فلاَ تَقل لَهُما أُفٍّ
الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:
عباد الله:
ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أنه قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) قَالَ: "ثُمَّ أَيٌّ؟" قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) قَالَ: "ثُمَّ أَيٌّ؟" قَالَ: (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)1. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو –رضي الله عنهما- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ)2.لقد بين –عليه الصلاة والسلام في هذه الأحاديث عظم مكانة الوالدين وحقهما, ومع عظم تلك المكانة للوالدين, إلا أننا نرى عقوقهما قد تفشّى، وأخذ صوراً عديدةً، ومظاهر شتى؛ ومن ذلك –والله المستعان- إبكاؤهما وتحزينُهما، ونهرُهما وزجرُهما، والتأففُ والتضجر من أوامرهما، والعبوسُ وتقطيبُ الجبينِ أمامهما.
ومن صور العقوق في الواقع –أيضاً- احتقارُ الوالدين، والنظر إليهما شزراً، والإشاحةُ بالوجه عنهما إذا تحدثا، وقلةُ الاعتداد برأيهما، وإثارةُ المشكلات أمامهما, ومن ذلك -عياذًا بالله- شتمُ الوالدين، وذمُّهما عند الناس، والتخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر، والتبرؤُ منهما، ومن صور العقوق هجرُ الوالدين، والبخلُ عليهما، وتركُ نصحهما، والسرقةُ من أموالهما، والأنينُ وإظهارُ التوجُّع أمامهما. وما أشد العقوق وما أبشعه حينما يكون الأبوان في حال كبرهما وضعفهما أشد ما يكونان حاجةً إليك، فتتخلى عنهما وتنسى جميلهما، بعضهم يُقدّم زوجته على أمه، وآخر تغره وظيفته ومنصبه، وآخر يطغيه ماله ومرتبه، وآخر يرسلهما إلى دار العجزة والمسنين، وآخر يصلهما لكن بتضجر وكأنه ينتظر بفارغ الصبر ساعة موتهما.
ألوانٌ من العقوق وصنوف من الواقع في الجحود، فويل لهؤلاء من رب العالمين، ويلهم من الله، لماذا يعيش هؤلاء؟ أي خيرٍ يريدونه وأي رحمةً يرجونها؟! وأي بركة في حياتهم ينتظرونها؟! ليس لهم إلا السخط والغضب من رب العالمين؛ إذ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ)3. إنهم لو صدقوا في طلب مرضاة الله ورحمته لوجدوها في بر الوالدين, ولقد جاء جَاهِمَةُ –رضي الله عنه-َ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ؟ فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟) قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: (فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا)4.
وقد أكد الله على بر الوالدين حال ضعفهما وكبرهما، فقال سبحانه :{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (23-24) سورة الإسراء. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَغِمَ أَنْفُهُ, ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ, ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ) قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ)5. ومعنى الحديث: أن من أدرك أحد والديه أو كليهما عند الكبر ولم يؤد حقهما من البر لم يدخل الجنة جزاءً وفاقاً, ومعنى رغم أنفه هذه كناية عن الذل أي: وأنفه ملتصقٌ بالتراب من الذل.
أيها المسلمون:
لو تأملنا في حنان الأم فإننا نعجب من حنانها, ومن تلك الرحمة التي في قلبها؟ ترى ابنها يعقها ويقطعها ولا تدعو عليه، إن الرحمة التي في قلبها تنسيها مرارة العقوق وآلام القطيعة، إنها أمُّه لا تزال تحبه وترجو له الهداية، وتطمع في ذلك ولا تيأس, ولقد ذُكر إن رجلاً قطع أمه ما يقارب الثلاثين عاماً، نعم ثلاثون عاماً لم يسافر إليها لزيارتها -يا عباد الله- مع قدرته، ما منعه إلا الكبر، ومع ذلك لما جاءت ساعة وفاتها، أرسلت إليه تريد أن تراه، وتستأنس بلقياه قبل أن تفارق الدنيا، رحماك يا الله بها، وبجميع الأمهات الأحياء منهن والأموات!!.
