خصائص العقيدة الإسلامية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً. أما بعد:
ترجع أهمية العقيدة إلى أهمية الدين في حياة الإنسان، وأهمية الدين معلومة، الدين هو القيمة الحقيقية الأساسية للإنسان في الدنيا والآخرة، الإنسان بلا دين حق لا قيمة له، ولا يمكن أن تتحقق العبادة الحقة إلا بالعقيدة السليمة، لا من حيث منهج العبادة الشرعي، بل حتى من حيث الاعتقاد ابتداءً بالله -عز وجل-، وبأصول الإيمان الأخرى، والاعتقاد بالغيبيات، والاعتقاد بمنهاج الدين جملة وتفصيلاً على قدر مدارك الإنسان، فالإنسان إذا صحت عقيدته صح دينه، وإذا صح دينه صحت صلته بالله -عز وجل-، وإذا وصل إلى هذه الدرجة حقق السعادة المنشودة التي هي السعادة العظمى في الدنيا والآخرة، ولا سبيل إلى تحقيق هذه السعادة الدائمة إلا بسلامة العقيدة.
مفهوم العقيدة:
العقيدة مصدرها في اللغة من "العقد" وهو الشد والربط بقوة وإحكام، فكل أمر ذي بال يسمى عقيدة، ولذلك تسمى العهود والمواثيق "عقدا" فإجراء النكاح يسمى عقدا، وإجراء البيع يسمى عقدا، وهنا من باب أولى ما بين العبد وربه، فما بين العبد وربه من الأمور التي يجب أن يتصورها ويؤمن بها تسمى عقيدة.
المفهوم الاصطلاحي للعقيدة:
هي الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه الشك لدى معتقده، هذا على جهة العموم.
أما العقيدة الإسلامية: فهي الاعتقاد الجازم بأركان الإيمان وأصول الدين وثوابته وكل ما ثبت عن الله -تعالى- وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأمور القلبية والعلمية، والقولية، وأيضاً مناهج الحياة، بل ويشمل ذلك جانب التعامل مع الآخرين، وهذه نقطة مهمة؛ لأن كثيرا من الذين يتناولون أمر العقيدة يغفلون أو ربما يذهلون عن أن ثمرة العقيدة هي التعامل الظاهر.
مصادر العقيدة الإسلامية:
مصادر العقيدة هي مصادر الدين عقيدةً وفقهاً وهي الكتاب والسنة، وليس هناك مصادر غير ذلك، لكن بعض العلماء يذكر مصدر ثالث، وهو الإجماع , وهو ليس مصدر مستقل، بل عبارة عن حصيلة فهم النصوص، فأحياناً ينبني الإجماع على نص، أو على مجموعة نصوص، وأحياناً ينبني الإجماع على قاعدة أو قواعد أخذت من نصوص وأحياناً ينبني الإجماع على فهوم صحيحة سليمة من قِبَل الراسخين في العلم من النصوص، فعلى هذا الإجماع قد يعتبر مصدرا ثالثا، وقد يقال أنه مصدر تابع، ولا مشاحة في الاصطلاح.1
والآن نتعرف على بعض خصائص العقيدة الإسلامية:
1- أنها ربانية المصدر:
أي أن مصدرها من عند الله، وأنها لم تتغير ولم تتبدل، وهذا يطمئن النفس أنها خير لأنفسنا، وأن السعادة تكمن في تنفيذها، وأن الشقاء يترتب على تركها:
أ. فالخير والبركة والسعادة ووفرة الإنتاج كلها من بركات تطبيق الشريعة المبنية على هذه العقيدة: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف. وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} (66) سورة المائدة.
ب. وما دامت ربانية من الله عز وجل فإنها مبرأة من النقص، سالمة من العيب، بعيدة عن الحيف والظلم، لأن الله له المثل الأعلى في السماوات والأرض {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} .. (82) سورة النساء.
ج. ومادامت ربانية فهي التي تشبع جوعة الفطرة للعبادة لا يسدها إلا منهاج الله، ولا تملأها النظم الفلسفية، ولا السلطان السياسي، ولا الثراء المالي.
وهذه الجوعة الفطرية للجوع (تحول) إلى قوة عليا تبرز بادية للعيان أمام الأعاصير والكوارث والمحن، فهذا (ستالين) الذي كان يقول: (لا إله والحياة مادة، والدين علقة تمتص دماء الشعوب) يضعف أمام هول الحرب العالمية الثانية، فإذا به يخرج القساوسة من السجن حتى يدعو له بالنصر، ومرة ثانية أمام شدة المرض يرسل وراء القسيس حتى يصلي له ويستغفر.
د. ومادامت ربانية فالناس أمامها سواء لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، فالله خالق الناس أجمعين فكلهم عبيده، وهو لا يفضل لونا على لون. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل.
ولذا فهي العقيدة الوحيدة التي تنصف الناس وتعدل بينهم، والناس يقفون فيها على قدم المساواة حاكمهم ومحكومهم سواء{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (115) سورة الأنعام.
2- ومن خصائص هذه العقيدة أنها ثابتة:
قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30)سورة الروم. وثبات العقيدة ناتج عن أنها منزلة من عند الله، وقد انقطع الوحي بالتحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى من الجنة، وبقيت النصوص ثابتة إلى يوم الدين لا ينسخها ناسخ ولا يبدلها كافر.
والإنسان يتحرك ويتطور وينمو، ولكن داخل إطار العقيدة الثابت الذي يتسع لحركة الإنسان ونموه، وإذا خرج الإنسان من الإطار الثابت فإنه يسبح كالنجم الذي يفلت من مداره، ويسير إلى نهايته التي تؤدي إلى اصطدامه بكوكب آخر، فيتحطم ويحطم معه غيره.
