظيم، والمنزلة العالية بسبب إكرام الله لهم وإحسانه إليهم، وفضله عليهم) (30).
وعلى ذلك فالتوسل بالأنبياء لا يكون إلا بأحد سببين:
إما سبب منه إليهم: كالإيمان بهم، والطاعة لهم.
أوبسبب منهم إليه، كدعائهم له، وشفاعتهم فيه.
وقد نهينا عن التوجه إلى ذات من الذوات إلا إلى الله - عز وجل - وأمرنا بالإخلاص لله - سبحانه - في دعائنا، وتوجهنا، واعتقادنا، وأعمالنا، وأقوالنا، كما قال - سبحانه -: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3]، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
الثاني: التوسل إلى الله - عز وجل - بجاه أحد، أوحقه على الله - عز وجل - أوحرمته، ومنزلته عند ربه - سبحانه وتعالى -، وهذا - أيضاً - باطل، فليس في النصوص ما يثبت صحة هذا التوسل، وجاه المخلوق إنما استفاده من قربه من شرع الله بكثرة العمل الصالح، وهذه المنزلة مختصة به دون غيره، وليس لها تأثير على بقية المخلوقين من حيث التوسل بها لهم في الدنيا، كما قال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى} [النجم: 39 - 41].
والسؤال بحق أحد من الخلق مبني على أصلين:
الأصل الأول: هل له حق عند الله؟. الصواب: أنه ليس لأحد من الخلق حق على خالقهم إلا ما أوجبه - سبحانه - على نفسه لخلقه تكرماً منه وتفضلاً، لا إلزاماً من أحد عليه، كما بين - سبحانه - بقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54].
وقال: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، وقال: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 6].
وقد ورد في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" (31).
وثبت عن معاذ بن جبل (ت - 17هـ) رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "يا معاذ: أتدري ما حق الله على عباده؟ ". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. يا معاذ: أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ ". قال: الله ورسوله أعلم. قال: "أن لا يعذبهم" (32).
الأصل الثاني: هل يُسأل الله عزّ وجل بذلك الحق؟
والجواب عن هذا أن يقال: إن كان الحق الذي سأل به سبباً لإجابة السؤال حَسُن السؤال به، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه.
وأيضاً: فإن هذا الحق من الله لعباده أن لا يعذبهم، وأن يكرمهم: ليس في استحقاقهم له ما يكون سبباً لمطلوب هذا السائل، فإن هذا الذي استحق ما استحقه إنما هوبسبب ما يسره الله له من الإيمان والطاعة وليس في إكرام الله له ما يقضي بإجابة سؤال المسؤول بحقه.
فإن قيل: القصد هوشفاعة المتوسل به ودعاؤه: فيقال: هذا حق، وتوسل مشروع، كما سبق في التوسل بدعاء الرجل الصالح الحي، فيكون القصد صحيحاً إذا كان حياً قادراً، ويكون الإطلاق واللفظ خاطئاً بدعياً.
وإن قيل: السبب هومحبتي لفلان محبة شرعية؛ لإيمانه بالله، وقربه منه.
فيقال مثل ما يقال في الأول: إن السبب شرعي، وهوداخل في التوسل المشروع لكن الإطلاق واللفظ خاطئ.
ثم يجب أن يفرق بين المحبة لله، والمحبة مع الله، فمن أحب مخلوقاً لطاعته لربه وقربه منه، فهذه محبة لله وفي الله، ومن أحب مخلوقاً كما يحب الخالق فقد جعله نداً من دون الله، وهذه المحبة تضره ولا تنفعه (33)، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة: 165].
وأما قول القائل: أسألك بالله وبالرحم، أوبحق الرحم، فالجواب عنه من جهتين:
الأولى: أن الرحم لها حق توجبه على صاحبها بنص الكتاب والسنة، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: "الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله" (34).
الثانية: أن الإقسام بها لا يجوز فلا يجوز قسم مخلوق بمخلوق، والرحم مخلوقة.
كما قال صلّى الله عليه وسلّم: "لما خلق الله الرحم تعلقت بحقوالرحمن، وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قد رضيت" (35)، أما إن كان قصد القائل: أسألك بسبب الرحم فإن هذا حق؛ لأنها توجب لأصحابها بعضهم على بعض حقوقاً (36).
وأما الاستدلال على جواز السؤال بحق أحد على الله بحديث: "من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا رياء، ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أقبل الله عليه بوجهه، واستغفر له سبعون ألف ملك" (37)، فهوضعيف جداً؛ ذلك لضعف سنده، ولعدم صحة استدلالهم بالحديث على ما يريدون.
أما سند الحديث: فقد ورد من طريقين:
الطريق الأول: فيه عطية العوفي: وهوضعيف، لضعف حفظه، ولتدليسه التدليس القبيح.
وقد وصفه الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) بضعف الحفظ (38).
وأما التدليس، فهويدلس التدليس القبيح، وهوتدليس الشيوخ، ذلك أنه كان يأتي الكلبي (39)، وكنيته: أبوسعيد، فيحدث الناس ويقول: قال أبوسعيد يوهمهم أنه الخدري (40).
وقد عده ابن حجر (ت - 852هـ)، من الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين التي قال عنها: (الرابع: من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل) (41).
ولذلك ضعف حديثه جمع من أهل العلم؛ فقال ابن حبان (ت - 354هـ):
(لا يحل الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب) (42).
وقال ابن عدي (ت - 365هـ): (كان سفيان الثوري يضعف حديث عطية) (43).
وقال عنه الذهبي (ت - 748هـ): (تابعي شهير ضعيف) (44).
وقال - أيضاً -: (ضعفوه) (45).
وفي السند ضعفاء غير عطية العوفي: ففيه فضيل بن مرزوق وهوضعيف، وإن كان عطية أضعف منه (46).
وفي السند: الفضل بن موفق، وهوضعيف - أيضاً - (47).
وأما الطريق الثاني: ففيه: الوازع بن نافع العقيلي: وهذا متروك الحديث.
فقال ابن معين (ت - 233هـ): ليس بثقة (48).
وقال البخاري (ت - 256هـ): منكر الحديث (49).
وقال النسائي (ت - 303هـ): متروك الحديث (50).
وقال ابن حبان (ت - 354هـ): (كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته) (51).
وقد ضعف ابن تيمية رحمه الله هذا الحديث من طريقيه، كما قال: (هذا الحديث هومن رواية عطية العوفي عن أبي سعيد، وهوضعيف بإجماع أهل العلم، وقد روي من طريق آخر وهوضعيف - أيضاً -) (52).
وأما عن استدلالهم بالحديث: فعلى فرض صحته، فإنه لا يدل على ما يريدون ويقصدون؛ لأن حق السائلين هوما تكفل الله به، ووعد به، وجعله حقاً عليه تكرماً منه وتفضلاً على عباده ألا وهوإجابة سؤالهم وإعطاؤهم طلبهم، كما قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].
ومما أوجبه على نفسه ما ذكره سبحانه بقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]، وقوله: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، وقوله: {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا} [التوبة: 111].
وإذا كان حق السائلين، والعابدين له هوالإجابة والإثابة بذلك فذاك سؤال لله بأفعاله كالاستعاذة بنحوذلك في قوله صلّى الله عليه وسلّم: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " (53)، فالاستعاذة بمعافات الله التي هي فعله، كالسؤال بإثابته التي هي فعله (54).
قال ابن تيمية: (حق السائلين عليه أن يجيبهم، وحق العابدين أن يثيبهم، وهوحق أحقه الله تعالى على نفسه الكريمة بوعده الصادق باتفاق أهل العلم) (55).
الثالث: الإقسام على الله بأحد من خلقه: الإقسام على الله: أن تحلف على الله أن يفعل، أوتحلف عليه أن لا يفعل، مثل: والله ليفعلن الله كذا، أووالله لا يفعل الله كذا.
