موقف اليهود من عيسى صلى الله عليه وسلم عليه السلام والنصارى
الآثار:
قولـه تعالى: {إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [سورة آل عمران 3/45].
5557 - حدثني به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: {إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} أي هكذا كان أمره، لا ما يقولون فيه. ([1])
قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [سورة النساء 4/159].
8511 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا الحكم بن عطية، عن محمد بن سيرين: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال: موت الرجل من أهل الكتاب. ([2])
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس من يهودي ولا نصراني يموت حتى يؤمن بعيسى ابن مريم. فقال له رجل من أصحابه: كيف والرجل يغرق، أو يحترق، أو يسقط عليه الجدار، أو يأكله السبع؟ فقال: لا تخرج روحه من جسده حتى يقذف فيه الإيمان بعيسى. ([3])
قوله تعالى: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [سورة آل عمران 3/49]
5577 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي تحقق بها نبوتي وأني رسول منه إليكم. ([4])
قوله تعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ = 49 } [سورة آل عمران 3/50]
5593 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء بن أبي رباح يعني قوله: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ}قال: الطعام والشيء يدخرونه في بيوتهم غيبا علمه الله إياه.([5])
قوله تعالى: {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [سورة آل عمران 3/50]
5599- حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن عيسى كان على شريعة موسى عليه السلام ، وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس، فقال لبني إسرائيل: إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلا لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وأضع عنكم من الآصار. ([6])
5603- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} أي لما سبقني منها، {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ = 50 } أي أخبركم أنه كان حراما عليكم، فتركتموه، ثم أحله لكم تخفيفا عنكم، فتصيبون يسره وتخرجون من تباعته. ([7])
5604- حدثني محمد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن: {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ = 50 } قال: كان حرم عليهم أشياء، فجاءهم عيسى ليحل لهم الذي حرم عليهم، يبتغي بذلك شكرهم. ([8])
قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [سورة آل عمران 3/51]
5606 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ = 50 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} تبرياً من الذي يقولون فيه، يعني ما يقول فيه النصارى واحتجاجا لربه عليهم، فاعبدوه، و {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أي الذي هذا قد حملتكم عليه وجئتكم به.([9])
5611 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ} قال: كفروا وأرادوا قتله، فذلك حين استنصر قومه، قال: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران 3/52] ([10])
قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ = 54 }[سورة آل عمران 3/54]
5618 -حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ثم إن عيسى سار بهم: يعني بالحواريين الذين كانوا يصطادون السمك، فآمنوا به واتبعوه إذ دعاهم حتى أتى بني إسرائيل ليلا فصاح فيهم، فذلك قوله: {فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [سورة الصف 61/14] ([11])
5619 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: ثم إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلا من الحواريين في بيت، فقال عيسى لأصحابه: من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة، فأخذها رجل منهم، وصعد بعيسى إلى السماء، فذلك قوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فلما خرج الحواريون أبصروهم تسعة عشر، فأخبروهم أن عيسى قد صعد به إلى السماء، فجعلوا يعدون القوم فيجدونهم ينقصون رجلاً من العدة، ويرون صورة عيسى عليه السلام فيهم فشكوا فيه، وعلى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى، وصلبوه، فذلك قول الله عز وجل : {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [سورة النساء 4/157] ([12])
قولـه تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونََ} [سورة آل عمران 3/55]
5624 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح أن كعب الأحبار، قال: ما كان الله عز وجل ليميت عيسى ابن مريم، إنما بعثه الله داعياً ومبشراً يدعو إليه وحده، فلما رأى عيسى قلة من اتبعه وكثرة من كذبه، شكا ذلك إلى الله عز وجل ، فأوحى الله إليه: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} وليس من رفعته عندي ميتاً، وإني سأبعثك على الأعور الدجال، فتقتله، ثم تعيش بعد ذلك أربعاً وعشرين سنة، ثم أميتك ميتة الحي. ([13])
5635 - حدثني محمد بن سنان قال: ثنا أبو بكر الحنفي عن عباد عن الحسن في قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا} قال: طهره من اليهود والنصارى والمجوس ومن كفار قومه. ([14])
قولـه تعالى: {النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة الأعراف 7/159]
11842 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج قال: قال مجاهد قوله: {الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} قال: عيسى ابن مريم عليه السلام . ([15])
23930- حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن قتادة {مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [سورة الزخرف 43/60] أحسبه قال: آية لبني إسرائيل. ([16])
موقفهم من النصارى :
الآثار:
قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ} [سورة البقرة 2/145]
2076 - حدثني موسى قال: ثنا عمرو قال: ثنا أسباط عن السدي: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [سورة البقرة 2/177] يقول: هم اليهود والنصارى. يقول : هم في عداوة بعيدة. ([17])
قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا} [سورة آل عمران 3/55]
5641 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} قال: الذين كفروا من بني إسرائيل. {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} قال: الذين آمنوا به من بني إسرائيل وغيرهم {فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} النصارى فوق اليهود إلى يوم القيامة قال: فليس بلد فيه أحد من النصارى إلا وهم فوق يهود في شرق ولا غرب هم في البلدان كلها مستذلون. ([18])
قوله تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة التوبة 9/31]
12918- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {يُضَاهِئُونَ} ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم. ([19])
قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} [سورة البروج 85/4]
28550- حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} يزعمون أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل، أخذوا رجالاً ونساء، فخدوا لهم أخدوداً، ثم أوقدوا فيها النيران، فأقاموا المؤمنين عليها، فقالوا: تكفرون أو نقذفكم في النار. ([20])
الدراسة
موقف اليهود من عيسى عليه السلام وأمه:
جاء عيسى عليه السلام إلى الدنيا على خلاف ما جرت به عادة النساء غير أمه, حيث ولد بلا أب, كان هذا أمراً عجيباً. اتخذ اليهود مولده, الذي لم تستطع عقولهم القاصرة وقلوبهم المنكرة أن تستوعبه, مدعاة للطعن فيه, واعتقدوا أن المسيح عليه السلام ولد من الفحشاء، وأن مريم أتت به بطريق بشري غير شرعي في الحيض.
