أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي
حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: (أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي) وعزاه لأبي داود الطيالسي- نقلاً من (الإستيعاب) (3/ 28) - وهوغير أبي داود صاحب السنن، فإن الأول هوصاحب المسند، (مسند الطيالسي) لكن هذا الموسوي لفرط جهله وغبائه جعلهما واحداً فقال في الهامش (1/ 171): (أخرجه أبوداود وغيره من أصحاب السنن عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن أبي بلج يحيى سليم الفزاري عن عمروبن ميمون الأودي عن ابن عباس مرفوعاً) إ. ه. ثم ادعى صحة هذا الإسناد، مع أنه ضعيف لا يثبت وهذا الحديث منكر مردود، فهوقطعة من حديث ابن عباس في بضع عشرة من فضائل عليّ رضي الله عنه وقد تقدم في (المراجعة-26 - ) وتكلمانا عليه وعلى إسناده هذا في صفحة (365 - 364) وبينا أن علته في أبي بلج هذا، يحيى بن سليم الفزازي، وأنه بسبب سوء حفظه يأتي بمنكرات وبلايا، كما قال الإمام أحمد وابن حبان والذهبي وغيرهم، وضعفه البخاري بقوله: فيه نظر، وقدمنا هناك أن هذا اللفظ من أشد أنواع التضعيف عند البخاري فراجعه بالتفصيل في موضعه. ومن وثق أبا بلج هذا فلا يكون توثيقه مطلقاً لما عنده من المنكرات والبلايا هذه، بل يعتبر فيما وافق فيه الثقات، وأما التوثيق المطلق فهومردود بجرح من جرحه، لأنه جرح مفسر يقدم على التعديل كما هومقرر في (المصطلح)، وانظر صفحة (261 - 262) من كتابنا هذا. وفعل هذا الموسوي بنقل أقوال الموثّقين لأبي بلج فقط دون الجارحين له يُعد خيانة، وما هي من أمثاله بعجيبة، والحق إن توثيق من وثقه ينزل بالمنزلة التي فصلناها في صفحة (365) لا مطلقاً جمعاً بين أقوال جميع أئمة الجرح والتعديل، وهاهوابن معين نفسه يضعف أبا بلج في رواية أخرى، نقلها عنهمابن عبد البر صاحب (الإستيعاب) نفسه وذكرها الحافظ في (التهذيب).
قد ذكرنا في صفحة (365 - 366) أيضاً أدلة على تضعيف بعض أهل العلم بالحديث لعدد من الأحاديث بسبب أبي بلج هذا، ونضيف إليها الآن مثالين من المتساهلين في التصحيح، الأول: الترمذي في (جامعه) (4/ 331، 332) روى حديثين لأبي بلج هذا- هما في الأصل قطعة من حديث ابن عباس الطويل هذا- واستغربهما ورجال اسناديهما ثقات غير أبي بلج هذا.
الثاني: الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/ 12)، ذكر أبا بلج هذا وقال: (ثقة وفيه لين) أي ضعف.
ولئن كان هذا الموسوي قد نقل توثيق أبي بلج عن خمسة من أهل الجرح والتعديل فنحن قد نقلنا وأثبتنا ما عنده من ضعف- مع ثقته في نفسه- عن الإمام أحمد والبخاري وابن حبان والجوزجاني والأزدي، أنظر صفحة (364) وكذا الذهبي والهيثمي، وغيرهم .. فيحكم فيه حسب القاعدة المقررة عند أهل هذا الشأن إذا تعارض الجرح والتعديل، أنظر ذلك في صفحة (261 - 262) من كتابنا هذا، والحمد لله.
حديث عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّةً واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب، فاصطفى لنفسه من الخمس جاريةً، فأنكروا ذلك عليه، وتعاقد أربعةٌ منهم على شكايته إلي النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا قام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم ترَ أن عليّاً صنع كذا وكذا، فأعرض عنه فقام الثاني فقال مثل ذلك فأعرض عنه، وقام الثالث فقال مثل ما قال صاحباه فأعرض عنه، وقام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يبصر في وجهه، فقال: (ما تريدون من عليّ؟ إن علياً مني وأنا منه، وهووليّ كل مؤمن بعدي) إ. ه.
قبل الكلام عن إسناد الحديث نقول إن حديث عمران بن حصين هذا وحديث بريدة الآتي يتعلّقان بقصة خطبة غدير خم، ويبيّنان السبب الحقيقي لتلك الخطبة وثناء النبي صلى الله عليه وسلم فيها على عليّ رضي الله عنه وأهل البيت.
فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع، ثم قدم عليّ فوافي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج بمكة وحينها اشتكى منه من كان معه بأرض اليمن بسبب بعض ما صدر منه رضي الله عنه وعابوا عليه واتّهموا بالجور والبخل، والصواب كان معه في ذلك. فلما تفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيّنَ فضل عليّ رضي الله عنه وبراءة عرضه مما اتهم به، في خطبة بمكان بين مكة والمدينة قريب من الجحفة يُقال له غدير خم، وليس في حجة الوداع كما يزعمه الجهلاء، أنظر (سيرة ابن هشام) (4/ 249 - 25)، (تاريخ الطبري) (3/ 148 - 149)، (البداية والنهاية) (5/ 28 - 29)، وغيرها من كتب السيرة والتاريخ. وقد ذكرنا ذلك وبيناه أيضاً في (ص43 - 44) من كتابنا هذا وسيأتي أيضاً إن شاء الله تعالى في الكلام على ما جاء في (المراجعة-54 - ).
