الخَلاص إلي حال عكرمة مولى إبن عباس "رداً على أهل الضلال" ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلي يوم الدين أما بعد .
رأيتُ أحد المواضيع في " عكرمة مولى بن عباس " وكان لأحد الزنادقة اللذين يحاولون أن يطعنوا في أهل الحديث والمحدثين , ومن هؤلاء الذين حاول أن يطعن بهم عكرمة مولى بن عباس رضي الله عن ابن عباس فنقل بعض الأقوال التي رد عليها أهل الحديث والأغرب أن هذا النكرة نقل قول الإمام البيهقي وقال أن قول أهل الحديث " كذب عكرمة " وردها الإمام البيهقي فقال الرافضي .
إستغفال العقول ... !!
إستغربتُ من هذا اللفظ الذي أطلقهُ هذا النكرة ليرد على أعلام الدين والحديث , لم يعرف عدو الله أن إستغفال العقول مهنة أصحاب العمائم التي غشيت على أبصار أصحابها فيضحكون على ضعاف العقول فيوقعوهم فيما أوقعوهُ فيه , وقد أثبت الرافضي أنهُ ليس من العرب , فكيف يكون من أرض فلسطين وهذا الزنديق يقول أعراب أغفل عن كونه من العرب إن كان عربياً هذا ... !! الرجل أجهل من ان يصف أو يذكر ولنرى شبهة الرافضي حول عكرمة مولى بن عباس , وهل رمي بالكذب وإن ثتب ذلك ما الأصل في القول .
ومن الأقوال التي نقلها ورد عليها بما أشرتُ إليه سابقاً .
وأخرجه البيهقي (1/273) من طريق آخر عن فطر بن خليفة به ؛ إلا أنه قال: كذب عكرمة! كان ابن عباس يقول: امسح على الخفين؛ وإن خرجت من الخلاء. قال البيهقي:"ويحتمل أن يكون ابن عباس قال ما روى عنه عكرمة، ثم لما جاءه الثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح بعد نزول المائدة؛ قال ما قال عطاء".
قلت: وفيه إشارة منه إلى ثبوت ما رواه عكرمة عن ابن عباس، وإلا؛ لما تأوله، وذلك هو الصواب عندي؛ لأن إسناد ابن أبي شيبة إلى عطاء وعكرمة جيد على شرط البخاري. وقول عطاء: كذب عكرمة... بمعنى أخطأ . فكان تعليق هذا النكرة على هذا القول بسخفٍ لم أرى لهُ مثيلاً م نقبل فقال معقباً .
قلتُ ما هذا بقول مدعي للبحث والتنقيب , فأنت حامل أسفار وهذا ما أثبتهُ لي الأن من قولك هذا وردك على الإمام البيهقي ثم لنعرف حال عكرمة مولى بن عباس وما الصحيح من القول فيه رحمه الله تعالى , ولكن نريد أن نوصل رسالة إلي ضعاف العقول هي أن يحفظوا أنفسهم من الجهل الذي هم فيه , فمثل عكرمة ثقة يحتجُ بهِ وسنبين .
قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبي. قال: حدثنا ابن عيينة، قال: قال أيوب: أول ما جالسناه، يعني عكرمة، قال: جعل يقول: يحسن حسنكم مثل هذا، قال لي الهذلي: لقد كف الحسن عن تفسير القرآن حين قدم، يعني عكرمة. ((العلل)) (89). وهذا ما رواهُ عبد الله بن أحمد بن حنبل في الثناء على عكرمة مولى إبن عباس , وإن كان ورد طعنٌ فيه فسيرد الكلام على هذا الأخبار بحول الله وقوتهِ .
وقال عبد الله: قال لي أبي: أصحاب ابن عباس هم المحدثون والمفتون. ((العلل)) (477). فلا أدري حقيقة هل قول أحمد بن حنبل في أصحاب إبن عباس هذا يدل على طعنهِ بعكرمة أو أنهُ يرى عدم حجية عكرمة مولى إبن عباس , والصريح أنهُ من الثقات الذين إحتج بهم أهل الحديث والأعلام .
