السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة
أدرس في الثانوية، تبعد المدرسة الثانوية التي أدرس فيها مسافة 48 كم،
والمشكلة هي: أن صلاة الظهر والعصر، وأحيانًا العشاء تفوتني، فكيف أقضيها؟
مع العلم أني كنت أصلِّيهم بالترتيب.
وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فلم تبيِّني لنا - أيتها الابنة
العزيزة - ما هو السببُ الذي يجعل تلك الصلوات تفوتك؟ هل هو بسبب السفر،
أو غير ذلك؟ لنتمكن من إفادتكِ، واقتراح حلول عملية.
وعلى كلِّ حالٍ؛ اعلمي أن الله
تعالى وقَّت للصلاة مواقيت، وجعلها فرضًا محدود الأوقات، لا يجوز إخراجها
عن أوقاتها في شيء من الأحوال؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾[النساء: 103]؛ أي: مؤقَّتة مفروضة، قال ابن عباس: "مفروضًا"، وقال ابن مسعود: "أي: وقتًا كوقت الحج".
وقد تواتَر عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - المحافظةُ على أوقات الصلوات؛ حتى قال ابن مسعود: "ما رأيتُ
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلَّى صلاةً لغير ميقاتِها إلا
صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء بالمُزْدَلِفة، وصلَّى الفجر يومئذٍ قبل
ميقاتها"؛ متفق عليه، أي: قبل وقتها المعهود؛ يعني: صلَّاها في أول الوقت،
وإن كان الحصر فيه ليس على ظاهره؛ لإجماعهم على مشروعية الجمع بين الظهر
والعصر بعَرَفة، ولمشروعية الجمع في السفر المباح.
- وأخرج أبو داود، وأحمد،
والنسائي، "أن جبريل - عليه السلام - أمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -
عند البيتِ مرَّتين، فصلَّى به في أوَّل الوقت وآخره، ثم قال: يا محمدُ،
هذا وقتُ الأنبياء من قبلِك، والوقت ما بين هذين الوقتين".
- وروى أحمد، ومسلم، والنسائي،
وأبو داود، عن عبدالله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: ((وقتُ صلاةِ الظهر ما لم يَحضُر العصرُ، ووقتُ صلاةِ العصر ما لم
تَصفرَّ الشمس، ووقتُ صلاةِ المغرب ما لم يَسقُط نور الشَّفَق، ووقتُ صلاةِ
العشاء إلى نصفِ الليل، ووقتُ صلاةِ الفجر ما لم تَطلُع الشمس)).
وقد توعَّد الله - عز وجل - مَن أخَّر الصلاة عن وقتها بالغيِّ والهلاك؛ فقال تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59].
قال
بلال بن سعد بن أبي وقاص لأبيه رضي الله عنه: "يا أبتاه، أهم الذين لا
يصلُّون؟ فقال: يا بني، لو تركوها لكفروا، ولكنهم الذين يؤخِّرون الصلاة عن
وقتها".
وقال - صلى الله عليه وسلام -: ((إن بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة))؛ رواه مسلم، عن جابر بن عبدالله.
وقال - صلى الله عليه وسلام -: ((العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كَفَر))؛ رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وفي "سنن ابن ماجه"
وغيره، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قال: ((ولا تترك صلاةً مكتوبةً، فمَن ترَكها متعمدًا؛ فقد بَرِئتْ منه
الذِّمَّة))، وروى البخاري عن بُرَيدة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: ((مَن ترك صلاة العصر، حَبِط عمله))، إلى غير ذلك من الأحاديث في
تعظيم شأن الصلاة، وتوعد تاركها والمتهاون والمتساهل في أمرها.
ولا شكَّ أن المواظبة على الصلاة هو عنوان الفلاح في الدنيا والآخرة، وقد وصف الله الأخيار بأنهم: ﴿ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23]، ووصفهم بأنهم: ﴿ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 9].
فلا يحل لكِ أن تنشغلي عن شيء
من الصلوات، فإن حَضَر وقت الصلاة - وأنتِ في وسيلة النقل، ولا سبيل للنزول
لأداء الصلاة - فصلِّي في العربة على قدْر استطاعتكِ، فما أمكنكِ فعلُه من
أعمال الصلاة كالقيام ونحوه, قمتِ به، وما تعجزين عنه يَسقُط عنكِ؛
فالصلاة هي العبادة الوحيدة التي لا تُتْرك أبدًا - بإجماع العلماء - ما
دام المكلَّف قادرًا حتى على الإيماء.
أما ما فاتكِ من الصلوات، فلا
تقضيها إن كانت كثيرة، ولكن توبي توبة نصوحًا عازمةً على عدم العودِ لمثل
هذا ثانيةً، مع الإكثار من صلاة النوافل, وصلى الله وسلم على نبينا محمد .