وهذا الموسوي- لجهله- قد أقرّ- بإيراده هذين الحديثين- بما قلناه من أن سبب خطبة الغدير هوما قيل في عليّ رضي الله عنه من السوء ممن كان معه بأرض اليمن. لكن هذه الأحاديث، كغيرها من أحاديث فضائل عليّ رضي الله عنه تعرضت للزيادة والتحريف والتغيير من قبل هؤلاء الشيعة غير الأمناء، إذ هذا دأبهم لا يكفيهم الحق الواقع حتى يلحقوا به من الباطل ما شوهه ويضعه في جانب الغلوّ المذموم، من أجل هذا حكم علماء الحديث والآثار بعدم قبول روايتهم في فضائل عليّ رضي الله عنه، حتى من ثقاتهم، خصوصاً إذا كان عندهم غلوفي ذلك، لما قدمنا من دأبهم في الزيادة والتحريف أوعلى الأقل التغاضي عن التثّبت في مثلها. وهم في هذا الأمر مع سائر أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية وغيرهم سواء، أنظر صفحة (248 - 25) من كتابنا هذا، وسنرى في حديثي عمران بن حصين وبريدة أمثلة من زيادات الشيعة في تلك الأحاديث، مبتدئين بحديث عمران بن حصين هذا:
فقد أخرجه الإمام أحمد (4/ 437 - 438)، والترمذي (4/ 325 - 326)، والحاكم (3/ 11 - 111)، والنسائي في (خصائص عليّ) (ص45)، وابن أبي شيبة (12/ 79) من طريق جعفر بن سليمان الضبعي عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يوافقه الذهبي ولم يعقب عليه بشيء بخلاف ما زعم هذا الموسوي المفتري في الهامش (2/ 172)، وأصل هذه القصة صحيح ثابت، ولكن هذا اللفظ من حديث عمران بن حصين فيه ما ينكره وما يُستغرب ويمنع الإحتجاج به، مع أن رجاله رجال مسلم.
فقوله: (وهوولي كل مؤمن) صحيح ثابت وسنبيّن إن شاء الله معناه الصحيح في المراجعة القادمة، لكن النكارة والغرابة التي فيه هي الزيادة بعده ألا وهي: (وهووليّ كل مؤمن بعدي) فلفظ (بعدي) غير محفوظ ولا هوصحيحاً قابلاً للإحتجاج به، فقد تفرّد بها جعفر بن سليمان الضبعي، وهووإن كان صدوقاً إلا أنه شيعي فلا يحتج به في مثل هذا الحديث لما فيه مما يقوي بدعته، وقد تقرر في (المصطلح) أن المبتدع إذا روى شيئاً يقوي به بدعته فهومردود قطعاً، أنظر صفحة (248 - 25) من كتابنا هذا.
وقد نقل الحافظ في ترجمة جعفر هذا من (التهذيب) عن الإمام أحمد أنه قال عنه: (إنما كان يتشيّع وكان يحدّث بأحاديث في فضل عليّ، وأهل البصرة يغلون في عليّ) إ. ه. من أجل كل هذا قد استغرب الترمذي- على تساهله- هذاالحديث وأشار إلى علته بقوله: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان) إ. ه. وقد عدّ الذهبي في ترجمة جعفر من (الميزان) هذا الحديث من جملة ما ينكر عليه وهوما يبين كذب هذا الموسوي بإدعائه تسليم الذهبي بصحته على شرط مسلم.
وسنبين في حديث بريدة الآتي أن أحداً لم يتابع جعفراً هذا في هذه الزيادة مطلقاً سوى أجلح الكندي راوي حديث بريدة وهوشيعي أيضاً مثل جعفر مع ما فيه من ضعف يمنع من الإحتجاج به، فصح يقيناً أن هذه الزيادة، وهي قوله (بعدي) لم تروَ ِإلاّ من طريق شيعيين لا يوثق بخبرهما في مثل هذا، مع مخالفتهما لجميع من روى هذه القصة بدون هذه الزيادة.
