منكرات الأفراح
الحمد لله رب العالمين، عم بنعمته الخلائق كلها، على مدار الأعوام والسنين، وأكمل دين الإسلام ورضيه ديناً لعباده المؤمنين.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين وصحابته الأكرمين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنه من المعلوم أن الزواج من سنن المرسلين، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً (38) سورة الرعد.
وهو من نعم الله على عباده إذ يحصل به مصالح دينية ودنيوية، فردية واجتماعية، مما جعله من الأمور المطلوبة شرعاً، قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) سورة النــور.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج).1
ومن حق هذه النعمة الشكر، وألا تتخذ وسيلة للوقوع فيما حرم الله.
ومما ينافي شكر هذه النعمة وقوع كثير من المخالفات والمنكرات التي تتعلق بها ابتداء من مبدأ النكاح نفسه، وانتهاء بوليمة العرس، غير أنها تختلف باختلاف الأزمان والأوطان.
مما يحتم على كل مسلم التنبه لها والتنبيه عليها والقيام بما أمر الله تعالى به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ونظراً لكثرتها فيكتفى في هذا الدرس بعرض نبذ منها والله المسؤول أن يقينا شرورها.
هذه المنكرات منها ما يتعلق بـ:
1- الخطوبة والعقد.
2- الوليمة.
3- الفرح.
وسنأتي عليها بالتفصيل:
أولاً: منكرات الخطوبة والعقد:
ومن المنكرات التي يقترفها العروسين وأهلهما في الخطوبة والعقد:
× عدم النظر إلى المخطوبة:
وقد شرع لنا الله تعالى النظر إلى المخطوبة، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)، قال: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها.2
قال النووي -رحمه الله-: "فيه استحباب النظر إلى من يريد تزوجها، وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء".3
وعن أبي هريرة قال: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أنظرت إليها؟) قال: لا، قال: (فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيء،قال: (على كم تزوجتها؟) قال: على أربع أواق، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه) قال: فبعث بعثا إلى بني عبس.4
فالخاطب يستحب له أن يرى ما يظهر غالباً من المرأة كالوجه واليدين, ويتأمل فيها وفي ما يدعوه إلى نكاحها لما سبق من الأدلة.
ولا يجوز للرجل أن ينظر لمن لم يرد خطبتها, وكذلك لا ينظر إليها في خلوة, أو مع ترك الحشمة , إنما يباح له النظر إليها مع عدم علمها, أو مع علمها وأهلها إذا كانت رؤيته لها ممكنة.
أما عرض البنات من قِبل أهلهن بحجة الخطبة فهذا مما لا يسوغ ولا يفعله أهل الغيرة والحشمة والعفاف.
وإنما يباح النظر لمن علم منه الصدق في الزواج, أو بعد الخطبة.
× المغالاة في المهور:
وفي هذه الأيام انتشر في أوساط المسلمين المغالاة في المهور، مخالفين بذلك ما دعا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كان عليه الأمر في حياته -صلى الله عليه وسلم- وحياة صحابته رضوان الله عليهم كما سبق في حديث الرجل الذي خطب امرأة من الأنصار.
والمسؤولية هنا تقع على كاهل المجتمع وأولي الأمر والدعاة إلى الله، في توجيه من بيدهم عقدة النكاح وكبح جماحهم وحثّهم على عدم المغالاة.
فهذا الخليفة عمر بن الخطاب يدعو الناس من على المنبر: "ألا لا تغالوا في مهور النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي -صلى الله عليه وسلم-, ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية".5
كل هذا توجيهاً وإرشاداً للعامة بخطر المغالاة في المهور والتعسف في ذلك، بما يعود بالبلاء على الجميع؛ فإن الفرد لا يستطيع تحقيق مصالحه بمفرده ودون معونة أفراد مجتمعه، لا أن يكونوا هم أنفسهم من يعيق ذلك.
وجاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).6
فالأصل أن يكون الخاطب صاحب دين وخلق لا صاحب مال.
