موقف العلمانية منا وموقفنا منها
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, وكفى بالله شهيداً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً مزيداً... أما بعد:
اتقوا الله -عباد الله- واحمدوا ربكم على ما أنعم به عليكم من بعثة هذا النبي الكريم الذي أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور, وهداكم به من الضلالة وبصركم به من العمى وأرشدكم به من الغي فلله الحمد رب العالمين.
أيها المسلمون:
لقد ظهر مصداق قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رواه مسلم , وأصبح واقع الأمة الإسلامية يقرر أن غربة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسرة ياسر وبلال وغيرهم قد عادت للذين يقولون ربنا الله، لا قيصر، والحاكمية لله لا للبشر, وغابت راية الإسلام عن أرض الإسلام وحكَمتها نظم علمانية لا دينية، حتى أصبحت الدعوة إلى أن يكون الإسلام بكتابه الكريم، وسنة رسوله الأمين -صلى الله عليه وسلم- أساساً للحكم جريمة عظمى في أكثر دول العالم الإسلامي, تحاكم عليها قوانين تلك البلاد بالإعدام بتهمة تغيير شكل النظام؟!
ولقد كان مما ساعد على استقرار تلك الأوضاع غياب الكثير من حقائق الإسلام وبديهياته، ومن أظهرها أن وجوب الحكم بما أنزل الله عقيدة لا يكون المسلم مسلماً إذا تخلى عنها، وأن التشريع بغير ما أنزل الله والرضى بشرع غير شرع الله هو شرك مخرج من الملة.
ولقد حاول أعداء الإسلام القضاء على الإسلام عن طريق نشر الإلحاد ففشلوا, وحاولوا صرف الناس عن الإسلام عن طريق الشيوعية ففشلوا -أيضاً- وأحس الأعداء اليأس من هذا الدين, ولكنهم بعد التفكر والتدبير لجأوا إلى طريقة أخبث, لجأوا إلى إقامة أنظمة وأوضاع تتزيا بزي الإسلام، وتتمسح بالعقيدة ولا تنكر الدين جملة، بل تعلن إيمانها به إيماناً نظرياً واحترامها له كعقيدة في الحنايا، وشعائر تؤدى في المساجد, أما ما وراء ذلك من شؤون الحياة فمردّه -بزعمهم- إلى إرادة الأمة الحرة الطليقة التي لا تقبل سلطاناً عليها من أحدٍ, وهذه الدعوى هي دعوة العلمانية التي لابد أن يعرف المسلم حقيقتها بعيداً عن التزيين والتزييف الذي يختبئ الأعداء فيه ليمرروا أهدافهم العدوانية ضد المسلمين.
أيها الناس:
إن لفظ العلمانية كلمة لا صلة لها بلفظ العلم ومشتقاته على الإطلاق, والترجمة الصحيحة للكلمة هي اللادينية أو الدنيوية، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت صلته بالدين علاقة تضاد, فهي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالدنيا وحدها, ولذلك فإن المدلول الصحيح لكلمة العلمانية هو: فصل الدين عن الدولة أو هو: إقامة الحياة على غير الدين سواء بالنسبة للأمة أو الفرد، ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود فبعضها تسمح به وتسمى العلمانية المعتدلة فهي -بزعمهم- لا دينية ولكنها غير معادية للدين، وذلك في مقابل المجتمعات الأخرى المضادة للدين.
وبدهيٌّ أنه لا فرق في الإسلام بين المسميين, فكل ما ليس دينياً من المبادئ والتطبيقات فهو في حقيقته مضاد للدين؛ فالإسلام واللادينية نقيضان لا يجتمعان ولا واسطة بينهما.
وإذن فالعلمانية دولة لا تقوم على الدين، بل هي دولة لا دينية، تعزل الدين عن التأثير في الدنيا، وتحمل الأمة على قيادتها للدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها بعيداً عن أوامر الدين ونواهيه.
والعلمانية دولة لا تقبل الدين إلا إذا كان علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه، بحيث لا يكون لهذه العلاقة أي تأثير في أقواله وأفعاله وشؤون حياته.
ولا شك أن هذا المفهوم الغربي العلماني للدين على أنه علاقة خاصة بين العبد والرب، محلها القلب، ولا علاقة لها بواقع الحياة.