والقسم إما أن يكون قسم بالله، أوقسم على الله.
فأما القسم بالله على أحد فهذا محله كتب الفقه في أبواب (الأيمان والنذور)، من حيث أنواعه وأحكامه.
وأما القسم على الله فهوأنواع:
أولاً: أن يقسم على الله بما أخبر به الله أورسوله صلّى الله عليه وسلّم في الشريعة، من نفي، أوإثبات، فهذا جائز، بل هودليل قوة إيمان المقسم، مثل قوله: والله لا يغفر الله لمن أشرك به، أووالله ليدخلن الجنة سبعون ألفاً بغير حساب ولا عذاب.
ثانياً: أن يقسم على ربه، لقوة رجائه به، وحسن ظنه بربه، وهؤلاء قليل (56)، كما أقر النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك في قصة الربيع بنت النضر (57) رضي الله عنها فقال أنس رضي الله عنه: والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "يا أنس، كتاب الله القصاص "، فرضي القوم وعفوا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إن من عباد الله من لوأقسم على الله لأبره" (58).
وثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "رب أشعث أغبر ذي طمرين (59)، مدفوع بالأبواب لوأقسم على الله لأبره" (60).
وأما إذا كان الحامل لهذا القسم: تحجر فضل الله عزّ وجل والإعجاب بالنفس، وسوء الظن به - سبحانه - فهذا محرم، وذريعة لإحباط عمل المقسم، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عزّ وجل: "من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت له، وأحبطت عملك" (61).
ثالثاً: القسم على الله بأحد من خلقه، فهذا لم ينقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا الصحابة، ولا التابعين، بل النص على تحريمه، فلا يجوز الحلف بغير الله، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "من حلف بغير الله فقد أشرك" (62)، وقال: "من كان حالفاً فليحلف بالله أوليصمت" (63).
فلا يحل لأحد أن يقسم بالمخلوقات ألبته (64)، وهوحرام إجماعاً، كما حكى ابن حزم (65) الإجماع على ذلك (66).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عابر سبيل
عابر سبيل


♣♣♣« المدير العام »♣♣♣

معلومات اضافيه للعضو
♣♣ الجنس» ♣♣ الجنس» : ذكر
♣♣ مشَارَڪاتْي » ♣♣ مشَارَڪاتْي » : 33128
♣ ♣ نقاط» ♣ ♣ نقاط» : 98890
♣ ♣ العـمْرّ» ♣ ♣ العـمْرّ» : 39

التوسل وموقف إبن تيمية .. Empty
https://alforqan.ahlamontada.com

التوسل وموقف إبن تيمية .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: التوسل وموقف إبن تيمية ..   التوسل وموقف إبن تيمية .. Emptyالثلاثاء 23 سبتمبر 2014 - 17:50

وبيّن ابن تيمية رحمه الله حرمة الإقسام على الله بمخلوق بقسمة عقلية جيدة، فذكر أن الإقسام على الله بأحد من المخلوقات: إما أن يكون مأموراً به: إيجاباً أواستحباباً، أومنهياً عنه: نهي تحريم أوكراهة، أومباحاً لا مأموراً به ولا منهياً عنه.
فإن قيل: إن ذلك مأمور به مباح: فإما أن يفرق بين مخلوق ومخلوق، وإما أن يقال: إن المشروع هوالقسم بالمخلوقات المعظمة فقط، أوببعضها.
فمن قال: إن هذا مأمور به أومباح في المخلوقات جميعها: لزم أن يسأل الله تعالى بشياطين الإنس والجن، وهذا لا يقوله مسلم.
وإن قيل: يُسأل بالمخلوقات المعظمة فقط كالمخلوقات التي أقسم بها في كتابه؛ لزم من هذا أن يسأل بالليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، والذكر والأنثى، والشمس وضحاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، وسائر ما أقسم الله به في كتابه، فإن الله يقسم بما يقسم به من مخلوقاته؛ لأنها آياته ومخلوقاته فهي دليل على ربوبيته، وألوهيته، ووحدانيته، فهوسبحانه يقسم بها؛ لأن إقسامه بها تعظيم له سبحانه، وأما نحن المخلوقين فليس لنا أن نقسم بها بالنص والإجماع.
وهذا القسم بالمخلوقات: شرك، ويلزم منه أن يقسم بكل ذكر وأنثى، وبكل نفس ألهمها الله فجورها وتقواها، وبالرياح، والسحاب، والكواكب.
ويلزم من ذلك أن يسأل بالمخلوقات التي عبدت من دون الله كالشمس والقمر.
قال ابن تيمية: (الإقسام عليه بها من أعظم البدع المنكرة في دين الإسلام، ومما يظهر قبحه للخاص والعام) (67).
وأما إن قال قائل: إنه يقسم على الله بمعظم دون معظم من المخلوقات، كالأنبياء دون غيرهم، أونبي دون غيره.
فيجاب: بأننا وإن أقررنا هذا التفاضل بين بعض المخلوقات، وأن بعضها أفضل من بعض، إلا أنها جميعاً مشتركة في أنه لا يجعل شيء منها نداً لله - تعالى - فلا يُعبد، ولا يتوكل عليه، ولا يخشى، ولا يتقى، ولا يصام له، ولا يسجد له، ولا يرغب إليه ولا يقسم به، وقد سوى الله بين المخلوقات المعظمة وغيرها في ذم الإشراك بها مع الله بقوله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 79 - 80].
وقال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} [الإسراء: 56 - 57].
وقال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)} [سبأ: 22].
قال ابن تيمية رحمه الله: (فقد تبين أن الله سوى بين المخوقات في هذه الأحكام، لم يجعل لأحد من المخلوقين سواء كان نبياً أوملكاً أن يقسم به، لا يتوكل عليه، ولا يرغب إليه ولا يخشى، ولا يتقى) (68).
المبحث الثاني
دعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،
وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها
المطلب الأول
دعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين،
وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك
يرى المناوئون لابن تيمية رحمه الله جواز التوسل بذوات المخلوقين من الأنبياء والصالحين، وأن هذا من شريعة الإسلام، قد جاءت به نصوص الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة.
فمن الكتاب يستدلون بقوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35].
إذ الوسيلة عامة تشمل التوسل بالأشخاص، والتوسل بالأعمال، بل يرون أن المتبادر من التوسل في الشرع هوهذا وذاك رغم تقول كل مفتر (69).
وأما من السنة فيستدلون بحديث توسل عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه بالعباس (ت - 32هـ) رضي الله عنه وبغيره (70).
وأما الإجماع: فقد حكى الإجماع على جواز التوسل بذوات الأنبياء في حياتهم حضوراً أوغائبين، وبعد مماتهم: جمع منهم، ويرون أن هذا هواتفاق السلف عبر القرون المفضلة الأولى، حتى جاء ابن تيمية رحمه الله بعد القرن السابع، وخرق هذا الإجماع:
(وقد جرى عمل الأمة على التوسل والزيارة إلى أَنِ ابتدع إنكار ذلك الحراني) (71).
(الخلاف هوعلى التوسل بالميت الصالح، ولم يكن يختلف على جوازه أحد من السلف إلى القرن السابع، حيث ابتدع ابن تيمية هذا الخلاف الفتان) (72).
(وطوال أربعة عشر قرناً: لم ينكره أحد سوى ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري!) (73).
(التوسل بالأموات زعم ابن تيمية أنه ممنوع) (74).
وقال السبكي (ت - 756هـ): (لم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتى جاء ابن تيمية فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار) (75).
ولا يكتفي المناوئون لابن تيمية رحمه الله بإباحة التوسل بالأنبياء والصالحين، واستحبابه، بل يرون أن التوسل مشروع بعامة المسلمين وخاصتهم (76).