حديث بريدة رضي الله عنه، قال: (بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثين إلى اليمن، على أحدهما عليّ إبن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعليّ على الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، قال فلقينا بني زيد م أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى عليّ امرأةً من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخبره بذلك فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقع في عليّ فإنه مني وأنا منه وهووليّكم بعدي، وأنه مني وأنا منه وهووليّكم بعدي) إ. ه. أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد (5/ 356)، والبزار باختصار- (مجمع الزوائد) (9/ 127 - 128) - من طريق الأجلح الكندي عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه بريدة. وعلّته الأجلح هذا فهوشيعي أيضاً مثل جعفر فلا يؤمن تفردهما في مثل هذا، - ونعني بتفردهما من بين من يقبل خبرهم، أما المتروكون أوالمجاهيل أوالضعفاء فلا عبرة بمتابعتهم لهما في هذه الزيادة، مثل أبي بلج في حديث ابن عباس السابق، فإنه ساقط بنفسه كما تقدم- مع ما عند الأجلح من ضعف بسيط، ونقل الحافظ في ترجمته من (التهذيب) عن الإمام أحمد أنه قال عنه: (قد روى الأجلح غير حديث منكر) إ. ه. قلت: والنكارة
هنا هي زيادة قوله (بعدي) كما قدمنا، وهذا الكلام ينطبق أيضاً علىرواية النسائي في (خصائصه) التي أشار إليها هذا الموسوي، وقد استنكر هذه اللفظة أيضاً وردها الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (7/ 343) فقال: (هذه اللفظة منكرة والأجلح شيعي ومثله لا يُقبل إذا تفرّد بمثلها، وقد تابعه فيها من هوأضعف منه والله أعلم) إ. ه. قلت: , كأنه يشير إلى رواية أبي بلج لحديث ابن عباس المتقدم. وكذا ردّ هذه اللفظة واستنكرها لنفس السبب المباركفوري في (شرح الترمذي) (4/ 325 - 326). ويؤيده مجيء هذه القصة من غير طريق هذين الشيعيّين- جعفر والأجلح- لكن بدون هذه اللفظ المنكرة (وهوولي كل مؤمن بعدي) أونحوها، من ذلك نفس الطريق الذي أشار إليه هذا الموسوي في الهامش (4/ 173) عند الإمام أحمد (5/ 347)، والحاكم (3/ 11). ومنها أيضاً عن وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه عند الإمام أحمد (5/ 358). ومنها أيضاً عن روح عن علي بن سويد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، عند الإمام أحمد (5/ 359)، والبخاري (5/ 27). ومنها عن يحيى بن سعيد عن عبد الجليل عن عبدالله بن بريدة عن أبيه، عند الإمام أحمد أيضاً (5/ 35 - 351)، وغيرها وليس في أي منها لفظة (بعدي) فهي منكرة مردودة، بل حكم عليها بالوضع شيخ الإسلام ابن تيمية في (المنهاج) - أنظر (مختصر المنهاج) (ص311) -.
وعندي أن في الحديث موضع آخر فيه نكارة، ألا وهوقوله: (إذا التقيتم فعليّ على الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده .. ) فإن هذا مخالف لما ثبت في (صحيح البخاري) (5/ 26 - 27) من حديث البراء رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث عليّاً بعد ذلك مكانه، فقال: (مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل) ... الحديث، فإن هذا صريح في أن عليّ رضي الله عنه إنما كان بديلاً لخالد بن الوليد رضي الله عنه لا أميراً عليه كما تدعيه رواية الأجلح الكندي التي نحن بصددها، وقطعاً أن رواية البخاري هي الأصح والأثبت وما عارضها منكر مردود عند أهل العلم.
وهذا الذي قلناه من رواية البخاري هوالذي اختاره ابن جرير الطبري في (تاريخه) (3/ 131 - 132)، والذهبي في (تاريخ الإسلام) (جزء المغازي) (ص69 - 691)، وغيرهما. ورواية الأجلح الكندي هذه مخالفة أيضاً لباقي الروايات التي أشرنا إليها قبلاً في هذه المسألة أيضاً، وهذا كله مما يمنع الإحتجاج بها.
وبعد أن بيّنا عدم صحة كون عليّ أميراً على خالد بن الوليد- رضي الله عنهما- في تلك الغزوة، نعود إلى الكلام على ما شاغب به هذا الموسوي في الهامش (3/ 172) بقوله: (ما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آحداً على عليّ مدة حياته، بل كانت له الإمرة علىغيره، وكان حامل لوائه في كل زحف بخلاف غيره) ثم ذكر قصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وشأنهما في غزوة ذات السلاسل ثم قال: (أما عليّ فلم يكن مأموراً ولا تابعاً لغير النبي منذ بعث إلى أن قبض صلى الله عليه وآله وسلم) إ. ه. فنقول: هذا ما يتمناه هذا الموسوي وأصحابه وما يطلبونه ويتوسلون إليه بوسائل غير مشروعة من الكذب والإفتراء والتزييف، مثل ادّعاء هذا الموسوي هنا وأبى الله إلاّ أن يظهر الحق ويزهق الباطل، ويختار ما يحبه ويرضاه مما يخالف أهواء هؤلاء الشيعة الرافضة كما سنبينه إن شاء الله مع بيان كذب هذا الموسوي بقوله هذا.
لكن قبل ذلك نقف وقفة قصيرة عند قضية اختيار أمراء السرايا والبعوث التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبعثها، فمن طالع كتب المغازي وكتب السيرة وجد أن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكن يراعي في أمير الجيش أوالسرية أفضليته على من معه في دين الله أوأسبقيته للإسلام أوأحبه إليه صلى الله عليه وسلم، بل كان يراعي علمه بفنون القتال وقيادة الجيوش- فحسب- وقدرته على المناورة بمن معه من الجيش أوالسرية، هذا في الأصل وقد تضاف إليه اعتبارات أخرى مثل توفر دواعٍ على القتال والخروج بذل الجيش عند ذلك الشخص أكثر من غيره كطلب ثأر أوقرابة نسب أوغير ذلك مما يتضح لمن تفهم سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. من ذلك تأميره صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنه في الجيش الذي أعدّه لغزوالروم، وذلك أن الروم كانوا قد قتلوا أباه في غزوة مؤتة، فكان في هذا دافعاً إضافياً عند أسامة رضي الله عنهمامتاز به عن غيره، وقال له: (سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتك هذا الجيش) انظر (مغازي الواقدي) (3/ 117 - 119)، (المغازي) للذهبي (ص713). ومن ذلك أيضاً تأمير عمروبن العاص رضي الله عنه في غزوة ذات السلاسل إلى مشارف الشام في بلي- وهي بطن في قضاعة- ومن يليهم من قضاعة، وهم أخوال العاص بن وائل- والد عمرو- فأمّره النبي صلى الله عليه وسلم يتألفهم بذلك، فإن أم العاص بن وائل كانت من بلي، فهم إذن أخوال أبي عمروبن العاص، هذا ما قررته كتب السيرة والمغازي، مثل (المغازي) لعروة (ص27)، (سيرة ابن هشام) (4/ 239) (المغازي) للذهبي (ص513 - 514) وغيرها، مع ما عند عمروبن العاص رضي الله عنه من العلم بفنون الحرب. وهوما صرحت به رواية الحاكم (3/ 42 - 43) التي أشار إليها في الهامش (3/ 172) ولهذا السبب استعمل أبوبكر رضي الله عنه بعد ذلك عمروبن العاص على غزوالشام كما قرره الذهبي في (المغازي) (ص515).