وإذا نظرت –أخي المسلم- إلى العلمانية وحق التشريع المطلق في مسلسل نبذ الشريعة الإسلامية، وفصل الدين عن الحياة في دار الإسلام، لوجدت أن الحلقة الأخيرة هي النص في دساتير الدول في العالم الإسلامي على تقرير حق التشريع المطلق للأمة من دون الله، وقد نصت بعض الدساتير على اعتبار رئيس الدولة جزءاً أصيلاً من السلطة التشريعية!
واكتفى البعض الآخر بالنص على الحقوق التي يمارسها رئيس الدولة في مجال التشريع وهي حق الاقتراح، وحق الاعتراض أو التصديق, فالأنظمة العلمانية تقر بالسيادة المطلقة للأمة، وتنص في دساتيرها على أن القانون هو التعبير عن إرادتها المطلقة.
فالأمة -بزعمهم- هي التي تقرر الشرائع التي تحكم بها، وحقها في ذلك بلا حدود! ولا شك في أن هذا في حقيقته هو الإقرار بحق التشريع المطلق للأمة لا ينازعها فيه منازع ولا يشاركها فيه شريك فما تحله هو الحلال وإن اجتمعت على حرمته كافة الشرائع السماوية، وما تحرمه هو الحرام, وإن اتفق على حله دين الأنبياء جميعاً.
ذلك أن الأمة في الأنظمة العلمانية هي مصدر التشريع، وما يصدر عنها هو القانون, والقانون ليس بنصيحة ولكنه أمر، وهو ليس أمراً من أي أحد، ولكنه أمر صادر ممن يدان له بالطاعة، وموجه إلى من تجب عليه تلك الطاعة.
وإذا كان سلطان الأمة يتجسد في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية, فإنه لا يوجد قانون بالمعنى الصحيح إلا إذا صدر عن السلطة التشريعية في الحدود التي رسمها له الدستور، وكلتا السلطتين التشريعية والقضائية بهذا الاعتبار مشتركتان في الخضوع لسيد الكل -ألا وهو الدستور الذي يجب أن يحني الجميع أمامه رؤوسهم صاغرين- وتأمل معنى هذه الكلمات، وقل معي: رحم الله ابن تيمية القائل: "إن الإنسان أمام طريقين لا ثالث لهما، فإما أن يختار العبودية لله, وإما أن يرفض هذه العبودية فيقع لا محالة في عبودية لغير الله".
عباد الله:
هناك شبهة قد يشوش بها العلمانيون، وهي أن بعض الدساتير العلمانية تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, ونحن نقول في الرد على هذه الشبهة : إننا لا نحكم إلا بما نعلم، ولا نجزم إلا بما نرى المحاكم الوضعية تمارسه صباح مساء، فهذه المحاكم لا تزال ملزمة قانوناً بتطبيق القوانين الوضعية، ولا يزال القضاة في هذه المحاكم غير قادرين بأي حال من الأحوال على تطبيق الشريعة الإسلامية.
ففي قضية اغتيال الرئيس (فلان) أسس الدفاع عمله على الدفع بعدم الدستورية؛ لأن نصوص القوانين مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع وفقاً لأحكام المادة الثانية من الدستور. أتدرون بم ردَّت المحكمة؟ ردّت بالقول: "ردّاً على هذا الدفع، فإن المحكمة تشير بادئ ذي بدء إلى ما هو مستقر من أن قواعد التفسير للنصوص تأبى تأويل النص أو تحميله أكثر مما يحتمل إذا كان واضحاً لغوياً, فعبارة المصدر الرئيسي للتشريع لا تمنع لغوياً وجود مصادر أخرى للتشريع..". أرأيتم المحكمة كيف تؤكد أن العبارة شركية، وأنها تنص على وجود مصادر أخرى غير الشريعة الإسلامية؟.
ولماذا نذهب بعيداً؟ لقد حدث بالفعل أن حكم قاضٍ بالجلد في جريمة سكر، متأولاً هذه المادة من الدستور, فماذا كانت النتيجة؟ لقد أُبِطل حكمه وأقصي عن القضاء.