لأمك حق لو علمت كبير
فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي
وفي الوضع لو تدري عليك مشقةٌ
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها
وكم مرةٍ جاعت وأعطتك قوتها
فضيعتها لما أسنت جهالةً
ًفآهٍ لذي عقل ويتبع الهوى
فدونك فارغب في عميم دعائها
كثيرك يا هذا لديه يسير
لها من جواها أنةٌ وزفير
فكم غصص منها الفؤاد يطير
ومن ثدييها شربٌ لديك نمير
حنواً وإشفاقاً وأنت صغير
وطال عليك الأمر وهو قصير
وواهاً لأعمى القلب وهو بصير
فأنت لما تدعو إليه فقير
ذكر أحد المشائخ في إذاعة القرآن الكريم أن رجلاً تزوج بامرأةٍ وسرعان ما نشبت الخلافات بين أمه وزوجته، ودامت هذه المشاكل كثيراً، فلما يئس من حلها وقطع الأمل في إصلاحها قرر أن يذهب بأمه إلى شعب فيه ذئاب كي تأكلها الذئاب ويستريح من أمه، فأخذ أمه وذهب بها حتى أتى الشعاب فوضعها ثم مضى، وفي الطريق أفاق من غفلته وأدرك فداحة عمله وقبيح جرمه، فعاد إلى أمه مسرعاً، ولكن متنكراً متلثماً، فلما رأته أمه ولم تعرفه قالت له: يا أخي، أرجوك أدرك ولدي، ذهب من هذا الطريق، إني أخاف عليه من الذئاب!! لا إله إلا الله، ما هذا الحنان، وما هذه الرحمة، وما هذا الذي يُقابله من العقوق والإجرام؟!
فلا تطع زوجةً في قطع والدة
فكيف تنكر أماً ثقلك احتملت
وعالجت بك أوجاع النفاس وكم
وأرضعتك إلى حولين كاملةً
ومنك ينجسها ما أنت راضعه
وعاملتك بإحسانٍ وتربيةٍ
فلا تفضل عليها زوجةً أبداً
والوالد الأصل لا تنكر لتربيةٍ
عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرا
وقد تمرغت في أحشائها شهرا
سرت لما رأت مولودها ذكرا
في حجرها تستقي من ثديها الدررا
منها ولا تشتكي نتناً ولا قذراً
حتى استويت وحتى صرت كيف ترى
ولا تدع قلبها بالقهر منكسرا
واحفظه لا سيما إن أدرك الكبرا
أيها العاق:
أراك لو أحسن إليك حيوان مرةً واحدة لما نسيت الجميل, فكيف بأمك وأبيك وقد أحسنا إليك الدهر كله؟! أنسيت تلك الأيام، يوم كنت ترفس في بطنها، أنسيت تلك الليالي يوم كنت تُسهرها وترهقها، لأجلك أنت أمك لم تذق مناماً، ولم تستسغ طعاماً، تبكي لآلامك، وتحزن لبكائك، تضمك إلى صدرها، وترضعك من ثديها، وتحمل أذاك بيديها، وذلك الأب كم جاع لتشبع أنت، وكم تعب لتستريح أنت، ما جمع المال إلا لك، وما أفنى عمره إلا ليبني مستقبلك، يعمل ولا يكل ولا يمل، حتى احدودب الظهر ورق العظم وشاب الرأس، أما آن لهذا الفارس أن يترجل ويستريح؟ ثم بعد ذلك تنسى جميلهما، وتنكر فضلهما.
عباد الله:
كم من أمٍ عجوز، وكم من أب شيخ هرم، أصبحوا رهائن بيوتٍ لا يزارون وأسرى جدران وسرر لا يُذكرون، لا يُسأل عنهم ولا يعطف عليهم، لقد تنكر لهم أبناء هذا الجيل إلا من رحم الله، تتحدث الأم العجوز فلا أحد يلتفت إليها من أبنائها، ولا يصغون إليها، لماذا، قالوا: إنها عجوز ثرثارة كثيرة الكلام، ويتحدث الأب الهرم فلا يُستمع إليه ولا يبالى به، لماذا؟ قالوا: إنه شيخ خرف لا يدري ماذا يقول، هذا عقوق والله، وكان الواجب إن تكلمت أمك أن تصغي إليها وتظهر إعجابك بحديثها، وإن تكلم أبوك أقبلت عليه وأبديت سروراً وانبساطاً بالحديث معه.
