نقد روايات الأحداث والعقوبات الحاصلة بقتل الحسين رضي الله عنه ..
فؤاد أبوالغيث
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، وبعد:
فقد أشير في أحد المقالات إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على الحسين - رضي الله عنه - وأن الشيعة يجددون البكاء على الحسين تأسيًا بالرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن رسولنا بكاه، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوالله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا) الأحزاب: 21، والحديث في المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 194) قال: أخبرنا أبوعبد الله محمد بن علي الجوهري ببغداد، قال: حدثنا أبوالأحوص محمد بن الهيثم القاضي، قال: حدثنا محمد بن مصعب، قال: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث: أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلمًا منكرًا الليلة، قال: ما هو؟ قالت: إنه شديد، قال: ما هو؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت في حجري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت خيرًا تلد فاطمة - إن شاء الله - غلامًا فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت يومًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان من الدموع، قالت: فقلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك؟ قال: أتاني جبريل - عليه الصلاة والسلام - فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا! فقال: نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك أم الفضل ومحمد بن مصعب ضعيف.
قال الألباني في المجلد الثاني من سلسلة الأحاديث الصحيحة (ح821، وهوهذا الحديث): لكن له شواهد عديدة تشهد لصحته ...
فالحديث صحيح لكن بكاء النبي صلى الله عليه وسلم على الحسين من الرحمة التي جعلها الله في قلوب عباده، وليس خاصًا بالحسين - رضي الله عنه -، كما أنه قد بكى على غيره، كابنه إبراهيم ... ولم يجدد البكاء على الحسين، ولا على غيره تعمدًا، ولا فعل ذلك أحد من صحابته - رضوان الله عليهم - فتجديد البكاء على الحسين، كما يفعل الشيعة، بدعة وليس سنة ...
والتنويه بأن كثيراً من أبناء السنة والجماعة تشارك الشيعة في إحياء ليالي عاشوراء داخل المملكة وخارجها، وأنهم يساهمون فيها بما تجود به أنفسهم من مال وطعام = تنويه بما هوبدعة كذلك، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في إقامة الدليل على إبطال التحليل (4/ 211): (وأما سائر الأمور: مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة , إما حبوب، وإما غير حبوب , أوتجديد لباس، وتوسيع نفقة , أواشتراء حوائج العام ذلك اليوم , أوفعل عبادة مختصة، كصلاة مختصة به , أوقصد الذبح , أوادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب , أوالاكتحال والاختضاب , أوالاغتسال أوالتصافح , أوالتزاور أوزيارة المساجد والمشاهد , ونحوذلك , فهذا من البدع المنكرة , التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون , ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين؛ لا مالك، ولا الثوري , ولا الليث بن سعد , ولا أبوحنيفة , ولا الأوزاعي , ولا الشافعي , ولا أحمد بن حنبل , ولا إسحاق بن راهويه , ولا أمثال هؤلاء من أئمة المسلمين , وعلماء المسلمين، وإن كان بعض المتأخرين , من أتباع الأئمة قد كانوا يأمرون ببعض ذلك، ويروون في ذلك أحاديث وآثارًا , ويقولون: إن بعض ذلك صحيح، فهم مخطئون غالطون بلا ريب عند أهل المعرفة بحقائق الأمور.
وقد قال حرب الكرماني في مسائله: سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: (من وسع على أهله يوم عاشوراء) فلم يره شيئًا، وأعلى ما عندهم أثر يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه قال: بلغنا (أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته)، قال سفيان بن عيينة: جربناه منذ ستين عامًا فوجدناه صحيحًا.
وإبراهيم بن محمد كان من أهل الكوفة , ولم يذكر ممن سمع هذا، ولا عمن بلغه , فلعل الذي قال هذا من أهل البدع الذين يبغضون عليًا وأصحابه، ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب: مقابلة الفاسد بالفاسد والبدعة بالبدعة.
وأما قول ابن عيينة فإنه لا حجة فيه , فإن الله سبحانه أنعم عليه برزقه , وليس في إنعام الله بذلك ما يدل على أن سبب ذلك كان التوسيع يوم عاشوراء , وقد وسع الله على من هم أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار، ولم يكونوا يقصدون أن يوسعوا على أهليهم يوم عاشوراء بخصوصه , وهذا كما أن كثيرًا من الناس ينذرون نذرًا لحاجة يطلبها , فيقضي الله حاجته , فيظن أن النذر كان السبب).
