قال تعالى { .. فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ..} [الصف: 5]
وهكذا إذا أعرض العبد عن ربِّه سبحانه جازاه بأن يُعْرِض عنه فلا يُمَكِّنه من الإقبال عليه، ولتكن قصة إبليس منك على ذكر تنتفع بها أتم انتفاع: فإنه لما عصى ربَّه تعالى ولم ينقد لأمره وأصرَّ على ذلك، عاقبه بأن جعله داعيًا إلى كل معصية .. فعاقبه على معصيته الأولى بأن جعله داعيًا إلى كل معصية، وفروعها صغيرها وكبيرها .. وصار هذا الإعراض والكفر منه، عقوبة لذلك الإعراض والكفر السابق ..
فمن عقاب السيئة السيئة بعدها، كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها،،
وقال تعالى عن عباده المؤمنين أنهم سألوه {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ..} [آل عمران: 8]
وأصل الزيغ: الميل .. ومنه زاغت الشمس، إذا مالت ..
فإزاغه القلب: إمالته، وزيغه: ميله عن الهدى إلى الضلال ..
والزيغ يوصف به القلب والبصر .. كما قال تعالى {..وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ..} [الأحزاب: 10] .. قال قتادة ومقاتل "شَخِصَت فرقًا"، وهذا تقريب للمعنى فإن الشخوص غير الزيغ وهو: أن يفتح عينيه ينظر إلى الشيء فلا يطرق. ومنه شَخِص بصر الميت، ولما مالت الأبصار عن كل شيء فلم تنظر إلا إلى هؤلاء الذين أقبلوا إليهم من كل جانب اشتغلت عن النظر إلى شيء آخر فمالت عنه وشخصت بالنظر إلى الأحزاب. وقال الكلبي "مالت أبصارهم إلا من النظر إليهم"، وقال الفراء "زاغت عن كل شيء، فلم تلتفت إلا إلى عدوها متحيَّرة تنظر إليه"
قلت: القلب إذا امتلأ رعبًا شغله ذلك عن ملاحظة ما سوى المخوِّف، فزاغ البصر عن الوقوع عليه وهو مقابلة.
· المصدر:
شفاء العليل (26:17, 31:17)