العنوسة أسبابها وسبل الحدَّ منها
الحمد لله أحاط بكل شيء علماً، وجعل لكل شيء قدراً، خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، أحمده سبحانه وأشكره. كرمه يتوالى، ونعمه علينا تترى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اصطفاه الله واجتباه، فكان أشرف البرية وأعلاهم ذكرا صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعـد:
أيها الناس: إن ثمة ظاهرة منتشرة، ظاهرة للعيان، يعش آلامها وغصصها كثير من الفيتات والفتيان، بل لقد حطمت آمال وتطلعات كثير الشباب والشابات، وسببت كثير من المفاسد والأخطار المدلهمات؛ إنها ظاهرة العنوسة.
نعم إنها ظاهرة تأخر الزواج للفتيان والفتيات؛ ظاهرة لها أسباب كثيرة عامة وخاصة، وعواقب وخيمة، ومظاهر جلية، وهذا ما سنتحدث عنه في هذه اللحظات- إن شاء الله-.
أيها الناس: إن وراء تفشي ظاهرة العنوسة أسباباً كثيرة من أهمها:
أولاً: العادات والتقاليد: إن لكل مجتمع عادات وتقاليد وأعراف سائدة منها الصالح النافع، ومنها الطالح الضار. فهناك عادات خاطئة ساهمت في ازدياد العنوسة في المجتمعات الإسلامية؛ منها:
1. غلاء المهور: وهذه مشكلة عويصة ذات أبعاد اجتماعية وعرفية، وهي من أعظم العوائق التي تحول دون زواج الكثير من الفتيان، يقول أحد الشباب: مشلكتي كمشكلة غيري من الشباب هي الزواج وغلاء المهور، فأنا موظف منذ ثماني سنوات أجمع مهر الزواج وعندما أطلب الزواج من إحدى بنات قبيلتي يطلب والدها مهراً له ومهراً لأمها ومهراً لها وكلها تذهب لحساب الأب، وهي باهظة الثمن ديتها أربعة أضعاف، وهذا المهر يكون سراً وبكفالة كفيل غارم يكون معروفاً، ولا أستطيع الحصول على زوجتي إلا بعد دفع هذا المبلغ، إما المهر المتفق عليه أمام المأذون فهو أربعون ألف ريال والباقي يظل سراً، ولو امتنع الشباب عن الدفع منعت منه الزوجة. علماً أن شيوخ القبيلة يكون لبعض نصيب من هذا المهر لأجل تغطية الوضع إذا انكشف أمام حاكم عادل1.
2. اشتراط القبيلة: يشترط بعض الناس أن يكون الزوج من قبيلة خاصة، والتدقيق الشديد في هذا الجانب دون النظر إلى تقوى الخاطب وورعه، مما أدى إلا ما تحمد عقباه من تراكم الفتيات بعضهم على بعض في كثير من الأسر التي تسلك هذا المنهج ، فوقعوا بذلك فيما حذرهم منه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)2.
3. التزام الترتيب بين الفتيات في الزواج: كذلكم -يا عباد الله- من العادات التي تساهم في تفشي العنوسة التزام بعض الأسر الترتيب في تزويج بناتهم فلا يزوجون الصغرى قبل الكبرى وقد لا يتقدم أحد للبنت الكبرى فتكبر الأخريات ويبقين معلقات حتى تتزوج الكبرى، وقد يفوتهن جميعاً قطار الزواج.