وينكرون على من منع سؤال أولياء الله الموتى، بأنه لا حجة لهم إذا استدلوا بحديث: "إذا سألت فاسأل الله" (77)، لأن الأموات الصالحين أحياء في قبورهم يتصرفون، وأنه تواتر عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على أن موتى المؤمنين في البرزخ يعلمون، ويسمعون، ويرون، ويقدرون على الدعاء، وأن الشكوى لهم من ظلم الظالم قد تفيد، فلهم ما شاء الله من التصرفات (78).
ويرون تخطئة ابن تيمية رحمه الله حين فرق بين التوسل بالأحياء الحاضرين القادرين، وبين التوسل بالميت، بأنه لا دليل على التفريق بين الحي والميت، ومن فرق بين الحي والميت فهودليل على أنه يرى فناء الأرواح، وهذا يؤدي إلى إنكار البعث (79).
ويذكرون مثالاً على جواز التوسل بالصالحين الموتى: أن الشافعي (ت - 204هـ) رحمه الله كان يتوسل بأبي حنيفة (ت - 150هـ) رحمه الله ببغداد، يأتي إلى ضريحه ويركع ركعتين، ويتوسل به (80).
المطلب الثاني
مناقشة الدعوى
حين يزعم المناوئون لابن تيمية رحمه الله أنه أول من قال بتحريم التوسل بالذوات مطلقاً، أوالأموات مطلقاً، أوالأحياء فيما لا يقدرون عليه، أوفي مغيبهم، فليس هذا افتراءً على ابن تيمية رحمه الله وحده، بل هي فرية على القرون السبعة الأولى أنهم يحرمون ما أجازه الله ورسوله، ثم هوافتراء على الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، من غير دليل صحيح فيتبع، أوأثر فيقتفى، فليس في الكتاب العزيز، ولا السنة المطهرة أي دليل يجيز أويشير إلى إباحة هذا التعلق بالذوات، والتجاء القلب إلى المخلوق وترك الخالق.
وابن تيمية رحمه الله قد أخذ عهداً على نفسه أن لا يقول بأي قول جديد لم يسبقه إليه صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتابعوهم، ومن جاء بعدهم من سلف الأمة الأخيار، فهومتبع لا مبتدع، ويرى أنه قد كُفي بمن سبقه؛ بما بينوا وأوضحوا من غوامض النصوص، ودقائق المسائل.
يقول رحمه الله عن نفسه: (المجيب - ولله الحمد - لم يقل قط في مسألة إلا بقول سبقه إليه العلماء، فإن كان يخطر له ويتوجه له فلا يقوله وينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء) (81).
ثم قال: (فمن كان يسلك هذ المسلك كيف يقول قولاً يخرق به إجماع المسلمين، وهولا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين؟ فهل يتصور أن يكون الإجماع واقعاً في مورد النزاع؟) (82).
ثم بيّن رحمه الله السبب في تسرع بعض الناس إذا وجد قولاً أوقولين حكم بالإجماع بأنه ناتج عن الظن الفاسد، والجهل بأقوال أهل العلم، مما ينتج عنه عدم معرفة مظان الإجماع فيقول: (لكن من لم يعرف أقوال العلماء قد يظن الإجماع من عدم علمه النزاع، وهومخطيء في هذا الظن لا مصيب، ومن علم حجة على من لم يعلم، والمثبت مقدم على النافي) (83).
وإذا ادعى مدع أن غيره خالف الإجماع فلا يقبل قوله إلا إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع، وهذا يحتاج إلى علم عظيم يظهر به ذلك؛ لأن دعوى الإجماع من علم خاصة العلماء الذي لا يمكن الجزم فيه بأقوال العلماء، وغاية الأمر أن مدعي الإجماع لا يعلم منازعاً في المسألة، لا أنه يجزم بنفي المنازع؛ لأن عدم العلم لا يعني العلم بالعدم (84).
ومن زعم أن ابن تيمية رحمه الله قد خالف الإجماع، فإن هذه الدعوى تقلب عليه لينقلب مدحوراً، فيطالب بدليل واحد من القرآن يبيح ما أفتى ابن تيمية بحرمته، أوبدليل من السنة، أوبقول أحد من الصحابة، أوالتابعين، أوالمشهود لهم بالعلم والتقى والاعتقاد الحق من سلف الأمة، ولن يجدوا حتى يلج الجمل في سم الخياط، فلم يخالف ابن تيمية رحمه الله إلا أهواء المبتدعة، وتحريفهم لمعاني نصوص الكتاب والسنة، وأغاليطهم على سلف الأمة.
فالإجماع على خلاف ما ذكروه، كما يقول رحمه الله: (ثم سلف الأمة، وأئمتها، وعلماؤها إلى هذا التاريخ سلكوا سبيل الصحابة في التوسل في الاستسقاء بالأحياء الصالحين الحاضرين، ولم يذكر أحد منهم في ذلك التوسل بالأموات، لا من الرسل ولا من الأنبياء، ولا من الصالحين.
فمن ادعى أنه علم هذه التسوية التي جهلها علماء الإسلام، وسلف الأمة، وخيار الأمم، وكفّر من أنكرها، وضلله: فالله تعالى هوالذي يجازيه على ما قاله وفعله) (85).
ومن باب ذكر المثال ممن تقدم ابن تيمية رحمه الله من السلف على تحريم التوسل، ما نقله فقهاء الحنفية عن أبي حنيفة (ت - 150هـ) رحمه الله وصاحبه أبي يوسف (86)، رحمه الله من أنهما يحرمان التوسل بحق فلان، أوبحق الأنبياء والرسل (87).
وحين يلزم ابن تيمية رحمه الله في باب العبادات التوقيف؛ فما ورد فإنه يقبل، وما لم يرد فإنه يرفض ويرد، فإن المناوئين لا تعجبهم هذه المنهجية الدقيقة؛ لأنها تحجر عليهم كثيراً من بدعهم، ومخترعاتهم في الشرع، فيزعم زاعم أنه ربما وقعت بعض أنواع التوسل التي ينكرها ابن تيمية لكنها لم تنقل إلينا، وبعضهم يرى أن ابن تيمية يتيه في بيداء العدم حين يلتزم بهذه المنهجية (88).
لكن هذه المزاعم مرفوضة: فلووقعت أنواع من التوسل غير ما ذكر في الأحاديث والآثار الصحيحة لنُقل أيضاً؛ لأن الشرع محفوظ فقد نقل الصحابة ما هوأدق من هذا الموضوع المهم، فكيف يجمع الصحابة ويطبقون على عدم نقله: إما أن يكونوا جهلة، أوأنهم يكتمون الحق لغرض في نفوسهم، وكلا الأمرين باطل ممتنع، فلا يبقى إلا القول بأنه لم يقع في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا عهد الصحابة شيء من ذلك ويقرون عليه.
ويجاب عنهم - أيضاً -: بأن هذه العبارة وهي قولهم: إنه يتيه في بيداء العدم يلزم منها عدم كمال الدين، وعدم تبليغ الرسول صلّى الله عليه وسلّم البلاغ المبين، حتى يجتهد أولئك في اختراع عبادات لم تكن في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، على احتمال أن تكون وقعت ولم تنقل إلينا، وقد أخبر الله بكمال الدين في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3].
لكن المناوئين لابن تيمية: لا يقولون بهذا إلا فيما يخالف أهواءهم، وإلا فهم يذكرون عن مسائل أنها لا تجوز لعدم ورودها، ومع ذلك لا يرد بعضهم على بعض فيها، وهذا يدل على أنهم يتبعون أهواءهم، والله تعالى يقول: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].
