خطبة عن الأحداث
"عبد الله قهبي"
عباد الله :إن الله هو الحق المبين ومن شأنه أن ينصر الحق قال تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } سورة الحج: 62, والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير ولا يتزحزح ولا يزول، والله هو الحق، ومن سننه أن ينصر كل من يتمسك ويؤمن بالحق، ومن يدعو إلى الحق وكل من يدعو في سبيل الحق فهو منصور لا محالة قال تعالى {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة الأنفال: 10. ومن طلب النصر من غير الله فلن يناله، وإذا نصرك الله، فلن يخذلك أحد ولو اجتمعت عليك الدنيا بأقطارها، قال تعالى { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } آل عمران: 160.
فيمن سبق من الأمم وفي رسالات الأنبياء السابقين، كان الله تبارك وتعالى ينصر رسله، ويهلك أعداءهم بخوارق سماوية كما أهلك قوم نوح بالطوفان حين قال نوح {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } نوح: 26وأهلك قوم عاد الذين استكبروا في الأرض وقالوا من أشد منا قوة ، فقال الله لهم { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } فصلت: 15 فأرسل عليهم ريحا صرصرا عاتية فجعلهم كأعجاز نخل خاوية وأرسل الصيحة على ثمود قوم صالح وأهلك فرعون الطاغية المتألة الذي قال للناس { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } النازعات: 24.
وهكذا {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } إبراهيم: 42. و إن الله ليملي للظالم حتي إذا أخذه لم يفلته..هكذا جرت سنة الله فيمن قبلنا، ولكن سنته في نصر هذه الأمة لن تظهر ألا إذا كانت أمة مؤمنة حقا ، قال تعالى { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} غافر: 51. و قال سبحانه {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } الروم: 47. وقال سبحانه (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } المنافقون: 8. وقال سبحانه {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا } الحج: 38. وقال سبحانه {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} النساء: 141 .
هذه وعود الله، ووعود الله لا تخلف {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } الرعد: 31. لأن الذي يخلف وعده إما عاجز عن تحقيق وعده وإما أن يكون كاذباً.. والله لا يكذب ولا يعجز.. وعد الله المؤمنين ولم يعد المسلمين.. فهل نحن مؤمنون حقاً هل حققنا أوصاف المؤمنين كما جاءتنا في القرآن هل نحن المذكورون في أول سورة الأنفال في قوله تعالى { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الأنفال: 2.
بعض المسلمين اليوم يتضايق من الصلاة وقراءة القرآن ، وبعضهم يحارب دين الله بقلمه وفعله وقوله ،،فأين الذين تقشعر جلوجهم من ذكر الله، هل نحن المؤمنون المذكورون في سورة المؤمنون { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( ) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( ) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( ) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ..} المؤمنون: 1-5. هل نحن المؤمنون الذين قال الله فيهم { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } النساء: (65)، التسليم المطلق دون حرج أو سؤال لشرع الله واليقين بأنه الدين الحق الذي لا يأتي إلا بما يصلح العباد والبلاد ، فهل القرآن والسنة محكمان في حياتنا هل نحن مؤمنون حقاً هل نحن المؤمنون المذكورين في سورة الحجرات{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } الحجرات: (15) هل نحن الموصوفون بهذه الصفات أم بيننا وبين هؤلاء المؤمنين مسافات ومسافات..
هناك مؤمنون بيننا،ولا شك لكن الحكم علي الأغلبية، الغالب غافل عن دينه، مقصر في حقه ربه ، غارق في ذنبه، فكيف نححقق أوصاف المؤمنين الذين كتب الله لهم النصر بقوله (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } الروم: 47. هل نصرنا الله في أنفسنا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه حتى يتحقق لنا النصر قال تعالى { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ } محمد: 7. فهل نصرنا الله حقا ، اليوم نرى المظاهرات من ألوف المسلمين يحرقون أعلام الكفار ونرى النساء متبرجات سافرات فهل بهذا يكون نصر الدين ، لا والله ثم لا والله لن يتنزل علينا النصر طالما هذا هو حالنا ،
عباد الله : درجات الإسلام ثلاثة المسلم وهو من يفرط في الواجبات وينتهك المحرمات ، والمؤمن وهو من يأتي بالواجبات ويبتعد عن المحرمات ، والمحسن وهو من يأتي بالواجبات والمستحبات ويبتعد عن المحرمات والمكروهات ، فمن أي فئة نحن قال تعالى { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ } فاطر: 32. وفي آية أخرى قسم الله سبحانه عباده إلى مقربين، وأصحاب يمين وأصحاب شمال.
عباد الله : ما يحل بأمة الإسلام اليوم هو بذنوبهم والله قال تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الشورى: 30. لقد هزم المسلمون في غزوة أحد بسبب ذنب وقعوا فيه بغير عمد فقال الله لهم (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ }آل عمران: 165. هذه سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } النساء: 123. قال تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } 42. والله لن ينصر الأمة إلا الله وذلك بالرجوع والتضرع إليه ولسان حالنا يقول ( ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) لن ينصرنا مجلس الأمن الكافر بل ينصرنا الله القائل {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } آل عمران: 126.
