الدلائل الجليّة على مشروعية العمليّات الاستشهاديّة
أحمد بن عبد الكريم نجيب
الأدلّة على مشروعيّة و فضل الاقتحام على العدو و التغرير بالنفس في ذلك من الكتاب و السنّة و نماذج من سيَر السلف الصالح في إقراره
يدلّ على ما ذهبنا إليه من مشروعيّة و فضل خوض العمليّات الاستشهاديّة ما جاء في قصّة أصحاب الأخدود التي رواهها مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه ، و فيها قَول الغلام للملك : « إِنَّكَ لَسْتَ بقاتلي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ . قال : وَمَا هُوَ قال : تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِى عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِى ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ . ثُمَّ ارْمِنِى فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِى . فَجَمَعَ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قال : بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ . ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِى صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِى صُدْغِهِ فِى مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ : النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ » .
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله [ في مجموع الفتاوى : 28 /540 ] بعد ذكر قصّّّة الغلام هذه : ( و فيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل لمصلحة ظهور الدين و لهذا أحب الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم فى صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان فى ذلك مصلحة للمسلمين ) .
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله [ في شرح رياض الصالحين : 1 / 165 ] : ( إن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامَّة للمسلمين ، فإن هذا الغلام دلَّ الملك على أمر يقتله به ويهلك به نفسه ، وهو أن يأخذ سهماً من كنانته... الخ ) .
فانظر – رحمك الله – كيف أقدَم الغلام المؤمن على ما من شأنه أن يقتله يقيناً رجاء مصلحةٍ راجحةٍ و هي إسلام قومه ، الذين دخلوا بسببه في دين الله أفواجاً ، و هذا من شرع من قَبلَنا الذي لا ناسخ و لا معارض له في نصوص الكتاب و السنّة ، و الله أعلم .
و قد حَمَل عددٌ من الصحابة الكرام فمن بَعدَهم قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [ البقرة : 207 ] على من حَمَلَ على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال عمر بن الخطاب و أبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم فيما رواه أبو داود والترمذي و ابن حبان و صححه و الحاكم ، [ انظر : تفسير القرطبي 2 / 361 ] .
و روى ابن أبي شيبة في مصنّفه و البيهقي في سننه أنّ هشام بن عامر الأنصاري رضي الله عنه حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس و قالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب و أبو هريرة رضي الله عنهما بقوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) [ البقرة : 207 ] .
و روى القرطبي [ في تفسيره : 2 / 21 ] أنّ هذه الآية نزلت فيمن يقتحم القتال ، ثم ذكر قصّة أبي أيّوب رضي الله عنه .
و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ في سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ : « مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رفيقي في الْجَنَّةِ » . فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضاً فَقَالَ : « مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رفيقي في الْجَنَّةِ » . فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ : « مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا » .
و معنى قول أنس : رَهِقوه أي غشيه المشركون و قرُبوا منه ، و قوله صلى الله عليه و سلّم : ( مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا ) أي ما أنصفت قريش الأنصار ، لكون القرشيَّيْن لم يخرجا للقتال , بل خرج الأنصار واحداً تلو الآخر , و روي : ( ما أَنَصَفَنَا ) بفتح الفاء ، و المراد على هذا : الذين فروا من القتال فإنهم لم ينصفوا لفرارهم . [ انظر شرح صحيح مسلم للنووي : 7/430 و ما بعدها ].
و في الصحيحين قصّة حملِ سلمة ابن الأكوع و الأخرم الأسدي و أبو قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن و من معه ، و ثناء الرسول صلى الله عليه و سلم عليهم بقوله : « كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ » .
قال ابن النحاس [ في مشارع الأشواق : 1 / 540 ] : و في الحديث الصحيح الثابت : أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده ، و إن غلب على ظنه أنه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل و فضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة و سلمة على فعلهما كما تقدم ، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده و لم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون .اهـ .
و روى أحمد في المسند عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بن عازب رضي الله عنه : الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَهُوَ مِمَّنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ؟ قَالَ : لاَ لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ( فَقَاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ) [ النساء : 84 ] إِنَّمَا ذَاكَ في النَّفَقَةِ .
و روى هذا الأثر ابن حزم [ في المحلى : 7/294 ] عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت رجلاً سأل البراء بن عازب : أرأيت لو أن رجلاً حمل على الكتيبة ، وهم ألف ، ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال البراء : لا ، ولكن التهلكة أن يصيب الرجل الذنب فيلقي بيده ، ويقول : لا توبة لي .
قال ابن حزم : و لم ينكر أبو أيوب الأنصاري ، و لا أبو موسى الأشعري أن يحمل الرجل وحده على العسكر الجرار ، و يثبت حتى يقتل .