وكان مما ذكره رئيس محكمة الاستئناف في أسباب بطلان هذا الحكم ما يلي:
أولاً: إن من قضى بذلك فقد حنث في يمينه القضائي الذي أقسم فيه على الحكم بالعدل واحترام القوانين، والعدل -كما يقول رئيس محكمة الاستئناف-أن يقضي القاضي في الواقع المعروض بالعقوبة الملائمة في حدود القانون المطبق, ويضيف قائلاً: فقضاء المحكمة بقانون آخر غير القوانين المطبقة في ذلك حنث باليمين، فما بالك بمن طبق أو يخترع قانوناً يعلم أنه غير معمول به!
ثانياً: لا يجوز ولا يقبل من القاضي أن يجرِّم فعلاً لا ينص القانون على اعتباره جريمة، ولا يجوز له ولا يقبل منه أن يقضي بعقوبة لم ينص القانون عليها.
ثالثاً: إن مصدر هذا القانون لم يعرف شيئاً عن علم العقاب، فقد (شدَّد) المشرّع الوضعي في العقوبة وجعلها ستة أشهر حماية للمجتمع، وهذا أحفظ من مجرد الجلد ثمانين جلدة!!.
أرأيت -أخي المسلم- إلى هذه العلمانية كيف ترى أن التشريع الوضعي أحفظ لأمن المجتمع من الشريعة الإسلامية, وأن القاضي الذي حكم بالجلد لم يعرف شيئاً عن علم العقاب وهكذا كأن القوم يقولون إن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-لا يعرف شيئاً من علم العقاب عندما أكتفى بمجرد الجلد على السكر؟؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
فمن الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس، ويحكم فيهم خيراً مما يشرع لهم ويحكم فيهم ربهم سبحانه؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟ أيستطيع أن يقول إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بالناس ومصالح الناس من إله الناس؟
هذه –عباد الله- صورة عن موقف العلمانيين تجاه الإسلام والمسلمين لابد لكل مسلم معرفتها حتى لا يلتبس عليه الحق من الباطل, والله نسأل أن يرينا الحق حقاً ويهدينا إليه, وأن يرينا الباطل باطلاً وينجينا منه, ونستغفر الله إنه هو غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين...
عباد الله:
لا شك أن العلمانية -كما عرضنا- لا تستدعي في حقيقة الأمر كبير جهد لبيان تناقضها مع دين الإسلام؛ فهي من ذلك النوع من الاتجاهات والأفكار التي قال عنها علماؤنا قديماً: إن تصوره وحده كاف في الرد عليه, والإسلام والعلمانية طريقان متباينان، ومنهجان متغايران, طريقان لا يلتقيان ولا تقام بينهم قنطرة اتصال, واختيار أحدهما هو رفض للآخر, فمن اختار طريق الإسلام فلابد له من رفض العلمانية, هذه بديهية من البديهيات التي يعد إدراكها -فيما نحسب- نقطة الانطلاق الصحيحة لتغيير واقع الأمة الإسلامية، ويعد غيابها السبب الأول لبقاء هذه الأمة ألعوبة في يد العلمانيين يجرُّونها إلى الهلاك بكل مهلكة من القول والعمل، ويزيدونها غياً كلما اتبعتهم في طريق الغيّ, طريق العلمانية؛ ولأن إدراك هذه البديهة على هذا القدر من الأهمية، فلا بد من التفصيل فنقول: نحن نرفض العلمانية لأنها تحِل ما حرّم الله, فإذا كانت الشريعة مُلْزِمة من حيث المبدأ، فإن داخلها أحكاماً ثابتة لا تقبل التغيير، وأحكاماً عامة ثابتة في ذاتها، ولكنها تقبل أن تدخل تحتها متغيرات ومن بين الثوابت التي لا تقبل التغيير ولا يدخل تحتها متغيرات أحكام العبادات كلها، والحدود وعلاقات الجنسين, فماذا فعلت العلمانية بهذه الثوابت؟
إن الأنظمة العلمانية تبيح الزنا برضا الطرفين، والمتشدد منها يشترط موافقة الزوج أو الزوجة, والكثير منها يبيح اللواط للبالغين وكلها يبيح الخمر والخنزير.
