اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَسْتَجِيْرُ بِكَ مِنَ النَّارِ))([1]) (ثَلاَثَ مَرَّاتٍ).
الشرح:
قوله: ((من سأل اللَّه الجنة)): أي دخولها بصدق، وإيمان، وحسن نية، وإلحاح.
قوله: ((قالت الجنة: اللَّهم أدخله الجنة)): فيه تعظيم للسائل، حيث إن اللَّه تعالى يخلق لهذه الدار الحياة والقدرة على النطق بذكره، وهي جماد، وهذا من كمال قدرة رب العالمين, وأنه لا يعجزه شيء جل وعلا, كما أنطق الحصى بالتسبيح والطعام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ([2, كما في قول ابن مسعود رضى الله عنه: (( ...ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)) أي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ((3]).
قوله : (( ومن استجار ... )) الحديث: كسابقه.
وهنا في إنطاق النار على الكلام حقيقته([4])، حيث تطلب من خالقها أن تُجِرْهُ من النار إذا أتى بالعدد المذكور، وهو الثلاثة؛ فإن التقيّد بهذا العدد مشروط في جعل اللَّه لهذه الجمادات القدرة على النطق بإنطاق اللَّه تعالى لها؛ فإن ذلك يُعطي المؤمن العزم، والجدَّ في السؤال والطلب بإلحاح، والتقيد بالعدد ثلاثة هو أقل درجات الإلحاح في الدعاء، واللَّه أعلم.
ودلّ هذا الحديث الجليل على عظم فضل اللَّه عز وجل لعباده الداعين، وأنه تعالى يسخّر لهم الجنة والنار على عظمهما في التوسّل إلى اللَّه، والدعاء لهم, كما سخّــر لهم الملائكة الكرام العظام حملة العرش في الدعاء لهم: "الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"[5]) .
كما أن الشارع الحكيم شرع لنا سؤال اللَّه تعالى الجنة كذلك، وحثّنا على سؤال أعلاها، وهي الفردوس الأعلى, قال النبيّصلى الله عليه وسلم ((إذا سألتم اللَّه فاسألوه الفردوس([6]) الأعلى))([7]).
فينبغي للعبد أن يكثر الدعاء بسؤال اللَّه تعالى تلكم المنزلة العظيمة التي فوقها عرش الرحمن، وليس فوقها منزلة.
([1]) أخرجه الترمذي، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة أنهار الجنة، برقم 2572، وابن ماجه، برقم 3340، والنسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من حر النار، برقم 5521، والنسائي في الكبرى، 6/ 33، والإمام أحمد، 20/ 408، برقم 13173، والحاكم،
1/ 535، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/319، وصحيح النسائي، 3/1121، ولفظه: ((من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهمّ أدخله الجنة ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهمّ أجره من النار)).
([2]) فيض القدير، 6 / 144.
([3]) البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3579.
([4]) هذا هو الأصل, أن يحمل الكلام على الحقيقة, قال ابن عبد البر: ((وحمل كلام الله تعالى، وكلام نبيه r على الحقيقة, أولى بذوي الدين والحق)) التمهيد، 5/16, 7/ 145، والقاعدة في ذلك: ((يجب حمل نصوص الوحي على الحقيقة)) انظر: قواعد الترجيح، 2 / 387.
([5]) سورة غافر، الآيتان: 7-8.
([6]) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب المجاهدين في سبيل الله، برقم 2790.
([7]) صحيح ابن حبان، 3/ 238، برقم 958، والضياء المقدسي في المختارة، 3/ 378، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم، 2/ 740، والبيهقي في البعث والنشور، ص 229، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، برقم 954.