الإجازة الصيفية
وبناء الشباب
الحمد رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين–صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين. أما بعد:
فإن زينة الحياة الدنيا وعدة الزمان بعد الله-عزوجل-وأمل الأمة هم شبابها، فكيف يمكن بناءهم في الإجازة الصيفية؟
إن الأمة الإسلامية إذا أرادت إصلاح شبابها, ورغبت في أن تقر عينها بصلاحهم, ونجاحهم وتفوقهم في حياتهم فعليها أن تهتم ببنائهم بناءً صحيحاً. فتهتم بتربيتهم التربية الحسنة، وتسلحهم بسلاح الإيمان، وتحصنهم بدروع التقوى، وتأخذهم بجد وقوة إلى العلم النافع والعمل الصالح.
إن بناء الشاب والعناية بهم مسلك الأخيار, وطريق الأبرار، فلا تفسد الأمة وتهلك في الهالكين إلا حين يفسد أجيالها، ولا ينال الأعداء منها إلا إذا نالوا من شبابها وصغارها.
إن بناء الشباب وتربيتهم تبدأ بالدعاء لهم فهذا زكريا-عليه السلام-دعا ربه بأن يرزقه الذرية الطيبة فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (آل عمران:38). ويقول إبراهيم عليه السلام:(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (إبراهيم:35) وقال-عليه السلام-:(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم:40)، وكل رجل صالح من عباد الله يبتهل إلى ربه ويدعوا لذريته فيقول: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف: من الآية15)، فينشأ من هذا البناء علماء عاملون، وجنود مجاهدون، وصناع محترفون، وشباب صالحون، فتصلح وتسعدُ بهم أمتهم، وتقربهم أعين آباءهم وأمهاتهم، فيمتد نفعهم، وتحسن عاقبتهم(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد:23-24).
إن من خطوات البناء: التوجيه والإرشاد فقد رسم النبي-صلى الله عليه وسلم-منهجاً واضحاً في بناء الشباب فقال-عليه الصلاة والسلام-لابن عمه الغلام عبد الله بن عباس-رضي الله عنه-:" يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لوا اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء إلا قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام جفت الصحف"(1).
فكانت أول لبنة وضعها النبي-صلى الله عليه وسلم-في البناء هي لبنة العقيدة، ورسوخ الإيمان، وصدق التعلق بالله وحده والاعتماد عليه، فحفظ الله يكون بحفظ حقوقه وحدوده، ومن ثم الاستعانة به وحده في الأمور كلها، والتوكل عليه، واليقين، الجازم بأن بيده سبحانه الضر والنفع، فيأتي ذلك البناء ليكون دافعاً للشباب، وهم في فورتهم وطموحهم وتكامل قوتهم، ليكون الشاب قوي العزيمة عالي الهمة.
أن من لبنات البناء أن نهتم بالشباب الاهتمام المطلوب, وخاصة في أيام الإجازات والعطل, فالشباب اليوم بحاجة إلى تكاتف الجهود،وبذل المزيد من الأوقات، والتخطيط، لكي نحفظهم من رياح التغيير التي تعصف بالصغير والكبير، وتقتل الطفل والمرأة، لكي ننشئ جيلاً عالماً بدينه, معتزاً بعقيدته، عارف بواقعه، عاملاً بكتاب ربه وسنة نبيه، على بصيرة من أمره، وإن هذا البناء لم يكن إلا إذا عملنا على تكوين البناء في هذه الإجازة.
إن الإجازة تعمل على هدم البناء الذي حصل عليه الشباب في المدارس والجامعات والمعاهد فترت دراستهم إلا أن هناك دورات، وحلقات، ومراكز، ومخيمات تعمل على مواصلة البناء في هذه الإجازة فهي تعمل على بناء الشباب بناءً علمياً وذلك من خلال وضع المناهج المناسبة والملائمة لمستويات الشباب، فيدرسون منهجاً علمياً،يقوم على الفهم الصحيح الذي فهمه سلف الأمة. وتعمل على بناء الشباب بناء فكرياً، فكراً مستنيراً بكتاب الله وسنة رسوله، فكراً سليماً من البدع والخرافات والشركيات، فكراً خالياً من الشبه والضلالات، فكراً بعيداً عن القنوات الفضائية وما تمليه من شبهات, وطعونات, وشكوكات عن الإسلام وتعاليمه, وبعيداً عن تلبيسات الأعداء ومخادعاتهم.
فالبناء متواصل من قبل أهل الخير حيث تعمل هذه المراكز على بناء الشباب بناء صحياً وذلك من خلال الأنشطة الرياضة التي تمارس على مختلف أنواعها, ومن خلال التوعية بأسباب الأمراض وأضرارها ومن خلال الحث على النظافة وإقامة الدورات في الإسعافات الأولية وغيرها، وشعارهم في ذلك العقل السليم في الجسم السليم.
ومن اللبنات التي تضعها هذه المراكز والدورات، لبنة بناء المستقبل المشرق، وذلك من خلال إقامة الدورات في الحاسوب، واللغات، والإدارة، والمحاسبة، والخطابة وغيرها من اللبنات التي تكون شباب المستقبل الزاهر، وذلك لن يكون إلا بأن يكون آباء الأنباء وأمهاتهم على علم بما تقوم به هذه المراكز من خدمات عديدة, فيدفعون أبناءهم إلى هذه المراكز والدورات فتكون الثمرة بناء جيل سليم العقيدة، مستنير الفكر بالكتاب والسنة، محصناً بالآداب الشرعية عنده طموحات عالية صالحاً في نفسه مصلحاً لغيره, هذا هو البناء الذي يتكون للشباب في الإجازة الصيفية لمن أدرك أهميتها وعمل على بناء نفسه وغيره.
إن للعمر أجل، وأن الآمال عريضة بحر لا ساحل له- ولذلك وجب المسارعة إلى العمل الصالح واحفظ لحظات العمر، واشغل الأوقات بما ينفع في العاجل والآجل.
إن الشاب إن لم ينشغل في مشروعات الخير والإنتاج المثمر ، وأعمال البر والطاعة ، نهبته الأوقات الطائشة، وعاش في دوامة من الترهات والمهازل.
إن شغل الأوقات وشحنتها بالأعمال والواجبات، والانتقال من عمل إلى عمل ومن مهمة إلى أخرى، ولو كانت خفيفة، يحمي المرء من علل البطالة, ولوثات الفراغ, والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
ثم إن الأمة تتخلص من مفاسد كبيرة، وشرور عريضة لو أنها عملت على بناء شبابها وتحكمت في أوقات الفراغ لأبنائها، وذلك بعمل جداول مهمة تعمل على حفظ هذه الأوقات وتعمل على البناء الصحيح(2).
اللهم اهدنا واهدنا بنا ويسر الهدى لنا، اللهم وفقنا في ديننا ووفقنا في دنيانا إنك سميع الدعاء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،
1 - رواه الترمذي . وصححه الألباني في مشكاة المصابيح رقم(5302).
2 - راجع: كتاب توجيهات وذكرى صالح بن حميد(2/204).