اللَّهُمَّ أكْثِرْ مَالِي، وَوَلَدِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أعْطَيْتَنِي "3"وَأطِلْ حَيَاتِي عَلَى طَاعَتِكَ، وَأحْسِنْ عَمَلِي وَاغْفِرْ لِي "1"
روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه ((دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: ((أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ))، ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَةً، قَالَ: ((مَا هِيَ؟)) قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ، فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلَا دُنْيَا إِلَّا دَعَا لِي بِهِ، قَالَ: ((اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا، وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ))، فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الْأَنْصَارِ مَالًا، وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَة([3]).
ورواية مسلم: قالت فيه أم أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((يا رسول الله، خويدمك، ادعُ اللَّه له، قال: فدعا لي بكل خير وكان في آخر ما دعا لي به أن قال: ((اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيه)) ([4]).
وفي رواية أخرى لمسلم: ((عن أم سليم أنها قالت: يا رسول الله خادمك أنس، ادع الله له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي به أن قال: ((اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته))([5]).
وفي رواية قالت أم أنس: يا رسول اللَّه، هذا أنيس ابني، أتيتك به يخدمك، فادع الله له، فقال: ((اللهم أكثر ماله، وولده))([6]).
وفي رواية: ((فقالت: بأبي وأمي يا رسول الله، أنيس، فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات، قد رأيت منها اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة)) ([7]). وهي موافقة لرواية الترمذي([8]).
وفي رواية للترمذي: ((قلت لأبي العالية: سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: خدمه عشر سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان، كان يجيء منها ريح المسك)) ([9]).
قول أم أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (خويدمك): تصغير خادم للتحبب، صُغِّر تلطفاً، وطلباً لمزيد من الشفقة عليه، وفيه إيثار الأم لولدها.
قولها: ((ادع اللَّه له)): فيه طلب الدعاء للولد، أو غيره ممن يُتوسّم فيه الخير، والصلاح، من أهل الخير، وفيه أيضاً طلب دعاء المرء لغيره، ممن يحبه ويهمّه أمره .
قوله: ((اللَّهم أكثر مالي وولدي، وبارك لي فيما أعطيتني)): فيه جواز سؤال اللَّه كثرة المال، والولد مع البركة فيهما, وفيه استحباب أنه إذا دعا بشيء يتعلق في أمر من أمور الدنيا، أن يضمّ إلى دعائه طلب البركة، والصيانة فيه([10])، والبركة: هي الزيادة، والنماء، والدوام على الخير.
قوله: ((وأطل حياتي على طاعتك)): فيه جواز سؤال اللَّه طول العمر، وأنه لا يخالف ما كتب اللَّه في اللوح المحفوظ؛ فإن الدعاء من جملة القدر المكتوب([11])، ولكن يقيد بطاعة اللَّه؛ لأن طول العمر بغير طاعة لا خير فيه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه: ((في هذا الحديث الكثير من الفوائد: جواز التصغير على معنى التلطف لا التحقير، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، والدعاء بكثرة المال والولد، وأن ذلك لا ينافي الخير الأخروي، وفيه حسن التلطّف في السؤال، وفيه التحدث بنعم اللَّه تعالى، وبمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم))([12.
قوله: ((وأحسن عملي)) وحسن العمل يكون بالإخلاص للّه فيه، ومتابعة النبيصلى الله عليه وسلم .
قوله: ((واغفر لي)): وختم الدعاء بسؤال اللَّه المغفرة بعد سؤال اللَّه من أمور الدنيا؛ لأنها هي الأهمّ، وعليها الفلاح والنجاة، وفيه بيان أن على العبد أن لا يجعل جُلَّ دعائه وهمّه أمر الدنيا، فلا بد أن تكون الآخرة هي همه، والشاغل الأكبر، فيقرن بينهما في السؤال. كما في دعاء سليمان عليه السلام ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾([13]). فإذا كان الأنبياء عليهم السلام محتاجون إلى مغفرة اللَّه تعالى، فنحن أولى بذلك؛ لكثرة تقصيرنا وتفريطنا، وكثرة ذنوبنا، واللَّه المستعان.
([1]) يدل عليه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأنس: ((اللهمّ أكثر ماله، وولده وبارك له فيما أعطيته)) البخاري، كتاب الصوم، باب من زار قوماً فلم يفطر عندهم، برقم 1982، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات، برقم 660.
([2]) البخاري في الأدب المفرد، برقم 653، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 2241، وفي صحيح الأدب المفرد، ص 244، وما بين المعقوفين يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل: من خير الناس؟ فقال: ((من طال عمره وحسن عمله))، الترمذي، برقم 2329، وأحمد، برقم 17716، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/271، قال المؤلف وفقه اللَّه: وقد سألت سماحة شيخنا ابن باز رحمه اللَّه عن الدعاء به، وهل هو سنة؟ فقال : ((نعم)).
([3]) البخاري، كتاب الصوم، باب من زار قوماً فلم يفطر عندهم، برقم 1982
([4]) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، برقم 660، وبرقم 2480.
([5]) مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضى الله عنهم اجمعين باب من فضائل أنس بن مالك رضى الله عنه برقم 2480.
([6]) مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضى الله عنهم اجمعين باب من فضائل أنس بن مالك رضى الله عنه برقم 2481، وزاد في رواية: ((وبارك له فيه)).
([7]) مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضى الله عنهم اجمعين باب من فضائل أنس بن مالك رضى الله عنه برقم 2481.
([8]) الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب أنس بن مالك، برقم 3827، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 3007.
([9]) الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب أنس بن مالك، برقم 3833، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي، برقم 3010، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 2241.
([10]) شرح الأدب المفرد، 2/ 310.
([11]) من كلام العلامة الألباني رحمه اللَّه، السلسلة الصحيحة، بعد الحديث رقم 2241.
([12]) فتح الباري، 4/ 229.
([13]) سورة ص، الآية: 35.