وقد ظن عمروبن العاص رضي الله عنه أن صلّى الله عليه وسلّم ما استعمله على ذلك الجيش وفيه أبوبكر وعمر وجماعة من المهاجرين رضي الله عنه إلاّ لأفضليته عليهم أولمنزلة له عند النبي صلى الله عليه وسلم فردّه النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن له الحق، وذلك فيما ساقه الذهبي في (المغازي) (ص514 - 515) عن عمروبن العاص رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذي السلاسل، وفي القوم أبوبكر وعمر، فحدثت نفسي أنه لم يبعثني عليها إلاّ لمنزلة لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله: من أحبّ الناس إليك؟ قال: (عائشة) قلت: إني لم أسألك عن أهلك، قال: (فأبوها) قلت: ثم من؟ قال: (عمر) قلت: ثم من؟ حتى عدّ رهطاً، قال: قلت في نفسي لا أعود أسأل عن هذا) قلت: وهوعند البخاري (5/ 6، 29 - 21)، ومسلم (4/ 1856) مختصراً.
هذا هوالسبب في تأمير عمروبن العاص على أبي بكر وعمر رضي الله عنه - مع ما في الحديث من فضيلة عظيمة للصدّيق وابنته-ومثله ما ذكرنا من تأمير أسامة بن زيد عليهما أيضاً، وإن كان هوباطلاً بالنسبة لأبي بكر كما سيأتي في الرد على المراجعة (9) ولا ثالث لهاتين الغزوتين.
وأما ما زعمه هذا الموسوي من أن علياً لم يكن مأموراً لغير النبي صلى الله عليه وسلم فعلى فرض صحته لا يمكن أن يستدل به على الأفضلية، بل لم يختص هوبها فخالد بن الوليد رضي الله عنه لم يخرجه النبي صلى الله عليه وسلم تابعاً لغيره في أية غزوة سوى كونه تابعاً له صلى الله عليه وسلم مع أن كثيراً من الصحابة أفضل منه وأحبّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل مع ما صدر منه رضي الله عنه من أخطاء أنكرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها لكنه لم يعزله أبداً وأبقاه أميراً على السرايا التي بعثه فيها، انظر قصته مع بني جذيمة في (مسند الإمام أحمد) (2/ 151)، والبخاري (5/ 23)، (تاريخ الطبري) (3/ 67)، (طبقات ابن سعد) (2/ 248). فبان بهذا أن لا دليل فيه على الأفضلية أبداً، على فرض صحته، كيف وهوكذب لا يخفى على من اطّلع على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الموسم ليحجّ بالناس في أواخر ذي القعدة من سنة تسع للهجرة، وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث والتفسير والسيرة، لكن المقصود والمهم هنا أن سورة براءة نزلت بعد خروج أبي بكر رضي الله عنه - لا قبل خروجه كما يزعمه الجهلة الضّلال وسنفصله بعد إن شاء الله- فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم بها عليّاً ليلحق بأبي بكر حتى يؤذن بها في الموسم، حتى أدرك أبا بكر بالطريق، فلما رآه أبوبكر قال له: (أمير أومأمور) قال: (لا، بل مأمور)، أخرجه ابن إسحاق في (السيرة) - انظر (سيرة ابن هشام) (4/ 19) - عن محمد الباقر نفسه، ومن طريقه رواها ابن جرير في (التفسير) (1/ 41). فليسمع أصحاب هذا الموسوي ولا يصمّوا آذانهم عن هذا الحق الواقع، وها هومحمد الباقر نفسه يروي قول عليّ لأبي بكر رضي الله عنهما (بل مأمور) مما يبين كذب هذا الموسوي بقوله: (أما عليّ فلم يكن مأموراً ولا تابعاً لغير النبي) فإما نكذبه أونكذب
إمامه الباقر هذا!
