لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس وأودع فيهم العقول والإدراك, وبعث فيهم الرسل وبث فيهم النذر؛ ليقوموا بعبادته والتذلل له بالطاعة مقدمين أمره وأمر رسله على ما تهواه أنفسهم، فإن ذلك هو حقيقة العبادة ومقتضى الإيمان، كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب. فلا خيار للمؤمن -إن كان مؤمناً حقاً- في أمر قضاه الله ورسوله، وليس أمامه إلا الرضا به والتسليم التام, سواء وافق هواه أم خالفه، وإلا فليس بمؤمن، كما قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء.
وقد أخبر الله تعالى أن العدول عن حكمه وعن اتباع رسوله أضل الضلال فقال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (50) سورة القصص.
وإذا تبين هذا فاعلم أن أوامر الله تعالى تنقسم إلى قسمين: قسم فيما يختص بمعاملته سبحانه؛ كالطهارة والصلاة والصيام والحج، وهذه لا يستريب أحد في التعبد لله تعالى بها.
وقسم فيما يختص بمعاملة الخلق وهي المعاملات الجارية بينهم من بيع وشراء وإجارة ورهن وهبة ووصية ووقف وغيرها، وكما أن تنفيذ أوامر الله تعالى والتزام شريعته في القسم الثاني أمر واجب؛ إذ الكل من حكم الله تعالى على عباده، فعلى المؤمن تنفيذ حكم الله والتزام شريعته في هذا وذاك. ولقد شرع الله تعالى لعباده في معاملاتهم نظماً كاملة مبنية على العدل لا تساويها أي نظم أخرى, بل كلما ابتعدت النظم أو ابتعد الناس عن العمل بنظم الشريعة كان ذلك أكثر الظلم، وأوغل في الشر والفساد والفوضى. وإن من الظلم في المعاملات واجتناب العدل والاستقامة فيها أن تكون مشتملة على الربا الذي حذر الله تعالى منه في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأجمع المسلمون على تحريمه, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} (278-279) سورة البقرة. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ* وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (130-132) سورة آل عمران. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (275-276) سورة البقرة. يعنى لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المُخَبَّل المجنون الذي يصرعه الشيطان، هكذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره.
وفى صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ: (هُمْ سَوَاءٌ)"1.
واللعن: الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى, وفى صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ, فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ, وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ, فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ, فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ, فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ, فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا)2.
عباد الله:
لقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته أين يكون الربا، وكيف يكون، بياناً شافياً واضحاً، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ, فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى, الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ)3. وفي لفظ: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)4. فهذه الأصناف الستة هي محل الربا بالنص.
ولقد انقسم الناس في المعاملات الربوية إلى ثلاثة أقسام: قسم هداهم الله تعالى ونور بصائرهم, ووقاهم شح أنفسهم وعرفوا حقيقة المال، بل حقيقة الدنيا أنها عارية مسلوبة، وفيء زائل، وأن كمال العقل والدين أن يجعل الرجل المال وسيلة لا غاية، وأن يجعله خادماً لا مخدوماً فتمشوا في اكتساب أموالهم وصرفها على ما شرعه لهم خالقهم الذي هو أعلم بما يصلحهم وأرحم بهم من أنفسهم، فأخذوا بما أحل الله واجتنبوا ما حرم الله، وهؤلاء هم الناجون المفلحون, قال الله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر.
والقسم الثاني: من تعاملوا بالربا على وجه صريح، إما جهلاً منهم أو تجاهلاً أو عناداً ومكابرة، وهؤلاء مستحقون لما تقتضيه حالهم من الوعيد على أكل الربا، على ما جاء في نصوص الكتاب والسنة.
أما القسم الثالث: من تعاملوا بالربا من وجه الحيلة والمكر والخداع، وهؤلاء شر من القسم الثاني؛ لأنهم وقعوا في مفسدتين: مفسدة الربا، ومفسدة الخداع، ولهذا قال بعض السلف في أهل الحيل: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون.
ونحن نذكر من فعل هذين القسمين بعضاً مما كان شائعاً بين الناس, فالشائع من فعل القسم الأول ربا البنوك وهو على وجهين: أحدهما: أن يأخذ البنك دراهم من شخص بربح نسبة مئوية يدفعها البنك كل شهر أو كل سنة، أو عند انتهاء مدة الأجل إن كان مؤجلاً.
الثاني: أن يعطي البنك دراهم لشخص بربح نسبة مئوية يأخذها البنك كل شهر أو كل سنة أو عند انتهاء مدة الأجل إن كان مؤجلاً, فأما إذا أخذ البنك الدراهم من شخص بدون ربح فله وجهان: أحدهما: أن يأخذ هذه الدراهم على وجه الوديعة بأن يحفظ الدراهم بأعيانها لصاحبها، ولا يدخلها في صندوق البنك، ولا يتصرف فيها، بل يبقيها في مكان إيداعها حتى يأتي صاحبها فيأخذها، فهذا جائز، وهذا الوجه ليس للبنك فيه فائدة اللهم إلا أن يكون بين القائمين عليه وبين صاحب المال صحبة, فيحسنوا إليه بحفظ دراهمه في حرز البنك, ولذلك لو طلب البنك أجرة على حفظها لكل شهر أجرة معلومة لكان ذلك جائزاً.