وهذا الأمر ليس غريباً على اليهود الذين تطاولوا على خالقهم، وقتلوا أنبياءهم، ورموهم بالعظائم, وقد تقدم تبرئة الله لأمه، ومعجزته في ولادته عليه السلام .
وقد أجرى الله تعالى على يده كثيراً من المعجزات، وذكر القرآن أمر رسالته ومعجزاته فقال: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)} [سورة آل عمران 3/49]
ولما رأى اليهود المعجزات واضحة مؤثرة، من إحياء الموتى, وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك من المعجزات العظيمة، ورأوا إقبال الناس على الدعوة وإيمانهم، جحدوا رسالته، وأنكروا دعوته وحاولوا صد الناس عنه بتكذيبه مرة، وبتهديده مرة، مع أن الذي صرح به المسيح عليه السلام أنه غير مبدل لما عندهم، بل يخفف عنهم الأغلال التي كانت عليهم، ومبشراً بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم من بعده، ولكن اليهود ناصبوه العداء، ولعل الذي دفع اليهود إلى هذا الموقف من عداءٍ للمسيح عليه السلام هو اتباع الهوى الذي لازمهم، فتعاليم المسيح القويمة عاكست اتجاههم، وخالفت هوى نفوسهم، ومعلوم عنهم أنهم كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوه أو قتلوه، ولما رأى اليهود أن كل هذه السبل التي سلكوها لم توقف مدَّ هذه الدعوة تآمروا على نهاية المسيح كعادتهم مع من قتلوا من الأنبياء. لما عجزوا عن مقاومة هذه الدعوة قرروا أن يضعوا حداً لها، فقد أجمعوا على قتله وصلبه.
قال ابن كثير رحمه الله : في قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} [سورة النساء 4/157] "أي رأوا شبهه فظنوه إياه ولهذا قال: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} يعني بذلك من ادعى أنه قتله من اليهود ومن سلمه إليهم من النصارى كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر ولهذا قال: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} أي وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكين متوهمين."
ثم قال رحمه الله : "فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم قال لأصحابه: إيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتدب شاب منهم فكأنه استصغره عن ذلك، فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب، فقال: أنت هو، وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو، وفتحت دوزنة من سقف البيت وأخذت عيسى عليه السلام سنة من النوم فرفع إلى السماء وهو كذلك، كما قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [سورة آل عمران 3/55] فلما رفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه. وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه، وأما الباقون فقد ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم. ([21])
واليهود يفتخرون بصلب المسيح (زعموا) وأنه دجال استحق القتل فقتل كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [سورة النساء 4/157]
وأما قولـه تعالى:{وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159)} [سورة النساء 4/159]
فقد ورد في المقصود عدة أقوال: أصحها: أي قبل موت عيسى عليه السلام , ويوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال فتصير الملل كلها واحدة وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام وهو قول: قتادة وعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم ورجحه الطبري وابن كثير وابن حجر. ([22])
موقف اليهود من النصارى:
يصور القرآن الكريم نظرة كل فريق للآخر، وموقف كل قوم من الآخرين فيقول تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)} [سورة البقرة 2/113]
وسبب نزول الآية:حين قدم أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم فأتتهم أحبار يهود، فتنازعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت كل فرقة منهم للأخرى لستم على شيء، فنزلت الآية.
قال الرازي: "اختلفوا فيمن هم الذين عناهم الله تعالى أهم الذين كانوا من بعثة عيسى عليه السلام أو في زمن محمد عليه السلام والظاهر الحق أنه لا دليل في الظاهر عليه وإن كان الأولى أن يحمل على كل اليهود وكل النصارى بعد بعثة عيسى عليه السلام ولا يجب لما نقل في سبب الآية أن يهودياً خاطب النصارى بذلك فأنزل الله هذه الآية أن لا يراد بالآية سواه إذا أمكن حمله على ظاهره، وقوله {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ} يفيد العموم فما الوجه في حمله على التخصيص، ومعلوم من طريقة اليهود والنصارى أنهم منذ كانوا فهذا قول كل فريق منهما في الآخر. ([23])
وبعد رفع الله لنبيه عيسى عليه السلام تسلط اليهود على محاربة المسيحية وأتباعها، وانتهزوا كل فرصة واتتهم لذبح النصارى وتعاونوا مع الرومان والفرس والبيزنطيين في ذلك.