ثانياً: ومن أسباب تفشي ظاهرة العنوسة عموماً الرجل سواءا كان أباً أم زوجاً، ويتجلى ذلك في الآتي:
1. جشع وطمع بعض الآباء: فمن الآباء من يصد الخطاب عن بنته لأنها موظفة وتدر علي دخلاً شهرياً، ومن الآباء من يشترط على الخاطب أن يكون راتب الفتاة أو بعضه لوالدها، وبعض منهم إذا كانت ابنته على جانب من الجمال المثير والأدب الجم، دفع عنها الخطاب على أمل أن يتقدم لها صحاب جاه أو ثروة فيساومه علياه، وهذا الصنف وإن كان قليلا ً في المجتمع إلا أنه موجود ولا سعنا إغفاله عن الحديث عن الأسباب التي تساهل في عنوسة الفتيات وقد نشرت جريدة المدينة الرسالة التالية: أنا فتاة في الخامسة والثلاثين من عمري، ولي أربع شقيقات ولم تتزوج منا واحده حتى الآن بسبب أن أبي سامحه الله يرفض كل من يتقدم لنا من أجل الاستحواذ على مرتباتنا، وقبل فترة وجيزة توفيت إحدى شقيقاتي، وفي أثناء خروج الروح نظرت إلى أبي نظرة ما زالت مسجلة في ذاكرتي حتى الآن حيث قالت له: قل: آمين يا أبي، فقال لها: آمين، فقالت له: حرمك الله من رائحة الجنة كما حرمتني من الزواج، وأنا الآن حائرة بسبب ذهول أبي واضطرابه وندمه الشديد بعد وفاة شقيقتي حيث أنه بدأ يفكر جدياً في أمر زواجنا، وأنا بودي أن أسأل عن نوع الكفارة التي يلتزم بها أبي حيال الذنب الذي عمله في حق شقيقتي ونحن كذلك حيث أن أبي أصبح لا ينام الليل والنهار سبب حزنه مما جعلني أخاف على صحته التي لم تعد تحتمل كل ذلك الألم. أنقذونا ماذا نفعل؟ وماذا يفعل أبي لإنقاذ نفسه من غضب الله؟3.
2. إحجام القادرين عند التعدد: رغب الإسلام في الزواج فحث عليه وجعله من الأعمال التي يؤجر عليها صاحبها إذا قصد بفعله العفة والإحصان، وغض البصر له ولزوجه؛ قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} سورة النساء(3). وقال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الولود الودود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)4. ففي الآية إباحة التعدد، وفي الحديث الحث على النكاح مطلقاً، فما بال القادرين من الرجال لا يعددون؟ وما سبب إحجامهم عن ذلك؟ إن إحجامهم هذا يزيد في انتشار ظاهرة العنوسة.
ثالثاً: المرأة: إن المرأة أيضاً سببت في ظاهرة العنوسة وتفشيها، ولا يمكن لإنسان منصف أن يعفيها من دورها في انتشار هذه الظاهرة، ويتمثل دورها في تفشي ظاهرة العنوسة في الأمور التالية:
1. رفض الخاطب، إذا كانت متزوجاً: كثير من الأسر -إلا من رحم الله- يرفضون من يتقدم لخطبة إحدى بناتهم متى علموا أنه متزوج، وسأروي قصة بلسان امرأة دخلت عالم العنوسة من هذا الباب، فقد كتبت إحداهن تقول: "قد تندهشون أن تكتب واحدة من النساء هذا الكلام لكنها الحقيقة التي عشت مأساتها حقيقة جعلت من واحدة مثلي تجري سنوات عمرها لتقترب من الأربعين، جعلتها عانساً لا تأمل في زواج، تتسارع نبضات قلبها هلعاً وخوفاً أن يكون القطار تعدى محطتها ولن يعود إليها أبداً. مثل أية فتاة استقبلت بآمال الربيع وخيالاته سنوات الجامعة، أو مثل أي فتاة كان قلبي ينبض فرحاً خلال تلك السنوات كلما طرق دارنا من يطلب يدي للزوج وفي كل مرة يدخل أبي- رحمه الله- متجهم الوجه ليقول لي جملة حفظتها من كثرة ما قالها لي: إنه رجل طيب ولكنه متزوج. وكنت أعجب مما يقوله أبي وأتساءل وماذا يضير زواجه قبلي فاشرع أحل له أن يعدد ولابد أنه قادر على الوفاء بمسئوليات التعدد بدليل تقدمه لي... ومضت السنوات بطيئة متثاقلة.. تخرجت من الجامعة والتحقت بعمل يتناسب مع دراستي وتقدمت بي السن وتقدم لي الكثيرون ولكن جميعهم سبق لهم الزواج ودخلت طور( العنوسة) بباكية نفسي وعمري الذي ضاع أمام اعتبارات لا يقرها الشرع بل إن اعتبارها والعمل بها يؤدي إلى منع تعدد الزوجات، وهو من أسباب انتشار العنوسة. إنني أطلب من كل زوجة أن تقرأ هذا الموضوع جيداً حتى لا تستكثر على زوجها حلالاً يطلبه. وأقول لها إن نتائج ذلك ستنعكس عليها فالتعدد سيعصم زوجها من الخطأ وستستقر نفسيته وكل ذلك يعود على أسرته بالخير، صدقوني لو كنت زوجة ما ترددت لحظة في أن يتزوج زوجي ثانية وثالثة ورابعة مادام قادراً على الوفاء بحقوقنا وسأتسابق مع زوجاته الأخريات في الوفاء بحقوقه للنتنافس بشرف على قلبه"5.