وقد نقل هذه الرواية أيضاً الذهبي في (المغازي) (ص664 - 665)، وروى نحوها النسائي (5/ 247) عن جابر رضي الله عنه في هذه القصة، وفيها قال أبوبكر لعليّ (أمير أم رسول؟ قال: لا بل رسول)، ورجال إسناده ثقات. وروى نحوها ابن سعد في (الطبقات) (2/ 168)، والطبري في (تاريخه) (3/ 122 - 123). فهاهوأبوبكر الصّدّيق رضي الله عنه يأمره النبي صلى الله عليه وسلّم على إقامة المناسك التي ليس في مسائل العبادات أشمل منها، ويجعل علياً مأموراً له وتابعاً له واجب عليه طاعته، رغم أنف هذا الموسوي وأصحابه. فهذا التأمير نعم فيه الفضيلة كل الفضيلة لأنه تأمير على شعائر الإسلام، ومثله تقديمه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصّدّيق للصلاة بأمته مع حضور أصحابه ما غاب منهم أحد وبضمنهم عليّ رضي الله عنه، بل قد أصرّ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر دون غيره كما هومشهور ومتواتر يقر به حتى هؤلاء الشيعة والرافضة الضّلاّل فلم يستطيعوا تحريفه وتغييره لتواتره وثبوته فهومعلوم بالضرورة من دين الإسلام، فقدمه صلى الله عليه وسلم في الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام العملية، ولا يخفى فضل الصلاة على الجهاد وما بينهما من بون شاسع إلاّ على من أعمى الله قلبه.
ثم إن تقديمه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الصلاة دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- واللفظ لمسلم (673) -: (يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم إسلاماً) وقد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصّديق رضي الله عنه وأرضاه.
ثم نعود الآن إلى حديث بريدة السابق، وقد ذكر له هذا الموسوي رواية أخرى عند ابن جرير ونقلها من كنز العمال ... كما في الهامش (5/ 173) - ولفظه: (من كنت وليّه فإنّ عليّاً وليّه) وهذا يؤيد ما قلناه قبل قليل من نكارة زيادة لفظ (بعدي) في الحديث فهذه رواية أخرى تضاف إلى ما ذكرناه ليس فيها هذه اللفظة، وكما قلنا فسنبيّن إن شاء الله معنى الوليّ هنا في المراجعة القادمة، أما رواية ابن جرير هذه ففي (كنز العمال) (36425).
بقي مما ساقه هذا الموسوي في الهامش (4/ 173) حديث عمروبن شاس الأسلمي قال: خرجت مع علّي إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت ذات غدوة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس نم أصحابه، فلما رآني أبدني عينيه، يقول حدد إلى النظر حتى إذا جلست قال: (يا عمرووالله لقد آذيتني) قلت: أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله، قال: (بلى، من آذى عليّا فقد آذاني) إ. ه. أخرجه الإمام أحمد (3/ 483)، والبيهقي في (دلائل النبوة) (5/ 395)، وهوعند الطبراني والبزار بإختصار- (مجمع الزوائد) (9/ 129) - وأخرجه أيضا الحاكم (3/ 122) وابن أبي شيبة (12/ 75). وكما هوواضح ليس فيه أي دليل على ما ادّعى هذا الموسوي، وقصارى ما فيه فضل لعليّ رضي الله عنه، مع أنه لم ينفرد بذلك بل شاركه فيها كثيرون غيره، منها ما رواه الإمام أحمد (4/ 165) عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آذى العباس فقد آذاني)، وله شاهد من حديث ابن عباس عند ابن عساكر (7/ 237). وروي هذا اللفظ من حديث نس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آذى جاره فقد آذاني ... ) أخرجه أبوالشيخ وأبونعيم- كما في (كنز العمال) (24927) - بل قد جاء في كل المسلمين ولم يختص به عليّ رضي الله عنه ولا أحد غيره، وذلك فيما رواه الطبراني في (الصغير) (459) - وعزاه في (المجمع) (2/ 179) للأوسط أيضاً- عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آذى مسلماً فقد آذاني). فهل يبقى بعد ذلك في هذا الحديث لعليّ رضي الله عنه أي فضل يختص به دون غيره؟ ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام أحمد (5/ 54 - 55، 57) والترمذي (4/ 36)، وأبونعيم في الحلية (8/ 287)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (9/ 123) عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله الله في أصحابي، لا
تتخذوهم غرضاً من بعدي، من أحبهم فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه). وهوشوكة في أعين الرافضة أمثال عبد الحسين هذا.
وأكبر من كل ما تقدم في إيذاء النبي صلّى الله عليه وسلّم ما نص عليه الله تبارك وتعالى في كتابه وأنزل به قرآناً يُتلى إلى قيام الساعة وجعله من أعظم الذنوب عنده، ألا وهوقوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إنّ ذلكم كان عند الله عظيماً} وهوإيذاؤه صلّى الله عليه وسلّم في أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنه ن وأرضاهن ولعن الطاعنين بهن من الرافضة وأذنابهم، ونظير هذه الآية ما قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شأن عائشة أم المؤمنين الصدّيقة بنت الصدّيق رضي الله عنهما وعن أبيها حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوا من الكذب البحت والفرية، فخطب الناس فقال: (يا معشر المسلمين من يعذرني من رجلٍ قد بلغني أذاه في أهلي، فوَ الله ما علمتُ على أهلي إلاّ خيراً ... الحديث) أخرجاه في الصحيحين، وغيرهما .. وسيأتي من كلام هذا المفتري الموسوي مما فيه إيذاء لأم المؤمنين- ولم يرتضها هذا الموسوي أماً له فخرج بذلك من هذا الوصف، وثبت لها رضي الله عنهما رغماً عن أنفه بنص القرآن- في المراجعات (72، 74، 76، 78) وهوإيذاء للنبي صلّى الله عليه وسلّم فله من الله ما يستحق ..