توجيه النظر إلي أصول الأثر : " عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس احتج به البخاري وأصحاب السنن وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد في الحج مقرونا بسعيد بن جبير وغنما تركه لكلام مالك فيه وقد تعقب جماعة من الأئمة ذلك وصنفوا في الذب عن عكرمة منهم أبو جعفر بن جرير الطبري ومحمد بن نصر المروزي وأبو عبد الله بن مندة وأبو حاتم ابن حبان وابن عبد البر وغيرهم .
ومدار طعن الطاعنين فيه على ثلاثة أشياء وهي الكذب وموافقة الخوارج في مذهبهم وقبول جوائز المراء .
ومدار جواب الذابين عنه على ان قبول جوائز الأمراء لا يوجب القدح إلا عند المشددين وأهل العلم على جواز ذلك وقد صنف في ذلك ابن عبد البر .
وأما البدعة فإن ثبتت عنه فلا تضر في روايته لأنه لم يكن داعية مع أنها لم تثبت عليه .
وأما نسبته إلى الكذب فأشد ما ورد في ذلك ما روي عن عبد الله بن عمر انه قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس .
قال ابن حبان أهل الحجاز يطلقون كذب في موضع أخطأ ويؤيد ذلك قول عبادة بن الصامت كذب أبو محمد لما أخبر أنه يقول إن الوتر واجب مع انه لم يقله راوية وإنما قاله اجتهادا ولا يقال للمجتهد فيما أداه إليه اجتهاده إنه كذب فيه وغنما يقال أخطأ فيه وقد ذكر ابن عبد البر أمثلة كثيرة تدل على أن كذب تأتي بمعنى أخطأ .
ويتلو ما روي عن ابن عمر في الشدة ما يروي عن ابن سيرين من قوله لمولاه برد لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس وقد عرفت ان كذب قد يكون بمعنى أخطأ " . ولعل الصغار يتطلعوا إلي مثل هذا القول فالحاصل أن القول بأنهُ كذبَ فهذا لا يدل على الكذب , أو أنهُ كذاب كما زعم الرافضي في الشبهة التي طرحها , بل أنهُ أخطأ وسنبين بحول الله تبارك وتعالى قول عكرمة في هذا الشأن .
قال عكرمة مولى بن عباس : " وقال أيوب قال عكرمة أرأيت هؤلاء الذين يكذبونني من خلفي أفلا يكذبونني في وجهي يعني انهم إذا واجهوه بذلك أمكنه الجواب عنه والمخرج منه " نقل قولهُ في توجيه النظر , فهذا عكرمة مولى إبن عباس يطلب ممن كذبهُ أن يقف أمامهُ ويناظرهُ في هذه المسألة فتأمل أيها الجاهل .
وفي التوجيه : " وأما طعن مالك فيه فقد بين سببه أبو حاتم قال ابن أبي حاتم سألت أبي عن عكرمة فقال ثقة قلت يحتج بحديثه قال نعم إذا روى عنه الثقات والذي أنكر عليه به مالك إنما هو بسبب رأيه .
على انه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك وغنما كان يوافقهم في بعض المسائل فنسبوه إليهم وقد برأه أحمد والعجلي من ذلك .
وقال ابن جرير لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه .
وأما ثناء الناس عليه من أهل عصره وممن بعدهم فكثير قال الشعبي ما بقي أحد اعلم بكتاب الله من عكرمة وقال جرير عن مغيرة قيل لسعيد بن جبير تعلم أحدا أعلم منك قال نعم عكرمة وقال حبيب بن الشهيد كنت عند عمرو بن دينار فقال والله ما رأيت مثل عكرمة قط " . فالحاصل أنهُ من أهل الحديث المقبول حديثهم ولم يثبت عليه البدعة , وهو ثقة بالإجماع فكيف يأتي ضعيف عقل ليطعن في عكرمة ... !!!