وللحكومات والمؤسسات أن تسهم عملياً في تيسير سبل الزواج للشباب ليعم الخير أفراد المجتمع المسلم، ولئلا يفسد المجتمع وتكثر فيه الفواحش.
× لبس الدبلة:
حيث يلبس الخاطب خطيبته دبلة وهي كذلك تلبِّسه دبلة، ويكتب في باطن كلا الخاتمين اسم الخاطب والخاطبة، ويعتقد كل من العريسين أن عقد الزواج مرتبط بلبس الخاتم.
وأصل هذه العادة مرتبط بما كان يفعله النصارى.
يقول الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى في "آداب الزفاف" ما نصه: "فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضاً؛ لأن هذه العادة سرت إلى المسلمين من النصارى، ويرجع ذلك إلى عادة قديمة لهم عندما كان العريس يضع الخاتم على رأس إبهام العروس اليسرى ويقول: باسم الرب، ثم ينقله واضعاً له على رأس السبابة ويقول: باسم الابن، ثم يضعه على رأس الوسطى ويقول: باسم روح القدس، وعندما يقول: آمين، يضعه أخيراً في البنصر حتى يستقر".7
منكرات الولائم:
1. الإسراف في الطعام:
وقد ابتلي الناس اليوم بالمباهاة في المآكل والمشارب خاصة في الولائم وحفلات الأعراس فلا يكتفون بقدر الحاجة وكثير منهم إذا انتهى الناس من الأكل ألقوا باقي الطعام في الزبالة والطرق الممتهنة.
وهذا من كفر النعمة وسبب في تحولها وزوالها , فالعاقل من يزن الأمور بميزان الحاجة وإذا فضل شيء عن الحاجة بحث عمن هو في حاجته، وإذا تعذر ذلك وضعه في مكان بعيد عن الامتهان لتأكله الدواب ومن شاء الله ويسلم من الامتهان.
والواجب على كل مسلم أن يحرص على تجنب ما نهى الله عنه، وأن يكون حكيماً في تصرفاته مبتغياً في ذلك وجه الله شاكراً لنعمه, حذراً من التهاون بها وصرفها في غير مصارفها كما قال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) سورة إبراهيم.8
كما أن الله قد ذم الإسراف في غير ما آية في كتاب الله فقال: وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) سورة الأعراف.
وامتدح عباد الرحمن بقوله: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) سورة الفرقان.
فالواجب شكر هذه النعم، وعدم الإسراف في الأموال والأطعمة، لتدوم علينا في الدنيا والآخرة.
2. دعوة أصحاب الجاه والغنى وترك الفقراء:
ومن المظاهر المنكرة في وليمة الزواج أن يدعى إليها الأغنياء وأصحاب الجاه ويترك الفقراء، وقد كره النبي تلك الوليمة فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء. ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله).9
ثالثاً: من منكرات الأفراح:
1. التشريعة عند الزواج:
وهي أن تلبس المرأة ثوباً أبيض كبيراً لا تستطيع المشي به حتى يحمله معها عدد من النساء أو الأولاد، وتلبس معه شراباً أبيض وقافزين أبيضين كذلك، ثم توضع في مكان فسيح وعلى ملأ من الناس، ثم يدخل عليها الزوج ويسلم عليها أمامهم ويعطيها التحف والهدايا ويتبادل معها أطراف الحديث، وربما شاركه في هذا أقرباؤه كما هو حاصل في بعض البلاد.
وهذه العادة هي امتداد لعادات بعض الكافرين، وفيها من السرف ما لا يخفى.
2. المنصة:
وهو دخول العريس والعروس وجلوسهما في مكان عال بمرأى من جميع الحاضرين.
وفي هذا يقول الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "ومن الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء ويجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات، وربما حضر معه غيره من أقاربه وأقاربها من الرجال، ولا يخفى على ذوي الفطرة السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير، وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة الفاتنات المتبرجات، وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة. فالواجب منع ذلك والقضاء عليه حسما لأسباب الفتنة وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر".10
3. خروج النساء متطيبات:
ومن منكرات الأفراح خروج النساء من بيوتهن متطيبات، وهن في طريقهن إلى العرس يتعرضن للمرور على الرجال، وهذا بلا شك حرام.