وإن من أقبح صور العقوق -إن لم تكن أقبحها- تمني زوالِهما، وقَتْلُهما، والتخلصُ منهما، رغبةً في الميراث، أو رغبة في التحرُّر من أوامر الوالدين؛ فيا لشؤم هذا، ويا لَسوادِ وجهه، ويا لسوءِ مصيره إن لم يتداركه الله برحمته, هذه بعض صور العقوق، وتلك بعض مظاهره؛ فما أبعد الخير عن عاق والديه. نسأل الله العفو والعافية والغفران؛ إن ربي لغفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, من يطع الله ورسوله فقد رشد, ومن يعصهما فقد غوى, وإن ما قلَّ وكفى خير ممن كثر وألهى, وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد:
أيها المسلمون:
إن لعظم حق الوالدين جعل الله دعوة الوالد على ولده مستجابة، فالحذر كل الحذر من أن تصيبك دعوة والديك, ولقد ذُكر أن والداً كان له ولد منحرف، فكان أبوه كثيراً ما ينصحه، فضجر الابن يوماً فرفع يده وضرب أباه، فأقسم الأب بالله ليأتين إلى بيت الله الحرام، وليدعون على ابنه عند الكعبة، فلما وصل الحرم، تعلق بأستار الكعبة، وأخذ يدعو على ولده أن يصيبه الله بالشلل، وقد استجاب الله دعاءه، فأصيب ابنه بشلل نصفي، حتى أنه لم يستطع معه الكلام, وصدق -عليه الصلاة والسلام- حين قال: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ)6. فما أقرب العقوبة منه، وما أسرع الشر إليه, وهذا أمر مشاهد محسوس يعرفه كثير من الناس، ويرونه بأم أعينهم، ويسمعون قصصاً متواترة لأناس خذلوا وعوقبوا بسبب عقوقهم لوالديهم.
قال الأصمعي: أخبرني بعض العرب أن رجلًا كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشابُّ عاقَّاً بأبيه، وكان يقال للشاب منازل, فقال الأب الشيخ الكبير:
جَزَتْ رحمٌ بيني وبينَ منـازلٍ
تَرَبَّـتَ حتى صار جعدًا شمردلًا
تظلَّمني مالي كذا ولـوى يدي
وإني لـداعٍ دعوةً لـو دعوتُها
جزاءً كما يستنجزُ الدَّيْـنَ طالبُه
إذا قام ساوى غاربَ الفحلِ غاربُه
لوى يـدَه اللهُ الـذي لا يغـالبُه
علـى جبل الريان لانْهَدَّ جانبه
فبلغ ذلك أميراً كان عليهم، فأرسل إلى الفتى ليأخذه، فقال له أبوه الشيخ: اخْرُجْ من خلف البيت، فسبق رُسُلَ الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقَّه في آخر حياته، واسم الولد خليج فقال منازل فيه:
تظلمني مالـي خليجٌ وعقني
تخيَّـرتُه وازددتـه ليزيدني
لعمـري لقد ربَّيته فرحاً به
على حين كانت كالحَنيِّ عظامي
وما بعـضُ ما يزدادُ غيرُ عـرامِ
فلا يفرحـنْ بعدي امرؤٌ بغلامِ
فأراد الوالي ضرب الابن، فقال للوالي: لا تعجل هذا أبي منازل بن فرعان الذي يقول فيه أبوه:
جَزَتْ رحمٌ بيني وبينَ منازلٍ
جزاءً كما يستنجزُ الدَّيْنَ طالبُه
فقال الوالي: يا هذا عَقَقْتَ وعُقِقْتَ.
