السؤال
مِن
كثرة ما أراه مِن سُلُوكيات النساء، صِرتُ أكرههنَّ، فالنساء أصبحْنَ
كابوسًا لا عقلَ فيهنَّ، يتمتَّعن بالكيد والغرور والعناد، والحمد لله أنا
لستُ متزوِّجًا، ولا أرغب في الزواج مع وجود الرغبة الجنسية القويَّة! وهذا
جزءٌ مِن المشكلة، تلك الرغبة اللعينة السببُ في تَحَكُّم هذا الجنس
الغبيِّ الذي يُشبه الناموس أحيانًا!
أنا مُقتنع
بكلامي جدًّا، فما أُلاحظه في النساء يجعلهنَّ كائناتٍ مزعجةً وماديَّة،
فالمرأةُ كائنٌ انتهازيٌّ لا يُفَكِّر، وهذا يُعيقني في الحياة؛ فأنا لا
أحبُّ التواصُل مع المرأة نهائيًّا!
الجواب
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحْبه ومَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فبدايةً أُحِبُّ أن أُنبِّهك
إلى أن كُرْهَ النِّساء مِن أعمال الجاهليَّة وسُننِها؛ حيثُ كانوا يكرهون
الإناث، ويكرهون وجودهنَّ، حتى إنَّ أحدَهم إذا بُشِّر بالأنثى ﴿ ظَلَّ
وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ
مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ
أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58 - 59].
كانوا في الجاهليَّة مِنْ
كَرَاهتِهم للنساء، إذا وُلِدَ للإنسان مولودةٌ، ذَهَبَ يحفِر لها،
ويدفِنها وهي حيةٌ! بل قيل: إنَّ بعضهم كان يَدَع البنت حتى تُناهزَ
التمييز، ثم يخرج بها إلى الصحراء، ويَحفِر لها الحفرةَ، فإذا أصاب لحيتَه
شيءٌ مِن التراب جعلتْ تنفض لِحيتَه وتُنَقِّيها مِن التراب، وهو يحفِر لها
الحفرة ليَدفِنَها، وبعضهم تستغيث به ابنتُه إذا رأتْه ألقاها في الحفرة،
فلا يَرِقُّ لها!
فكلُّ إنسانٍ يكره النساء، أو
يَزدَريهنَّ، أو يَحتقرهنَّ، أو يُعاملهنَّ مُعاملةً سيئةً، أو يستقلُّ
بهنَّ، ففيه شَبَهٌ مِن أهل الجاهلية، وشُعبةٌ منهم.
فنصيحتي لكَ أن تبحثَ عن سِرِّ
تلك العُقْدَة؛ لتتمكَّنَ مِن حلِّها؛ فشعورُك هذا - يقينًا - نتيجة لظروفٍ
وملابساتٍ وتجاربَ قاسيةٍ مررتَ بها، ولكن لا تنسَ أنها - في النهاية -
تجاربُ فرديةٌ مع بعض الأشخاص، وليس المجموع، فلا تُعَمِّمْهُ على جنس
النساء؛ فهذا منَ الظُّلْمِ البيِّنِ، ولا يخفى عليك أن كثيرًا مِن النساء
خيرٌ مِن ملءِ الأرض من أمثالهم من الرجال.
وسلْ نفسَكَ: هل حينما تتعامل
مع زملائكَ في العمل، أو أصدقائك، أو غيرهم ممن تُقابلهم يوميًّا،
فَسَرَقَكَ بعضهم، أو سبَّك آخرُ، فهل تُصدِرُ حكمًا سلبيًّا عامًّا في
حقِّ جميع الرِّجال؟ وهل يستقرُّ في العقل أن يتحمَّل المجموعُ جُرْمَ
البعض؟ وهل يُقال: إن العُبَّادَ جَهَلَةٌ، والعلماءَ فَجَرَةٌ؛ لوجود
عابدٍ جاهلٍ، أو عالِم فاجِرٍ؟
ألم يَقُل الكريمُ ابن الكريم ابن الكريم: يوسفُ بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلامُ - فيما حَكَاهُ القرآنُ عنهُ: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ﴾ [يوسف: 79].
وبيَّن رسولُ الله - صلى الله
عليه وآله وسلم - ميزانَ العدل في معرفة المرأة والتعامُل معها كزوجةٍ أو
غير ذلك، فقال: ((لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنةً؛ إن كَرِه منها خُلُقًا، رَضِي
منها آخَر، أو قال غيرَه))؛ رواه مسلم.
فالله - تعالى - رَكَّبَ في
النفس الإنسانية ميلَ الجنسين بعضهم للآخر، وذلك أمرٌ فطريٌّ، وأيُّ خروجٍ
عنْ هذا، فهو انحرافٌ عن تلك الفطرةِ، يجب تقويمُه بأدوية الشرع، وصحيح
المعقول، والأدوية العادية.
وتأمَّل معي تلك القصة التي
يحكيها أهلُ الأمثال العربية؛ يُحْكَى أن رجلًا قَصَدَ قريةً، أهلُها
كلُّهم أشرارٌ، إلاَّ واحدًا صالحًا، قد أكرهه أهلُها الأشرارُ على الإقامة
خارجَ القرية على حُدودِها، فلما رأى ذلك الرجلُ الصالحُ ذلك الضيفَ،
خَافَ عليه، فاستضافه، وأَكرم مثواه، وأحسَن ضيافتَه ورِفادَته، فانصَرَف
الرجلُ وهو يقول: ما أَعْظمَ أهلَ هذه القرية! فجَعَل الناسُ يتَعجَّبون.
وقَصَد آخرُ قريةً صالحةً
أهلُها أطهارٌ، إلاَّ رجلًا قاطعَ طريقٍ، فلمَّا دنا الضيفُ من القرية،
استقبَلَه الشاطرُ، فجَرَّدَه مِن ملابِسه، وسَرَق كلَّ ما معه، وجَدَعَ
أنفه، فخرج الرجل وهو يقول: ما أسوأَ تلكَ القريةَ!
والحاصل:
أنَّ الإنسان أسيرُ تجاربه، ولذلك تَجِد مَن يمرُّ مِن الجنسَيْن بتجربة
زواجٍ فاشلٍ تنتهي بالطلاقِ، لا يُقْدِمُ بِسهولة على خوْضِ تجرِبة زواجٍ
جديدةٍ، وقد يعيش - طويلًا - أسيرَ تجرِبته الفاشلةِ, وهذا مؤشِّرٌ خطيرٌ؛
فعجَلَةُ الحياة لا تتوقفُ عنِ السير لبعض المواقف السلبية، وعليكَ أن
تتعلَّمَ؛ لكي تستطيع فكَّ أسْرِكَ مِن تجارِبِك السلبيةِ السابقة الخاصةِ
بالنساء، وهذا يحتاج لإرادةٍ قويةٍ، وَتَصالُحٍ مع النفس، وَتَوَحُّدٍ مع
الذات والواقعيَّة.
وقد تحتاجُ لمساعدةِ طبيبٍ نفسيٍّ ماهرٍ؛ للتحرُّر مِن تلك المشكلة، وتكسيرِ حواجزها.