ذباً عن الصحيحين [ إثبات إجماع الأمة على صحة ما فيهما ] ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد :
الإجماع على صحة أحاديث الصحيحين، وتلقي الأمة لهما بالقبول، صحيح لا شك فيه، ومنعقد لا ريب في انعقاده، ولا يعتبر في الإجماع هنا إلا أهل العلم بالحديث دون غيرهم، ولا عبرة لخلاف من عداهم؛ لأنهم أهل الصناعة وخاصتها، وكلام بعض الحفاظ في بعض أحاديث الصحيحين لا يخرق هذا الإجماع؛ لكون الانتقاد بعيدا عن أصل الصحة، موجها لمدى الالتزام بشرطهما في بعض المواضع وهذا مما وقع فيه كثير من طلبة العلم وفقهم الله ونفع بعلمهم في خدمة السنة وهو الإصرارُ على إعلال الصحيح وأحاديثهما ، ظناً بأن مخالفة البخاري لشرطهِ هو ضعفٌ للحديث ، فإحتجَ بعضهم بإعلال بن عمار الشهيد لأحاديث في الصحيح والدارقطني ، أما عن الدارقطني رحمه الله تعالى فكان كثيراً ما يعل الأسانيد في الأحاديث أكثر من إعلال المتن رضي الله عنهُ ، فأسأل الله تعالى التوفيق والسداد .
فما الدافعُ لإعلال الأحاديث في صحيح البخاري ومسلم ..!! قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى : [ وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز . وأما ما روينا عن الشافعي رضي الله عنه من أنه قال : " ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك " ، ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ ، فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم .
ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا ، وأكثرهما فوائد .
وأما ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه قال : " ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج " ، فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري ، إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح ، فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا ، غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح ، فهذا لا بأس به . وليس يلزم منه أن كتاب مسلم أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح على كتاب البخاري . وإن كان المراد به أن كتاب مسلم أصح صحيحا ، فهذا مردود على من يقوله ] . والله أعلم .
فهناك عناية جليلة من قبل الإمامين البخاري ومسلم للأحاديث التي أخرجوها في الصحيح ، فتتبع البخاري من أخرجَ لهُ من الرواة وكان قد صح حديثهُ وصدقَ فيه ، وكانوا لا يخرجون إلا من إتسم بالشروط المقبولة عند أهل الحديث من الرواة وصح حديثهُ وإن كان في حديثه ما ضعف ، فهل خطأهُ في حديث واحد أو حديثين يسقطُ حديثه ..!! وقد سميا بالصحيحن لإشتراط الإمامين البخاري ومسلم إخراج ما صح من الأحاديث في الكتابين ، فالحقُ الذي لا مرية فيه أن الصحيحن متفقٌ على صحةِ ما فيهما عند الأمة ، وقد نقل التصحيح كثير من أهل الحديث في كتبهم كابن الصلاح وابن حجر .
قال العتيبي [1] : [ وقد تلقت الأمة هذين الكتابين بالقبول، وحصل لهما من الإجماع ما لم يحصل لغيرهما من كتب الحديث ] أهـ . قلت : ومن الغريب تعليق فضيلة الشيخ على الإمام الإسفرائيني في نقله الإجماع على صحة ما في الصحيحين من الأحاديث وتلقيهما بالقبول حيث قال أبي إسحاق الإسفرائيني : [ الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوعٌ بصحة أصولها ومتونها ] تمنيت أنه لم تكن جرأة مثل جرأة طلبة العلم هذا العصر على أجل كتب الأحاديث والتي تلقتها الأمة بالقبول وبقبول أحاديثها ، شيخنا الفاضل وهل تقبل رواية الحديث إلا بقبول الأمة والناس لمن يرويها ، كما لا يخفاكَ جلالة الصحيحن والإتفاقُ على ما فيهما من الأحاديث فكيف لمثلنا أن يعل ما فيهما من الأخبار إستناداً على فهمِ غير صحيح لمنهج المتقدمين من أهل الحديث كالدارقطني وغيرهم رحمهم الله ورضي عنهم .
ونقل الشيخ عن الدهلوي [2] : [ الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع ، وأنهما متواتران إلى مصنفيهما، وأنه كل من يهون من أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين ] أهـ .
