معلم دين ليس بملتزم!السؤال:أنا شاب أعمل معلمًا للتربية الإسلامية،
ورغم الجهد والمشقة التي تصيبني من هذه الوظيفة إلا أني أحاول قدر الإمكان
بذل كل ما أستطيع في سبيل إيصال المعلومة للطلاب، وربط هذه المواد بحياتهم،
ولكني أعاني من أمر، وهذا الأمر يقلقني ويؤرقني، ألا وهو أني لم أطبق ما
أعلَّمه لطلابي على نفسي، فأنا حليق اللحية، ومسبل الثياب.
فكيف أعلمهم شيئا، وأقول: إن هذا واجب، وهذا محرم، وأنا أناقض كلامي، وأفعل المحرم، وأترك الواجب؟
فما حكم عملي هذا، وراتبي الذي آخذه من هذه الوظيفة؟ وهل أدخل في الذين قال عنهم الله - عز وجل -: ﴿
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: 44]؟
الجواب:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وسلم.
نشكر السائل على ما يقوم به من أعباء في
تعليم الطلاب وإيصال المعلومة لديهم، كما أن إثارته لهذه المسائل ومعاناته
وإحساسه بالذنب دليل على سلامة فطرته، وسؤاله هذا في غاية الأهمية، ويعم
كثيراً من المعلمين.
أما ما يتعلق بأسئلة السائل. فيما يتعلق
بالراتب الذي يأخذه السائل، فإنه لا حرج عليه فيه إذا أدى عمله الذي وكل
به، وهو كما يظهر من سؤاله، وبحسب الشرائع والأعراف قام بما يجب عليه تجاه
من يعطيه الراتب.
وأما ما يتعلق بدخوله تحت قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].
فإن الجواب فيه تفصيل على ما يلي:لا يجوز شرعاً ولا عقلاً من أي شخص مقيم
على معصية، ومُصر عليها أن ينهى غيره عنها؛ فإن ذلك من قبيل الاستخفاف بما
يأمر به أو ينهى عنه، فضلاً عن أن دواعي الاستجابة له والحالة كذلك ضعيفة،
بل ربما كانت الإجابة عكسية، أو أدت إلى الصد عن سبيل الله، وهو داخل في
قوله - سبحانه -: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2]. وهو مشابه للعصاة من أهل الكتاب الذين قال الله فيهم ﴿
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].
وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - قال: "فيجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كما يطحن الحمار
برحاه به أهل النار فيقولون: أي فلان ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن
المنكر؟ فيقول: نعم إني كنت أمر بالمعروف فلا أفعله، وأنهى عن المنكر
وأفعله".
وليس معنى ذلك كمال حال المعلِّم. أو
الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، إذ الكمال هو حال الرسل فقط، ولكن
العبرة بامتثاله بما يأمر به وينهى عنه في الجملة، ولا يضره أن يقع فيه
أحياناً إذا كان حاله حال التائبين النادمين.
قال الحسن البصري للزاهد مطرف الشخير: عظ أصحابك، قال: "أخاف أن أقول ما لا أفعل، قال الحسن: وأينا يفعل ما
يقول، لود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن
منكر".
فإن الإنسان مأمور بإصلاح نفسه وإصلاح
غيره. قال سعيد بن جبير - رحمه الله -: "إن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن
المنكر إلا من لا يكون فيه شيء لم يأمر أحد بشيء".
ونصيحتي للسائل ما أمر الله به المؤمنين،
وهي وصية الله للأولين والآخرين، تقوى الله - تعالى -والخوف منه، ومراقبته -
سبحانه - ومحاسبة النفس والاستعداد ليوم المعاد، وقد قال - سبحانه - ﴿
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا
قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
وما ذكره السائل من مخالفات ظاهرة وهي
مخالفة للسنة ومجاهرة بالمعصية كحلق اللحية والإسبال، ولكن أهم منها إصلاح
الباطن، إصلاح القلوب وسلامتها من الرياء والسمعة والعجب والغرور والحسد
والغل والكبر، وعمارتها بمحبة الله - تعالى -ورجائه، والخوف منه وخشيته،
فإن سلامة القلوب لا يعدلها شيء، وخطورة مرضها أنها ليست بظاهرة فلا تجد من
ينصحك بها، بل وكثير من الناس لا يدرك أمراض قلبه بينما هي المعول عليها
في النجاة يوم القيامة، وقد قال الخليل إبراهيم - عليه السلام - إمام
الحنفاء مخاطباً المولى - سبحانه وتعالى -: ﴿
وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 87-89]. وقال - سبحانه - ﴿
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [العاديات: 10]. وقال - سبحانه - ﴿
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾ [الطارق: 9].
والقلوب هي محط نظر الرب - سبحانه - كما
قال - عليه السلام - في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله
لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم".
فإذا صلح القلب ظهر أثر ذلك على صاحبه من
عمل الصالحات وترك المنكرات. لذا قال - عليه الصلاة والسلام -: "ألا إن في
الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي
القلب" والمعلمون لا سيما بالتربية الإسلامية هم أولى الناس بإصلاح بواطنهم
وظواهرهم؛ لأنهم قدوة لتلاميذهم.
وقد قال الشاعر:
ألا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيم
وأراك تلقح بالرشاد عقولنا أبدا وأنت من الرشاد عقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
|
وفق الله الجميع لما يحب ويرضاه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.