ويقول في التوجيه : " وحكى البخاري عن عمرو بن دينار قال أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل عن عكرمة فجعلت كأني أتبطأ فانتزعها من يدي وقال هذا عكرمة مولى ابن عباس هذا أعلم الناس وقال البخاري ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة وقال محمد بن نصر المروزي أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة وقال أبو عمر بن عبد البر كان عكرمة من جلة العلماء ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه وكلام ابن سيرين فيه لا خلاف بين أهل العلم انه كان أعلم بكتاب الله من ابن سيرين وقد يظن الإنسان ظنا يغضب له ولا يملك نفسه " . قلتُ ونقل توثيقهُ الإمام الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء , وأورد من إحتج بهِ من أهل الحديث , فهذا لا يقدح في عكرمة ولا في احد من أعلام الحديث بل إن عكرمة من أهل العلم والمعرفة بالقرآن الكريم فسقط قول الضال .
قال ابن منده أما حال عكرمة في نفسه فقد عدله أمة من التابعين زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم وهذه منزلة لا تكاد توجد لكبير أحد من التابعين على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه قال ابن عبد البر عكرمة من جملة العلماء ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري كلام الناس فيه قدحا وتوثيقا ثم قال أنه لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه بعد ما ثبت له من الرتب السلية . فالحاصل أنهُ من العلماء الثقات الذين إعتبر بهم وبقولهم فما بال ضعاف العقول .
فهل يقال لمثل عكرمة ما نقلهُ الجاهل , وإن ثبت الخبر فكلام أهل العلم واضح .
وإنظر معي ما قاله الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ذكر حال عكرمة .
" وقال أبو تميلة ، عن ضماد بن عامر القسملي ، عن الفرزدق بن جواس الحماني ، قال : كنا مع شهر بن حوشب بجرجان ، فقدم علينا عكرمة ، فقلنا لشهر : ألا نأتيه ؟ قال : ائتوه ، فإنه لم تكن أمة إلا كان لها حبر ، وإن مولى ابن عباس حبر هذه الأمة .
قال يحيى بن معين : مات ابن عباس ، وعكرمة عبد لم يعتق ، فباعه علي بن عبد الله ، فقيل له : تبيع علم أبيك ؟ فاسترده .
قال أيوب عن عمرو بن دينار : دفع إلي جابر بن زيد مسائل ، أسأل عكرمة ، وجعل يقول : هذا عكرمة مولى ابن عباس ، هذا البحر فسلوه ابن عيينة ، عن عمرو سمع أبا الشعثاء يقول : هذا عكرمة مولى ابن عباس ، هذا أعلم الناس ، قال سفيان : الوجه الذي عليه فيه عكرمة المغازي ، إذا تكلم فسمعه إنسان قال كأنه مشرف عليهم يراهم . مغيرة : قيل لسعيد بن جبير : تعلم أحدا أعلم منك ؟ قال : نعم ، عكرمة .
قال مصعب بن عبد الله : تزوج عكرمة أم سعيد بن جبير ، فلما قتل سعيد قال إبراهيم : ما خلف بعده مثله .
وقال إسماعيل بن أبي خالد : سمعت الشعبي يقول : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة .
وقال قتادة : أعلم الناس بالحلال والحرام الحسن ، وأعلمهم بالمناسك عطاء ، وأعلمهم بالتفسير عكرمة .
وروى سعيد عن قتادة قال : كان أعلم التابعين أربعة ، كان عطاء أعلمهم بالمناسك ، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير ، وكان عكرمة أعلمهم بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام " والكلام في عكرمة يطول وهو ثقة في الحديث , والأخبار التي رويت عنهُ رحمه الله أنهُ كذب فهذا أول تأويلاً خطأ .
والله أعلى وأعلم .
كتبه /
أهل الحديث