قول عائشة رضي الله عنها: (لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأني لمسندته الى صدري فدعا بالطست فانخنث فمات، فما شعرت، فكيف أوصي الى عليّ؟)
وهوقوله: (قد تعلم أن الشيخين رويا في هذا الحديث وصية النبي إلى عليّ من حيث لا يقصدان, فإن الذين ذكروا يومئذ أن النبي أوصى الى علي لم يكونوا خارجين من الأمة، بل كانوا من الصحابة أوالتابعين الذين لهم الجرأة على المكاشفة بما يسوء أم المؤمنين ويخالف السياسة في ذلك العهد، ولذلك ارتكبت رضي الله عنهما، عندما سمعت حديثهم إرتباكا عظيما يمثله ردها عليهم بأوهى الردود وأوهنها) .. ونحن نسأل الله السلامة والعافية من مثل هذا البلاء الذي يمثله تخبط هذا المدعوعبد الحسين وتشبثه بما يظنه حجة ودليلا وليس هوإلا من خياله وهواه ولا أرى مثله إلا (كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هوببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) أوكما وصفه الله تعالى: (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب أوكظلمات في بحر لجّيٍ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض) وهي كذلك والله حججه وأدلته ظلمات بعضها فوق بعض، لكن كما قدر الله تعالى (ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور). وإلا فأي عقل يقبل مثل قوله هذا: (لذلك ارتبكت رضي الله عنهما عندما سمعت حديثهم إرتباكا عظيما) فما أدراك يا هذا؟ ثم قوله عن جوابها بأنه أوهى الردود وأوهنها, مكابرة واضحة
فاضحة , فإنها أرادت رضي الله عنهما قطع حجة من يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهومسند رأسه الى عليّ وأوصاه بما أوصاه حينها ومنها أنه علمّه ألف باب يفتح من كل باب منها ألف باب، وغير ذلك مما سنرد عليه إن شاء الله حين نأتي على ذكره في الفقرة الثالثة من المراجعة (76)، ويدل على ذلك ذكرها نفي الوصية عند سكرات موته صلى الله عليه وسلم - وبأبي هووأمي - كما نقل الحافظ في (الفتح) (5/ 455) عن القرطبي قوله: (كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعليّ، فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك وكذا من بعدهم، فمن ذلك ما استدلت به عائشة كما سيأتي ... - ثم قال الحافظ -: وقال غيره: الذي يظهر أنهم ذكروا عندها أنه أوصى له بالخلافة في مرض موته فلذلك ساغ لها انكار ذلك، واستندت الى ملازمتها له في مرض موته الى أن مات في حجرها ولم يقع منه شيء من ذلك فساغ لها نفي ذلك) إ. ه.
قلت: فحجتنا في إنكار ما يزعمون من الوصية على ضربين .. الأول: الوصية المطلقة خلال حياته - كما يزعمون - صلى الله ليه وسلم، وهذه دحضناها بحمد الله ببيان كذب كل تلك الأحاديث التي ذكرها وقد تقدمت، أما الضرب الثاني: فالوصية عند سكرات موته صلى الله عليه وسلم، وهي مردودة أيضا بعدم ثبوت النصوص بها بل كلها مكذوبة موضوعة - كما سيأتي -، وأيضا بقول عائشة رضي الله عنهما هذا مع آخرين من الصحابة والتابعين في نفي ذلك أيضا وقد ساق طرفا منها الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (5/ 455 - 456) فليراجع، ومنها قوله: (وأخرج أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق الأسود بن قيس عن عمروبن أبي سفيان عن عليّ أنه لمّا ظهر يوم الجمل قال: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا) إ. ه.
وكفى بذلك حجة عن علي رضي الله عنه نفسه في نفي الوصية عند سكرات الموت أوقبل ذلك. ومثل هذا أيضا ينطبق على كلام الإمام السندي الذي ساقه في نفس الهامش، وهوقوله: (ولا يخفي أن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك ولا يقتضي أنه مات فجأة بحيث لا تمكن منه الوصية ولا تتصور، فكيف وقد علم أنه علم بقرب أجله قبل المرض ثم مرض أياما) ثم وصف عبد الحسين هذا الكلام بأنه في غاية المتانة، وهولا يخلوا أما أن يكون مقتنعا بهذا الكلام ومحتواه أوغير مقتنع، فإن كان غير مقتنع فهذا تمويه منه وتضليل وهوما ألفناه منه في كتابه هذا فهوالذي نرجحه هنا وسنبينه إن شاء الله، وإن كان مقتنعا به فيلزمه إذاً أن يقر بدلالة خبر عائشة هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قبض ورأسه في حجر عائشة رضي الله عنهما إذ هذا هوالذي فعله السندي وبين أنه مع عدم دلالته على نفي الوصية - برأيه وزعمه - فهوصحيح وثابت، وهذا الأمر يخالف تماما معتقد الشيعة ومعتقد عبد الحسين هذا نفسه فيما سيأتي التصريح به في الفقرة الثالثة من المراجعة (76)، وهذا غاية في التخبط والإضطراب. أما نحن فنثبت قول عائشة رضي الله عنهما ولا نرده، وهودليل يبطل قول كل من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض ورأسه في حجر عليّ وأنه أوصى له في حينها , وأما قول الإمام السندي - رحمه الله - فلا حجة به علينا إذ قد بينّا قول من هوأعلم منه بذلك وهوالموافق لمقتضى هذه النصوص، كقول القرطبي والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى.
