السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.عزمتُ بعد تخرُّجي على أنْ أحفظَ القرآن والأحاديث، وأُطالِع الكُتُب المفيدة؛ حتى أكونَ داعية أنفع الناس.مرَّ
على تخرجي شهران، ولم أحفظْ شيئًا؛ وذلك لأني مللتُ القراءة، فإذا فتحتُ
الكتاب أقرأ أول صفحتين، ثم أغلق الكتاب! كذلك أُعاني مِن النسيان وعدم
التركيز. أرشدوني، جزاكم الله خيرًا. الجواببسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
أيها الأخ الفاضل، ﴿
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
فباركَ الله فيك، وفي أهل الطموح الدعويِّ، ومباركٌ عليكَ تخرجكَ في الجامعة.
ثمة نقاطٌ يمكنك الاستفادة منها؛ لتشجيعك على المطالَعة؛ ومِن أبرزها ما يلي:أولًا: النية؛ فقد "سُئِل الثوريُّ: العلم أفضل أم الجهاد؟ فقال: ما أعلم شيئًا
أفضل من العلم إذا صحَّتْ فيه النيةُ، فقيل: يا أبا عبدالله، ما النيةُ في
العلم؟ قال: يُريد الله ربَّه، والدارَ الآخرة"؛ "ربيع الأبرار"؛
للزَّمَخْشَرِيِّ.
فجدِّد النِّيَّةَ، وعسى الله
أن يفتحَ على قلبك، ويحبِّب إليك النظَر في كُتُب أهل العلم والحكمة؛ مِن
العلماء، والمحدِّثين، والفقهاء، وأصحاب التفسير، والتاريخ، والأخبار،
واللُّغَويين، والنُّحاة، والأُدَباء.
ثانيًا: القراءة
نشاطٌ عقليٌّ؛ يعمل على تمرين عضلات المخ "القدرات العقليَّة"، والقدرات
العقليَّة شبيهةٌ بعضلات الجِسْم؛ إن لم يتم تقويتها وشدها بالتمرين
والتدريب؛ فإنها تضعف وتضمر، وإن لم يتعود الجسم على رياضة الجسم، أصيبتْ
هذه العضلاتُ بآلامٍ شديدةٍ عند مُزاولة أول تمرين، وكذلك العقل إن لم
يتعوَّدْ على القراءة آلمه الضجرُ مِن مُطالَعة الكتب، وكما أن الرياضيين
ينصحون مَن لم يعوِّد جسمه على الرياضة أن يستمرَّ في مُزاوَلَة التمرين
الرياضي، حتى في وجود آلام العضلات إلى أن يتعود الجسم على الرياضة، فكذلك
الأمر مع مَن لم يعوِّدْ عقله على القراءةِ، فالنصيحةُ له أن يغالبَ آلام
الضجر، حتى يعتادَ تمرين القراءة.
ثالثًا: اعلم - علَّمكَ الله الخير - أنَّ مُطالعة كُتُب العلماء والفقهاء
والمفسِّرين؛ هي مجالستهم على الحقيقة، فإن أنت مللتَ مُطالَعة كتابٍ لشيخ
الإسلام ابن تيميَّة - قدَّس الله روحَه - بعد مطالعة صفحتَيْنِ فقط من
كتابه، فكأنما قد مللتَ مجالسته بعد أقل من دقيقتين! وإذا كنتَ تملُّ مِن
مجالسة مشايخ الإسلام، وكان هذا هو حظك من العلم والفَهم، فلا تتعب نفسك
بالنظر في كُتُبهم!
رابعًا: اجعل لك وقتًا محددًا من كل يوم تعمره بالمطالعة، شريطة أن يكون هذا الوقت
هو وقتَ نشاطك الذهني، وتقبُّل عقلك لاستقبال معلوماتٍ جديدة، مثلًا نصف
ساعة يوميًّا بعد كل صلاة عصر.
خامسًا: وضعيَّة القارئ ينبغي أن تكونَ مشجعةً على المطالَعة، أما الجلوسُ على
كرسي مخصصٍ للاسترخاء أو الاضطجاع على الفراش؛ فإنَّ الدماغ مبرمَجٌ منذ
سنوات على أن هذه الوضعيات هي وضعية النائم، فتبدأ إشاراتُ المخ المسؤولة
عن الشعور بالنعاس بالعمل بشكلٍ تلقائي، بسبب هذا التنبيه الخاطئ مِنَ
الجسد! فيسرع إليك الضجرُ والرغبةُ في النوم.
سادسًا: لا تكن قارئًا سلبيًّا، بل تفاعَل مع مصنِّف الكتاب وكأنه يحدِّثك بنفسِه،
واكتبْ تعليقاتك، وبعض الشروح اللُّغَوية للمفردات الصعبة، وشيئًا من
معلوماتك السابقة المرتبطة بما قرأتَ بقلمٍ رصاصٍ في الحواشي.
سابعًا: تتوافر الآن بعضُ الطبعات الكفِّيَّة التي تسهل قراءة الكُتُب مثل: طبعات
"دار السلام"، فأنفِق عليها مِن مالِكَ، واجعلها في جيبك حتى تلازمك في
ساعات انتظارك خارج البيت؛ فإنَّ مِن أمثلِ ما تقطع به وقت فراغك: النظر في
الكُتُب القيِّمة.
ثامنًا: تجاوزِ الصفحات التي لا تحتاج إلى قراءتها، ففي كتابٍ مثل: "
الرد على الزنادقة والجهميَّة"؛
لإمام أهل السُّنَّة أحمد بن حنبل - رحمه الله ورضي عنه - دراسة وتحقيق:
دغش العجمي، طبعة: دار القبس؛ فإن الكتاب لا يبدأ محققًا إلا مِن ص (169)!
أي؛ إن 168 صفحةً بعد غُلاف الكتاب هي من كلام المحقِّق لا المصنِّف! وهذه
إضافات نفيسة، لكنها قطعًا ليست المقصودة بالمطالعة!
تاسعًا: الابتداء بمطالعة المختصرات من تصانيف العلوم، ثم إذا تعوَّد عقلُك على
المطالَعة، وأصبح أثرها طيبًا في نفسك؛ أمكنك ساعتئذٍ أن تقرأ في المبسوطات
والمطوَّلات.
عاشرًا: لا بد مع القراءة منَ السماع، فالقراءةُ وحدها لن تجعلك داعيةً! فاعتنِ
بالسماع مِنَ المشايخ بالوسائل المتاحة كافة؛ مثل: الأشرطة الصوتيَّة،
والحلقات المشاهَدة عبر التلفاز واليوتيوب، وكذلك عبر مجالسة أهل العلم في
المساجد، وحضور الدورات العلميَّة، ونحو ذلك.
وكنتُ قد أجبتُ عنِ استشارةٍ
مماثلةٍ لم تُنشرْ حتى كتابة هذا الجواب، فآمل أن تتابعَ الألوكة مشكورًا
مأجورًا؛ لتستفيدَ مما قد كُتِبَ لغيرك وفيه نفعك، والله يوفِّقك، ويفتح
على قلبك.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، والحمد لله وحده