ومما ورد في ذلك قصة أصحاب الأخدود التي قال تعالى فيها: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (Cool} [سورة البروج 85/4-8]
روي أن "ذو نواس ([24]) بلغه أن بنجران قوماً من النصارى فسار إليهم بجنود، ثم دعاهم إلى اليهودية وتَرْك دين عيسى ابن مريم عليه السلام وخيرهم بين الدخول في اليهودية أو القتل، فاختاروا القتل على مفارقة دين عيسى عليه السلام , فاشتد غضبه فأمر بخد الأخدود لهم ثم ملأها بالنيران، وأخذ يقذف في نيران الأخدود، فقتل منهم بشراً كثيراً بلغوا قريباً من عشرين ألفاً". ([25]) وعلى قول أنهم المعنيون في الحديث الصحيح في قصة الغلام والراهب. ([26])
وهكذا تستمر العداوة بين اليهود والنصارى إلى يومنا هذا، وإن ظهر غير ذلك في بعض الأزمان ولكن العداوة بينهم أبدية، إلا أن تكون ضد الإسلام. ([27])
---------------------------------------------------------
([1]) تتفسير الطبري (3/270) إسناده ضعيف.
([2])تفسير الطبري ( 6 / 21 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1114 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 578
([3]) تفسير الطبري ( 6 / 21 ) تفسير القرطبي ( 6 / 11 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 577 ) فتح الباري ( 6 / 492 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)
([4]) تفسير الطبري ( 3 / 275 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 654 ) إسناده ضعيف.
([5]) تفسير الطبري ( 3 / 279 ) - تفسير ابن أبي حاتم عن مجاهد ( 2 / 656 )
([6]) -([6]) تفسير الطبري ( 3 / 281 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 222 ) تفسير ابن كثير ( 4 / 168 )
([7]) تفسير الطبري ( 3 / 282 ) مصنف عبد الرزاق ( 5 / 23 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 521 ) إسناده ضعيف.
([8]) تفسير الطبري ( 3/ 282) تفسير ابن أبي حاتم ( 2/ 657) المستدرك على الصحيحين ( 4/ 129 )
([9]) - تفسير الطبري ( 25 / 93 ) إسناده ضعيف.
([10]) تفسير الطبري ( 3 / 286 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 659 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)
([11]) تفسير الطبري ( 3 / 288 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 363 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)
([12]) تفسير الطبري ( 3 / 289 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 224 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281)
([13]) تفسير الطبري ( 3 / 290 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 225 )
([14]) تفسير الطبري ( 3 / 292 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 662 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 226 )
([15]) - تفسير الطبري ( 9 / 87 ) صححه في التفسير الصحيح (3/122)
([16]) تفسير الطبري ( 25 / 89 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 / 82 ) - تفسير عبد الرزاق ( 3 / 198 )
([17]) تفسير الطبري ( 2 / 93 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 287 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 410 )
([18]) تفسير الطبري ( 3 / 293 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 227 )
([19]) تفسير الطبري 10/112 - تفسير عبد الرزاق 2/271 - تفسير ابن أبي حاتم 6/1783- تفسير الدر المنثور 4/173. حسنه في التفسير الصحيح (1/223)
([20])تفسير الطبري 30/133 إسناده ضعيف.
([21]) انظر تفسير ابن كثير (1/574وما بعدها بتصرف يسير
([22]) تفسير الطبري ج6/ص22 تفسير ابن كثير ج1/ص577 فتح الباري ج6/ص492
([23]) التفسير الكبير - الرازي ج4/ص8
([24]) مللك من ملوك التتابعة ويسمى بيوسف ذي وهو تبع الذي غزا المدينة وكسى الكعبة واستصحب معه حبرين من يهود المدينة فكان تهود من تهود من أهل اليمن على يديهم تسلط على النصارى ثم هزمه النجاشي ومات غريقا انظرتفسير ابن كثير ج4/ص496
([25]) السيرة النبوية لابن هشام 1/153
([26]) ساقها بطولها وعنون لها الإمام مسلم (باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام) صحيح مسلم ج4/ص2299 ووردة في أصحاب الأخدود أقوال كثيرة اقتصرنا هنا على الرواية التي تذكر تسلط اليهود على النصارى
([27]) للتوسع ينظر للدراسة المطولة التي أعدها د. احمد زايد بعنوان :حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى واثرها على العالم الإسلامي
تنبيه:لم أطل في موضوع الآثار الواردة في علاقة اليهود بعيسى ‘ والنصارى لوجود رسالة دكتوراة في هذا لمشروع بعنوان :الآثار الواردة في النصارى في تفسير الطبري.