2. التعذر بإكمال الدراسة: وهذا حال الكثير من الفتيات اليوم يرفض الزواج بحجة إتمام الدراسة، ويمضي بهنَّ قطار العمر ولا يشعرن إلا حين يقف بهنَّ في محطة العنوسة، تقول أحداهن: "كنت في الخامسة العشرة من عمري، وكان الخطاب يتقدمون إليّ من كل حدبٍ وصوب وكنت أرفض بحجة أني أريد أن أصبح طبيبة، فدخلت الجامعة وأنهيت دراستي حتى وصلت إلى سن الثلاثين، وأصبح الذين يتقدمون إليّ بعد هذه السن هم من فئة المتزوجين، وأنا أرفضهم وأقول في قرارة نفسي: بعد التعب والسهر والوصول إلى المكان المرموق من مال ونسب وشهادات أتزوج شخصاً متزوجاً، ونسيت وأنا في غمرة علم أن سن الثلاثين غير مرغوب فيها من قبل الشباب لأسباب كثيرة، فالشباب غالباً يبحثون عن بنات أصغر منهم سناً، وعندما وصلت إلى سن الخامسة والأربعين صرت أصرخ وأقول: أعطوني نصف زوج"6. وهذه صورة حية تتكرر كل يوم في مجتمعاتنا. ولا يخفى –عليك أخي في الله- أنَّ التذرع بإكمال الدراسة قد يكون تعبيراً عن عدم قبول بالخاطب، وقد يخفي وراءه انتظار شاب معين على أمل أنه يتقدم للخطبة، فإذا بالآخر يغير رأيه، ويرى في فتاة أخرى من أمله وتمنّاه، فيذهب الانتظار سدى، وتضيع الفرص، وتتحمل الفتاة وحدها النتائج.
رابعاً: ومن أسباب تفشي ظاهرة العنوسة ما يمكن أن نسميها الأسباب الاجتماعية العامة، والتي منها على سبيل المثال:
1. أزمة المساكن وارتفاع أسعار وأجور العقارات: بُعد البحث عن المسكن الملائم ليكون عش الزوجية من الهموم والهواجس التي تثقل كاهل الشاب الذي يرغب في الزواج، وبخاصة إذا كان من ذوي الدخل المحدود الذين لا يفي دخلهم بمتطلبات تأسيس بيت، والاتفاق على أسرة في وسط مجتمع يهتم كثير بالمظاهر ويجعل من لا يهتم بها لقمة سائغة في أفواه الجهلة وذوي النفوس الضعيفة، مما يجعل الشاب يؤثر السلامة منهم فيؤجل الزواج حتى يتمكن من توفير ما يلزم للقيام بأعبائه ، او السعي للزواج من خارج البلاد حيث يجد من ترضى به وتعيش معه على ما هو عليه من ضيق ذات اليد ولا تكلفه ما لا يطيق، وربما يصرف النظر نهائياً عن الزواج ويشبع غرائزه عبر القنوات المحرمة والممنوعة، وأي من تلك الاحتمالات يساهم بقدر كبير في تضخم مشكلة عنوسة النساء.