ولأن عقوق الوالدين ظلمٌ عظيم، فإن الله يعجل بعقوبة العاق في الدنيا قبل الآخرة، وهذه قصة واقعية مؤلمة من بين الكثير من القصص التي تبين عدل الله تعالى وتعجيله لعقوبة العاق لوالديه في الدنيا, فقد ذُكر أن رجلاً خلّف ثلاثة أبناء، فجمع الأموال، وبنى العمارات، وزوّج أبناءه الثلاثة من ثلاث أخوات، وكبر الأب، وماتت زوجته، فسكن مع أبنائه حتى بلغ من الكبر عتياً، ورُدَّ إلى أرذل العمر، وأصبح لا يعلم من بعد علمٍ شيئاً، فأبدت زوجات الأبناء حينها تضجراً وتذمراً من أبي أزواجهنّ، وبعد إلحاح من الزوجات قرر الأبناء أن يذهبوا بأبيهم إلى الملجأ الخاص بالعجزة, وهناك أخبروا المدير أنهما وجدوه في الطريق, وأنه تبين لهم أنه معتوه، فأتوا به إلى الملجأ يبتغون الأجر من الله، فشكرهم المدير على فعلهم الجميل، ولما خرجوا من الملجأ قالوا للحارس: إذا مات ذلك الشخص فاتصل بنا فنحن سنتبرع بأمور كفنه ودفنه لوجه الله، وعرضوا عليه جزءاً من المال إن هو اتصل بهم، وفي مساء ذلك اليوم أخذا الأب المسكين ينادي زوجات أبنائه: يا فلانة، يا فلانة، هاتوا الإبريق لأتوضأ، فقال له رجل بجواره:من فلانة هذه، إنك في ملجأ المسنين، وهنا أفاق الرجل ورد الله إليه عقله، فأخذ يسأل:من أتى بي إلى هذا المكان؟ فقيل له: ثلاثة رجال شهامٍ كرام، فلما عرف صفاتهم، قال:هؤلاء أبنائي، ثم طلب اللقاء مع مدير الملجأ، ثم تبرع للملجأ بجميع ما يملك من عقارات وعمارات، وأحضر مدير التسجيل؛ لأنه رفض أن يخرج من الملجأ إلا ميتاً، وصُدّق على الأوراق، واشترط أن يخرج جميع الساكنون من عماراته ولو عرضوا دفع الإيجار، ثم ما لبث الرجل أن مات بعدها بيومين، إذ لم يحتمل الصدمة، وسمعه جيرانه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ويقول: اللهم اشهد إني غاضبٌ عليهم، اللهم كما حرمتهم من نعيم الدنيا فاحرمهما من نعيم الآخرة، اللهم لا ترني وجوههم في الآخرة إلا وهي ملتهبة بالنيران، وهكذا ظل يردد الدعاء عليهم حتى فارق الحياة, واتصل الحارس بالأبناء، فجاءوا مُسرعين، وبعد أن دفنوه عادوا فرحين كي يتقاسموا الإرث، فإذا بالشرطة قد سبقتهم تبلغهم بمغادرة الشقق؛ لأنها أصبحت في ملك الملجأ، فلما تحققوا من الأمر طلبوا البقاء على أن يدفعوا الأجرة، فقالت الشرطة: هناك شرط بعدم البقاء ولو دفعتم مليوناً، فنظر الرجال والنساء لبعضهم نادمين كلٌ يلقي اللوم على الآخر، وأُخرجوا وقد خسروا دنياهم، وأما جزاءهم في الآخرة فعلمها عند ربي7.
نسأل الله أن يجعلنا ممن أدى حقه وحق الوالدين كما يحب ربنا ويرضى, ونسأله -جل وعلا- بمنه وكرمه أن يصلح لنا ذرياتنا, وأن يهدينا وإياهم سبل السلام, اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.
1 رواه البخاري -496- (2/353) ومسلم -122- (1/235).
2 رواه البخاري -6182- (20/367).
3 رواه الترمذي -1821- (7/122) وصححه الألباني برقم (3506) في صحيح الجامع.
4 رواه النسائي -3053- (10/150) قال الألباني: "إسناده جيد" انظر الحديث في مشكاة المصابيح برقم (4939).
5 رواه مسلم -4628 - (12/397).
6 رواه أبو داود -1313- (4/333) والترمذي -1828- (7/133) وأحمد -7197- (15/238) وحسنه الألباني يرقم (3031) في صحيح الجامع.
7 استفيدت الموضوع بتصرف من:موقع اسلام سليكت = وكتاب: دروس رمضان لـ(محمد إبراهيم الحمد)