مثال ذلك قول ابن حجر الهيتمي (ت - 973هـ): (أنكر العز بن جماعة (89) هذا الموقف كالعَود بعد السلام على الشيخين رضي الله عنهما (90) إلى موقفه الأول محتجاً بأن واحداً منهما لم يرد عن الصحابة، ولا التابعين) (91) وأقره عى هذا.
وقال - أيضاً -: (ويظن من لا علم له أنه - أي الانحناء للقبر الشريف - من شعار التعظيم، وأقبح منه تقبيل الأرض له؛ لأنه لم يفعله السلف الصالح، والخير كله في اتباعهم) (92).
والمناوئون يسلكون كل الطرق لإقناع الناس بشبهاتهم وبدعهم، ومن عجيب أمرهم مع ابن تيمية رحمه الله أن قال بعضهم بأنه يرى التوسل البدعي!، ويوافق عليه، فإذا أجاز التوسل بدعائه، فقد أجاز التوسل بذاته، وأن ابن تيمية أثبت جواز التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم دون تفريق أوتفصيل بين حياته وموته، وحضوره وغيابه (93).
وهذا من عجائب المناوئين، فلا يدرون: أيقولون بأنه يمنع التوسل البدعي: تحذيراً لمن يضللونه من ابن تيمية، أم يقولون بأنه يقول بقولهم ويوافقهم: ويحرفون النصوص لأجل ذلك؛ إثارة للفتنة، وتلبيساً على العامة.
وأما التوسل بالشخص سواء كان نبياً أوولياً صالحاً، فلم يمنع ابن تيمية رحمه الله ذلك، وإنما قال: إن هذا اللفظ فيه إجمال واشتراك: -
فإن أريد به التوسل بدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته، والتوسل بدعاء الصالحين في حياتهم فهذا جائز.
وأما إن أريد به: التوسل بذات النبي صلّى الله عليه وسلّم، أوذوات الصالحين في حياتهم أوبعد مماتهم فهذا غير جائز، ولا يقره ابن تيمية رحمه الله ولا السلف السابقون.
فقال رحمه الله عن الأول الجائز: (دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، واستغفارهم وشفاعتهم هوسبب ينفع، إذا جعل الله تعالى المحل قابلاً له) (94).
وقال عن دعاء الصالحين بعد ما بين أن الصحابة كانوا يتوسلون بدعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته: (فهذا كان توسل الصحابة به في حياته، فلما مات توسلوا بدعاء غيره، كدعاء العباس، وكما استسقى معاوية، بيزيد بن الأسود الجرشي (95)) (96).
وقال عن الثاني الممنوع، وهوالتوسل بذات النبي صلّى الله عليه وسلّم، أوذوات الصالحين: (وأما التوسل بدعائه وشفاعته - أي الرسول صلّى الله عليه وسلّم - كما قال عمر - فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولوكان التوسل هوبذاته، لكان هذا أولى من التوسل بالعباس) (97).
وأما استدلال المناوئين باستسقاء عمر (ت - 23هـ) بالعباس (ت - 32هـ) رضي الله عنهما على جواز التوسل بالذوات، وبالصالحين، فهواستدلال ظاهر البطلان، وذلك من جوه:
1 - أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضاً، ويدل بعضها على بعض، وحديث توسل عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه مما يتفق فيه المبتدعة وأهل السنة على تقدير محذوف فيه، ولكن ما هوهذا التقدير في قوله: (كنا نتوسل إليك بنبينا .. وبعم نبينا).
أما المناوئون، فيرون أن المحذوف تقديره: بجاه نبينا، وقد بينا بطلان التوسل بالجاه - كما تقدم -.
وأما أهل السنة فيرون أن تقدير المحذوف: بدعاء نبينا، وبدعاء العباس، وهذا تقدم بيانه ويوضحه الوجوه القادمة - أيضاً -.
2 - أن الصحابة إذا أجدبوا، واحتاجوا الماء كان من عملهم أن يأتوا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته فيطلبون منه أن يدعوالله لهم، وأن يسأل الله إنزال الغيث فيفعل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مراراً.
ولم يكن الصحابة - رضوان الله عليهم - إذا احتاجوا إلى المطر والسقيا يذهبون إلى بيوتهم ويمكثون فيها، ويقولون: اللهم بنبيك محمد اسقنا الغيث، وهذا معلوم لمن نظر واستبصر بالنصوص.
3 - أن قول عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) معناه: أننا توسلنا بأمر يقدر عليه العباس (ت - 32هـ)، ولا يقدر عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهوالدعاء في هذا الوقت بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فطلبنا منه أن يدعولنا لتغيثنا، فالتوسل بالعباس (ت - 32هـ) ممكن، والتوسل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته غير ممكن، ولهذا عدل عمر (ت - 23هـ) عن التوسل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى التوسل بعمه العباس (ت - 32هـ).
قال ابن تيمية رحمه الله: (لوكان توسلهم به في مماته كتوسلهم به في حياته لكان توسلهم به أولى من توسلهم بعمه العباس ويزيد وغيرهم.
فهل كان فيهم في حياته من يعدل عن التوسل به، والاستشفاع إلى التوسل بالعباس وغيره؟.
وهل كانوا وقت النوازل والجدب يَدَعونه ويأتون العباس؟) (98).
4 - ليس من المعقول أن يقر الصحابة عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه على الانصراف عن التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم إلى التوسل بغيره، ولم ينكروا عليه، فيلزم أحد أمرين:
(إما أن يكون المهاجرون والأنصار جاهلين بهذه التسوية وهذا الطريق. أوأنهم سلكوا في مطلوبهم أبعد طريق) (99).
5 - لوكان التوسل بالذوات بعد الممات ممكنا - كما يقوله المبتدعة - لكان العدول عن التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم إلى العباس (ت - 32هـ) في أصعب الظروف سخفاً ترفضه العقول السوية، خاصة وأنهم يقولون بحياة الأنبياء في قبورهم حياة حقيقية كحياتهم الدنيوية.
6 - أن الحديث بين أن عمر بن الخطاب (ت - 23هـ) كان إذا قحطوا، استسقى بالعباس (ت - 32هـ).
وفي هذا اللفظ إشارة إلى تكرار استسقاء عمر (ت - 23هـ) بالعباس (ت - 32هـ) رضي الله عنهما، وليس من باب التعليم للناس بجواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل.
7 - أن الآثار قد بينت دعاء العباس (ت - 32هـ) رضي الله عنه ربه في الاستسقاء، وفي هذا رد على من قال إن التوسل كان بذاته لا بدعائه.
8 - لوكان التوسل بذات العباس (ت - 32هـ) وجاهه عند الله، لما جاز أن يترك التوسل بذات الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجاهه، لجاه غيره وذاته.
9 - أن عمر (ت - 23هـ) رضي الله عنه قد أُمرنا بالاقتداء به شرعاً، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (100).
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" (101).
وقد وافق القرآن مرات عديدة.
فعدوله رضي الله عنه عن التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد مماته، إلى التوسل بدعاء غيره هومن سنة الخلفاء الراشدين (102).
وأما سؤال الخلق فهوقسمان: سؤال الخلق في حياتهم، وسؤال الخلق بعد مماتهم.
أما سؤال الخلق: فهوفي الأصل محرم، ويجوز في حالات، وتركه توكلاً أفضل كما قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7 - 8]، أي ارغب إلى الله لا إلى غيره.
وعن عوف بن مالك (103) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بايع طائفة من أصحابه وأسرّ كلمة خفية أن لا تسألوا الناس شيئاً.
قال عوف: (فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه) (104).
ومن الحالات التي يجوز فيها أن يسأل المرء غيره شيئاً:
1 - إن كان له عند غيره حق من دين أوعين كالأمانات فله أن يسألها ممن هي عنده.
2 - وللرجل أن يطلب حقه من أموال الغنائم من ولي أمر المسلمين.
