((اللَّهُمَّ ثَبِّتْنِي وَاجْعَلْنِي هَادِياً مَهْدِيَّاً))([1]).
الشرح:
وأصل هذا الدعاء المبارك أن جرير بن عبد اللَّه البجلي رضى الله عنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يثبت على الخيل، فضرب صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة على صدره ثم دعا له فقال: ((اللَّهم ثبته، واجعله هادياً مهدياً)).
قوله: ((اللَّهم ثبته)): تضمن هذا الدعاء المبارك التوفيق إلى الثبات في كل الأحوال، ومن كل الأنواع من الثبات الحسي والمعنوي، الدنيوي والأخروي, كما أفاد حذف المفعول الذي يفيد العموم, وهذا من جوامع الكلم في الدعاء؛ فإن سؤال اللَّه تعالى الثبات في الدنيا يكون: في ثبات القلب أمام ملاقاة أعداء اللَّه تعالى يستلزم ثبات الأقدام والجسد، وكذلك الثبات أمام الفتن، والضلالات، والزيغ، والشهوات، والشبهات, وكذلك تضمّن سؤال اللَّه تعالى الثبات عند الاحتضار الذي يأتي الشيطان لإضلال العبد، وكذلك في البرزخ عند سؤال منكر ونكير, وكذلك في اليوم الآخر على الصراط, فتضمّنت هذه الكلمات القليلة المعاني الكثيرة والجليلة في الدين والدنيا والآخرة.
قوله: ((واجعلني هادياً مهدياً)): وهذه أكمل الحالات، وأفضل الدرجات أن يجتمع في العبد الهداية القاصرة والمتعدية, أي أن يكون مهدياً بنفسه، هادياً لغيره, وهذا من أجل النعم من الرب عز وجل أن يثبت العبد، ويهديه على الهدى، ثم يرزقه التوفيق إلى دعوة الناس من الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر، وما يترتب على ذلك من الأجر العظيم له, وهذا يدل على أهمّية الأدعية النبوية, التي فيها أجلّ المقاصد، والمطالب الدنيوية والأخروية بأوجز الألفاظ.
([1]) دلّ عليه دعاء النبي r لجرير t. انظر: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب حرق الدور والنخيل، برقم 3020، وكذلك برقم 4356، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جرير بن عبد الله، برقم 2475، و2476.