وقبل أن أنهي كلامي هنا لا بد من ذكر أمر كان أولا قد لفت إنتباهي ودفعني الفضول للتحري عنه حتى تبين لي وجه الحقيقة، وهوقول عبد الحسين حين ساق قول الامام السندي عقبه ( ... الى آخر كلامه) مما يدل على أن لكلام الامام السندي تكملة قد حذفها هذا الرافضي، فرجعت الى نفس الموضع الذي ذكره صفحة (241) من الجزء السادس من (سنن النسائي) فرأيت تتمة كلامه أن قال: (نعم هويوصي إلى علي بما إذا كان الكتاب والسنة فالوصية بهما لا تختص بعلي بل يعم المسلمين كلهم، وإن كان المال فما ترك مالا حتى يحتاج إلى وصية إليه والله تعالى أعلم) إ. ه. فأقدم عبد الحسين هذا على حذف كلام الإمام السندي هذا لتضمنه نفي وجود وصية خاصة بعلي من النبي صلى الله عليه وسلم, وأنه إن وجدت هناك وصية منه إليه فبكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا غيرها، وهوما يعم كل المسلمين ولا يختص به وحده رضي الله عنه. فإن كان عبد الحسين هذا يقول عن كلام الامام السندي هنا بأنه في غاية المتانة فيلزمه الإقرار بما ينقض أصله وإلا فما حمله على حذفه وإقتطاعه -قطع الله ذكره - غير إنعدام الامانة عنده؟
ثم إبتدأ عبد الحسين مراجعته هذه بقول كذب فقال: (وصية النبي صلى الله عليه وسلم الى عليّ لا يمكن جحودها) ونحن نقول: بل لا يمكن إثباتها لما قدمنا ولما سيأتي إن شاء الله.
ثم أشار إلى نصوص الوراثة المزعومة بقوله: (بعد أن أورثه العلم والحكمة) وقد حققنا سقوطها وبطلانها كلها في صفحة (8 - 82) ثم قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد الى عليّ بأن يغسله ويجهزه ويدفنه، وهذا صحيح ثابت من أن عليا رضي الله عنه كان من جملة من غسّل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهزه ودفنه وهوفضل له رضي الله عنه ..
نعم لكنّه لم ينفرد به بل شاركه فيه كل من العباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما هوثابت ومقرر في كل من (السيرة النبوية لإبن هشام) (4/ 312 - 315)، (تاريخ الطبري) (3/ 211 - 214)، (الطبقات الكبرى لإبن سعد) (2/ 277) (1/ 298، 297)، (تاريخ الإسلام للذهبي) (2/ 575 - 576)، (البداية والنهاية لإبن كثير) (5/ 26 - 263)، وغيرها أيضا.
فإن كان غسل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه ودفنه يستلزم الوصية منه لفاعله، لكان ذلك مستحقا أيضا لكل هؤلاء، العبّاس وابنيه الفضل وكذا أسامة وصالح، وهذا ما يؤدي إليه قول عبد الحسين هذا ومقدمته التي إستند إليها، فاتضح بطلانها ولله الحمد، مع أننا لا نشك بأن أحدا لا يخالفنا بأن لا علاقة بغسل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه ودفنه وبين الوصاية منه لمن غسّله في أمور الإمامة وغيرها.
أما قوله بأن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلى عليّ بذلك، فهذا لا يصح أبدا والنصوص التي تذكر ذلك مما ساقه في الهامش (2/ 242) ضعيفة ساقطة كلها وأولها قول علي: (أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري) أخرجه ابن سعد (2/ 278)، والبزار - كما في (البداية والنهاية) (5/ 261)، (مجمع الزوائد) (9/ 36) - وساقه الحافظ الذهبي في (تاريخه) (2/ 576) من طريق أبي عمروكيسان عن مولاه يزيد بن بلال عن علي، وكيسان القصّار وشيخه يزيد كلاهما ضعيف، كما في (التقريب) وغيره.