شبهة قول الزهري "بلغنا أنه كان قرآن كثير" ..
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ,
وبعد :
فهذه سلسلة الردود على شبهات النصارى والشيعة الروافض حول القرآن الكريم
_ قالوا أن القرآن الكريم قد ذهب منه الكثير !!
واستدلوا بما رواه بن أبي داود :
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : « بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ أُنْزِلَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ ، فَقُتِلَ عُلَمَاؤُهُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، الَّذِينَ كَانُوا قَدْ وَعَوْهُ فَلَمْ يُعْلَمْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُكْتَبْ ، فَلَمَّا جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَ أَحَدٍ بَعْدَهُمْ ، وَذَلِكَ فِيمَا بَلَغَنَا ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَتَّبعُوا الْقُرْآنَ فَجَمَعُوهُ فِي الصُّحُفِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ خَشْيَةَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوَاطِنِ مَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَيَذْهَبُوا بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَلَا يُوجَدُ عِنْدَ أَحَدٍ بَعْدَهُمْ ، فَوَفَّقَ اللَّهُ عُثْمَانَ فَنَسَخَ تِلْكَ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْأَمْصَارِ ، وَبَثَّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ » . (1)
وكان محل استدلالهم بقول الزهري : " بلغنا أنه كان أنزل قرآن كثير، فَقُتل علماؤه يوم اليمامة ، الذين كانوا قد وعوه فلم يُعْلَمْ بعدَهم ولم يُكْتَبْ "
وللرد على هذا الافتراء أقول :
أولاً: الرواية ضعيفة :
هذه الرواية ضعيفة ولا تقوم بها الحُجة لأن في سندها انقطاعاً زمنياً كبيراً بين الزهري وبين الصحابة رضي الله عنهم .
والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحاً تنطبق عليه خمسة شروط وهي :
1- اتصال السند .
2- عدالة الرواة .
3- ضبط الرواة .
4- انتفاء الشذوذ .
5- انتفاء العلة .
قال أبو عمرو بن الصلاح (2) :
أَمَّا الْحَديثُ الصّحِيحُ : فَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الّذِي يَتّصلُ إِسْنَادُهُ بنَقْلِ الْعَدْلِ الضّابطِ عَنِ الْعَدْلِ الضّابطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ، وَلَا يَكُونُ شَاذاً ، وَلا مُعَلّلاً .
ولو نظرنا في هذا السند الذي رُويت من خلاله هذه الرواية لوجدناه مخالفاً للشرط الأول وهو اتصال السند .
ومعنى اتصال السند: أن يكون كل راوٍ من الرواة قد سمع الحديثَ من شيخِه الذي يُحَدِّثُ عنه .
وفي هذه الرواية يقول الزهري "بلغنا"!
فمن الذي أبلغ الزهري بهذا ؟ لا ندري !
هل هو ثقة أم لا ، هل هو صادق أم كذاب ؟ لا ندري !
وقد كان علماء الحديث دائما يحذرون من الروايات المرسلة وخصوصاً مراسيل الزهري .
قال الإمام الذهبي :
قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ : مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ شَرٌّ مِنْ مُرْسَلِ غَيْرِهِ ؛ لأَنَّهُ حَافِظٌ ، وَكُلُّ مَا قَدِرَ أَنْ يُسَمِّيَ سَمَّى ، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَنْ يُسَمِّيَه .
قُلْتُ (الذهبي) : مَرَاسيْلُ الزُّهْرِيِّ كَالمُعْضَل
أَبُو حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ :
إِرسَالُ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، لأَنَّا نَجِدُه يَرْوِي عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ أَرْقَمَ . (3)
قال الإمام بن رجب الحنبلي : مراسيل الزهري من أوهى المراسيل . (4)
قال بن عبد الهادي المقدسيّ : ومراسيل الزهريِّ ضعيفةٌ ، وقد كان يحيى القطَّان لا يرى إرسال الزهريِّ وقتادة شيئاً ، ويقول : هو بمنزلة الريح . (5)
وعليه فالرواية ضعيفة ولا يُحتج بها علينا .