و في الباب أيضاً ما رواه أبو داوود و الترمذي بإسناد صحيح عَنْ أَسْلَمَ أَبِى عِمْرَانَ التُّجِيبِىِّ قَالَ كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيماً مِنَ الرُّومِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَلَوْ أَقَمْنَا في أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا ( وَأَنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [ البقرة : 195 ] فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاَحَهَا وَتَرَكْنَا الْغَزْوَ فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصاً فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ . قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .
و في مصنف ابن أبي شيبة أنّ معاذ بن عفراء رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، مايضحك الرب من عبده ؟ قال : غمسه يده في العدو حاسراً . قال : فألقى درعاً كانت عليه ، فقاتل حتى قتل . [ و في إسناد هذا الحديث مقال رغم تصحيح ابن حزم له في المحلى : 7/294 ، و روي بأسانيد أُخر في تاريخ الطبري : 2/33 ، و سيرة ابن هشام : 3/175 ] .
و في سير السلف الصالح من لدُن الصحابة الكرام فمن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين صورٌ رائعة ، و نماذج فريدة ، و أدلةٌ ساطعة على العمل الاستشهاديّ و مشروعيّته ، و من ذلك :
ما جاء في قصّة تحصن بني حنيفة يوم اليمامة في بستان لمسيلمة كان يُعرف بحديقة الموت , فلمّا استعصى على المسلمين فتحه ، قال البراء بن مالك رضي الله عنه ( و هو ممّن إذا أقسم على الله أبَرّه ، كما في سنن الترمذي بإسناد صحيح ) لأصحابه : ضعوني في الجَحَفَة – أو قال : في ترسٍ ، و هما بمعنىً - و ألقوني إليهم فألقوه عليهم فقاتلهم حتى فتح الباب للمسلمين [رواه البيهقي في سننه الكبرى: 9/44 ، و القرطبي في تفسيره : 2 / 364 ، و انظره في أسد الغابة و تاريخ الطبري مفصّلاً ].
و روى الطبري [ في تفسيره : 2/363 ] أنّ خيل المسلمين نفرت من فيلة الفرس لما لقيهم المسلمون في وقعة الجسر , فعمد رجل من المسلمين فصنع فيلا من طين و آنس به فرسه حتى ألفه , فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل , فحمل على الفيل الذي كان يقدم فيلة العدو فقيل له : إنه قاتلك . فقال : لا ضير أن أُقتل ويفتح للمسلمين .
و هذا الفعل ليس له في لغة الإعلام المعاصر تسمية يعرف بها إلا أن يكون عمليّة استشهادية يسميها العلمانيون فدائيّة أو انتحاريّة .
قلتُ : وجهُ الاستدلال بما رُوي و الاستئناس بما قيل في مسألة حمل المجاهد المقتحم على العدو العظيم لوحده أو الانغماس في الصف و تغرير النفس و تعريضها للهلاك بغلبة الظن أو التيقّن عدم الفارق بينها و بين العمليّات الاستشهاديّة في العصر المحاضر ، حيث ينغمس المجاهد بين الكفار ، أو يقبل عليهم مقتحماً مغرراً بنفسه لينكي بهم و يوقع فيهم القتل والإصابة و يشرّد بهم من خلفهم .
و لا أزعم في هذه العجالة إجماعاً على مشروعية الاقتحام و التغرير بالنفس للإنكاء بالعدو و ما يقاس عليها من عمليات الاستشهاديين ، بل المسألة خلافيّة ، و سيأتي عرض الإمام القرطبي لقول المخالف فيها ، و ذهابه مذهب الجمهور في القول بمشروعيتها و جواز الإقدام عليها ، إن شاء الله .
في ذكر طائفة من أقوال السلف و الأئمة المتقدمين في هذا الباب
لم يَرَ جمهور أهل العلم المتقدمين بأساً في جواز الاقتحام و لو أدى إلى مهلكة ، بل حكي استحباب ذلك عن أئمة المذاهب الأربعة ، كما في كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة المتقدّم عند ذكر قصّة الغلام .
و لبيان ذلك أقتطف ما تيسّر من كتب المذاهب المعتمدة فأقول :
جاء في كتاب المبسوط للإمام السرخسي ( و هو من الحنفية ) : ( لو حمل الواحد على جمع عظيم من المشركين فإن كان يعلم أنه يصيب بعضهم أو يُنكي فيهم نكاية فلا بأس بذلك ، و إن كان يعلم أنه لا ينكى فيهم فلا ينبغي له أن يفعل ذلك ) . [ المبسوط ، للسرخسي : 10/76 ] .
