رهائن في الحياة الزوجية
الحياة الزوجية السليمة هي الحياة التي تقوم على المودة والرحمة , والتفاهم وحسن العشرة , ويحس فيها كل فرد بحريته ولا يستشعر أنه محبوس أو رهين عند الآخر ,فهناك في بعض البيوت أسرى ورهائن تنظر الفرج وإطلاق سراحها , فالمرأة التي تعيش مع زوج سيء الخلق لا يحسن معاشرتها ولا يعرف لها حقاً ولا كرامة هي زوجة أسيرة ورهينة عنده تنتظر الخلاص منه في أية فرصة سانحة , والزوجة التي تعيش مع زوج أناني لا ينظر إلا إلى نفسه ولا يحس إلا بذاته ووجوده , ولا يسعى إلا إلى تحقيق رغباته وشهواته هي زوجة رهينة عنده , يحكي لي أحدهم أن شاباً يعرفه كان قد تزوج وفي ليلة الزفاف استأذن عروسه لبعض الوقت فظنت أنه ذهب ليحضر لها هدية جميلة أو شيئا مما يقدم في مثل هذه المناسبات , ولما تأخر عنها لبعض الوقت ثم عاد وجدت يده بها آثار ( علف الماشية ) ولما سألته قال لقد تذكرت أن حماري لم يأكل فذهبت أطعمه وأسقيه , فابتلعت المسكينة هذا الموقف , ولكن الأعجب منه أنه أيقظها في الصباح الباكر لكي تعلف الحمار وتسقيه , وسار الشهر الأول في الزواج على هذا المنال , يصحو من نومه فأول شيء يفكر فيه إطعام الحمار , ويعود من خارج البيت وأول شيء يسأل عنه أكل الحمار , فأحست الزوجة المسكينة أنها رهينة عند الحمار فذهبت إلى بيت أهلها وطلبت الطلاق , وتدخل أهل الخير وأفهموه أن هذه عروس ولا بد من ملاطفتها وأن ينسى تعلقه بالحمار ولا يجعله شغله الشاغل , وأخبروها أنه سيأتي ليصالحها ولن يذكر لها سيرة الحمار , واتصل صاحبنا بها وأخبرها أنه سوف يأتي بعد الظهر إليهم لأخذها , لكنه لم يصل إلا بعد العصر ولما سألته عن سبب تأخره , قال لها : لقد تأخر بي القطار , ثم أردف قائلا : ووالله لو أنني أتيت بحماري لوصلت أسرع من القطار , فنظرت إليه باستغراب وقالت : مرة أخرى الحمار , إذن فارجع في نفس القطار الذي جئت فيه ولا أراك مرة أخرى , وطلقت منه وتحررت من الأسر, فهذه الزوجة المسكينة كانت أسيرة لزوج جلف لا يفهم معنى حسن العشرة ووقع أسيراً لحماره , وجعلها معه رهينة له .
وكذا الزوج الذي يعيش مع امرأة سيئة الخلق سليطة اللسان لا تهتم إلا بنفسها ولا تسعى إلا إلى تحقيق رغباتها , فلا تراعي مشاعره ولا تهتم بأحاسيسه ولا تشاركه أفراحه وأحزانه , مثل هذا الزوج يعد أسيراً ورهينة في حياته الزوجية وينتظر هو الآخر الفكاك والتحرر من الأسر , فهذا الزوج الذي يشكو من زوجته ويقول إنها لا تفكر إلا في دجاجاتها ,مثل الزوج الذي كان لا يفكر إلا في حماره , وهذا الزوج المسكين شاعر وأديب له حس مرهف ومشاعر فياضة ويريد من زوجته أن تشاركه مشاعره وموهبته ولكنه كلما تحدث معها في الشعر والأدب والثقافة حدثته في الدجاج , وكلما طلب منها أن تستمع إلى قصيدة من قصائده , قالت : دعني استمع إلى صياح الدجاج ,يقول : أحس أنني محبوس ومخنوق وأريد الفكاك , لا أحد يسمعني .. لا أحد يفهمني .
وكذلك الولد أو البنت الذي يعيش بين والدين لا يعرفان إلا الشجار والعراك ليل نهار , وقد أخليا البيت من الرحمة والمودة والتفاهم والتواصل , هؤلاء الأولاد غرباء بل وأقول أيتام , قد فقدوا حنان الوالدين ووجودهما , وأصبح كل منهم يحس أنه صار أسيرا ورهينة في هذا البيت ويسعى للهروب منه , ولربما كان الهروب إلى ما لا تحمد عقباه .
يحكي أحد الأبناء فيقول : أصبحت لا أطيق الجلوس في البيت أخرج منه مبكراً ولا أعود إلى للنوم فقط , صار البيت فندقا , وليس أي فندق بل صار فندقاً مزعجا لا أجد فيه طعم الراحة وذلك بسبب أبي وأمي , العراك والصياح والتلاسن بسبب وبدون سبب لا ينقطع من البيت , لا يوجد تفاهم بيننا على الإطلاق , كرهنا البيت والعيش فيه ولم نعد نتحمل .. نريد الفكاك والتحرر من الأسر والرهن .
وهكذا تستمر المأساة حتى خلت هذه البيوت من المعاني النبيلة والمشاعر الدافئة , وصار كل فرد فيها يستشعر الأسر والحبس وينتظر ساعة الفرج والتحرر
.
* من منتدى ناصح : اختيار الأخت ( شمس الضحى )