3 - وكذلك سؤال النفقة لمن تجب له: كالزوجة والأولاد.
4 - وأمور البيع والشراء: البائع يطلب الثمن، والمشتري يطلب السلعة.
5 - ومن السؤال ما لا يكون مأموراً به، إلا أن المسؤول مأمور بإجابة السائل، كما قال تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: 10]، وقال: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24 - 25].
وقد يكون السؤال منهياً عنه نهي تحريم أوتنزيه، وإن كان المسؤول مأموراً بإجابة سؤاله، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم كان من كماله أن يعطي السائل، وإن كان نفس سؤال السائل منهياً عنه، قال ابن تيمية رحمه الله في ذلك: (ولهذا لم يعرف قط أن الصديق ونحوه من أكابر الصحابة سألوه شيئاً من ذلك، ولا سألوه أن يدعولهم، وإن كانوا قد يطلبون منه أن يدعوللمسلمين) (105)، وضرب لذلك دليلاً بقول عمر (ت - 23هـ) لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نحر بعض الدواب خوف ملاقاة العدووهم جياع: (إن رأيت أن تدعوالناس ببقايا أزوادهم فتجمعها، ثم تدعوالله بالبركة، فإن الله يبارك لنا في دعوتك) (106).
ومن السؤال ما يكون مأموراً به، ويكون المسؤول مأموراً بإجابته - أيضاً - لمن كان عنده إجابته كسؤال العلم، فإن الله أمر بسؤال العلم، كما في قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وقال: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94]، وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45].
وأما سؤال المخلوق المخلوق أن يقضي حاجة نفسه، أويدعوله فلم يؤمر به (107).
وأما من طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله مثل أن يطلب شفاء مريضه، أووفاء دينه، أوعافية أهله، أوغفران ذنبه، فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله عزّ وجل فلا تطلب لا من ملك ولا نبي ولا ولي (108)، وهي نوع من الشرك.
وأما سؤال الخلق بعد مماتهم: فلا يجوز مطلقاً لا سؤال الأنبياء، ولا الأولياء، ولا غيرهم من باب أولى، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما سؤال الميت فليس بمشروع ولا واجب ولا مستحب بل ولا مباح (109)، ولم يفعل هذا قط أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من سلف الأمة؛ لأن ذلك فيه مفسدة راجحة، وليس فيه مصلحة راجحة) (110).
وقال: (لا يجوز أن يُسأل الميت شيئاً، لا يطلب منه أن يدعوالله ولا غير ذلك، ولا يجوز أن يُشكى إليه شيء من مصاب الدنيا والدين) (111).
والأنبياء والصالحون لا يقرون أحداً يعبدهم أويغلوفيهم في حياتهم وهم يعلمون، بل ينهون عن ذلك ويعاقبونهم عليه، كما قال الله - عز وجل - عن عيسى - عليه الصلاة والسلام -: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117].
وهذا شأن أنبياء الله وأوليائه، وإنما يقر الغلوفيه وتعظيمه بغير حق من يريد علواً في الأرض وفساداً، كفرعون ونحوه، ومشايخ الضلال الذين غرضهم العلوفي الأرض والفساد.
والفتنة بالأنبياء والصالحين واتخاذهم أرباباً، والإشراك بهم مما يحصل في مغيبهم وفي مماتهم (112).
وبالجملة؛ فإن سؤال الخلق فيه ثلاث مفاسد، ويجتمع فيه أنواع الظلم الثلاثة:
فالمفسدة الأولى: مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهي من نوع الشرك.
والثانية: مفسدة إيذاء المسؤول، وهي من نوع ظلم الخلق.
وأما الثالثة: فهي مفسدة الذل لغير الله، وهوظلم النفس (113).
وأما من دعا المخلوقين من دون الله فقد أشرك (114)، ولا يوجد نص عن نبي أنه أمر بدعاء الملائكة، ولا بدعاء الموتى من الأنبياء والصالحين، فضلاً عن دعاء تماثيلهم، فإن هذا من أصول الشرك. الذي نبهت عليه الرسل (115).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عابر سبيل
عابر سبيل


♣♣♣« المدير العام »♣♣♣

معلومات اضافيه للعضو
♣♣ الجنس» ♣♣ الجنس» : ذكر
♣♣ مشَارَڪاتْي » ♣♣ مشَارَڪاتْي » : 33128
♣ ♣ نقاط» ♣ ♣ نقاط» : 98890
♣ ♣ العـمْرّ» ♣ ♣ العـمْرّ» : 39

التوسل وموقف إبن تيمية .. Empty
https://alforqan.ahlamontada.com

التوسل وموقف إبن تيمية .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: التوسل وموقف إبن تيمية ..   التوسل وموقف إبن تيمية .. Emptyالثلاثاء 23 سبتمبر 2014 - 17:51

وقد أمر الله بدعائه وحده - سبحانه - فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
وقال - سبحانه -: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106].
وقال عزّ وجل: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُومِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأحقاف: 5].
ولا يجوز صرف الدعاء إلا لله؛ لأن الدعاء عبادة يصحبها محبة، ورغبة، وخضوع للمدعو، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الدعاء هوالعبادة" (116).
ويعجب ابن تيمية رحمه الله من كثير من الناس الذين نهوا عن الصلاة عند القبور سداً لذريعة الشرك، ثم هويقصد الدعاء عندها، ويرى أن الدعاء عندها مظنة الإجابة، فكيف بمن يدعوصاحب القبر من دون الله (117)؛ ولذا لم يكن الصحابة يطلبون من الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد موته الدعاء، ولا يدعونه من دون الله (118).
إن دعاء الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم وفي مغيبهم: هومن الدين الذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولاً، ولا أنزل به كتاباً، وقد قال الله عزّ وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ} [الشورى: 21]، وهذا الأمر ليس واجباً، ولا مستحباً باتفاق المسلمين، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين (119).
وأما مسألة حياة الأنبياء في قبورهم، فقد بينت - سابقاً - القول الصواب فيها، وأنها حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء في قبورهم، لكنها ليست كالحياة الدنيوية.
وأما ما يروى من توسل الشافعي (ت - 204هـ) رحمه الله بأبي حنيفة (ت - 150هـ) رحمه الله فهذه: -
1 - حكاية كغيرها من الحكايات التي تروى عن مجاهيل لا يعرفون، ليس لها أصل ولا سند.
2 - أن الشافعي (ت - 204هـ) لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده ألبته، ولم يكن هذا العمل معروفاً على عهد الشافعي (ت - 204هـ).
3 - أن الشافعي (ت - 204هـ) رحمه الله قد رأى بالحجاز واليمن والشام والعراق وغيرها من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة (ت - 150هـ) وأمثاله من العلماء، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده.
4 - أن أصحاب أبي حنيفة (ت - 150هـ) الذين أدركوه مثل أبي يوسف (ت - 183هـ) ومحمد بن الحسن (ت - 189هـ) وزفر (120)، والحسن بن زياد (121)، وطبقتهم: لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند قبر أبي حنيفة (ت - 150هـ)، ولا عند قبر غيره.
5 - أن الشافعي (ت - 204هـ) رحمه الله ثبت عنه ما يدل على نهيه عن تعظيم القبور، مثل قوله: (وأكره أن يبني على القبر مسجد، وأن يسوى، أويصلى عليه، وهوغير مسوى، أويصلى إليه) (122).
وأيضاً: (كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين - يعني يتخذ قبره مسجداً -، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعد) (123).
وبهذا يتبين أن هذه القصة مكذوبة عليه، فلم يكن في عهده ذلك، وإنما وجدت هذه الأمور - أي تعظيم القبور والتوسل بأصحابها - لما تغيرت أحوال الإسلام في المائة الرابعة (124).