إستفهام شيخ الأزهر عن معنى الوليّ، وأنه مشترك بين معانٍ كثيرة.
المراجعة (38): ش:
ترجيح معنى الوليّ.
زعمه قرائن على ذلك.
الرد على المراجعة (38):
فصيل معاني الوليّ وترجيح الراجح منها بالقرائن الجلية
نقض كل ما زعمه من القرائن على ترجيحه.
تكلم في هذه المراجعة على معنى (الوليّ) فيما تقدم من الأحاديث، وزعم- بدافع الهوى ومن غير حجة- أن المقصود به في تلك الأحاديث هوكل من ولي أمر أحد، وخاض في ذلك خوضاً غير محمود، بكلام يدل على فهم محدود، وجهل غير معدود، فحسبنا الله وهوحسب كل من في الوجود.
ونحن نبيّن ذلك بما لا يدع شكاً ولا ريبة إن شاء الله، فنقول:
جاء الحديث بلفظ (الولي) وبلفظ (المولى) أيضا، والمولى بمعنى الولي أيضا وهما واحد في كلام العرب، والمولى في الدين هوالولي، كما الله تعالى: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم}. وإذا تقرر أن (المولى) هو(الولي)، فالولي له عدة معان- أنظر (لسان العرب) (2/ 288 - 293)، (المعجم الوسيط) (2/ 17) - يمكن جمعها في: النصير، والمحب، والصديق، والحليف، والصهر، والجار، والتابع، والمطيع، والمعتق، وكل من ولي أمراً أوقام به. وينفرد (المولى) بمعانٍ لا تستقيم هنا مثل: الرب، والمالك، والنزيل، والقريب من العصبة، والعبد، والذي سلم على يديك ويواليك. ولعدم ورود هذه المعاني هنا فلا حاجة بنا إلى مناقشتها، كما لا حاجة بنا إلى مناقشة بعض معاني (الولي) المتقدمة لعدم استقامتها هنا مثل: الصديق، والحليف , والصهر، والجار، والتابع، والمطيع، والمعتق. وتبقى من معاني (الولي) القائمة للمناقشة هنا: (النصير والمحب)، وهذا الذي نقول به وسنثبته إن شاء الله، وكذلك (ولاية الأمر أوالقيام به). ولكن قبل تفصيل ذلك لا بد لنا من وقفة قصيرة عند هذا الحديث واستدلال الشّيعة به، فاستدلالهم به نظير استدلالاتهم الأخرى هم وجميع المبتدعة الآخرين كالخوارج والمعتزلة والقدرية وغيرهم إذ هواستدلالٌ بنصوص عامة تحمل عدّة معان، وهم بأهوائهم الفاسدة يقدمون المعنى الذي يريدون، معرضين عن النصوص الصحيحة الصريحة في تقرير المطلوب، والتي لا يسع أحداً تحريفها أوتغيير معناها، وهذا شأن كل أهل الضلال من المبتدعة وغيرهم، وهم في ذلك كما وصفهم الله تبارك وتعالى في قوله: {هوالذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذي قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}. وجميع النصوص التي سبق إيرادها من قبل هذا الموسوي إما صريحة غير صحيحة بل باطلة موضوعة، أوصحيحة غير صريحة في مطلوبه،
كما هوحال حديثنا هذا.
وإذا كان اللفظ يحمل عدّة معانٍ متباينة، فلا يمكن ترجيح أحدها على ما سواه إلاّ بقرينة صحيحة صالحة لذلك، ومن طالع كلام هذا الموسوي في هذه المراجعة وجده قد ذكر ما يزعم أنه قرينة للمعنى الذي ادّعاه، ويمكن تقسيمه إلى أربع نقاط:
النقطة الأولى: زعمه إفادته للحصر بقوله (وهووليكم بعدي) ثم تقريره عدم أعمال الحصر إلاّ على المعنى الذي ذهب إليه، وهذه حجة أوهى من خيط العنكبوت فليست هذه الصيغة للحصر أصلاً ولا موضوعة له ولم يقل به أحد من أهل هذا الشأن، اللهم إلاّ إذا كانت هناك قرائن في نفس السياق تفيد ذلك، وهوأمر معدوم هنا كما هوواضح. ثم إن الحديث بهذا اللفظ غير صحيح بل ضعيف مردود كما فصلناه في صفحة (429 - 432) وخلال الكلام على الأحاديث التي جاءت بهذا اللفظ في المراجعة السابقة. فلم يروه بهذا اللفظ إلاّ رواة من الشّيعة فلا يؤمن تفردهم بذلك- وإن كانوا ثقاتٍ- فقد روى هذا الحديث رواة ثقات كثيرون غيرهم لكن أحداً منهم لم يذكره بهذا اللفظ مما يبيّن عدم صحته. ونحن بهذا لا نتهم هؤلاء الرواة الشّيعة في اختلاقه بل في عدم تثبتهم في روايته أوعلى الأقل روايته بالمعنى الذي فهموه به، وقد قدمنا عن علماء الحديث تقريرهم لعدم الإحتجاج بحديث المبتدع- وإن كان ثقة- فيما يدخل في بدعته ويقويها، أنظر صفحة (249 - 25) من كتابنا هذا.
النقطة الثانية: زعمه أن لا ميزة ولا مزية أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم إثباتها في هذه الأحاديث لعليّ إذا كان (الولي) هو(النصير أوالمحب) وأن هذا من قبيل الواضحات البديهات.
