باب الوصية بالنساء
قال الله تعالى:
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
- سورة النساء آية 19
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله علية وسلم قال استوصوا بالنساء خيرا فان المرأة خلقت من ضلع, وان أعوج ما فى الضلع أعلاه, فان ذهبت تقيمه كسرته, وان تركته لم يزل أعوج, فاستوصوا بالنساء))متفق عليه
وفى رواية فى الصحيحين: (( المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها, وان استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج )).
(استوصوا بالنساء خيرا) أى تواصوا بهن, وقال الطيبى: السين للطلب وهو للمبالغة, أى اطلبوا الوصية من أنفسكم فى حقهن, أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن, وقيل معناه اقبلوا وصيتى فيهن واعملوا بها: أرفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن
(فان المرأة خلقت) أى أخرجت
(من ضلع) قال فى الفتح: فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر, وقيل من ضلعه القصير
وقال القرطبى: يحتمل معناه: أن المرأة خلقت من مبلغ ضلع فهى كالضلع
(وان أعوج ما فى الضلع أعلاه) قبل فيه إشارة إلى أن أعوج ما فى المرأة لسانها, وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها, أو أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله
ولذا قال (فان ذهبت تقيمه) أى أعلاه عن الاعوجاج الذى هو شأنه
(كسرته) لعدم قابليته له
(وان تركته) غير آخذ فى اقامته
(لم يزل أعوج) لأنه وضعه وشأنه, وكذا المرأة إن أردت إقامتها على الجادة, وعدم اعوجاجها أدى إلى الشقاق والفراق, وهو كسرها وان صبرت على سوء حالها وضعف معقولها ونحو ذلك من عوجها دام الأمر واستمرت العشرة,
(فاستوصوا بالنساء) الفاء الفصيحة, أى فاعرفوا ذلك فاستوصوا بهن
(خيرا) بالصبر على ما يقع منهن, فيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه.
فى رواية الصحيحين ( المرأة كالضلع) فى الاعوجاج وعدم قابلية الإقامة
(إن أقمتها) أى الضلع وهى مؤنثة, ويحتمل أن يكون ضمير المؤنث هنا للمرأة, ويؤيد قوله بعد
(وان استمتعت بها كسرتها) لعدم قابليتها للإقامة ويحتمل أن المراد بكسرها طلاقها, وقد وقع ذلك صريحا كما سيأتى, وكسرها طلاقها
(وان استمتعت بها) لقضاء الوطر وطلب الولد الصالح والاعفاف
(استمتعت بها) وجملة
(وفيها عوج) جملة اسمية حالية.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عاية وسلم قال : (( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا, وخياركم خياركم لنسائهم)) رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح, وكذا رواه ابن حبان
(أكمل المؤمنين) أى من أكملهم (أحسنهم خلقا) بضم الخاء, وهى ملكة تبعث النفس على أفعال حميدة واكتساب شيم شريفة. وقال الحسن البصرى: حقيقة حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه. قال الباجى: وتحسين الخلق أن يظهر منه لمن يجالسه أو يرد عليه البشر والحلم والإشفاق والصبر على التعليم والتودد إلى الصغير والكبير. وقد اختلف فيه هل هو مكتسب أو غريزى, وجمع بين القولين بأنه غريزى باعتبار أصله ويقوى وينمو بالكسب
(وخياركم خياركم لنسائهم) قيل ولعل المراد أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكف الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها.
وفى رواية (( خيركم لأهله)) وهو اشارة إلى صلة الرحم والحث عليها.وقد كان النبى أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم : ((الدنيا متاع, وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) رواه مسلم و أحمد و النسائى.
(الدنيا متاع) أى شئ يتمتع به كما قال تعالى:
قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ
(وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) قال القرطبى: فسرت فى الحديث بقوله (( التى إذا نظر إليها سرته, وإذا أمرها أطاعته, وإذا غاب عنها حفظته فى نفسه و ماله ))