2. ضيق فرص العمل: يعد ارتفاع نسبة البطالة بين السكان القادرين على العمل من أبرز ملامح التخلف في الدول النامية، وهي تمثل مرضاً اجتماعياً خطيراً يجب العمل على محاربته والتخلص منه7. ولا نريد هنا أن نبحث في أسباب البطالة في مجتمعاتنا، لكننا نقول أن البطالة تسهم إلى حد بعيد في ثقافتهم ظاهرة العنوسة؛ لأن الشاب العاطل عن العمل لا يمكنه القيام بواجبه نحو أسرته. وقد بينت بعض الإحصاءات أن الذكور الذين لم يسبق لهم الزواج بلغ عددهم في (بعض الدول العربية)"2,625,441"8. لذا كان لزاماً علينا أن السعي في إيجاد فرص العمل للشباب، وعلى الشباب أن يكونوا أكثر جدية وانضباطاً، وأن يحرصوا هم أيضاً على غض أبصارهم عن المحرمات وتحصين أنفسهم بالزواج.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على خير داع إلى رضوانه، محمد وعلى آله وصحبه واتباعه.
أما بعد:
أيها الناس: تكلمنا عن بعض الأسباب العامة والخاصة التي أدت إلى تفشي ظاهرة العنوسة في المجتمعات، فهل لهذه الظاهرة من سبل تحد من انتشارها، وكيف يمكن علاجها؟ فنقول: إن الدواء الشافي والعلاج الناجع الذي يسهم في القضاء على هذه الظاهرة، ويحد من آثارها، هو الابتعاد أو القضاء على الأسباب المؤدية إليها، وسد الأبواب التي تأتي من خلالها، وكما قيل بضدها تتضح الأشياء، فسبل الحد منها وعلاجها يكمن في النقاط التالية:
أولاً: إصلاح العادات والتقاليد، وذلك من خلال الأمور التالية:
1. تخفيف المهور: روى أنس-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه وضرٌ من صفرة فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (مهيم)؟ قال: يا رسول الله: تزوجت امرأة من الأنصار، قال: (ما سقت إليها؟) قال: نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب، قال: (أولم ولو شاة)9. فإن المغالاة في المهور وحفلات الزواج مما يخالف الشرع، فإن أعظم النكاح بركة أسيره مؤونة وكما قلَّت المؤونة عظمت البركة.
2. اشتراط الكفاءة لا القبيلة: ذكرنا من أسباب تفشي ظاهرة العنوسة في المجتمعات؛ اشتراط بعضهم انتماء الخطاب إلى قبيلة معينة أو غير معينة وعدوا هذا الشرط أصلاً في إجابة الخاطب إلى طلبه، ولمناقشة هذا إليك فتوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله- فقد سئل: ما حكم من يمنع ابنته من الكفء المتقدم لها بحجة أن المتقدم خضيري وهو قبيلي ، وإذا نوقش في ذلك قال: إن الله جعل الناس درجات والخضيري ليس له أصل ، واستدل بقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} سورة الأنعام(165). وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} سورة الحجرات(13)؟ وجزاكم الله خيرا. فأجاب -رحمه الله- بقوله: الواقع أن الاعتماد على النسب في مسألة النكاح وإن ذهب إليه بعض أهل العلم وقالوا: للإنسان أن يمنع من تزويج المرأة القبيلية برجل غير قبيلي. لكن الذي ينبغي للإنسان أن ينظر إلى الدين والخلق لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفلعوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)10. هذا هو الذي ينبغي أن الإنسان يلاحظه، وأما مسألة النسب قبيلي أو خضيري فهذا أمر ثانوي. والذي أرى ما ذكرته الآن أن يعتمد في هذا الدين والخلق، فإذا كان الخاطب ذا دين وخلق فليزوج، وإن لم يكن قبيلياً. وأما قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}، فهذا لا شك منه واقع. فإن الله رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات في العلم، في الدين، في الحكمة، في العقل، في الأجسام، وفي كل شيء. ولكن لا يعني هذا أن تمنع الكفء الخاطب من أن تزوجه لكونه غير قبيلي وكون المرأة قبيلية، فإن هذا من الأمور التي لا ينبغي الرجوع إليها، وأما قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها .....)11. فهذا حقيقة يعني أن هذا مما يريده الناس، لكن هل هذا مما يريده الشرع؟ قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في نفس الحديث: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)12.