ولا بد من شيء ثابت يرجع الناس إليه، حتى يطمئنوا ويستريحوا ويكون عندهم مقياس يعرفون طول الأشياء وعرضها ووزنها، أما الذين يقولون بأن كل شيء متطور في الحياة حتى الدين والأخلاق والنظم، فهذا يؤدي إلى فوضى كبيرة، فلا نعرف الحكم على أي شيء.2
من خصائص العقيدة: أنها توقيفية غيبية:
فعقيدة الإسلام موقوفة على كتاب الله، وما صح من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فليست محلاً للاجتهاد؛ لأن مصادرها توقيفية.
وذلك أن العقيدة الصحيحة لابد فيها من اليقين الجازم، فلابد أن تكون مصادرها مجزوم بصحتها، وهذا لا يوجد إلا في كتاب الله وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وعليه فإن جميع المصادر الظنية، كالقياس والعقل البشري لا يصح أن تكون مصادر للعقيدة، فمن جعل شيئاً منها مصدراً للعقيدة فقد جانب الصواب، وجعل العقيدة محلاً للاجتهاد الذي يخطئ ويصيب.3
وغيبية بمعنى أنها في أصولها، في منطلقاتها غيبية، قد يكون فيها بعض الجوانب يدركها الإنسان بعقله السليم وفطرته لكن إدراك إجمالي، وتبقى أصولها تفاصيلها غيبية.
ومن خصائص العقيدة وسماتها: الشمول:
شمول لجميع حاجات الفرد، في قلبه وعاطفته وأحاسيسه وفي مشاعره و جوارحه وفي متطلبات حياته الفردية والأسرية والاجتماعية والعالمية، فهي شاملة لكل ما يحتاجه أو ما يحقق السعادة للناس في الدنيا والآخرة.
ومن خصائص العقيدة أنها محفوظة:
فهي محفوظة بحفظ الدين، محفوظة بجميع جزئياتها وليس فقط قواعده وأصوله، فهي عبارة عن كنز موجود واضح بيّن نقي ليس فيه غموض، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تركتم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)4، فهلاك الناس هي التي جعلتهم يقصرون في البحث عن بعض المسائل أو حل مشكلاتهم من الدين، لا لأن الدين ضاع منه شيء، فإن الدين محفوظ وإلى قيام الساعة.
ومن خصائص العقيدة: الوضوح:
فالعقيدة الإسلامية عقيدة واضحة لا غموض فيها ولا تعقيد، فهي تتلخص في أن لهذه المخلوقات إلهاً واحداً مستحقاً للعبادة هو الله تعالى الذي خلق الكون البديع المنسق وقدر كل شيء فيه تقديرا، وأن هذا الإله ليس له شريك ولا شبيه ولا صاحبة ولا ولد، فهذا الوضوح يناسب العقل السليم؛ لأن العقل دائما يطلب الترابط والوحدة عند التنوع والكثرة، ويريد أن يرجع الأشياء المختلفة إلى سبب واحد.
وكما أن العقيدة الإسلامية واضحة فهي كذلك لا تدعو إلى الاتباع الأعمى بل على العكس فإنها تدعو إلى التبصر والتعقل قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف. ولأن العقيدة مما تحار العقول المجردة فيها ولا تصل إلى إدراكها إلا من طريق الشارع الحكيم، فقد رجع كثير من الفلاسفة وأهل الكلام من المسلمين عن مناهجهم العقلية المجردة إلى منهج الكتاب والسنة ومن هؤلاء الفخر الرازي -وهو من كبار الفلاسفة المسلمين إذ يقول بعد عمر طويل في البحث العقلي:
نهاية إقدام العقول عقال *** وأكثر سعي العاملين ضلال
ومن خصائصها أنها تتميز بالسهولة واليسر:
العقيدة الإسلامية ليس فيها ألغاز، ولا فلسفات، ولا غموض، فالعقيدة في الكتاب والسنة وعلى ألسنة أكثر السلف، سهلة ميسورة يفهمها العامي بقدر والمثقف بقدر، وطالب العلم بقدر، والعالم الراسخ بقدر، كلٌ يفهمها، ليس في ثوابت العقيدة ما لا يُفهم، ليس فيها ما هو عسير بعكس عقائد أهل الأهواء والبدع، وهذا أمر عجيب، كل أهل الأهواء والبدع يوجد في أصولهم ما لا يفهمه إلا الخاصة منهم بدون استثناء، لا يفهمه العوام، ولا حتى طلاب العلم إلا المتخصص منهم، ما عدا العقيدة الإسلامية، عقيدة أهل السنة والجماعة، العقدية الحق تتميز بالسهولة واليسر والإحكام والوضوح، وأيضاً ثبوت المصطلحات، أصول العقيدة كلها، مصطلحاتها الشرعية ثابتة إلى قيام الساعة، لا تختلف من بين وقت ووقت.
ومن خصائصها أنها عقيدة وسط لا إفراط فيها ولا تفريط:
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (143) سورة البقرة. فهي -مثلاً- وسط بين التسليم الساذج والتقليد الأعمى في العقائد، وبين الغلو والتوغل بالعقل لإدراك كل شيء حتى الألوهية، فهي تنهى عن التقليد الأعمى، حيث عاب الله على القائلين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} (23) سورة الزخرف. وتنهى عن التوغل بالعقل لإدراك كيفية صفات الرب عز وجل فقال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (110) سورة طـه. وقال: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (36) سورة الإسراء. وتدعوهم إلى التوسط والأخذ بالمدركات كوسائط قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ*وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (20-21) سورة الذاريات.5
هذه بعض ما تيسر ذكره من خصائص هذه العقيدة الإسلامية العظيمة.
ونسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقنا إلى الحق ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، والحمد لله رب العالمين.