وفاة هارون و قصة قارون
وفاة هارون
11772 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا: ثنا يحيى بن يمان قال: ثنا سفيان قال: ثني أبو إسحاق عن عمارة بن عبد السلولي عن علي _ قال: انطلق موسى وهارون عليهما السلام وشبر وشبير فانطلقوا إلى سفح جبل فنام هارون على سرير فتوفاه الله. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا لـه: أين هارون؟ قال: توفاه الله. قالوا: أنت قتلته حسدتنا على خلقه ولينه - أو كلمة نحوها - قال: فاختاروا من شئتم! قال: فاختاروا سبعين رجلاً. قال: فذلك قوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ = 155 } [سورة الأعراف 7/155] قال: فلما انتهوا إليه قالوا: يا هارون من قتلك؟ قال: ما قتلني أحد ولكنني توفاني الله. قالوا: يا موسى لن نعصي بعد اليوم! قال: فأخذتهم الرجفة. قال: فجعل موسى يرجع يميناً وشمالاً وقال: يا {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ = 155 } [سورة الأعراف 7/155]قال: فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلهم. ([1])
قصة قارون:
21047 - حدثنا بشر بن هلال الصواف قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال: ثنا علي بن زيد بن جدعان قال: خرج عبد الله بن الحارث من الدار ودخل المقصورة؛ فلما خرج منها جلس وتساند عليها وجلسنا إليه فذكر سليمان بن داود {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ = 38 } [سورة النمل 27/38] ... إلى قوله {إِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [سورة النمل 27/40] ثم سكت عن ذكر سليمان فقال {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} [سورة القصص 28/76] وكان قد أوتي من الكنوز ما ذكر الله في كتابه {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [سورة القصص 28/78] قال: وعادى موسى عليه السلام وكان مؤذياً لـه وكان موسى يصفح عنه ويعفو للقرابة، حتى بنى داراً وجعل باب داره من ذهب، وضرب على جدرانه صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون، فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضحكونه، فلم تدعه شقوته والبلاء حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مشهورة بالخنا، مشهورة بالسب، فأرسل إليها فجاءته فقال لها: هل لك أن أمولك وأعطيك وأخلطك في نسائي على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى! قالت: بلى. فلما جلس قارون وجاء الملأ من بني إسرائيل، أرسل إليها فجاءت فقامت بين يديه فقلب الله قلبها وأحدث لها توبة فقالت في نفسها: لأن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكذب عدو الله لـه. فقالت: إن قارون قال لي: هل لك أن أمولك وأعطيك وأخلطك بنسائي على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى فلم أجد توبة أفضل من أن لا أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكذب عدو الله؛ فلما تكلمت بهذا الكلام سقط في يدي قارون، ونكس رأسه، وسكت الملأ، وعرف أنه قد وقع في هلكة، وشاع كلامها في الناس حتى بلغ موسى؛ فلما بلغ موسى اشتد غضبه فتوضأ من الماء وصلى وبكى وقال: يا رب عدوك لي مؤذ، أراد فضيحتي وشيني، يا رب سلطني عليه. فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت تطعك. فجاء موسى إلى قارون؛ فلما دخل عليه عرف الشر في وجه موسى لـه فقال: يا موسى ارحمني؛ قال: يا أرض خذيهم قال: فاضطربت داره وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين، وجعل يقول: يا موسى فأخذتهم إلى ركبهم وهو يتضرع إلى موسى: يا موسى ارحمني؛ قال: يا أرض خذيهم قال فاضطربت داره وساخت وخسف بقارون وأصحابه إلى سررهم، وهو يتضرع إلى موسى: يا موسى ارحمني؛ قال: يا أرض خذيهم فخسف به وبداره وأصحابه. قال: وقيل لموسى صلى الله عليه وسلم : يا موسى ما أفظك. أما وعزتي لو إياي نادى لأجبته. ([2])
الدراســــة:
كتب الله على بني إسرائيل التيه في أرض سيناء ضاعوا فيها أربعين سنة لايستطيعون الخروج منها، وسبب التيه كما قص الله علينا: امتناع بني إسرائيل عن دخول الأرض المقدسة بعد أن قال لهم موسى عليه السلام :{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين} [سورة المائدة 5/21]
وهذا العصيان موجب للعقوبة قال تعالى{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ = 26 } [سورة المائدة 5/26]
يقول تعالى لائماً بني إسرائيل على نكولهم عن الجهاد ودخولهم الأرض المقدسة لما قدموا من بلاد مصر فأمروا بدخول الارض المقدسة التي هي ميراث لهم من أبيهم إسرائيل، وقتال من فيها من العماليق الكفرة، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم. ([3])
وكما في الأثر عن الربيع: ((وكانت عذاباً بما اعتدوا وعصوا)) وكان عددهم كبيراً ومع ذلك احتجوا بقوة عدوهم، قال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ = 22 } [سورة المائدة 5/22] ([4])
ولما دعوا للقتال وليستعينوا بالله قالوا فحشاً من القول، قال تعالى:{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ = 24 } [سورة المائدة 5/24] وهذه المقولة الشنيعة من بني إسرائيل هي التي ذكر بها المقداد بن الاسود -_- النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، قال : ((يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ولكن امض ونحن معك.)) ([5])
المراد بالأرض المقدسة
ورد ت آثار مختلفة في المراد بالأرض المقدسة:
1- فقيل الطور.
2- وقيل الشام.
3- وقيل أريحا.
4- وقيل دمشق وفلسطين وبعض الأردن. وقيل غير ذلك.
ولم أقف على دليل صحيح في هذه المسألة، ولكن لن تخرج عن أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر للإجماع أن هذه المنطقة هي الأرض المقدسة. ([6])
وقال القرطبي في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ} [سورة البقرة 2/61] كان هذا القول منهم في التيه، حين ملوا المن والسلوى، وتذكروا عيشهم الأول بمصر، قال الحسن: ((كانوا نتانى، أهل كراث وأبصال وأعداس، فنـزعوا إلى عكرهم عكر السوء، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم، فقالوا لن نصبر على طعام واحد))، وكنوا عن المن والسلوى بطعام واحد وهما اثنان؛ لأنهم كانوا يأكلون أحدهما وصله فلذلك قالوا طعام واحد، وقيل: لتكرارهما في كل يوم غذاء، كما تقول لمن يداوم على الصوم والصلاة والقراءة هو على أمر واحد لملازمته لذلك، وقيل: المعنى لن نصبر على الغنى فلهذا فيكون جميعنا أغنياء، فلا يقدر بعضنا على الاستعانة ببعض، لاستغناء كل واحد منا بنفسه. ([7])
قولـه تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [سورة المائدة 5/26] استجاب الله دعاءه وعاقبهم في التيه أربعين سنة، وأصل التيه في اللغة: الحيرة، يقال: منه تاه يتيه تيها وتوهاً إذا تحير، وتيهته وتوهته بالياء والواو والياء أكثر، والأرض التيهاء التي لا يهتدى فيها، وأرض تيه وتيهاء، فكانوا يسيرون في فراسخ قليلة. قيل في قدر ستة فراسخ يومهم وليلتهم فيصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا، فكانوا سيارة لا قرار لهم، واختلف هل كان معهم موسى وهرون عليهما السلام ؟
1- فقيل: لا؛ لأن التيه عقوبة، وكان سنو التيه بعدد أيام العجل، فقوبلوا على كل يوم سنة، وقد قال موسى عليه السلام : فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين.
2- وقيل: كانا معهم لكن سهل الله الأمر عليهما، كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام ، أي أنهم ممنوعون من دخولها، كما يقال حرم الله وجهك على النار، وحرمت عليك دخول الدار، فهو تحريم منع لا تحريم شرع عن أكثر أهل التفسير كما قال الشاعر:
إني أمرؤ صرعي عليك حرام
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري
أي أنا فارس فلا يمكنك صرعي وقال أبو علي: يجوز أن يكون تحريم تعبد.