و ذَكَر الجصّاص في تفسيره ن محمد بن الحسن الشيباني صاحبَ أبي حنيفة ذكر في السير الكبير أن رجلا لو حمل على ألف رجل و هو وحده ، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية فإني أكره له ذلك ، لأنه عرض نفسه للتلف بلا منفعة للمسلمين ، و إنما ينبغي للرجل أن يفعل هذا إذا كان يطمع في نجاة أو منفعة للمسلمين ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه يجرِّيء المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل ، فيقتلون و ينكون في العدو فلا بأس بذلك إن شاء الله ، لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو و لا يطمع في النجاة لم أر بأسا أن يحمل عليهم ، فكذلك إذا طمع أن يُُُنْكِِِِيَ غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك ، و أرجو أن يكون فيه مأجورا ، و إنما يكره له ذلك إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه ، و إن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه مما يرهب العدو فلا بأس بذلك لأن هذا أفضل النكاية و فيه منفعة للمسلمين [ أحكام القرآن للجصاص : 1 / 327 ].
و وافقه الجصاص فقال [ في أحكام القرآن ، له : 1 / 328 و ما بعدها ]:
والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح لا يجوز غيره ، و على هذه المعاني يحمل تأويل من تأوّل في حديث أبي أيوب أنه ألقى بيده إلى التهلكة ، بحمله على العدو إذ لم يكن عندهم في ذلك منفعة ، و إذا كان كذلك فلا ينبغي أن يتلف نفسه ، بدون منفعة عائدة على الدين و لا على المسلمين ، فأما إذا كان في تلف نفسه منفعة عائدة على الدين فهذا مقام شريف مدح الله به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إنَّ اللَّهِ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [ التوبة : 111 ] ، و قال : (و لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [ آل عمران : 169 ] ، و قال : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) [ البقرة : 207 ] ، في نظائر ذلك من الآي التي مدح الله فيها من بذل نفسه لله .اهـ.
و ممّن انتصر لذلك الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال [ في كتاب الأم : 4/169 ] : ( لا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً ، أو يبادر الرجل و إن كان الأغلب أنه مقتول , لأنه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و حَمَل رجل من الأنصار حاسراً على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقُتِل ) .
و في كلام الشافعي إشارة إلى ما رواه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتقدّم .
و قال الإمام النووي رحمه الله [ في باب ثبوت الجنة للشهيد من شرح مسلم : 13 / 46 ] بعد ذِكر قصّة صاحب التَمرات : فيه جواز الانغماس في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء . اهـ .
و في كتاب الفروع لابن مفلح الحنبلي [ 6 / 189 ] : ( قال و لو حمل على العدو و هو يعلم أنه لا ينجو لم يُعِن على قتل نفسه و قيل : له – أي للإمام أحمد - يحمل الرجل على مائة ؟ قال : إذا كان مع فرسان ، و ذكر شيخنا أنّه يستحب انغماسه لمنفعة للمسلمين و إلا نهى عنه و هو من التهلكة ) .
قال أبو عبداللّه القرطبي [ في تفسيره : 2 / 363 و ما بعدها ] : اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده ، فقال القاسم بن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبد الملك من علمائنا : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم ، إذا كان فيه قوة ، وكان للّه بنيّة خالصة ، فإن لم تكن له قوة فذلك من التهلكة ، و قيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل ؛ لأن مقصوده واحد منهم . اهـ .
ثمّ نقل [ في تفسيره أيضاً : 2 / 364 ] قول بعض المالكيّة : إن حمل على المائة أو جملة العسكر و نحوه و علم أو غلب على ظنه أنه يقتل ، و لكن سينكي نكاية أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز ، و نقل أيضا عن محمد بن الحسن الشيباني قوله : لو حمل رجل واحد على الألف من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ؛ لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين ، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه ؛ لأن فيه نفعاً للمسلمين على بعض الوجوه ، فإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم العدو صلابة المسلمين في الدين ، فلا يبعد جوازه إذا كان فيه نفع للمسلمين ، فَتَلَفُ النفس لإعزاز دين اللّه وتوهين الكفر ؛ هو المقام الشريف الذي مدح اللّه به المؤمنين في قوله : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ) [ المائدة : 111 ] ، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح اللّه بها من بذل نفسه ، وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
إلى أن قال [ في تفسيره : 2/364 ] : ( و الصحيح عندي جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم , لأنّ فيه أربعة وجوه :
الأول: طلب الشهادة .
الثاني: وجود النكاية .
الثالث : تجرئة المسلمين عليهم .
الرابع : ضعف نفوسهم ليروا أنّ هذا صنع واحد فما ظنك بالجمع ) .
و ذكر هذه الوجوه الأربعة أيضاً ابن العربي [ 1/166 ] .