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية).11
4. الاختلاط:
يحدث الاختلاط عند دخول الزوج وأقاربه وأقارب الزوجة من الرجال عند وقت المنصة، وهو كذلك منكر، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل: أفرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال: (الحمو الموت).12 الحمو أخو الزوج.
ولا يخفى ما للاختلاط من العواقب الوخيمة، فتصور -أخي المسلم- كيف يكون الحال والجمع الحاضر في غمرة الفرح بالعرس وفي نشوة النكاح؟
فبالله عليك ماذا يكون من الفتنة؟ ستكون فتنة عظيمة، ستتحرك الغرائز، وستثور الشهوات.
5. التصوير:
ومن تلك المنكرات والمحاذير التي تقع ليلة الزفاف هذا المحذور العظيم:
إذ أن بعض النساء تصطحب آلة التصوير لتلتقط صور الحفل.
يقول الشيخ محمد العثيمين: "ولا أدري ما الذي سوغ لهؤلاء النساء أن يلتقطن صور الحفل لتنشر بين الناس بقصد أو بغير قصد؟! أيظن أولئك الملتقطات للصور أن أحدا يرضى بفعلهن؟! إنني لا أظن أن أحدا يرضى... أن تؤخذ صورة ابنته، أو صورة زوجته، لتكون بين أيدي أولئك المعتديات ليعرضنها على من شئن متى ما أردن!!"
ويقول: "ولقد بلغنا: ما هو أفدح وأقبح: أن بعض المعتدين يحضرون آلة الفيديو ليلقطوا صورة الحفل حية متحركة، فيعرضونها على أنفسهم وعلى غيرهم كلما أرادوا التمتع بالنظر إلى هذا المشهد!!".13
ومن المنكرات أيضاً:
ما يتعلق بالتهنئة، فيهنؤون بقولهم: "بالرفاه والبنين" وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التهنئة بهذا اللفظ.
وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفأ قال: (بارك الله لكم، وبارك عليكم، وجمع بينكما في خير).14
وتزوج عقيل بن أبي طالب امرأة من بني جثم فقيل له: بالرفاء والبنين، قال: "قولوا كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بارك الله فيكم وبارك لكم)".15
من المنكرات العظيمة: حضور المغنين والمغنيات في الأفراح واستئجار الفنادق الضخمة فيها، وهذا من أعظم الفساد والمنكر.
نسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شر هذه المنكرات، ويهدينا جميعاً إلى سواء الصراط، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
1 رواه البخاري برقم (4778) ومسلم (1400).
2 رواه أبو داود برقم (2082) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم (1832).
3 عون المعبود شرح سنن أبي داود: لمحمد شمس الحق العظيم آبادي: دار الكتب العلمية - بيروت (6/68).
4 رواه مسلم برقم (1424).
5 رواه أبو داود برقم: (2106)، وصححه الألباني في المشكاة برقم: (3204).
6 رواه الترمذي برقم: (1084)، وحسنه الألباني في المشكاة برقم (3090).
7 آداب الزفاف: لمحمد ناصر الدين الألباني: المكتب الإسلامي - بيروت – 1409هـ، ص: (139).
8 مجموع فتاوى ومقالات ابن باز: (21/101).
9 رواه البخاري (4882) ومسلم (1432) واللفظ للبخاري.
10 مجموع مقالات وفتاوى ابن باز (4/245).
11 رواه أبو داود برقم: (4173) وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم: (2701).
12 رواه البخاري برقم: (4934) ومسلم (2172).
13 من منكرات الأفراح-الشيخ محمد صالح العثيمين، ص: (11).
14 رواه ابن ماجه برقم: (1905) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم: "1546".
15 رواه النسائي برقم: (3371). وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم: "1547".