قلت : فإتفاقُ كثير من علماء أهل الحديث والإجماعُ على صحةِ ما في الصحيحين ، رغم أن إنتقد بعد المتقدمين بعض من الأحاديث إلا أن ما عليه أهل الحديث قاطبة والذي لا مرية فيه صحة ما في الصحيحين من أخبار وأحاديث ، وقد تكلم أقطابُ الأمة في مثل هذا الأمر بشكلٍ تطيبُ لهُ النفوس ، فكم من متكلم في الصحيحن لم يطب لأنفس العبادِ ما يفعله ولن تطب أنفسنا برؤية الجرأة الغريبة على أحاديث الصحيح فلابد من نقد الدعاوي التي إنطلقت كالرياح تريدُ ان تحرك الجبال من مكانها ولكن هيهات ، فالأمةُ على التلقي بالقبول فهل يضر الصحيح بعد ذلك ريح ....!!!
قال العلامة أحمد شاكر [3] : [ الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، وممن اهتدى بهديهم، وتبعهم على بصيرة من الأمر: أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها (!)، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف. وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث، على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه. وأما صحة الحديث نفسه، فلم يخالف أحد فيها ] . أهـ .
قال الشيخ أحمد شاكر : [ الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، وممن اهتدى بهديهم، وتبعهم على بصيرة من الأمر: أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها (!)، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف. وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث، على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه. وأما صحة الحديث نفسه، فلم يخالف أحد فيها ] فهل فهم فضيلةُ الشيخ كلام الإمام أحمد شاكر في تعليقه على مختصر علوم الحديث للحافظ ابن كثير ..!! فمع أن ما في الصحيح صحيح وتلقي الامة لهما بالقبول وإنتقاد بعض الأحرف اليسيرة لا يجوزُ لأحد أن بيضعف الأحاديث التي في صحيح بالإطلاق .
ابن سمحان - رحمه الله - [4] : [ ( والجواب أن يقال : الإجماع الذي نفاه الإمام أحمد وكذب من ادعاه : الإجماع الذي يدعيه أهل البدع مما يخالف الكتاب والسنة ، فأما ما وافق الكتاب والسنة فحاشا وكلا ، كما قال ابن القيم رحمه الله فيما نقله عنه حيث قال : وصار من لا يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتج عليه بالكتاب والسنة قال : هذا خلاف الإجماع ! وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام وعابوه من كل ناحية على من ارتكبه وكذبوا من ادعاه.
فأي دليل فيما نقلته على من يحكي إجماع أهل السنة والجماعة ؟ وإنما عابوا وكذبوا دعوى من ادعى ما يخالف الكتاب والسنة ، وقد كان من المعلوم بالضرورة أن أهل العلم والأئمة الراسخين يحكون الإجماع ويحتجون به لأنفسهم وينصرون به أقوالهم ، وقد جمع ابن هبيرة وابن حزم مسائل الإجماع مرتبة على أبواب الفقه وحكوها من أنفسهم لأنفسهم ، وفي كتب الفقه كالإقناع والمغني والفروع والمقنع من ذكر الإجماع والاحتجاج به ما لا يخفى على صغار الطلبة . والطرق التي يعرف بها الإجماع القطعي معروفة عند أهل العلم مقررة في محلها لا تخفى على مثل شيخنا ، فإذا احتج بالإجماع قبل منه وأخذ عنه فإن القول ما قالت حذامِ .
ومن الطرق التي يُعرف بها الإجماع :كون الحكم معلوماً بالضرورة من دين الإسلام ، فإذا عرفت هذا علمت يقيناً أن الشيخ محمد ابن عبدالوهاب لم يخالف إمامه ؛ لأن نص إمامه أحمد رحمه الله فيمن حكى إجماعاً يخالف الكتاب والسنة ، وقد حكي الإمام أحمد رحمه الله الإجماع على أن هذه الآية وهي قوله (وإذا قرئ القرآن فاستعموا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) أنها نزلت في الصلاة ، وحكى ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين قولا الإمام الشافعي رحمه الله : أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان.
وقد كان من المعلوم عند أهل العلم أن الإجماع هو الأصل الثالث وأن الأمة لا تجتمع على ضلالة ، وما أظن أن هذا الكلام يصدر من مثل الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله ؛ لأن هذا الكلام الذي نقله عن ابن القيم في الإعلام لا يدل على ما ادعاه من نفي الإجماع مطلقاً ، فكيف يحتج به هذا الرجل وهو لا يدل على مقصوده بشيء من الدلالات ؟! والله أعلم وحسبنا الله ونعم الوكيل ] . أهـ .