وهذه حجة من قبيل حجج الأميين السذج، فإن محبة عليّ رضي الله عنه ونصرته للمؤمنين وولايته لهم- بهذا المعنى- لم تكن واضحة ولا بديهية قبل هذا الحديث خصوصاً عند من كان معه بأرض اليمن، وقد مرّ ذلك واضحاً وصريحاً في أحايث بريدة بن الحصيب وعمران بن حصين وعمروبن شاس ووهب بن حمزة التي ذكرها هذا الموسوي نفسه في المراجعة السابقة، وفي غيرها من الأحاديث كذلك.
ففي حديث عمران بن حصين أن أربعة تعاقدوا على شكاية عليّ عند النبي صلى الله عليه وسلّم ووقعوا فيه بسبب الجارية التي اصطفاها لنفسه، حتى غضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لذلك وقال قوله هذا- راجع حديث عمران بن حصين- وفي حديث بريدة التصريح بأن بريدة رضي الله عنه نفسه كان ممن يبغض عليّاً قبل هذا الحديث، كما في الرواية التي ذكرها. ونحوها عند الإمام أحمد (5/ 359)، والبخاري (5/ 27)، وفي رواية أخرى- عند الإمام أحمد (5/ 347)، والحاكم (3/ 11) - أن ذلك كان بسبب ما رأوه من الجفاء من عليّ رضي الله عنه. وعند الإمام أحمد (5/ 35 - 351) أن بريدة قال: (أبغضت عليّاً بغضاً لم يبغضه أحد قط وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلاّ على بغضه عليّاً ... ) الحديث. فليسمع أصحاب هذا الموسوي، فليس الأمر كما زعم صاحبهم هذا بأنه من الواضحات البديهات، ونحن إذ نقول هذا لا نعني به فقط محبة عليّ للمسلمين ونصرته لهم، بل وجوب محبتهم له ونصرتهم له، الأمر الذي لم يكن عند بعض الصحابة بسبب ما رأوا منه رضي الله عنه فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم حثهم على ذلك بأمرهم به أولاً، وببيان ما عند عليّ رضي الله عنه من النصرة والمحبة للمؤمنين وصدقه في ذلك، وأن ما صدر منه من الجفاء تجاه بعضهم لا يخالف ذلك، فقال صلّى الله عليه وسلّم (من كنت مولاه فعليّ مولاه) - وكذلك لفظ (الولي) في بعض الروايات- أي: من كنت ناصره على دينه وحامياً عنه بظاهري وباطني وسري وعلانيتي فعليّ ناصره على هذا السبيل فتكون
فائدة ذلك الإخبار عن أن باطن عليّ وظاهره في نصرة الدين والمؤمنين ومحبتهم سواء، والقطع على سريرته وعلورتبته، وليس يعتقد ذلك في كل ناصر للمؤمنين لأنه قد ينصر الناصر بظاهره فقط، وهوما ظنه بعليّ بعض الصحابة ممن كان معه بأرض اليمن وغيرهم فاحتاج ذلك إلى البيان من النبي صلّى الله عليه وسلّم بما لا محيد عنه وإلاّ لوترك ذلك وظن أنه من الواضحات البديهيات- كما يدعيه هذا الجاهل وأصحابه- لما أزيح ما كان في نفوس كثير من الناس عن عليّ رضي الله عنه. فبعد أن بين صلّى الله عليه وسلّم صدق عليّ ومحبته ونصرته للمؤمنين أمر بمحبته رضي الله عنه - فضلاً عن النهي عن بغضه- ونصرته، وهوما يحتمله أيضا هذا الحديث، فأيضا قوله (من كنت مولاه فعليّ مولاه) أي: من كنت محبوباً عنده ومنصوراً له فعليّ كذلك. ولا يفوتنا أن ننبه أنه ليس من نصرة عليّ رضي الله عنه نصرته على توليته الخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن هذا أمر لم يستحقه- رضي الله عنه - بل ولم يدّعه هوأصلا ً، ومن قال بادعائه لها فقد كذب عليه، حتى إذا آلت إليه الخلافة واستحقها بعد مقتل عثمان رضي الله عنه كانت نصرته في ذلك مشروعة وواجبة، وهذا مذهب أهل السنة والحمد لله.