و أختم بقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ( و أما قوله : أريد أن أقتل نفسي في الله فهذا كلام مجمل ؛ فإنه إذا فعل ما أمره الله به فأفضي ذلك إلى قتل نفسه فهذا محسن في ذلك ، مثل من يحمل على الصف وحده حملاً فيه منفعة للمسلمين و قد اعتقد أنه يقتل فهذا حسن ... ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي صلى الله عليه و سلّم ، و قد روى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أن رجلاً حمل على العدو وحده فقال الناس : ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر لا و لكنه ممن قال الله فيه : ( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [ البقرة : 207 ] ) [ مجموع الفتاوى 25 / 279 ] .
وهذه فتوى حبيبنا العلامه ابن عثيمين رحمه الله في جواز العمليات الإستشهاديه :
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في شرحه لـ " رياض الصالحين " (1/165 - 166) في شرحه لحديث الغلام والساحر :
رابعا : أن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامَّة للمسلمين فإن هذا الغلام دلَّ الملك على أمر يقتله به ويهلك به نفسه وهو أن يأخذ سهما من كنانته ... إلخ .
قال شيخ الإسلام : " لأن هذا جهاد في سبيل الله ، آمنت أمة وهو لم يفتقد شيئا لأنه مات وسيموت آجلا أو عاجلا " .
فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم ، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله .
ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام .
لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين ، لم ينتفع الإسلام بذلك فلم يُسلم الناس ، بخلاف قصة الغلام . وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويُوغر صدره هذا العمل حتى يفتِكَ بالمسلمين أشد فتك .
تعليق : الذي باللون الاحمر يدل على انه لو كان في مصلحة الإسلام لجاز الفعل ..
نكمل فتوى الشيخ :
كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفرا أو أكثر فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ولا انتفاع للذين فُجرت المتفجرات في صفوفهم .
تعليق : الذي باللونا لأحمر يؤكد كلامنا على انه اذا كان هناك انتفاع للمسلمين من العمليات الإستشهاديه ففي هذه الحاله يجوز فعلها ..
نكمل الفتوى :
ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله وأن صاحبه ليس بشهيد . لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولا ظانا أنه جائز فإننا نرجو أن يسلم من الإثم ، وأما أن تكتب له الشهادة فلا . لأنه لم يسلك طريق الشهادة . ومن اجتهد وأخطأ فله أجر .ا.هـ.
وهذه فتوى أخرى لعلها أصرح من الفتوى الماضيه ..
وسئل الشيخ أيضا في اللقاء الشهري (20/73 - 76) سؤالا :
يقول فضيلة الشيخ علمتَ ما حصل في يوم الأربعاء من حادثٍ قُتل فيه أكثر من عشرين يهوديا على يد أحد المجاهدين وجرح فيه نحو من خمسين وقد قام هذا المجاهد فلفَّ على نفسه المتفجرات ، ودخل في إحد حافلاتهم ففجرها ، وهو إنما فعل ذلك أولا لأنه يعلم أنه إن لم يقتل اليوم قتل غدا لأن اليهود يقتلون الشباب المسلم هناك بصورة منتظمة .
ثانيا : إن هؤلاء المجاهدين يفعلون ذلك انتقاما من اليهود الذين قتلوا المصلين في المسجد الإبراهيمي .
ثالثا : إنهم يعلمون أن اليهود يخططون هم والنصارى للقضاء على روح الجهاد الموجودة في فلسطين ، والسؤال هو : هل هذا الفعل منه يعتبر إنتحارا أو يعتبر جهادا ؟
وما نصيحتك في مثل هذه الحال ، لأننا إذا علمنا أن هذا أمر محرم لعلنا نبلغه إلى إخواننا هناك وفقك الله ؟
الجواب : هذا الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل أول من يقتل نفسه فلا شك أنه هو الذي تسبب في قتل نفسه ، ولا يجوز مثل هذه الحالة إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة للإسلام ، فلو كانت هناك مصلحة كبيرة ونفع عظيم للإسلام كان ذلك جائزا .
تعليق : وليس يصح في الأذهان شيء .. اذا احتاج النهار الى دليل
لنكمل الفتوى :
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ذلك ، وضرب لهذا مثلا بقصة الغلام ....
يقول شيخ الإسلام : هذا حصل فيه نفع كبير للإسلام .
وإن من المعلوم أن الذي تسبب في قتل نفسه هو هذا الغلام لا شك ، لكنه حصل بهلاك نفسه نفع كبير آمنت أمة كاملة ، فإذا حصل مثل هذا النفع فللإنسان أن يفدي دينه بنفسه ، أما مجرد قتل عشرة أو عشرين دون فائدة ، ودون أن يتغير شيء ففيه نظر بل هو حرام ، فربما أخذ اليهود بثأر هؤلاء فقتلوا المئات والحاصل أن مثل هذه الأمور تحتاج إلى فقه وتدبر ونظر في العواقب وترجيح أعلى المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين ، ثم بعد ذلك يقدر كل حالة بقدرها .ا.هـ.