وحسبكَ بقول شيخ الإسلام ابن تيمية [5] : [ والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح , إذ بعدهم كثر الإختلاف وانتشرت الأمة ]وقد قال ابن القيم [6] : [ وليس مراده – أي: الإمام أحمد – بهذا استبعاد وجود الإجماع، ولكن أحمد وأئمة الحديث بُلُوا بمن كان يرد عليهم السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافها، فبين الشافعي وأحمد أن هذه الدعوى كذب، وأنه لا يجوز رد السنن بمثلها ] ، وما إستغربتهُ فهم الشيخ لقول ابن الصلاح من أن الحروف التي إنتقدت على الصحيح يسيرة إلي أن ابن الصلاح عني (( أحاديثاً ضعيفة )) فالإنتقادُ اليسير في جملة ما قاله ابن الصلاح لا يشملُ الأحاديث بإطلاق الضعف فالإنتقادُ كان القول فيه قول الشخيخين رضي الله عنهما .
والذي قد تكلم فيه وهي أحرف يسيرة ، وإعلم أن هناك جملة من الأحاديث التي إنتقدت في صحيح مسلم وصحيح البخاري وسنتعرضُ لتلك الأحاديث إلا و أن في صحيح البخاري بعض ذلك ، إلا أنه قليل جدا ، وقد يسلم هذا القليل أيضا من النقد فقد قال ابن الصلاح في مقدمة مسلم : [ ما أخذ عليهما - يعني على البخاري ومسلم - وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول ] ، وللحافظ ابن حجر في شرح البخاري كلام نفيس في هذا حيث قال [7] : [ قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها ، وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدا مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك ] وقد قال شيخنا الدكتور حاتم الشريف العوني ، : [ نص العلماء على أن أحاديث الصحيحين كلها مقبولة ، إلا أحاديث يسيرة انتقدها بعض النقاد الكبار ، الذين بلغوا رتبة الاجتهاد المطلق في علم الحديث ، وأن ما سوى تلك الأحاديث اليسيرة ، فهي متلقاة بالقبول عند الأمة جميعها .وبناء على ذلك : فإن الحديث الذي يضعفه الشيخ الألباني في صحيح البخاري له حالتان : الأولى : أن يكون ذلك الحديث الذي ضعفه الألباني قد سبقه إلى تضعيفه إمام مجتهد متقدم ، فهذا قد يكون حكم الشيخ الألباني فيه صواباً ، وقد يكون خطأ ، وأن الصواب مع البخاري الثانية : أن يكون الحديث الذي ضعفه الألباني لم يسبق إلى تضعيفه ، فهذا ما لا يقبل من الشيخ رحمه الله ؛ لأنه عارض اتفاق الأمة على قبول ذلك الحديث . والله أعلم ] .
ومثل هذا ما تكلم فيها إلا أمثال الدارقطني وأئمة العلل الذين عرف عنهم الإجتهاد المطلق وقعد قواعد الإعلال فلا أرى أعجب من طالب علم في عصرٍ قل فيه أئمة العلل أن يعل أحاديث في الصحيح ، فكم من مجتهد إنتقد أحاديث على البخاري ومسلم في هذا العصر ولا حجة ولا وجه لإنتقاده والصواب مع أمير المحدثين ، ثم إن الصوابَ في هذه المسألة أن إنتقاد الإمام الدارقطني كان على الصحيحين بأسانيدها لا بمتونها فضعفها ولكن من لمثل هذا الكلام فيفهمهُ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية [8] : [ لا يتفقان على حديث إلا ويكون صحيحا لا ريب فيه ، قد اتفق أهل العلم على صحته ] وقد تكلم الحافظ في بعض الأحاديث في الصحيحين إلا أن التحقيق يبين سلامة هذه الأحاديث من العلة المذكورة فيهم ، فكيف لمثلنا من لم ينل من العلم حظاً أن يتجرأ على إمامة الأئمة في الحديث ويستدرك عليه ما قد يزعمُ أحدنا بأنهُ خفي على من إتصف بالإمامة في الحديث وهذا ليس بحق أبداً بل هو باطلٌ والله تعالى المستعان .
قال ابن الصلاح [9] : [ ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته ، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول ، على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق ، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره ، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن ] ، فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمته لشرح صحيح البخاري [10] : [ وهو احتراز حسن . واختلف كلام الشيخ محي الدين في هذه المواضع ؛ فقال في مقدمة شرح مسلم ما نصه : " قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا فيها بشرطهما ونزلت عن درجة ما التزماه ، وقد ألف الدارقطني في ذلك ، ولأبي مسعود الدمشقي أيضا عليهما استدراك ، ولأبي علي الغساني في جزء العلل من التقييد استدراك عليهما . وقد أجيب عن ذلك أو أكثره ... إلي أن قال قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها ، وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدا مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك ] وعنهُ كذلك رحمه الله تعالى : [ وسيظهر من سياقها والبحث فيها على التفصيل أنها ليست كلها كذلك ، وقوله في شرح مسلم : " وقد أجيب عن ذلك أو أكثره " هو الصواب ] وإن كان في البخاري من نازعه من أهل العلم على ضعف هذه الأحاديث وفي الصحيح لمسلم مثل حديث التربة وغيره فقد ضعفهُ البخاري وغيره من حذاق هذا الفن إلا أن البخاري من حذاق هذا الفن ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية [11] : [ جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه ، بخلاف مسلم بن الحجاج ، فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها ، وكان الصواب فيها مع من نازعه ] فرحم الله أعلام الأمة وأجزل عليهم المثوبة الحسنة ونفع بما قدموا للإسلام والمسلمين .
