السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر شبكتكم الراقية الجميلة على ما تُقَدِّمه للمجتمع بشكل عام، كتَب الله أجركم.
لديَّ مشكلةٌ تُؤَرِّقني كثيرًا، وأرجو أن تساعدوني، أنا حاملةٌ للقرآن، وأحافظ على الصلوات الخمس مع النوافل، وأتقرَّب إلى الله بكلِّ ما أستطيع, وقد أصابَتْني عدةُ أمراضٍ نفسية، ولله الحمد.
منها: فَقْد الشهية العصبي؛ مرض ثنائي القطبية، أقل نوع من انفصام الشخصية - لا أذكر "المصطلح" حاليًّا - مرض ADHD الذي أتعالَج منه - حاليًّا - بدواء كونسرتا؛ مما أصابني بالتعب، والكسل الجسدي، والنوم الطويل جدًّا جدًّا، وقَلَّ مستواي الدراسي، وأصبحتُ - حقًّا - مثل الأموات.
أنا أؤمن بالله وأحبه وأُعَظِّمه، وهو سبحانه يشهد، وأؤمن أن كتابه الشافي، ولكن عندما أرقي نفسي أو يرقيني غيري، أشعر بأنه لا فائدة - أستغفر الله - لا لعدم التصديق بها وبمفعولها، إطلاقًا، وإنما لأني أشعر أني ضعيفة الإيمان، ولن يستجيبَ الله لي بسبب ضَعْف إيماني؛ ولذا فهي لم تؤثِّر في شفائي!
أرجو إفادتي، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فأسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يشفيك، أذهب الباس، رب الناس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا.
الابنة الكريمة، إنَّ ما تشعرين به عند الرُّقْية بأنه لا فائدة - هو لمةٌ مِن الشيطان؛ ليحزنك، ويلبس عليك، فلا تلتفتي إليه، واستمري على ما أنت عليه مِن صبر واحتساب الأجر عند الله؛ فقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل؛ يقول: دعوتُ فلم يستجب لي))؛ أي: يسأم، ويترك الدعاء، أو يستبطئ الإجابة.
واستعيني بالله واصبري، ولا تعجزي، وأبْشِري بفرجٍ من الله، وبالأجر الجزيل؛ ففي صحيح مسلم وغيره، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالتْ: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يصيب المؤمن من مُصيبةٍ، حتى الشوكة، إلا قص بها من خطاياه، أو كفر بها من خطاياه))، وفي "الصحيحين" عن أبي سعيد الخُدري، وعن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما يصيب المسلم مِن نَصَب ولا وَصَب، ولا هَم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها مِن خطاياه))، والـ(نصب): التعب، والـ(وصب): المرض، والـ(هم): كره لما يتوقع من سوء، والـ(حزن): أسى على ما حصل مِن مكروه في الماضي، والـ(غم): ما يضيق القلب والنفس.
ولتعلمي أنَّ جميع أسباب الشفاء - ومنها الرقية - هي أسبابٌ ناقصةٌ، ولتأخذي بما استطعت من الأسباب، ثم تتركي النتائج إلى الله، يقدرها - سبحانه - بحكمته وعلمه ورحمته؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خيرٌ، احرصْ على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان))؛ رواه مسلم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((واعلمْ أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)).
وتأمَّلي - رعاك الله - تحذيرَ الله - سبحانه - للصحابة - رضي الله عنهم - مِن الهمِّ والحزن، وكيف قوى عزائمهم، وأنهض هممهم بعد غزوة أحدٍ التي قاسوا فيها ما قاسوا؛ فقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
قال العلَّامة السعدي في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 150): "أي: ولا تهنوا، وتضعفوا في أبدانكم، ولا تحزنوا في قلوبكم، عندما أصابتكم المصيبة، وابتُليتم بهذه البلوى، فإنَّ الحزن في القلوب، والوهن على الأبدان، زيادة مصيبةٍ عليكم، وعونٌ لعدوكم عليكم، بل شجعوا قلوبكم، وصبروها، وادفعوا عنها الحزن، وتصلبوا على قتال عدوكم، وذكر تعالى أنه لا ينبغي ولا يليق بهم الوَهَن والحزن، وهم الأعْلَوْن في الإيمان، ورجاء نصر الله وثوابه، فالمؤمنُ المتيقن ما وعده الله من الثواب الدنيوي، والأخروي - لا ينبغي منه ذلك؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
فمِن سُنَّة الله في العبد أن يبتليه بالمصائب والمِحَن؛ ليمتحن صبره وعبوديته؛ كما قال تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3].
وقال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155، 156].
وفقك الله لكلِّ خير، وجنَّبك كل شرٍّ