فهم أجازوا إذا كان فيه نفع كبير للإسلام كما في قصة الغلام
والسؤال : أليس في العمليات الإستشهادية نفع كبير للإسلام أم لا ....؟
الجواب : نعم وبكل تأكيد فكما ذكر قادة الجهاد أنها كبدت العدوا خسائر ضخمة جداً تقدر بالملايين
( ومن يتابع أخبار المجاهدين يعلم هذا جيداً )
وهنا نقطة مهمه :
الشيخ رحمه الله قال ..أن منفذ العملية الإستشهادية حتى إذا قتل 10أو20 من العدو فهذا لم يجلب النصر لأمة الإسلام والمسلمين!
أقول هذه المقاييس يقدرها رجال الحرب والعسكريين الكل يعلم أنه إذا وقعت مثل هذه الخسارة في الأعداء فإنها خسارة كبيرة وفادحة....
وكفى بهذه العمليات أن أمريكا إعترفت بهزيمتها في أفغانستان والعراق بسببها بعد الله جل جلاله
أليس هذا نفع كبير للإسلام ....!!!!!!
ثم من قال أن الصحابة عندما كانو ينغمسون في الأعداء كانو يجلبوا النصرة للمسلمين في كل حرب...بل كان ينغمس ليحقق خسارة في الأعداء وليس شرط أن يحقق النصرة الكاملة والتامة للمسلمين...
الأمر الآخر
العمليات الإستشهادية هي التي تقلق كيان العدو الأمريكي على الإطلاق وحتى الكيان الإسرائيلي وتزلزله كفى أنهم لا يعيشوا في امان وكفى توقف هجرة اليهود إليهم من كل مكان
مثل هذه العمليات لها مصلحة كبيرة للمسلمين...ورجال الحرب يعلمون ذلك جيداً....
مجلة الوعي
العمليات الاستشهادية
أكد رئيس لجنة استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية في الكويت الدكتور خالد المذكور، أن الفلسطيني الذي يستشهد دفاعاً عن عرضه وماله ووطنه وكرامته ليس إرهابياً، وإنما شهيداً، كما يسميه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى العالم أن يكون منصفاً وعادلاً·
وطالب المذكور في تصريح له على هامش مشاركته في الوفد الكويتي المشارك في مؤتمر <هذا هو الإسلام>الذي عقد بالقاهرة أخيراً العالم بالموازنة بين العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الفلسطينيون دفاعاً عن كرامتهم ودينهم وعرضهم وممتلكاتهم، وبين ما ترتكبه إسرائيل من هدم للبيوت وإعدامات بالجملة والجثث الملقاة في الشوارع وجرحى ينزفون حتى الموت·
http://alwaei.com/topics/current/art...ue=521&sdd=225الشيخ محمد عيد العباسي يقول:
إن هذه العمليات الاستشهادية لا علاقة لها بالانتحار، وذلك لأن الانتحار هو قتل النفس بغية التخلص من الدنيا وما فيها من مصائب ونكبات وهموم وغموم، بخلاف هذه العمليات فإنه بقصد بها إعلاء كلمة الله جل وعلا، فهي نوع من الجهاد في سبيل الله، ولا شك أن كل عاقل يفرق بين الانتحار وبين العمليات الاستشهادية.
ويضيف الشيخ العباسي: إن هذه العمليات وإن كانت غير موجودة في السابق، إلا أن أصول الشريعة الإسلامية تؤيدها، ومما يدل عليها ما ثبت في قصة أصحاب الأخدود وذلك أن الملك لما عجز عن قتل الغلام دله على طريقة قتله فقتله بها فمات. ولكن اعتبر هذا الفعل منه شهادة لما فيه من المصلحة، إذ أنه بهذا الفعل آمن به قومه وبين للناس حقيقة باطل الملك ومن معه.
ومثل ذلك ما حدث من البراء بن معرور عندما طلب من أصحابه أن يحملوه ويقذفوا به في حديقة مسيلمة التي كان يتحصن بها هو ومن معه من المرتدين، علما بأنه يعلم أنه سيقاتل وحده عشرات الآلاف من الأعداء ولم يعد ذلك انتحارا، ومن قرأ السيرة سيجد من الوقائع الكثيرة المشابهة التي لم يحكم فيها الصحابة ولا السلف الصالح بأنها انتحار.
ومع أن الشيخ العباسي يرى جواز مثل هذه العمليات إلا أنه يبين أنه لا بد من توافر عدة شروط حتى تنطبق عليها أحكام الشهادة في سبيل الله وهي:
أولا: النية وهي أن يكون قصده بذلك وجه الله، وإعلاء كلمته وقتال أعدائه، وليس حب الظهور أو الشهرة أو السمعة.