فهلا تضرعنا وتبنا إليه قال تعالى {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } النمل:46. والاستغفار هنا التوبة الصادقة من كل معصية وتفريط والعودة الصادقة إلى الله بما أمر قال تعالى {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} الأحزاب: 17. فهيا نتخلى عن الشهوات والمحرمات والشبهات ، ولا نكن مخادعين لله فالله يعلم السر وأخفى ، قال تعالى { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } البقرة:9 ومتى ما حققنا الإيمان الصادق فسيكون السبيل للمؤمنين على الكافرين بعد أن كان للكافرين بذنوبنا وبعدنا عن ربنا وخالقنا قال تعالى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } النساء: 141. يقول الله تعالى في غزة بدر {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا} الأنفال: 12. فلابد ان يوجد الذين آمنوا حتي تنزل الملائكة لتثبتهم وتكثر أعدادهم وتحارب في صفوفهم.. فالنصر يكون بالمؤمنين حقا لا ينتصر بذاته، الحق ينتصر بأهله، هذه سنة الله مع هذه الأمة وما قبلها،.. قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} الأنفال: 62. حليف للمؤمنين الموحدين المؤتلفين المترابطين الذين تراهم على قلب رجل واحد، كالجسد الواحد، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.. هؤلاء هم المؤمنون حقا هم الذين ينتصرون..
وهذا شأن أهل الإيمان قال تعالى عن أصحاب محمد {(أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }.أما الذين يتفرقون ويتخاذلون ويكيد بعضهم لبعض.. فهيهات أن ينتصروا، فهذه أمة لم تحقق الإيمان المطلوب، بل يعادي بعضها بعضا، بل يقاتل بعضها بعضا، فكيف تنتصر الأمة وهي علي هذه الحال وأعداؤها يحاولون أن يجمعوا صفوفهم، وتختلف آراؤهم، ومع هذا فهم يتفقون علينا، بعضهم من بعض قال تعالى {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } الجاثية: 19. وقال تعالي:{(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } الأنفال: (73) . أي إلا يوالي بعضكم بعضا ويساند ويشد بعضكم أزر بعض، يكون فساد كبير لأنكم متفرقون وأعداؤكم مجتمعون.
عباد الله: سنن الله لا تحابي أحدا. انتصر المسلمون في بدر مع الرسول وكانوا أقل عددا وأقل عدة، واستعداداً، لم يكونوا متهيئين ليدخلوا معركة، قال تعالى {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} الأنفال: 42. كان قدر الله أن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.. الله أيدهم بنصره كما قال تعالي: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } الأنفال: 17. وفي غزوة أحد فقد المسلمون سبعين من الصحابة، استشهدوا في سبيل الله..
ولما تساءل المسلمون ما الذي حدث انتصرنا في بدر وانهزمنا في أحد قال الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } خالفتم أمر رسول الله حين قال للرماة قفوا مكانكم على هذا الجبل ولا تتحركوا ولو تخطفنا الطير ولكنهم حينما انتصر المسلمون تركوا أمكنتهم ظنا منهم أن المعركة انتهت بنصر المسلمين فكانت العاقبة للكافرين عليهم.
فياعباد الله : إنما ننتصر حينما نكون مع الله فيكون الله معنا،قال تعالى {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } وإذا كنا مع الله ومع سنن الله، كان الله وسنن الله معنا،لان النصر ليس بعيدا، النصر مرهون بأسبابه وشروطه، وإذا أخذنا في بأسباب النصر وأعددنا العدة نصرنا الله قال الصحابة لنبيهم {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ }فقال الله لهم {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } لكن ذلك لن يكزن إلا بعد أن ننصر الله في أنفسنا فنمتثل أوامره ونجتنب نواهيه نبتعد عن الشبهات والشهوات ،فليس النصر بالكثرة ولا بالعدة، النصر بالإيمان وبالأخلاق، النصر بالتضامن والترابط والتراحم والتكافل للمؤمنين المترابطين.. وهذا ما تحتاج إليه أمتنا..
الله لن يتخلي عنا، لكننا تخلينا عن الله، لو وضعنا أيدينا في يد الله لن يتخلي عنا، لكننا تخلينا عن الله، لو وضعنا أيدينا في يد الله ووثقنا بالله، لو مضينا في طريق الله خلف رسول الله وخلف كتاب الله، لو سرنا مسيرة أصحاب رسول الله ما هزمنا في معركة ولا في يوم من الأيام، ولكن عسى أن ننتفع بهذه الأحداث..
والمؤمن هو الذي يتعظ بعبر الأيام والشقي من لا يعتبر بشيء. أننا بمجرد أن نحقق شيئاً من شروط الإيمان من أوصاف المؤمنين نكسب بمقدارها من النصر،.. {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} محمد:7 . فأعزوا دين الله، اثبتوا، كونوا مع الله يكن الله معكم {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }160.