أما وإن الدارقطني رحمه الله تعالى قد أصابَ في بعض الأحاديث التي إنتقدها على الصحيح وأخطأ في بعضها رحمه الله تعالى ورضي عنه وهذا بحد ذاته لا يقدحُ بإمامة الدارقطني في علم العلل ، كما أن البخاري كان إماماً في العلل كذلك ..!! وإعلم أن الإعلال ليس قادحاً في صحة الأحاديث قال ابن القيم [12] : [ اعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب، فأما ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق، فهو محصل للعلم، مفيد لليقين، ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين، فإن الاعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها، دون المتكلمين والنحاة والأطباء، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله، وهم علماء الحديث العالمون بأحوال نبيهم، الضابطون لأقواله وأفعاله، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين لأقوال متبوعهم فكما أن العلم ينقسم إلى عام وخاص، فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوما لغيرهم، فضلا عن أن يتواتر عندهم، فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم وضبطهم لأقواله، وأفعاله، وأحواله، يعلمون من ذلك علما لا يشكون فيه مما لا شعور لغيرهم به ألبت ] إنتهى .
قال الندوي [13] : [ وليس الاتفاق بين الأمة وعلمائها مجرد مصادفة، ولا عن تواطؤ ومؤامرة، وقد أعاذ الله هذه الأمة التي اختارها لحمل دينه وتبليغ رسالته أن تكون فريسة غفلة وغباوة، وأن تجتمع على الضلال، بل كان ذلك إلهاما من الله ] .
وقال القاضي الباقلاني [14] : [ أن الأمة إذا اجتمعت - أو أجمع أقوام لا يجوز تواطؤهم على الكذب - كان ذلك دليلا على الصدق ] .
وقال ابن الصلاح [15] : [ وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته؛ لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن ] ولهذا شيخنا الكريم ونحن لا ننكر أن بعض أحاديث الصحيحين كانت محل انتقاد من قبل بعض المحدثين والحفاظ كالدارقطني وغيره، ولكن ما هي طبيعة هذا الانتقاد؟ وهل يصح أن يكون هذا الانتقاد ذريعة للطعن في أحاديثهما جملة، وإهدار قيمتها العلمية والشرعية كما أراد المغرضون؟ ولكي نصل إلي الخلاصة والصحيح في هذه المسألة شيخنا الكريم نفعنا الله تعالى بك هو أن : الناقل لإجماع العلماء وتلقي الأمة بالقبول للصحيحين جمع لا يستهان به، ومن بينهم الحفاظ المحدثون، والمحققون ولا يقبل قول أحد بضعف أحاديث البخاري ومسلم شيخنا الكريم فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : [ أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع ] . والله أعلى وأعلم .
وصلي اللهم وسلم على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أهلُ الحديث
______________________________ ______________
[1] مكانة الصحيحين والدفاع عن صحيح مسلم: عبد العزيز العتيبي، شركة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 1427هـ/ 2007م، ص11: 14 بتصرف.
[2] "حجة الله البالغة" (1|283).
[3] تعليق الشيخ أحمد شاكر على مختصر علوم الحديث لابن كثير (ص35).
[4] " تنبيه ذوي الألباب السليمة " ، ص 144-145.
[5] شرح العقيدة العقيدة الواسطية ( 2 / 328 ) طبعة دار ابن الجوزي .
[6] "مختصر الصواعق" (506).
[7] "مقدمة الفتح" (ص344).
[8] "مجموع الفتاوى"(18/20).
[9] مقدمة ابن الصلاح" (ص10) .
[10] "مقدمة الفتح" (ص344).
[11] "مجموع الفتاوى" (1/256).
[12] مختصر الصواعق المرسلة، محمد بن الموصلي، (2/ 373)،
[13] لامع الدراري على جامع البخاري، الكاندهلوى، المكتبة الإمدادية، مكة المكرمة، (1/ 10).
[14] النكت على كتاب ابن الصلاح، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: ربيع بن هادي المدخلي، دار الراية، جدة، ط4، 1417هـ، (1/ 373) بتصرف.
[15] علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص25.