والشرط الثاني: أن لا يكون هذا العمل فردياً وإنما يكون جماعياًُ بتنظيم وقيادة وفيهم مجموعة من أهل العلم الذين يدرسون القضية قبل الحكم عليها، وذلك لأن الأعمال الفردية تكون في الغالب ذات أضرار وسلبيات، بخلاف العمل المنظم الذي يشرف عليه العلماء والمفتون.
الشرط الثالث: أن تكون ذا تأثير بالغ في العدو، بأن تلقي فيه الرعب أوتحدث فيه من الإصابات ما يفت في عضده ونحو ذلك.
الدكتور خالد القريشي (الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)
أن العمليات التي تعرف الآن بالعمليات الاستشهادية في فلسطين من الأمور المستجدة التي اختلف فيها العلماء ما بين مبيح لها ومحرم، وذلك بحسب اختلاف وجهة نظرهم للأدلة، والذي يظهر لي والله أعلم أنه إذا تمت هذه العمليات من قبل رجل مسلم محافظ على دينه مقيم لحدوده وشرائعه، وبالرجوع إلى أهل الحل والعقد عندهم ممن يرون لها أثرا بالغا على العدو، فإنه إن شاء الله يؤجر عليها، وبإذن الله يكون في عداد الشهداء إذا أخلص النية لله وكان هدفه الإسلام وليس الوطنية ونحوها.
أما أن يفعلها المسلم وهو مقصر في دينه غير مبال بفرائضه وأحكامه، أو كان فعله هذا عشوائيا بعيدا عن الرجوع إلى أهل الحل والعقد وبدون تنظيم وترتيب، فهذا على خطر عظيم وينبغي عليه عدم الإقدام على هذا العمل.
د. عجيل جاسم النشمي – الكويت- :
"المنتحر من قصد قتل نفسه فقط."
- الفقهاء نصوا على جواز تعريض النفس للتلف إذا كان فيه نكاية في العدو.
- أقدم على خير العمل..وهو شهيد عند الله.
- من حاصره الأعداء وخشي من افشاء أسرار المسلمين إذا وقع في الأسر، جاز له أن يقتل نفسه.
أكد الدكتور عجيل جاسم النشمي، عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت، أن من فجر نفسه بحزام ناسف ونحوه وسط العدو لا يعتبر منتحرا بل هو عند الله شهيد، وقد أقدم بهذا الفعل على خير العمل. وقال: إن الفقهاء نصوا على جواز تعريض النفس للتلف إذا كان فيه نكاية في العدو، وأنه يجوز للشخص الواحد الهجوم على الجيش العظيم.
وأوضح أنه يجوز لمن حاصره الأعداء وخشي من افشاء أسرار المسلمين وخططهم تحت التعذيب إذا وقع في الأسر أن يقتل نفسه، ولا يعتبر بهذا العمل منتحرا، مضيفا أن من تعين موته بسببين واستويا في السوء، فله أن يتخير بينهما.
جاء ذلك في إجابة ودراسة موسعة للدكتور عجيل النشمي على سؤال وجه إليه حول العمليات البطولية التي يقوم بها الشباب المسلم ضد العدو الصهيوني.
وكان نص السؤال كالتالي:
هل يجوز للمسلم إذا كانت أرضه محتلة ولا يستطيع أن يقاتل العدو إلا بقتل نفسه، كأن يضع في وسطه حزاما ناسفا، فيفجر نفسه فيقتل من العدو العدد الكثير، أو يفجر نفسه بسيارة وما إلى ذلك؟ هل يعتبر منتحرا أو يعتبر شهيدا؟ وهل يعتبر هذا الشاب قد ألقى بنفسه في التهلكة والله –عز وجل- يقول: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"؟
وهذه إجابة فضيلة الشيخ عجيل:
الإنتحار هو أن يقتل الإنسان نفسه بنفسه، كأن يطعن نفسه بسكينة أو يطلق على نفسه رصاص بندقية أو يأكل سما، أو يلقي بنفسه من شاهق، أو يمتنع عن الأكل والشرب، أو يترك جرحه ينزف وهو قادر على وقفه.
والإنتحار يحتاج إلى القصد، فإن انتفى القصد فلا يعد الفعل انتحارا.
روى أبو داود عن رجل من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم، فضربه فأخطأه، فأصاب نفسه بالسيف. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: أخوكم يا معشر المسلمين، فابتدره الناس، فوجدوه قد مات. فلفه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بثيابه ودمائه، وصلى عليه. فقالوا: يا رسول الله: أشهيد هو؟ قال: نعم، وأنا له شهيد."
وقال محمد بن الحسن الشيباني: "ذكر مكحول أن رجلا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تناول رجلا من العدو ليضربه، فأخطأ، فأصاب رجله فنزف حتى مات، فصلى عليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم، فقال أصحابه –رضي الله عنهم: أشهيد هو؟ قال: نعم، وأنا له شهيد."