المبحث الثالث
دعوى أن شيخ الإسلام هوالذي ابتدع القول بعدم
جواز التوسل بالنبي، ومناقشتها
المطلب الأول
دعوى أن شيخ الإسلام هوالذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي
يرى المناوئون لابن تيمية رحمه الله جواز التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في أحواله الأربعة:
فالحال الأول: التوسل به قبل خلقه: لحديث: "لما اقترف آدم الخطيئة، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه.
قال: يا رب؛ لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله سبحانه وتعالى: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك) (125).
والحال الثاني: التوسل به صلّى الله عليه وسلّم بعد خلقه في مدة حياته في الدنيا: ويستدلون لذلك بحديث عثمان بن حُنيف (26) رضي الله عنه أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: "إن شئتَ دعوت لك، وإن شئتَ أخرت ذاك، فهوخير، فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعوبهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه، لتقضى لي، اللهم فشفعه فيّ"، قال: ففعل الرجل، فبرىء (127).
والحال الثالث: التوسل به صلّى الله عليه وسلّم في البرزخ كالتوسل به وهوفي قبره، ويستدلون لذلك بحديث دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم لأم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنه قوله: (اللهم بحق نبيك، والأنبياء الذين قبلي) (128).
قال ابن حجر الهيتمي (ت - 973هـ) في بيان الدلالة الثانية: من الحديث (الثانية في التوسل به بعد وفاته؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: والأنبياء الذين من قبلي، معطوف على نبيك، وهي دلالة ظاهرة في التوسل بهم بعد وفاتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالتوسل به صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته أولى) (129).
وحديث عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها حين قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إليها، فقالت: انظروا قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، ففعلوا، فمطروا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل، حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق) (130).
ويذكرون قصة الأعرابي الذي جاء إلى قبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: السلام عليك يا رسول الله، يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتاباً صادقاً، قال فيه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} [النساء: 64]، وقد جئتك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى ربي - عز وجل - وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه *** فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء بقبر أنت ساكنه *** فيه العفاف وفيه الجود والكرم
قال راوي هذه القصة العتبي (131): ثم استغفر الأعرابي وانصرف، فحملتني عيناي، فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم فقال: يا عتبي، الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له، فخرجت خلفه فلم أجده (132).
والحال الرابع: التوسل به صلّى الله عليه وسلّم في عرصات القيامة، حين يلجأ الناس إليه ليشفع لهم الشفاعة العظمى (133).
ويرى المناوئون لابن تيمية رحمه الله أنه أول من منع التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته (134).
ويرون أنه أخرج الأحاديث الصحيحة في التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته، عن دلالتها حين منع التوسل به صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته (135).
ويرون أن من لم ير التوسل بعد وفاته، فلازمه أنه يرى أنه ليس برسول الآن، وليس له جاه (136).
ويرون أن من أنكر التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بحجة أنه بدعة فهوذوفهم سقيم، وصدر ضيق، فروح الشريعة الإسلامية توجب التمييز بين أنواع البدعة، فمنها البدعة الحسنة، والبدعة السيئة، وأن هذا التوسل من البدعة الحسنة (137).
المطلب الثاني
مناقشة الدعوى
يستمر المناوئون لابن تيمية رحمه الله في كيل الدعاوى عليه بدون نقد ولا تمحيص، فيقوّلونه ما لم يقل، ويبحثون عن الأدلة الصحيحة فيصرفون دلالتها عن ما هي عليه، ويستدلون بالأحاديث الضعيفة، والقصص، والحكايات المكذوبة، نصرة للبدعة، وحرباً للسنة وأهلها.
وقد ظن المناوئون لابن تيمية رحمه الله حين يزعمون أنه أول من منع التوسل بالنبي بعد وفاته أنهم قد قدحوا فيه، ورموه بالعظائم، ولم يعلموا أن هذه شهادة له بحسن المعتقد، وقوة البصيرة في الدين، وإن كان هناك قدح فهوفي القرون السبعة السابقة التي رميت وافتري عليها بأنها تقول بجواز التوسل بالنبي بعد موته، وهي لم تقل.
ولهذا يعجب ابن تيمية رحمه الله حين يناظره مخالفوه، ويعرضون عليه مسائل عدة، يرون أنه خالف الإجماع فيها فيقول: (أن لفظ (كم) يقتضي التكثير، وهذا يوجب كثرة المسائل، التي خرق المجيب فيها الإجماع) (138).
ثم يبين عدم خرقه الإجماع بقوله: (والذين هم أعلم من هذا المعترض، وأكثر اطلاعاً اجتهدوا في ذلك غاية الاجتهاد، فلم يظفروا بمسألة واحدة خرق فيها الإجماع، بل غايتهم أن يظنوا في المسألة أنه خرق فيها الإجماع، كما ظنه بعضهم في مسألة الحلف بالطلاق، وكان فيها من النزاع نقلا، ومن الاستدلال فقهاً وحديثاً ما لم يطلع عليه) (139).
ثم ذكر: (أن المجيب - ولله الحمد - لم يقل قط في مسألة إلا بقول سبقه إليه العلماء) (140).
وأما التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل خلقه فهذا من عجائب المبتدعة التي يقذفون بها على العامة، فيصدقهم من يصدقهم، ويعصم الله أهل السنة فيبعدهم عنها، ويكشف لهم كذبها وزيفها، وهذا من حفظه لهم - سبحانه وتعالى -.
وعمدة القائلين بالتوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل وجوده على أحاديث، وقصص وحكايات عن الأنبياء السابقين، وأنهم يتوسلون بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وهي كلها كذب، لا يصح منها شيء ألبتة، يقول ابن تيمية رحمه الله:
(وهذه القصص التي يذكر فيها التوسل عن الأنبياء بنبينا ليست في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا لها إسناد معروف عن أحد من الصحابة، وإنما تذكر مرسلة، كما تذكر الإسرائيليات التي تروى عمن لا يعرف) (141).
وأما توسل آدم بنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم قبل خلقه: فهوحديث ضعيف سنداً ومتناً.
أما السند ففيه: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ وهذا مجمع على ضعفه:
قال يحيى بن معين (ت - 233هـ): بنوزيد بن أسلم ليسوا بشيء (142).
وقال أبوزرعة (ت - 264هـ): ضعيف الحديث (143).
وقال النسائي (ت - 303هـ): ضعيف (144).
وضعفه على بن المديني (145) جداً (146).
وقال ابن حبان (ت - 354هـ): (كان يقلب الأخبار وهولا يعلم حتى كثر ذلك في روايته .. فاستحق الترك) (147).
وقال البيهقي (ت - 358هـ): (تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه عنه وهوضعيف) (148).
وقال الذهبي (ت - 748هـ): ضعفوه (149).
وقال ابن حجر (ت - 852هـ): ضعيف (150).
وأما عن إخراج الحاكم (151) لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وتصحيحه الإسناد (152)، فهذا له وقفات:
1 - أن تصحيح الحاكم (ت - 405هـ)، وتفرده به لا يعتد به، قال فيه ابن تيمية في نقده إخراجه هذا الحديث في مستدركه: (وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله، فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث، وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث، وهي موضوعه مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث) (153).
وذكر أمثلة لتصحيحه بعض الأحاديث وهي غير صحيحة ثم قال: (ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم، وإن كان غالب ما يصححه فهوصحيح، لكن هوفي المصححين بمنزلة الثقة الذي يكثر غلطه، وإن كان الصواب أغلب عليه، وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه) (154).
2 - أخرج الحاكم (ت - 405هـ) في مستدركه حديثاً لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ولم يصحح إسناده، وإنما قال: (الشيخان رضي الله عنهما لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد بن أسلم) (155)، وهذا تناقض.