نعود الآن إلى الأحاديث المصرحة بما قلناه من سبب هذا الحديث، وقد ذكرنا منها حديث عمران بن حصين، وحديث بريدة بن الحصيب، ونضيف إليها حديث عمروبن شاس، وقد تقدم لفظه في صفحة (438 - 439) وذكره هذا الموسوي في الهامش (4/ 173)، وفيه التصريح بما وجده عمرومن الجفاء من عليّ فشكاه بسبب ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم ومثله في ذلك أيضا حديث وهب بن حمزة في صفحة (445). وحتى حديث الطبراني الواهي جداً تجد فيه ذكر ذلك واضحاً. وكذلك في غير ما تقدم من الأحاديث مثل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وشكايته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ما لقي من عليّ من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) (5/ 398)، ونقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/ 15 - 16) وقال: وهذا إسناد جيد على شرط النسائي إ. ه. وكذلك ما رواه ابن إسحاق- (سيرة ابن هشام) (4/ 25) - ومن طريقه رواه ابن جرير في (تاريخه) (3/ 149) عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، ونقله أيضا ابن كثير في (البداية والنهاية) (5/ 28 - 29). وجاءت شكاية الناس علياً رضي الله عنه في حديث أبي سعيد أيضا رواه ابن إسحاق- (سيرة ابن هشام) (4/ 25) - ومن طريقه ابن جرير (3/ 149) وأكثر من ذلك ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (كنت جالساً في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من عليّ فأقبل رسول الله ... ) الحديث، أخرجه أبويعلى- (البداية والنهاية) (7/ 346) -بإسناد لا بأس به في الشواهد وعزاه في (المجمع) (9/ 129) للبزار بإختصار. وغير ذلك من الأحاديث التي تثبت ما وقع في نفوس كثير من الصحابة على عليّ رضي الله عنه من الريبة والبغض بسبب ما صدر منه تجاههم، الأمر الذي اقتضى علاجه من النبي صلى الله عليه وسلم وتبرئة عليّ من ذلك وبيان صدقه في محبته للمؤمنين ونصرته لهم، مع الأمر بمحبته ونصرته وولايته بهذا المعنى لا غير، والذي جاء التصريح به وبيان أنه المقصود في
حديث بريدة عند الإمام أحمد (5/ 35 - 351) إذ قال بريدة: (فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتبغض علياً؟ قال: قلت نعم، قال: فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حباً).
وبهذه القرائن- ومثلها- اتضح معنى الولي في تلك الأحاديث بأنه: النصير والمحب، واتضح أن هناك دافعاً قوياً لان يصرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا في عليّ رضي الله عنه، ولا يعرض عن هذه القرائن ويتكابر عليها إلاّ من أعمى الله بصيرته ومن كان في قلبه مرض ومن يحتكم إلى هواه دون هذه النصوص، {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أويعقلون إنْ هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً}.
النقطة الثالثة: من النقاط التي زعم أنها قرائن تفيده، ما اعتمد عليه من لفظ (بعدي) في الحديث (وهووليكم بعدي)، وهذه لا تلزمنا بشيء والحمد لله لما قدمنا من ضعف الحديث بهذا اللفظ وأنه مخالف لكل روايات الحديث الأخرى على كثرتها، أنظر صفحة (431 - 432)، وقد قدمنا هناك عدداً من العلماء الذي كذّبوا هذا اللفظ أواستنكروه على الأقل، مثل ابن تيمية، والذهبي، وابن كثير، والمباركفوري، وحتى الترمذي على تساهله، فلا حجة للشيعة علينا فيه بعد هذا، والحمد لله.
النقطة الرابعة: وهي آخر ما زعمه من القرائن حديث بريدة عن الإمام أحمد (5/ 347)، والحاكم (3/ 11)، وقد تقدم وفيه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) وزعم أن تقديمه صلّى الله عليه وسلّم لذلك هوالقرينة المطلوبة، وهذا باطل من وجوه:
الوجه الأول: أنه لا يصلح أن يكون قرينة إلاّ إذا كان معنى (الأولى) في قوله هذا هونفس معنى (المولى) الذي بعده، وهذا لا يقوله إلاّ الحمقى، فإن (الأولى) هوالأجدر والأحق والأقرب- (المعجم الوسيط) (2/ 17) - وليس ذلك أبداً من معاني (المولى) أو(الولي)، وقد قدمناها (ص449 - 45) فبطل بذلك كونه قرينة، من هذا الوجه.
الوجه الثاني: أن معنى كون النبي صلى الله عليه وسلّم أولى بالمؤمنين من أنفسهم- وهونص الآية (6) من سورة الأحزاب- أن حكمه فيهم واختياره لهم مقدم على حكمهم واختيارهم لأنفسهم وأحق بذلك كما قال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلّموا تسليماً}. - أنظر (تفسير ابن كثير) (3/ 467)، و(روح المعاني) للآلوسي (21/ 151) وغيرها-.
ولهذا قدم ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لبريدة مذكره به، فإذا كان صلّى الله عليه وسلّم حكمه واختياره مقدم على اختيار المؤمنين أمرهم بنصرة عليّ ومحبته رضي الله عنه وأنه حكم عليه بصدقه في محبة المؤمنين ونصرتهم وأيضاً حتى لا يكون ما رأوه من عليّمن الجفاء والغلظة سبباً لتقديمهم حكمهم بأنفسهم على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عليّ، فهويريد منهم أن ينصاعوا إلى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عليّ لا إلى ما لمسوه منه من الغلظة والتضييق والجفاء، لذا نرى أن بريدة رضي الله عنه نفسه راوي هذا الحديث قد صرح بهذا في رواية الإمام أحمد (5/ 35 - 351) عقب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك له، فقال: (فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ من عليّ) إ. ه. فهذا صريح في أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما عنى بولايته أن يحبوه وهذا بيّن لا لبس فيه إن شاء الله ولا يحتاج لطول شرح.
الوجه الثالث: إن معنى قول هذا الموسوي بكل وضوح قياس منزلة عليّ على منزلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه الأمة، وهذا والله من السفاهة والوقاحة والجسارة على الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم بمكان وبطلانه أظهر من أن يخفى، وهذا القدر كافٍ لمن أمعن النظر وتحلى بالإنصاف، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أنت ولي كل مؤمن بعدي
صححه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك3/ 134) ولم يقل أنت ولي أمر كل مؤمن بعدي. والولاية هي المحبة والنصرة ومن هذا الباب علي ولي كل مؤمن.