فإن قيل: كيف يجوز على جماعة كثيرة من العقلاء أن يسيروا في فراسخ فلا يهتدوا للخروج منها؟ فالجواب: قال أبو علي: قد يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التي هم عليها إذا ناموا فيردهم.
قلت: الله قادر على حجب الطريق الصحيح دون ما ذكره من افتراض، كما حجب عنا رؤية قوم يأجوج ومأجوج.
مما حصل في التيه:
أولاً: وفاة هارون:
ذكر وفاة هارون بن عمران عليه السلام فإنه مات قبل موسى عليه السلام .
عن وهب بن منبه قال: ((نعى الله هارون لموسى عليهما السلام حين أراد الله أن يقبضه، فلما نعاه لـه حزن، فلما قبض جزع جزعاً شديداً وبكى بكاء طويلاً، فلما عاد في ذلك أقبل الله تعالى عليه يعزيه ويعظه، فقال لـه: يا موسى ما كان ينبغي لك أن تحن إلى فقد شيء معي، ولا أن تستأنس بغيري، ولا أن تشد ركبك إلا بي، ولا أن يكون جزعك هذا الآن على هارون إلا لي، وكيف تستوحش إلى شيء من الأشياء وأنت تسمع كلامي، أم كيف تحن إلى فقد شيء من الدنيا بعد إذ اصطفيتك برسالاتي وبكلامي، وذكر مناجاة طويلة قال فأتى هارون وموسى بن سبع عشرة ومائة سنة، قبل أن ينقضي التيه بثلاث سنين، فأتى هارون وهو بن عشرين ومائة سنة بقي موسى بعده ثلاث سنين حتى تم له مائة وعشرون سنة، وبنو إسرائيل متفرقون عليه، يجتمعون عليه مرة، ويفترقون أخرى.))
عن عبد الله بن مسعود _ وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الله أوحى إلى موسى بن عمران عليه السلام أني متوفى هارون فأت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون عليهما السلام نحو ذلك الجبل، فإذا هم بشجرة مثلها ببيت مبني، وإذا هم فيه بسرير عليه فرش، وإذا فيه ريح طيب، فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه، وقال يا موسى إني لأحب أن أنام على هذا السرير، قال له موسى: فنم عليه. قال: إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي. قال لـه موسى: لا ترهب أنا أكفيك رب هذا البيت فنم. فقال: يا موسى بل نم معي، فإن جاء رب هذا البيت غضب علي وعليك جميعاً. فلما ناما أخذ هارون الموت فلما وجد حسه قال: يا موسى خدعتني، فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت تلك الشجرة، ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل وليس معه هارون، قالوا: إن موسى قتل هارون وحسده حب بني إسرائيل لـه، وكان هارون آلف عندهم وألين لهم من موسى عليهما السلام ، وكان في موسى بعض الغلظ عليهم، فلما بلغه ذلك، قال لهم: ويحكم إنه كان أخي، أفتروني أقتله، فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله فنـزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه))، هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ([8])
------------------------------------------------------
([1]) تفسير الطبري ( 9 / 73 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 251 ) وقال: هذا أثر غريب جدا وعمارة لا أعرفه و ايده الذهبي في الميزان3/177
([2]) تفسير الطبري ( 20 / 118 ) حسن اسناده كما في قصص الانبياءص 494
([3]) تفسير ابن كثير2/5
([4]) وردت آثار في تعداد بني إسرائيل كستمائة الف وغيرها وهوعدد كبير لم يرد فيه توقيف وردّ مثل هذه المجازفات غير واحد من اهل العلم ونسبوها الى الإسرائيلبيات وممن توسع في ذلك ابن خلدون في مقدمته (مقدمة ابن خلدون ج:1 ص:10 )
([5]) رواه البخاري في المغازي والتفسير 3952و4609 والنسائي في التفسير160
([6]) انظر الأقوا ل والترجيح في تفسير الطبري 4/512,513 وتفسير المنار6/325
([7]) تفسير القرطبي 1/422
([8]) تفسير ابن كثير2/5