3 - أن الإمام الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله لم يوافق الحاكم (ت - 405هـ) في تصحيحه هذا الإسناد، وإنما قال في تلخيص المستدرك: (بل موضوع، وعبد الرحمن واه) (156).
وهناك علة ثانية في السند: وهي الجهالة، فالسند فيهم من لم يعرف، كما قال الهيثمي (157): (فيه من لم أعرفهم) (158).
وفي السند: عبد الله بن مسلم الفهري: فقد ذكر الذهبي (ت - 748هـ) في ترجمته هذا الحديث ووصفه بأنه: (خبر باطل) (159)، ووافقه ابن حجر (ت - 852هـ) (160).
وهناك - أيضاً - علة ثالثة في السند: وهي اضطراب عبد الرحمن، ومن دونه في إسناده، فتارة يروونه مرفوعاً، وتارة موقوفاً على عمر (ت - 23هـ) عن عبد الله بن إسماعيل بن أبي مريم، وعبد الله هذا لا يعرف (161).
وأما المتن: فعليه ملحوظتان:
الأولى: أن ظاهر الحديث ينص على أن مغفرة الخطيئة كانت بسبب توسل آدم بنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا مخالف لنص القرآن الكريم، إذ المغفرة كانت بسبب الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، قال عزّ وجل: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]، وقيل: إن الكلمات هي ما ذكر في قوله تعالى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
قال ابن تيمية رحمه الله: (أخبر أنه تاب عليه بالكلمات التي تلقاها منه، وقد قال تعالى: {{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [الأعراف: 23] الآية) (162).
الثانية: أن الحديث فيه زيادة: (ولولا محمد ما خلقتك) وهذه الزيادة تخالف القرآن الكريم، حيث نص على أن الحكمة من خلق الجن الإنس هي عبادة الله وحده، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وبعد هذا: فإن توسل آدم بمحمد - عليهما الصلاة والسلام - ليس بصحيح، والحديث مكذوب، لا يصح الاحتجاج به، كما قال ذلك ابن تيمية رحمه الله (163).
وأما الحال الثاني: وهوالتوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته: فالمراد به التوسل بدعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا بذاته، وكان هذا هوالمفهوم الصحيح لكلام الصحابة - رضوان الله عليهم - في معنى التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم: أنه توسل بدعائه لا بذاته، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، والتوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته) (164).
والسبب في خلط بعض المتأخرين، وعدم معرفتهم مقاصد ألفاظ الصحابة: أن لفظ التوسل دخل فيه من تغيير لغة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، ما أوجب غلط من غلط عليهم في دينهم ولغتهم.
والعلم يحتاج إلى نقل مصدّق، ونظر محقق، والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه، ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم (165).
وقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يطلبون من الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته أن يدعوللمسلمين إذا نزل بهم بلاء عام، أوفاقة، كطلبهم منه صلّى الله عليه وسلّم أن يستسقي لهم، ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (وكانوا في حياته إذا أجدبوا توسلوا بنبيهم صلّى الله عليه وسلّم، توسلوا بدعائه، وطلبوا منه أن يستسقي لهم) (166).
ثم ذكر حديث ابن عمر (ت - 72هـ) رضي الله عنهما وهوقوله: (ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى، عصمة للأرامل
ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستسقي على المنبر، فما نزل حتى يجيش له ميزاب) (167).
وأما المنع من التوسل بالذات فسببه: أن الذات ليست سبباً ولا وسيلة لإجابة الدعاء، فتوسلنا بها لا ينفع؛ لأنها ليست وسيلة مشروعة لإجابته، يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما إذا لم نتوسل إليه - سبحانه - بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم: لم تكن ذواتهم سبباً يقتضي إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولاً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم نقلاً صحيحاً، ولا مشهوراً عن السلف) (168).
وأما حديث الضرير: فهوحديث صحيح (169)، لكن النقاش في دلالة الحديث: فليس فيه ما يريدون تقريره من جواز التوسل بجاه الموتى وذواتهم، وذلك يتضح بأمور منها:
1 - أن الحديث فيه التوسل بدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته، ذلك أن الأعمى جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وطلب منه الدعاء بقوله: (ادع الله أن يعافيني)، فطلب الأعمى هودعاء الرسول له؛ لأنه يعلم أن دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم أرجى للقبول.
2 - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم فهم من الأعمى أنه يطلب الدعاء، ولذا خيره بين أن يدعوله، أوأن يصبر، فاختار الدعاء، خلافاً للمرأة التي بها مس، فخيرها النبي صلّى الله عليه وسلّم بين أن يدعولها، أوأن تصبر: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت لك.
فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف) (170).
3 - أن الأعمى أصر على طلبه وقال: (بل ادع) وهذا ما يؤكد أنه توسل بدعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته.
4 - أنه لوكان توسل الأعمى بجاه النبي صلّى الله عليه وسلّم، أوبذاته، لما احتاج أن يأتي النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويطلب منه الدعاء، بل كان يكفيه أن يبقى في بيته، ويتوسل إلى الله بذات النبي وجاهه، لكنه لم يفعل، فدل على أنه طلب دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم.
5 - أن قوله: (فشفعه فيّ) معناه: اقبل دعاءه في، ولا يصح أن يحمل على التوسل بالذات، أوالجاه، أوالحق.
قال ابن تيمية رحمه الله: (وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وشفاعته، وهوطلب من النبي صلّى الله عليه وسلّم الدعاء وقد أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: (اللهم شفعه فيّ)، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم) (171).
6 - أن معنى قوله: (وشفعني فيه): أي أقبل شفاعتي ودعائي، وهذه الجملة من الحديث لا يستطيع المبتدعة أن يجيبوا عنها، مع أنها ثابتة صحيحة كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله (172).
7 - أن هذا الحديث آية من آيات النبي ومعجزة من معجزاته صلّى الله عليه وسلّم، ولذا رواه البيهقي (ت - 458هـ) في دلائل النبوة (173)، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعائه المستجاب، وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق، والإبراء من العاهات، فإنه صلّى الله عليه وسلّم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره) (174).
8 - أنه لوكان توسل الأعمى بذات الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجاهه، وحقه، لا بدعائه، لكان كل أعمى من الصحابة، ومن بعدهم، إلى هذا الزمان، يتوسل إلى الله بذات النبي صلّى الله عليه وسلّم، وجاهه، وحقه عند الله، ولن يبقى بعد ذلك أعمى.
كما قال ابن تيمية رحمه الله: (لوكان أعمى (175) توسل به، ولم يدع له الرسول بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة، أوبعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى) (176).
وقال: (ولوأن كل أعمى دعا بدعاء ذلك الأعمى، وفعل كما فعل من الوضوء والصلاة بعد موت النبي صلّى الله عليه وسلّم وإلى زماننا هذا لم يوجد على وجه الأرض أعمى) (177).
وفي الجملة: فإن الذي يرى أن توسل الأعمى بالرسول المقصود به دعاء الرسول فهوالموافق لمعنى الحديث، وهوالعامل به على الحقيقة، كما يقول ابن تيمية رحمه الله: (فإنا بالحديث عاملون، وله موافقون، وبه عالمون، والحديث ليس فيه إلا أنه طلب حاجته من الله عزّ وجل، ولم يطلبها من مخلوق، ونحن إلى الله - تعالى - نرغب، وإياه نسأل، فهوالمدعوالمسؤول، كما أنه المعبود المستعان لا نشرك به شيئاً (178)، وقد قال - تعالى -: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15].
وأما الحال الثالث: وهوالتوسل به صلّى الله عليه وسلّم وهوفي قبره في الحياة البرزخية، - أي بعد مماته - فلم يكن أحد من الصحابة يتوسل به بعد موته صلّى الله عليه وسلّم، ولم ينقل هذا عن أحد من الأئمة نقلاً صحيحاً، كما صرح بهذا ابن تيمية رحمه الله مراراً (179).
