التعصب ضد الأقليات في بلاد الإسلام
موقع القرضاوي
آخر تحديث:00:02 (مكة) الأحد 30 ذو الحجة 1434هـ -2013/11/03م
الأحد, 03 نوفمبر 2013 08:02 موقع القرضاوي
لا يجوز أن تحمل تصـرفات بعض المسلمين ـ ممن ضاق أفقهم أو ساءت تربيتهم ـ على الإسلام.. فمن المقطوع به أن الإسلام حجة على المسلمين. وليس المسلمون حجة على الإسلام.. وكم ابتلي الإسلام بأناس ينسبون إليه، ولكنهم يؤذونه بسلوكهم أكثر مما يؤذيه أعداؤه...
السؤال: تصدر من بعض المسلمين تصرفات تحمل معنى التعصب تجاه المخالفين لهم في الدين.. فما رأى ديننا الحنيف في ذلك؟ جزاكم الله خيرا وبارك لكم
جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلابد من التمييز بداية بين تعاليم الإسلام، وأفعال بعض المسلمين، والذي يحاكم عليه الإسلام هو تعالميه، وليس للإسلام ذنب في أن يسيء البعض فهم أوامره، فالإسلام حدد موقفه من غير المسلمين بوضح في دستوره الخالد:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".لكن تجدر الإشارة إلى البحث عن أسباب هذا التعصب، وعن منشئه .
يقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوي :
هذه القضية - موقف الإسلام من غير المسلمين- من أهم القضايا التي يجب أن توضح فيها الحقائق، وتزال الشبهات، وتصحح الأفهام، من أهل العلم الراسخ، حتى لا ينسب إلى الإسلام ما هو براء منه، وحتى لا يقع بعض أبنائه في أخطاء أو انحرافات يرفضها الإسلام، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
وخلاصة ما يحسن قوله هنا نركزه في الحقائق التالية:
أوًلا : لا يجوز أن تحمل تصـرفات بعض المسلمين ـ ممن ضاق أفقهم أو ساءت تربيتهم ـ على الإسلام.. فمن المقطوع به: أن الإسلام حجة على المسلمين. وليس المسلمون حجة على الإسلام.. وكم ابتلي الإسلام بأناس ينسبون إليه، ويحسبون عليه، ولكنهم يؤذونه بسلوكهم أكثر مما يؤذيه أعداؤه الذين يكيدون له خفية، أو يقاتلونه جهرة. وقديمًا قالوا: عدو عاقل خير من صديق أحمق. وقال الشاعر:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
ثانيًا : إن هؤلاء الجهال والحمقى ممن يتعصبون ضد مخالفيهم في الدين، ويسيئون التعامل معهم بلا مبرر، وينتهي ببعضهم الغلو إلى استباحة أموالهم أو دمائهم، هؤلاء لم يسلم من أذاهم أيضًا إخوانهم في الدين من المسلمين، بل هم يبدأون بالتطاول عليهم، والاتهام لهم في إيمانهم وتدينهم، إلى حد قد ينتهي بتكفيرهم وإخراجهم من الملة والتقرب إلى الله باستباحة حرماتهم، وهذا ما يفعله الغلو والتنطع بأهله.
وهذا ما رأيناه في الخوارج قديمًا، ولمسناه في خلفائهم حديثًا، ومبعث ذلك هو الغرور الخفي، والعجب القاتل، الذي يجعل صاحبه ينظر إلى نفسه أنه مَلَك، وأن الآخرين كلهم شـياطين. والإعجاب بالنفس أحد المهلكات.
ثالثًا : إن هذا التعصب الذي نراه ونلمسه عند بعض المتدينين، كثيرًا ما تكون أسبابه غير دينية، وإن لبس لبوس الدين، بل قد تكون أسبابه ـ عند الدراسة والتعمق ـ أسبابًا اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، ولهذا تراه يظهر في بعض المناطق دون بعض؛ لأن الظروف الاجتماعية بملابساتها وتعقيداتها الموروثة، هي التي بذرت هذه البذرة وساعدت على نموها، فمن الظلم للحقيقة أن يتهم الدين بأنه وراء هذه السلوكيات المتطرفة.
رابعًا : إن بعض ما نراه من التعصب لدى بعض المسلمين، قد يكون رد فعل لتعصب آخر من إخوانهم ومواطنيهم من غير المسلمين، وليس من الإنصاف أن نتهم الأكثرية دائمًا بالتعصب ضد الأقلية، فكثيرًا ما تندفع الأقلية أو أفراد منها تحت تأثير مشاعر الخوف ـ وإن لم يكن له أصل ـ والشائعات والمبالغات إلى تصرفات تتسم ـ أو تفسرـ بالكيد للأغلبية، وفي هذا الجو الذي تتزلزل فيه الثقة بين عناصر الوطن الواحد، تروج الشائعات، وتصبح الحبة قبة، ولا يجرؤ أحد على مواجهة الأمر بصراحة، وعلاجه من جذوره.