قال السرخسي، شارحا: "تأويل الحديث أنه شهيد فيما تناوله من الثواب في الآخر..هذا صار مقتولا بفعل نفسه ولكنه معذور في ذلك، لأنه قصد العدو لا نفسه، فيكون شهيدا في حكم الآخرة، ويصنع به ما يصنع بالميت في الدنيا، ومثله ما روي عن سلمة بن الأكوع –رضي الله عنه- قال: "قلت يا رسول الله، زعم أسد بن حضير أن عامر بن سنان بن الأكوع حبط عمله، وكان ضرب يهوديا فقطع رجله ورجع السيف على عامر فعقره فمات منها، فقال: كذب من قال ذلك، إن له لأجرين: إنه جاهد مجاهد، وإنه ليعوم في الجنة عوم الدعموس." والدعموس –دويبة سوداء- (السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني وشرحه للسرخسي 1/102).
وقال ابن قدامة: "فإن كان الشهيد عاد عليه سلاحه فقتله، فهو كالمقتول بأيدي العدو (المغني 2/397). وقد اتفق الفقهاء على أن قاصد قتل نفسه عمدا مرتكب لكبيرة أكبر من قتل نفس الغير لقوله –صلى الله عليه وسلم: "من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا." (البخاري 10/247 ومسلم 1/103).
وقد حرم الله قتل النفس، فقال: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" (الأنعام:151). قال –عز وجل: "ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيما." (النساء:29). والآية صريحة في أن الإنسان لا يملك نفسه حتى يتصرف فيها كما يشاء، فالمالك الحقيقي هو الله –عز وجل، فمن قتل نفسه فقد تعدى على ملك الله –عز وجل- واستحق العقوبة.
شهادة
والشاب الذي يقتل نفسه بحزام ناسف أو سيارة أو أية وسيلة لا يعتبر منتحرا، إلا إذا قصد أن يقتل نفسه دون غاية من وراء ذلك، فإن كان قصده من التسبب بقتل نفسه بهذه الوسائل إحداث القتل والنكاية بالعدو، وإعلاء كلمة الله، فلا يعد منتحرا بل يعد شهيدا إن شاء الله، ولا شك أن التسبب بقتل النفس بفعل مباشر من الشخص أشد على النفس من قتل الغير له، فهذه شهادة مع عزيمة، وهذا الحكم ليس مطلقا وإنما هو مقيد بقيود إن توافرت كان شهادة إن شاء الله.
أولها: ما ذكرناه من أن يكون قصد الفاعل إعلاء كلمة الله والموت في سبيله وإعزاز الدين، والعدو إذا احتل أرضا مسلمة أو جزءا منها وجب قتاله، وقتاله جهاد. إلا إذا صالحوه، ولا يجوز صلحه صلحا دائما على أن يأخذ جزءا من أرض المسلمين، وليس هنا محل التفصيل.
ثانيها: أن يكون قتل النفس الطريق الوحيد لإحداث القتل في العدو أو الطريقة الأكثر تأثيرا بالعدو، فإذا غلب على الظن أن هذا الأسلوب في القتل لن يؤثر في العدو، ولن يحقق قتل أحد منهم، أو كانت هناك وسائل أنجح في تحقيق الغاية، فلا يقدم على هذا العمل.
ثالثها: أن يكون تقدير أثر قتل النفس بتلك الوسائل إلى جماعة لا إلى فرد، بحيث تقدر الجماعة المفاسد والمصالح، فقد يحدث هذا الفعل النكاية في العدو، ويحدث القتل فيه وبأعداد كبيرة، لكنه سيعود على غيره من أهل أو عشيرة أو جماعة بالأذى الأشد وسيقتل العدو منهم أضعاف ما قتل منه. أو قد يعرض مزيدا من الأعراض والدماء والأراضي للأذى والسلب، فذلك كله موكول إلى تقدير الجماعة لمن كانت له جماعة، ولا يجوز الإقدام عليه فرديا أو دون دراسة متأنية ترجح فيها المصالح على المفاسد، فإن غلبت وتوافرت تلك الشروط، كان الإقدام على العمل جائزا إن لم يكن واجبا، ويقدم المسلم على قتل نفسه بتفجيرها، أو الهجوم وحده على العدو، مع يقينه بأنه سيقتل.
آراء الفقهاء
وقد نص الفقهاء على جواز هذا الفعل اهتداء وفهما لنصوص الآيات والأحاديث والآثار التي سترد في كلام الفقهاء.