3. عدم اشتراط الترتيب بين الأخوات في الزواج: إن رفض تزويج الصغرى قبل أختها الكبرى عادة سيئة لا يقرها شرع ولا يقبلها عقل. أما الشرع فإنه ندب إلى تزويج البنات وجاء التحذير من رد الخاطب إذا كان حسن الدين والخلق، ولو كان في الترتيب بين الأخوات في الزواج خير لأرشدنا إليه الشرع المطهر. وأمرٌ آخر يجيب علينا الإيمان به وهو أن الله –تعالى- كتب مقادير كل شيء وقدر للإنسان ماله وما عليه منذ أن بعث ملكا ينفخ فيه الروم، ولن يأخذ إنسان إلا ما كتبه الله له، وكذا فإن الصغرى لن تأخذ نصيب أختها أو تؤثر عليه. فإن كنَّا نؤمن بذلك وتقدَّم للفتاة من رضينا دنيه وخلقه لزمنا إجابة الخاطب إلى طلبه. أما العقل فإنه لا توجد مسوغات تمنع من زواج فتاة قبل أختها، بل إن ما يتصوره بعضهم من أن زواج الصغرى قبل الكبرى يؤذي الأخيرة، فإنه ظن خاطئ وإن إصرار هؤلاء على تزويج البنت الكبرى أولاً يعطي انطباعاً لدى الخطاب أن في هذه البنت عيباً ووالدها يريد التخلص منها كالبضاعة المعيبة. ثم إنَّ رد الخاطب بهذه الحجة قد يؤدي إلى قيام عداوة وبغضاء ونفور بين الأخوات وبخاصة إذا كانت الصغرى راضية بمن تقدم لخطبتها، ويستمر اللوم ويزداد إذا تزوجت الفتاة ولو توفق في زواجها من غير خاطبها الأول أو بقيت عانساً.
4. العمل على حل أزمة المساكن وضيق فرص العمل: ويكمن حل هذا لأمر بالعودة للكتاب والسنة، وتسهيل أمر الزواج والإمساك عن الشروط التي لا تصب في مصلحة الزوجين، وقد تحرم الكثير من الشباب من التمتع بتكوين أسرة، وتنشئة جيل على طاعة الله ورسوله. كما لابد لنا من السعي في مصلحة الشباب بتأهيلهم علمياً وفنياً وتأمين العمل لهم، وما نسمع به ونشاهده في الغرب من مصالح تضم بين منشآتها عشرات الآلاف من العاملين حري بنا أن نتقدمهم فيه وأن يخوض شبابنا معركة العمل والاحتراف لأن ذلك هو الحل الأنجع، وعلى شبابنا الالتزام بأمر الله أولاً والإقبال على التعليم واكتساب المعرفة والمهارة حتى إذا خاض ميدان العمل جد واجتهد في تقديم أفضل العطاء13. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 - منكم وإليكم صـ(85) .
2 - أخرجه الترمذي في كتاب النكاح برقم (1085) . وحسنه الألباني في غاية المرام، رقم(219).
3 - العنوسة داء تفشي صـ( 39).
4 - أخرجه أبو داود في النكاح رقم ( 2050) والنسائي في الصغرى في النكاح، رقم(3227) والكبرى رقم(5306). والحاكم في المستدرك رقم(2727). وأحمد في المسند رقم (13157) واللفظ له، وقال عنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن صحيح، رقم(1921).
5 - نعم تعدد الزوجات نعمة، صـ(25) بتصرف.
6 -العنوسة داء نفسي، صـ(22).
7 - انظر موضوع البطالة صـ(603) من كتاب دراسات في سكان العالم الإسلامي.
8 - انظر الكتاب الإحصائي السنوي، العدد الثاني والثلاثون صـ(469).
9 - أخرجه البخاري في البيوع رقم (49 20)، ومسلم في النكاح رقم (427).
10 - أخرجه الترمذي في النكاح برقم (1084) وابن ماجد في النكاح برقم ( 1967) وهو مرسل له وشاهد عند الترمذي (1085) عن أبي حاتم المزني..وحسنه الألباني في مختصر إرواء الغليل، رقم( 1868)
11 - متفق عليه؛ أخرجه البخاري في النكاح برقم (5090) ومسلم في الرضاع برقم (1466).
12 - الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية ص 531 – 532 .
13 - راجع :" كيف تزوج عانساً؟ لخالد الجريسي صـ(37- 57) الطبعة الأولى(1421هـ).