ثانياً: محقق الكتاب أقر بضعف الأثر
قال الدكتور محب الدين : إسناده صحيح إلى الزهري والأثر من بلاغاته . (6)
وفي قوله أن الأثر من بلاغات الزهري إشارة إلى ضعفه لأن علماء الحديث كما أوردنا لا يأخذون بمراسيل وبلاغات الزهري .
ثالثاً: النبي لم يترك إلا القرآن الموجود بين أيدينا فقط
النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك بعد وفاته إلا ما بين الدفتين أي ما بين الجلدتين .
وهذا ما رواه البخاري عن أحد الصحابة وأحد التابعين رضي الله عنهم ,
روى البخاري في صحيحه : عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ :
دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ : أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ ؟
قَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ .
قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ :
فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ . (7)
قال بن حجر العسقلاني : وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَثِيراً مِنَ الْقُرْآنِ ذَهَبَ لِذَهَاب حَمَلَتِهِ . (8)
رابعاً: القرآن يستحيل أن يضيع منه شيء لأن الله تعالى وعد بحفظه
وقد وعد الله الأمة أنه سيحفظ هذا الكتاب الكريم فلا يضيع منه شيء أبدا
{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } (9)
فكتاب ربنا تبارك وتعالى باقٍ كما هو ، لم يـُحرّف ولم يُبدّل تحقيقاً وتصديقاً لموعود الله تبارك وتعالى بحفظه . فليس كتابُنا ككتاب غيرنا من اليهود والنصارى !
_ يقول المؤرخ الكبير وِل ديورانت :
وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث . أما النسخ الأصلية فيبدو أنها كُتبت بين عامي 60، 120م ، ثم تعرضت بعد كتابتها على مدى قرنين من الزمان إلى أخطاء في النقل ، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها (10)
ويقول: وملاك القول أنّ ثمة تناقضاً كثيراً بين بعض الأناجيل والبعض الآخر ، وأن فيها نقاطاً تاريخيةً مشكوكاً في صحتها ، وكثيراً من القصص الباعثة على الريبة والشبيهة بما يروى عن آلهة الوثنيين .
وكثيراً من الحوادث التي يبدو أنها وضعت عن قصد لإثبات وقوع النبوءات الواردة في العهد القديم ، وفقرات كثيرة ربما كان المقصود منها تقدير أساس تاريخي لعقيدة متأخرة من عقائد الكنيسة أو طقس من طقوسها . (11)
تمت بحمد الله
_ كتبه أبو عمر الباحث غفر الله له ولوالديه .
______________________________________________________________________
مراجع البحـث :
(1) المصاحف لابن أبي داود السجستاني ص208 ، ط دار البشائر الإسلامية – بيروت ، ت: محب الدين عبد السبحان واعظ .
(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص11 ، ط دار الفكر المعاصر لبنان ودار الفكر سوريا ت: نور الدين عنتر.
(3) سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ج5 ص338 ، ط مؤسسة الرسالة – بيروت ، ت: الشيخ شعيب الأرناؤوط .
(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام بن رجب الحنبلي ج9 ص448 ، ط مكتبة الغرباء الأثرية – المدينة المنورة .
(5) تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي المقدسيّ ج4 ص585 ، ط أضواء السلف – الرياض ، ت: الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد .
(6) المصاحف لابن أبي داود السجستاني ص208 ، ط دار البشائر الإسلامية – بيروت ، ت: محب الدين عبد السبحان واعظ .
(7) صحيح البخاري ص1282 ح5019 ، ط دار بن كثير – بيروت .
(8) فتح الباري للإمام بن حجر العسقلاني ج11 ص251 ، ط دار طيبة – القاهرة ، ت: نظر محمد الفَاريابي .
(9) القرآن الكريم ،سورة فصلت ، الآيتان (42،41) .
(10) موسوعة قصة الحضارة للمؤرخ وِل ديورانت ج11 ص207 ، ط دار الجيل – بيروت ، ترجمة ذكي نجيب محمود .
(11) موسوعة قصة الحضارة للمؤرخ وِل ديورانت ج11 ص210 ، ط دار الجيل – بيروت ، ترجمة ذكي نجيب محمود .