وأما قصة أم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهي ضعيفة، وعلتها: روح بن صلاح، وفيه ضعف.
قال ابن عدي (ت - 365هـ): (في بعض حديثه نكرة) (180).
وقال الدارقطني (ت - 385هـ): (ضعيف الحديث) (181).
وقال ابن ماكولا (182): (ضعفوه) (183).
وذكر الذهبي (ت - 648هـ) أن ابن عدي (ت - 365هـ) ضعفه (184).
وقال أبونعيم (185): (لم نكتبه إلا من حديث روح بن صلاح تفرد به) (186).
وقال الهيثمي (ت - 807هـ): (فيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح) (187).
وأما توثيق ابن حبان (ت - 354هـ)، والحاكم (ت - 405هـ) له، وانفرادهما بهذا التوثيق فليس بحجة، وقد بينت سابقاً موقف أهل العلم من تفرد الحاكم (ت - 405هـ) بالتوثيق، وأما ابن حبان (ت - 354هـ) فهومتساهل أيضاً في التوثيق، فتراه يوثق المجاهيل، حتى الذين يصرح هونفسه أنه لا يدري من هوولا من أبوه؟ (188).
ولذا فإن تفردهما بالتوثيق لا يقبل أمام جرح غيرهما، حتى وإن كان جرح غيرهما مبهماً (189)
وأما حديث عائشة بنت الصديق (ت - 58هـ) رضي الله عنها وعن أبيها - فهوضعيف لا يحتج به (190)، لأمور منها:
أ - ضعف السند ففيه سعيد بن زيد، وهولا يحتج به، فكان يحيى بن سعيد (191) يضعف حديث سعيد جداً (192).
وقال النسائي (ت - 303هـ) وغيره: ليس بالقوي (193).
وقال ابن حبان (ت - 354هـ): (كان صدوقاً حافظاً، ممن كان يخطىء في الأخبار، ويهم في الآثار حتى لا يحتج به إذا انفرد) (194).
وقال ابن حجر (ت - 852هـ): (صدوق له أوهام) (195).
وفيه محمد بن الفضل أبوالنعمان، ويقال له عارم، وهذا صدوق اختلط في آخر عمره، وتغير فلا يدري ما يحدث به، فوقعت المناكير الكثيرة في روايته، وإذا لم يعلم التمييز بين سماع المتقدمين والمتأخرين منه: يترك الكل، ولا يحتج بشيء منه (196).
قال ابن حجر (ت - 852هـ): (ثقة ثبت تغير في آخر عمره) (197).
ب - أن هذا الحديث موقوف، وليس بمرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلى فرض صحته فإنه رأي اجتهادي من عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها قد خالف السنة، وخالف أقوال الصحابة، وقد بين ابن تيمية رحمه الله الموقف من اجتهادات الصحابة إذا لم يخالف الصحابي غيره، أوإذا لم يشتهر، أولم يعرف هل خالفه غيره أم لا؟ ثم قال: (ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم) (198).
جـ - أن هذا الحديث فيه مغالطة علمية وفيه مخالفة للواقع المحسوس: فليس في حجرة عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها في حياتها كوة، بل كان بعضه باقياً، كما كان على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم بعضه مسقوف، وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه، ولم توضع الكوة في حجرتها إلا بعد أن أدخلت الحجر في المسجد زمن الوليد بن عبد الملك (ت - 96هـ)، لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك؛ لأجل تنظيف وغيره (199).
وأما قصة الأعرابي الذي جاء إلى قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم: فهذه إسنادها مظلم، وبعضهم يرويها بسند، وبعضهم بغير سند، وإسنادها فيه: الحسن بن محمد.
قال ابن حبان (ت - 354هـ): (لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه بحال) (200).
قال عنه ابن عدي (ت - 365هـ): (كل أحاديثه مناكير) (201).
وقال ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) عن إسناد هذه القصة: (ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة، وإسنادها مظلم مختلف، ولفظها مختلف أيضاً) (202)، ففي سندها ومتنها اضطراب.
ولوكان عمل هذا الأعرابي عند قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم مشروعاً لسبقه إليه من كان إلى الخير أسبق، وإلى السنة أوفق من الصحابة والتابعين، لكنهم لم يعملوا هذا العمل، ولم يدلهم إليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم فدل على أن هذا العمل باطل لا تقوم به حجة، ولا يعمل مثل هذا العمل المبتدع إلا من ضعف إيمانه أومن جهل قدر الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأمره (203).
وأما الحال الرابع: وهوالتوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم في عرصات القيامة ليشفع للناس: فإن أريد بالتوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم طلب الشفاعة منه يوم المحشر الشفاعة العظمى (204)، فهذا مما أجمع عليه المسلمون، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (أجمع المسلمون على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يشفع للخلق يوم القيامة، بعد أن يسأله الناس ذلك وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة) (205)، كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقال: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].
وقال رحمه الله: (من شك في شفاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة فهومبتدع ضال) (206).
وأما إلزام من لم ير التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته بأنه لا يرى أنه رسول الآن، وأنه ليس له جاه، فهذا إلزام باطل، وتصوره كافٍ في الرد عليه؛ لأنه قام على أساس باطل وهومشروعية التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته، والمشروعية حكم شرعي يحتاج إلى دليل، والدليل يدل على خلاف ذلك، إذ أنه يدل على أن التوسل بالنبي بدعة غير مشروعة، وبهذا يبطل الإلزام.
ثم إن الدليل والميزان على قبول رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته كما هوالحال في حياته يكون باتباعه وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فهوصلّى الله عليه وسلّم رسول، وإثبات رسالته يكون بهذه الأمور، لا بالأمور المبتدعة، وهوالدليل على محبة الله - تعالى - كما قال - تعالى - {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} [آل عمران: 31].
وأما مسألة جاه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: فهووجيه عند الله وهوأفضل الخلق، وجاهه ثابت لا يتغير بإحداث عبادة لا يرضاها الله ورسوله أوتركها، فهو- بأبي وأمي - أفضل الخلق على الإطلاق، ولا يؤثر في جاهه صلّى الله عليه وسلّم عند ربه فعل ما يغضبه ولم يأمر به من التوسل به بعد موته، ولا يزيد جاهه عند الله بطاعة الطائعين، ولا ينقص بمعصية العاصين، فربط عمل البدعة المحدثة بتقدير الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومعرفة جاهه، وربط ترك البدعة - اتباعاً للسنة - بتنقيص الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وجحده حقه وجاهه: ربطٌ لا أساس له من شرع صحيح، ولا عقل صريح والله المستعان.
وأما من زعم بأن التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد موته بدعة حسنة؛ فقد ضل الطريق، ولم يهتد إليه سبيلاً، فليس هناك بدعة في الدين حسنة، بل البدع كلها ضلال كما قال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: "كل بدعة ضلالة" (207).
قال ابن تيمية رحمه الله: (من قال في بعض البدع إنها بدعة حسنة، فإنما ذلك إذا قام دليل شرعي على أنها مستحبة.
أما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين: إنها من الحسنات التي يتقرب بها إلى الله، ومن تقرب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهوضال متبع للشيطان، وسبيله من سبل الشيطان) (208).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التوسل وموقف إبن تيمية ..
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قياس التوسل بالذات على التوسل بالعمل الصالح ..
» تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية الجامع لكلام ابن تيمية في التفسير لأول مرة pdf
» الاختلاط وموقف الإسلام منه وأضراره
» الديمقراطية وموقف الإسلام منها
» الديمقراطية وموقف الإسلام منها



صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع الفرقان :: Known to the islam :: الحـوار الشيعــي :: شبهات الشيعه وردها :: شبهات التوحيد والفقه-
انتقل الى: