إن الماء طاهر لا ينجسه شئ
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ اَلْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه و سلم { إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ, إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ, وَلَوْنِهِ } أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ
وَلِلْبَيْهَقِيِّ: { اَلْمَاءُ طَاهِرٌ إِلَّا إِنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ, أَوْ طَعْمُهُ, أَوْ لَوْنُهُ; بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ }
قال الامام الالباني عنهما:ضعيف(2644)
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة والموضوعة " 6/152 : ضعيف أخرجه ابن ماجه ( 521 ) ، والدارقطني في " سننه " ( ص 11 ) ، والبيهقي ( 1/295 ) من طريق رشدين بن سعد : أنبأنا معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أمامة الباهلي ( وفي رواية للدارقطني : عن ثوبان ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . وليس في حديث ثوبان ذكر اللون .قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله كلهم ثقات غير رشدين بن سعد ، قال الحافظ :" ضعيف ، رجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة ، وقال ابن يونس : كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين ، فخلط في الحديث " .
ولذلك قال الدارقطني عقبه :" لم يرفعه غير رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح ؛ وليس بالقوي ، والصواب في قول راشد " .كذاالأصل ، ولعله صوابه : " والصواب أنه من قول راشد " .فقد قال البيهقي :" ورواه أبوأسامة عن الأحوص عن ابن عون وراشد بن سعد من قولهما والحديث غير قوي ، إلا أنا لانعلم في نجاسة الماء إذا تغير بالنجاسة خلافا " .قلت : لكن لم يتفرد به رشدين ، فقد رواه الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " ( 1/9 ) .وهذا شاهد لا بأس به في الجملة ،فإن الأحوص بن حكيم ضعيف الحفظ كما قال الحافظ ، وقد أرسله ، فلم يذكر في إسنادهأبا أمامة .
وتابعه عطية بن بقية بن الوليد : حدثنا أبي عن ثور بن يزيد عن راشد بنسعد عن أبي أمامة مرفوعا به .أخرجه البيهقي ( 1/259 - 260 ) .قلت : وهذا إسنادرجاله ثقات كلهم غير عطية بن بقية ، قال ابن أبي حاتم ( 3/1/381 ) :" كتبت عنه ،ومحله الصدق ، وكانت فيه غفلة " .وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال :" يخطىء ويغرب، يعتبر حديثه إذا روى عن أبيه غير الأشياء المدلسة " .قلت : فليس لهذا الإسناد علة قادحة غير عنعنة بقية .
وتابعه حفص بن عمر : حدثنا ثور بن يزيد به .أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( ق 101/2 ) والبيهقي ، وقال ابن عدي :" وهذا الحديث ليس يوصله عن ثورإلا حفص بن عمر ، ورواه رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أمامة موصولا أيضا ، ورواه الأحوص بن حكيم مع ضعفه عن راشد بن سعد عن النبي صلىالله عليه وسلم مرسلا ، ولا يذكر أبا أمامة " .قلت : وحفص بن عمر هو الأيلي واهٍ جدا؛ كذبه أبو حاتم وغيره ، فلا يستشهد به ، وإني لأخشى أن يكون بقية تلقاه عنه ثم دلسه !وبالجملة ؛ فالحديث ضعيف لعدم وجود شاهد معتبر له تطمئن النفس إليه ، فإن مدار الحديث على راشد بن سعد كما رأيت ، وقد اختلف عليه ، فمنهم من رفعه عنه ،ومنهم من أوقفه ، ومن رفعه ؛ منهم من أسنده ، ومنهم من أرسله ، وكل من المسند والمرسل ضعيف لا يحتج بحديثه ، على أنه لو كان المرسل ثقة ، ولكان علة قادحة فيالحديث ، فكيف ومرسله ضعيف ؟!
ومن هذا التحقيق يتبين أن قول العلامة السيد محمد بن إدريس القادري في رسالته " إزالة الدهش والوله عن المتحير في صحة حديث ماء زمزم لماشرب له " ( ص 4 ) :" وهذا الحديث عندي حسن لغيره ، أو لنفسه ، فإن رشدين أحد رواته الذي ضعفوا الحديث لأجله هو وإن ضعفه ابن حبان وقال : إنه متروك ... فقد حسن له الترمذي ، وقال المنذري : مختلف في الاحتجاج به ، وقال الإمام أحمد أيضا فيه : ليسبه بأس في الرقائق ، أرجو أنه صالح الحديث " .
قلت(الألباني رحمه الله) : فهذا التحسين بنوعيه فيه نظرعندي :أما الأول ، فلما سبق بيانه من فقدان الشاهد المعتبر له ، ومن غرائب هذا السيد أنه قال عقب كلامه السابق :" وللحديث شواهد منها حديث أحمد والطبراني في " الوسط " عن عائشة مرفوعا : " الماء لا ينجسه شيء " قال الأسيوطي : حسن ، ومنها حديث الدارقطني في " الأفراد " عن ثوبان مرفوعا : " الماء طهور إلا ما غلب على ريحه وطعمه " ، ومنها حديث الطبراني عن ابن عباس مرفوعا في شأن الحجر الأسود وكان أبيض كالماء كما يأتي " .
قلت : ووجه الغرابة من وجوه :أولا : أن حديث عائشة ليس فيه ذكر اللون ؛ وهو محل الشاهد في الحديث عنده ، ومثله حديث ثوبان .
ثانيا : أن حديث عائشة قد جاء من حديث أبي سعيد أيضا وابن عباس ، فاقتصاره على ذكر حديثها قصور ظاهر ،راجع " صحيح أبي داود " .
ثالثا : أن حديث ثوبان لا يصح جعله شاهدا لحديث أبي أمامة، لأن مدارهما على رشدين كما عرفت ، وهو من ضعفه جعله مرة من حديث هذا ، ومرة من حديث هذا .
رابعا : أن حديث ابن عباس ضعيف ، ومع ذلك قوله : " كالماء " ، تحرف عليهتبعا للمناوي وهذا تبعا للسيوطي في " جامعيه " ، والصواب " كالمهاة " ، هكذا هو في " كبير الطبراني " و " أوسطه " ، وكذلك رواه أبو الحجاج الأدمي من طريق أبي نعيم الأصبهاني ؛ وقد خرجته في " الصحيحة " تحت الحديث ( 2619 ) شاهدا . (144/1).