الوجه الثاني: أن يأخذ البنك هذه الدراهم على وجه القرض، بحيث يدخلها في صندوق البنك، ويتصرف فيها كما يتصرف في ماله، فهذه قرض وليست بإيداع وإن سماها الناس إيداعاً، فالعبرة بالحقائق لا بالألفاظ، وإذا كانت قرضاً للبنك فهي إرفاق به ومساعدة وتنمية لربحه، فإذا كان البنك لا يتعامل إلا بالربا فلا ريب أن إعطاءه الدراهم على هذا الوجه حرام؛ لأنه عونٌ ظاهر على الربا، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن كاتب الربا وشاهديه فكيف بمن يضم ماله إلى مال المرابي فيزداد ربحه ومراباته, أما إذا كان البنك له موارد أخرى غير ربوية مثل أن يكون له مساهمات في شركات طيبة المكسب، وله مبايعات وتصرفات أخرى حلال فإن إعطاءه الدراهم على هذا الوجه ليس بحرام؛ لأنه لا يتحقق صرفها في الوجه الربوي من تصرفات البنك، لكن البعد عن ذلك أولى؛ لأنه موضع شبهة، إلا أن يحتاج الإنسان إلى ذلك، فإن الحاجة تبيح المشتبه لقوة المقتضى وضعف المانع5.
هذه صورة شائعة من الصور التي انتشرت بين المتعاملين بالربا في هذا الزمان, وصور التعامل بالربا كثيرة, نسأل الله السلامة والعافية ونستغفر الله من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أوجب العدل في كل الأحوال، وحرم الظلم في الدماء والأعراض والحقوق والأموال، وأشهد أن لا إله إلا الله كامل الأوصاف وواسع النوال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي فاق جميع العالمين في العدل والفضل والإفضال، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل6.
أمة الإسلام:
من صور الربا المنتشرة في زماننا: استبدال الذهب القديم بذهب جديد، ودفع الفرق بينهما، وهذا عين الربا، والصحيح في ذلك: أن يبيع القديم ويقبض ثمنه, ثم يشتري جديداً.
ومن وصور الربا أن يشتري ذهباً ديناً أو أقساطاً، وهذا رباً لا يجوز التعامل به، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ, فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى, الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ)7.
فليحذر تجار العملات وتجار السبائك الذهبية، ألا يبيعوا حاضراً بغائب، فلابد من التقابض والاستلام والتسليم في مجلس العقد.
أيها المسلمون:
لا ريب أن المسلمين أخوة، يساعد بعضهم بعضاً، ويعين أحدهم أخاه بشفاعة حسنة، أو واسطة لا ظلم فيها، أو غير ذلك من أوجه المنفعة، فمن شفع لأخيه أو قضى له منفعة، فلا يجوز له أن يأخذ مقابل ذلك أجراً، ومن فعل فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا, فعن أَبِي أُمَامَةَ –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا)8.
أمة الإسلام:
ربما وقع المسلم في الربا وهو لا يعلم، فمن كان كذلك، وجب عليه رد الحقوق إلى أهلها، وترك الربا فوراً، لأنه من أسباب سخط الله، ومن وقع في الربا مع بنك أو مصرف أو غيرها فعليه بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى.
ومن وقع في الربا عارفاً أو جاهلاً، فالعقد باطل، لحديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أنه قال: "جَاءَ بِلَالٌ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مِنْ أَيْنَ هَذَا؟) فَقَالَ بِلَالٌ: "تَمْرٌ كَانَ عِنْدَنَا رَدِيءٌ, فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ : (أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا, لَا تَفْعَلْ, وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ)9. وهذا دليل واضح على بطلان العقد ولو تم التوقيع عليه والموافقة من قبل المتعاقدين، فكل تلك الأمور لا تجيز العمل بالربا.
أمة الإسلام:
للربا أثار مخيفة، وعواقب عنيفة, منها أن الربا سبب لظهور الأمراض المستعصية، وكثرة الأدواء والأوبئة، وتسلط الحكام، وانتشار الفقر والبطالة، وكثرة الجريمة، وشيوع الفساد في البلاد بين العباد، وهذا ما تعانيه الأمة اليوم، فهل من مدّكر ومتعظ؟
ومن أعظم آثار الربا فتكاً، وأشدها ضرراً، أنه سبب لعذاب القبور، ففي الحديث الصحيح الطويل الذي أخرجه البخاري من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن آكل الربا يُعذب من حين موته إلى يوم القيامة بالسباحة في بحر الدم، ويلقم حجارة 10، وهذا عذابه في قبره مع لعنة الله له, نسأل الله العافية والسلامة.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وذروا ما بقي من الربا، واتركوا كل تعامل به، واهجروا كل من تعامل به، واحرصوا رحمكم الله على تحري المال الحلال، ففيه غنية عن الحرام11.
وتوبوا إلى الله واستغفروه, وتفقهوا في دينكم ومعاملاتكم لتنجوا من الوقوع فيما حرم الله, واحذروا أكل الربا فإن إثمه عظيم, وعاقبته وخيمة, واجعلوا نصب أعينكم قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} (278-279) سورة البقرة. وصلوا وسلموا على رسول الله؛ حيث أمركم سبحانه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (56) سورة الأحزاب. {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (91) سورة النحل. والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 رواه مسلم -2995- (8/288).
2 رواه البخاري -1943- (7/257).
3 رواه مسلم -2971- (8/260).
4 صحيح مسلم -2970- (8/259).
5 من مقال في مجلة البيان العدد -2- ص 28. لفضيلة الشيخ (محمد بن صالح بن عثيمين يرحمه الله).
6 الفواكه الشهية في الخطب المنبرية لـ(السعدي).
7 سبق تخـريجه.
8 رواه أبو داود -3074- (9/424) والحديث حسن كما بين ذلك الألباني في مشكاة المصابيح برقم (3757).
9 رواه البخاري – 2145-(8/104) ومسلم -2985- (8/277) واللفظ لمسلم.
10 أخرجه البخاري -1943- (7/257).
11 بتصرف يسير من: صيد الفوائد