فقد نص الحنفية على جواز ذلك وقال الجصاص: "قال محمد بن الحسن الشيباني: لو أن رجلا حمل على ألف رجل وهو وحده، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية. فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية، فإني أكره له ذلك لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين. وإنما ينبغي للرجل أن يفعل هذا إذا كان يطمع في نجاة أو منفعة للمسلمين، فإن كان لا يطمع في نجاة أونكاية ولكنه يجريء المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل، فيقتلون وينكون في العدو فلا بأس وأرجو أن يكون فيه مأجورا." (أحكام القرآن للجصاص، 1/309).
وقال القرطبي في تفسير قوله –تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" عن بعض علماء المالكية: "لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة، وكان لله بنية خالصة، لأن مقصوده واحد منهم، وذلك بين في قوله –تعالى: "ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات الله" (البقرة:207) وعلى ذلك فالشاب الذي يقتل نفسه بهذا الأسلوب مخلصا نيته لله، مبتغيا إعلاء كلمة الله، ورجحت جماعته إعزاز الدين وإعلاء كلمة الله بفعله هذا، وتحقيق الأهداف المرتجية وغلبة المصالح على المفاسد، فإنه أقدم على خير العمل، وشرى نفسه ابتغاء مرضات الله وهو معني بقوله –تعالى: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد." (البقرة:207).
وقد ورد من أسباب نزول هذا الآية أنها فيمن يقتحم القتال، كما حمل هشام بن عامر –رضي الله عنه- على الصف في القسطنطينية فقاتل حتى قتل، فقرأ أبو هريرة –رضي الله عنه: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله" وروى مثله عن أبي أيوب (القرطبي، 3/21).
تصرف فردي
وإذا قلنا أن إقدام المسلم على مثل هذا العمل طريقة فرار جماعته أو أميره، أو قائد جيشه ومن في حكمهم حذار نم أن يكون إقدامه على هذا العمل لا يحقق غايته، ويعود على عموم المسلمين بأشد من نكايته في العدو، فإن الحكم يختلف لو كان الهجوم عليه من العدو واحدا أو أكثر، فيبادرهم حينئذ بكل ما يستطيع ولو بتفجير نفسه على ظن أنهم قاتلوه لا محالة ويقتل منهم أكبر عدد يستطيع، ولا يتقيد تصرفه حينئذ بما ذكرنا من رأي جماعته، ومراعاة المصالح، فحاله حينئذ حال من صال عليه العدو، فيجب عليه –على رأي جمهور الفقهاء- أن يقتل من هجم عليه وصال، لقوله –تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" (البقرة:195) إذا اسلم أمره لهم ليقتلوه، أو يستدلوا به على غيره، فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة، وربما تسبب في هلكة غيره، فإن قتل فهو شهيد، لقوله –صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون دمه فهو شهيد." (الترمذي 4/30 وقال: حديث حسن صحيح).
اختيار أهونهما
بل لو لم يستطع أن يرد من يعزم الجهاد عليه، أو حوصر موقعه، وليس لديه ما يدفع به عن نفسه، وعنده من الأسرار التي لو أجبر على إظهارها عند الأسر يعرض غيره للهلاك ويتسبب في إفشال خطط المسلمين، يكشف عورتهم، جاز أن يقتل نفسه أو يستسلم لهم، ويرجع تقدير ذلك له، فإن علم من نفسه صلابة لا تلين تحت التعذيب فلا يفشي سرا، استسلم وسلم نفسه، وإن غلب على ظنه أو تيقن أنه لا يتحمل ذلك، قتل نفسه ولا أرى قواعد الشرع تأبى عليه ذلك.
وقد نص الفقهاء على أن من تعين موته بسببين واستويا في السوء، فله أن يتخير بينهما، كمن احترقت سفينته ولا يحسن السباحة أو كانت الأسماء المفترسة تحته، فلو اختار موته غرقا أو احتراقا جاز، وإن غلب على ظنه أن أحد السببين أهون من الآخر، فيتبع الأهون وبه قال جمهور الفقهاء. قال ابن السبكي: "لو وقع في نار محرقة ولم يخلص إلا بماء يغرقه، ورآه أهون عليه من الصبر على لفحات النار، فله الانتقال إليه في الأصح."
أما الجزء الأخير من السؤال وهو احتمال شمول قوله –تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، لهذا الشاب فيقع تحت نهي الله –عز وجل. فإن هذا بعيد عن مفهوم الآية، خاصة إذا راعينا القيود التي ذكرناها لجواز تفجير المسلم نفسه. وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن معنى الآية ما رواه الترمذي عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: "كنا بمدينة الروم القسطنطينية، فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم وأكثر، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس، وقالوا: سبحان الله، يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس، انكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه. قال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله –صلى الله عليه وسلم: أن أموالنا قد ضاعت وأن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه –صلى الله عليه وسلم- يرد علينا ما قلنا: "وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة،" فكانت التهلكة الإقامة على الأموال واصلاحها وتركنا الغزو