فأما الزنا برضا الطرفين فنجد مثلاً أن قانون العقوبات في بعض الدول العربية يؤكد على أن الزنا إذا وقع برضا الطرفين وهما غير متزوجين وسنهما فوق الثامنة عشرة فلا شيء عليهما، وإن كانا متزوجين فلا عقوبة عليهما ما لم يرفع أحد الزوجين دعوى ضد الزوج الخائن.
والأفعال التي يحرّمها قانون العلمانية في جرائم العرض، إنما يحرمها لكونها تشكل اعتداء على الحرية الجنسية فحسب، وليس باعتبارها أمراً يغضب الله ويحرّمه الدين، ولذلك فإن الدعوى الجنائية في جريمة الزنا –مثلاً- لا تتحرك إلا بناء على شكوى الزوج، وللزوج الحق في التنازل عن الشكوى بعد تقديمها، وبالتالي تنقضي الدعوى الجنائية، وتوقف إجراءات التحقيق, بل للزوج حق وقف تنفيذ العقوبة! وهكذا تبيح العلمانية الزنا وتهيئ له الفرص، وتعد له المؤسسات، وتقيم له الحفلات في الملاهي والمسارح, وأما الربا فهو عماد الاقتصاد العلماني؛ تؤسس عليه البنوك، وتقدم به القروض بل ويدخل الناس فيه كرهاً والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (278-279) سورة البقرة. وهذه الآيات نزلت في أهل الطائف لما دخلوا الإسلام والتزموا الصلاة والصيام، وكانوا لا يمتنعون عن الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا, فإذا كان هؤلاء محاربين لله ولرسوله فكيف بمن يقيمون للربا بنوكاً، ويعطون للتعامل به الشرعية الكاملة؟ أما الخمر فإن النظم العلمانية تبيح شربها، وتفتح المحلات لبيعها والتجارة بها، وتجعلها مالاً متقوماً يحرم إهداره، بل تنشئ لإنتاج الخمور المصانع وتعطي على الاجتهاد في إنتاجها جوائز للإنتاج ! ! وهكذا فإن العلمانية تحل شرب الخمر وبيعها وعصرها فتحل ما حرم الله, وتحرّم إهدارها والإنكار على شاربها, فتحرم ما أحل الله, فالعلمانية تحل ما حرّم الله، وتحرّم ما أحل الله, وليس هذا في الزنا والربا والخمر فقط أو في الحدود والتعزيرات فقط، أو في مادة أو أكثر من مواد القانون الوضعي العلماني, بل إن قضية تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله هي قضية النظام العلماني بأكمله، وبجميع جوانبه المختلفة, ولما كان تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله كفراً لمن فعله، ومَنَ قَبِله؛ فلا بد لنا لنبقَى مسلمين من رفض هذا الكفر, ورفض العلمانية التي تقوم عليه.
وإذا كان هناك عذر ما لوجود العلمانية في الغرب فليس هناك أي عذر لوجودها في بلاد المسلمين لأن النصراني إذا حكمه قانون مدني وضعي لا ينزعج كثيراً ولا قليلاً؛ لأنه لا يعطل قانوناً فرضه عليه دينه, وليس في دينه ما يعتبر منهجاً للحياة، أما مع المسلم فالأمر مختلف حيث يوجب عليه إيمانه الاحتكام إلى شرع الله, ومن ناحية أخرى فإنه إذا انفصلت الدولة عن الدين بقى الدين النصراني قائماً في ظل سلطته القوية الفتية المتمكنة وبقيت جيوشها من الرهبان والراهبات والمبشرين والمبشرات تعمل في مجالاتها المختلفة دون أن يكون للدولة عليهم سلطان, بخلاف ما لو فعلت ذلك دولة إسلامية فإن النتيجة أن يبقى الدين بغير سلطان يؤيده ولا قوة تسنده حيث لا بابوية له ولا كهنوت، وصدق الخليفة الثالث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حين قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". وإذا تبين هذا فإننا كمسلمين يكون موقفنا أن نقول بما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم -مفتي الديار السعودية-رحمه الله-: "إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون من المنذرين, بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين, والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله -عز وجل-: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) سورة النساء.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة, وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم, والحمد لله رب العالمين.