وقد أورد صاحب المقال المشار إليه (قائمة بالمراجع التي أشارت إلى بكاء السماء على قتل سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام). ونبه على (أن المصادر عديدة، وليست مقتصرة على كتب الشيعة)، ثم قال: (بل الأخبار متواترة).
والواقع أن أكثر المراجع التي أوردها ليست مصادر أصلية، وأن المتأخر منها ينقل عن المتقدم، والمتقدم لم يسند ذلك، ومن أسنده منهم: عددهم قليل جدًا، وفي أسانيدهم من يتهم بالكذب، ومن لا يعرف حاله، فلا تصح أخبارهم فضلاً عن أن تكون متواترة، وتفصيل ذلك في الجداول المرافقة.
وقد جعل صاحب المقال في طليعة ما أورده كتاب (ذي انكلوساكسون كرونكل) كتبه المؤلف سنة 1954، وهويحوي الأحداث التاريخية التي مرت بها الأمة البريطانية منذ عهد المسيح - عليه السلام - فيذكر لكل سنة أحداثها حتى يأتي على ذكر أحداث سنة 685 ميلادية، وهي تقابل سنة 61 هجرية سنة شهادة الإمام أبي عبد الله الحسين - عليه السلام - ... فيذكر المؤلف أن في هذه السنة أمطرت السماء دماً، وأصبح الناس في بريطانيا، فوجدوا أن ألبانهم وأزبادهم تحولت إلى دم!!! راجع ذلك في الصفحة 38 من الكتاب، ويمكن قراءة النص واضحًا في صفحة الانترنت.
685 م: هذا العام
كان هناك في بريطانيا المطر الدموي، وكانت الحليب والزبدة تحولت إلى دم.
ولكن المؤلف لم يذكر مصدر هذا الخبر، ويظهر أنه كذب؛ لأنه لوقع هذا لتعددت مصادره، وتواتر ذكره بين الناس، ولم يحتج إلى إثبات!!
وتوضح الجداول في الملف المرافق مدى ثبوت مرويات الأحداث الحاصلة بقتل الحسين - رضي الله عنه - وتقرر صحة قول شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض كلام ابن المطهر الحلي الشيعي (4/ 337): (وأما ما ذكره من الأحداث والعقوبات الحاصلة بقتل الحسين فلا ريب أن قتل الحسين من أعظم الذنوب، وأن فاعل ذلك، والراضي به، والمعين عليه مستحق لعقاب الله الذي يستحقه أمثاله، لكن قتله ليس بأعظم من قتل من هوأفضل منه من النبيين والسابقين الأولين، ومن قتل في حرب مسيلمة، وكشهداء أحد، والذين قتلوا ببئر معونة، وكقتل عثمان وقتل علي، لاسيما والذين قتلوه أباه عليًا كانوا يعتقدونه كافرًا مرتدًا، وأن قتله من أعظم القربات، بخلاف الذين قتلوا الحسين فإنهم لم يكونوا يعتقدون كفره، وكان كثير منهم أوأكثرهم يكرهون قتله، ويرونه ذنبًا عظيمًا، لكن قتلوه لغرضهم، كما يقتل الناس بعضهم بعضًا على الملك، وبهذا وغيره يتبين أن كثيرا مما روي في ذلك كذب؛ مثل:
كون السماء أمطرت دمًا فإن هذا ما وقع قط في قتل أحد.
ومثل كون الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين، ولم تظهر قبل ذلك؛ فإن هذا من الترهات، فما زالت هذه الحمرة تظهر، ولها سبب طبيعي من جهة الشمس؛ فهي بمنزلة الشفق.
وكذلك قول القائل: إنه ما رفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط هوأيضًا كذب بين.
وأما قول الزهري: ما بقي أحد من قتلة الحسين إلا عوقب في الدنيا؛ فهذا ممكن، وأسرع الذنوب عقوبة البغي، والبغي على الحسين من أعظم البغي).
وقد كذبها العلامة ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره وتاريخه، والعجب العجيب أنه كذب ذلك في المواضع التي قيل: إنه أشار فيها إلى (بكاء السماء على قتل سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام)!! كما في الجداول.