صفة العين لله سبحانه وتعالى ..
صفة العين:
ومن الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة العين، وهي صفة حقيقية تليق بجلال الله عز وجل لا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعرف كيفيتها.
قال تعالى: ((وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48].
وقال تعالى: ((وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ)) [القمر:13 - 14].
وقال تعالى: ((وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) [طه:39].
قال قطب الدين الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح:
وقد أخبرنا جماعة من أصحاب الحديث بأصبهان، وجماعة منهم من همدان وخراسان سماعاً وإجازة عن مشايخهم الثقات بأسانيد مختلفة -من حديث طويل- قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ما بعث الله نبياً إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإن الله أخره إلى يومكم هذا، فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور)
الخرائج والجرائح: (3/ 1138).
وعن النزال بن سبرة قال: خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني ثلاثاً، فقام إليه صعصعة بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجال؟ فقال له علي عليه السلام: اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها كحذوالنعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها! قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال ... يخرج من بلدة يقال لها: أصفهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة والأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب وأمي، ينادي بأعلى صوته، يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى أنا ربكم الأعلى. وكذب عدوالله، إنه الأعور، يطعم الطعام ويمشي في الأسواق، وإن ربكم ليس بأعور
كمال الدين: (2/ 525) , بحار الأنوار: (52/ 194) , الخرائج والجرائح: (3/ 1133).
وقد أنكر بعضهم صفة العين، وأولوها بالرؤية بدون عين، وقالوا: (بأعيننا) برؤية منا، ولكن لا عين، والعين لا يمكن أن تثبت لله عز وجل أبداً، لأن العين جزء من الجسم؛ فإذا أثبتنا العين لله؛ أثبتنا تجزئة وجسماً، وهذا شيء ممتنع فلا يجوز، ولكنه ذكر العين من باب تأكيد الرؤية؛ يعني: كأنما نراك ولنا عين.
فنقول لهم: هذا القول خطأ من عدة أوجه:
الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر اللفظ.
الوجه الثاني: أنه مخالف لما أثبته الله عز وجل في كتابه وما أثبته نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وفق لغة العرب.
الوجه الثالث: أنه لا دليل على أن المراد بالعين مجرد الرؤية.
الوجه الرابع: أننا إذا قلنا بأنها الرؤية، وأثبت الله لنفسه عيناً، فيلزم من ذلك أنه يرى بتلك العين، وحينئذٍ يكون في الآية دليل على أنها عين حقيقية.
الوجه الخامس: لا يلزم من إثبات صفة العين لله عز وجل أن تكون مماثلة ومجزأة كالمخلوقين، فكل المخلوقات من البشر والحيوانات والحشرات لهم أعين متشابهة بالأسماء فقط ولكنها مختلفة في الأحجام والأشكال، فمنها الكبير والصغير والضخم والدقيق ... إلخ، فهل يلزم من ذلك أن أعينهم متماثلة بالكيفية والجزئية؟!
ولله المثل الأعلى، فإننا نؤمن ونثبت ما أثبته الله عز وجل وما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام من الصفات، كالعين وغيرها من الصفات الثابتة، من غير تحريف ولا تكييف ولا مماثلة، ونقول: نؤمن ونثبت هذه الصفات، وليس كمثله شيء.
فإذا قال المنكرون:
أنتم تثبتون الصفات بظاهر الآية والحديث، من غير تأويل ولا تكييف ولا تمثيل، والله عز وجل يقول: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48] والظاهر من الآية على حسب طريقتكم أنكم جعلتم النبي صلى الله عليه وسلم في عين الله أوفي وسطها لوجود الباء الظرفية في كلمة ((بِأَعْيُنِنَا)) أي: داخل أعيننا، فإن قلتم بهذا كفرتم، لأنكم جعلتم الله محلاً للخلائق، فأنتم حلولية، وإن لم تقولوا به تناقضتم!
فالجواب:
إن القرآن نزل وفق لغة العرب، والباء تستعمل في استعمالات عدة، وهنا استعملت لتفيد معنى المصاحبة، فإذا قلت: أنت بعيني؛ يعني: أن عيني تصحبك وتنظر إليك، لا تنفك عنك؛ فالمعنى: أن الله عز وجل يقول لنبيه: اصبر لحكم الله؛ فإنك محوط بعنايتنا وبرؤيتنا لك بالعين حتى لا ينالك أحد بسوء.
ولا يمكن أن تكون الباء هنا للظرفية؛ لأنه يقتضي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عين الله، وهذا محال.
وأيضاً؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خوطب بذلك وهوفي الأرض، فإذا قلتم: إنه كان في عين الله! كانت دلالة القرآن كذباً.
وقال المنكرون أيضاً:
إن الله عز وجل ذكر (العين) بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى: ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا))، وفي قوله: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48]، وبصيغة المفرد كما في قوله تعالى: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) [طه:39]، فكيف تخرجون من هذا التناقض؟ وكم عين لله إذاً؟
والجواب من وجوه:
أولاً: لا تعارض بين الآيات، وذلك لأن المفرد المضاف يعم فيشمل كل ما ثَبَت لله من عين، وحينئذٍ لا منافاة بين المفرد وبين الجمع أوالتثنية.
وإن كان أقل الجمع اثنين؛ فلا منافاة؛ لأننا نقول: هذا الجمع دال على اثنتين؛ فلا ينافيه، وإن كان أقل الجمع ثلاثة؛ فإن هذا الجمع لا يُراد به الثلاثة، وإنما يراد به التعظيم والتناسب بين ضمير الجمع وبين المضاف إليه.
ثانياً: أن قوله تعالى: ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)) [القمر:14]، وقوله: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48] وقوله: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) [طه:39] معناها واحد ويفيد الاعتناء والحفظ والحفاوة من الله عز وجل لأوليائه، وهذا كما يقال على لسان العرب: أنت بعيني وبقلبي ... إلخ، وعلى ضوء هذا البيان نكون بذلك أثبتنا صفة العين لله عز وجل مع تفسيرها، مخالفين مذهب من أنكر صفة العين وصرف معناها.
ثالثاً: أنه قد دل الحديث الصحيح كما أسلفنا () عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين أن لله عز وجل عينين اثنتين فقط، حين وصف الدجال وقال: (وإن ربكم عز وجل ليس بأعور). ولا يقال (أعور) في اللغة العربية إلا لعور العين، وهذا يدل على أن لله تعالى عينين اثنتين فقط لا مثيل ولا شبيه لهما، ولا نعرف كيفيتهما، ونقول كما قال الله عز وجل عن نفسه: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].