اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْحَرَقِ، وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِيَ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا))([1]).
المفردات:
((الهدم)): بسكون الدال أي سقوط البناء, ووقوعه على الشيء.
((التردي)): السقوط من عالٍ كالوقوع من شاهق جبل أو في بئر.
((الغرق)): بكسر الراء الموت غرقاً بالماء.
((الغم)): ألم يصيب القلب في الحاضر, يجهد القلب والعقل والجسد.
((الحرق)): الالتهاب بالنار.
((مدبراً)): المولي دُبره: المنهزم في الجهاد.
الشرح:
استعاذ صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور مع ما فيها من نيل الشهادة، كما دلَّت على ذلك الأحاديث؛ لأنها مجهدة, مغلقة, لا يثبت المرء عندها, فربما استزله الشيطان فأخل بدينه, ولأنه يُعد فجأة ومؤاخذة أسف؛ ولأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلاء كالأمراض السابقة المستعاذ منها, والفرق بين الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أن الشهادة الحقيقية أُمنية كل مؤمن ومطلوبه, وقد يجب عليه السعي لها في بعض حالات القتال، بخلاف هذه الأمور يجب التحرز عنها والسعي لعدم الوقوع فيها؛ لأن الموت حينها يكون بغتة, دون توبة, ورد للمظالم, وإقرار للوصية, وعدم النطق بالشهادة لما يفجؤه من فزع وهلع، وما يدهمه من الخوف.
قوله: ((وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مُدبراً)): أي أعوذ بك أن أموت في حال هروبي من قتال أعدائك فاراً من الزحف أثناء الجهاد، وهو من الكبائر الموبقات كما جاء في الصحيح, وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مرتداً، أو مدبراً عن ذكرك، ومقبلاً على غيرك([2]).
قوله: ((وأعوذ بك أن أموت لديغاً)): أي أعوذ بك أن أموت عقب لدغ ذوات السم, كالحية والعقرب وغيرهما, فيكون من قبيل موت الفجأة، فلا يستطيع إعداد الوصية والتوبة, وقد يتأخر موته فينشغل بالألم الشديد من شدة اللدغ, ولا يخفى [ما] في أهمية هذه الاستعاذات في حياة المؤمن، وهو يشاهد ويسمع من وقع فيها، فإنها أمور مفزعة ومقلقة، فينبغي التوخّي عنها قدر الاستطاعة ببذل الأسباب, والاستعانة باللَّه جل وعلا بالدعاء.
([1]) أخرجه أبو داود، واللفظ له، كتاب الوتر، باب في الاستعاذة، برقم 1552، والنسائي، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من التردي والهدم، برقم 5546، والنسائي في الكبرى، 4/ 467، برقم 7918، وأحمد، 14/ 303، برقم 8667، والطبراني في الكبير، 19/ 170، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/1123، وصحيح سنن أبي داود، 5/ 275.
([2]) فيض القدير ، 2/148 ، الفتوحات الربانية،: 3/642 .