السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل مِن الممكن أن يُشوَى لحمُ شاةِ العقيقة مباشرةً على النار أو لا؟ فإن كان لا فما الدليل مِن السُّنَّة؟ وهذا ما هو مألوف في المغرب، أفيدونا جزاكم الله عنا خيرًا.
كذلك أسأل عن كيفية وضع الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدميه الشريفتين في السجود مع الصور إذا كان ممكنًا.
ثالثًا: هذا العام صادف عيد الأضحى يوم الجمعة، فكيف صلاة العيد والجمعة؟ وهذا السؤال أسأله لأنني أقطن في إسبانيا، فهل تسقط صلاة الجمعة؟
وجزاكم الله عنَّا خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ
فلا أعرف - أخي الكريم - ما يمنع في الشرع، أو من كلام الأئمة المتبعين ما يمنع من شيء في العقيقة بعد ذبحِها، وذهب جمهورُ الفقهاء إلى أنه يُستحبُّ طبخُ العقيقة كلها حتى ما يتصدق به منها، ولا يخفى عليك أن الشوي في معنى الطبخ، وأنه إن فرقها بدون طبخ جاز ذلك، قال الإمام ابن القيم في كتابه "تحفة المودود" في الفصل الثاني عشر في استحباب طبخها دون إخراج لحمها نيئًا:
"قال الخلال في جامعه - باب ما يستحب من ذبح العقيقة -: أخبرني عبدالملك الميموني أنه قال لأبي عبدالله: العقيقة تطبخ؟ قال: نعم.
وأخبرني محمد بن علي قال: حدثنا الأثرم أن أبا عبد الله قال في العقيقة: تطبخ جداول.
وأخبرني أبو داود أنه قال لأبي عبدالله: تطبخ العقيقة؟ قال: نعم، قيل له: إنه يشتد عليهم طبخه، قال: يتحملون ذلك.
وأخبرني محمد بن الحسين أن الفضل بن زياد حدثهم أن أبا عبد الله قيل له في العقيقة: وَأَخْبرنِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَن الْفضل بن زِيَاد حَدثهمْ أَن أَبَا عبد الله قيل لَهُ فِي الْعَقِيقَة: تُطْبَخُ بِمَاءٍ، ومِلْحٍ؟ قَالَ: يُسْتَحبُّ ذَلِك، قيل لَهُ: فَإِن طُبِخَتْ بِشَيْء آخَرَ؟ قَالَ: مَا ضرَّ ذَلِك.
وهذا؛ لِأَنَّهُ إذا طَبَخَها، فقد كَفَى الْمَسَاكِين وَالْجِيرَان مُؤنَة الطَّبْخ، وهو زِيَادَة في الْإِحْسَان، وشُكرِ هذه النِّعْمَةِ، ويتمتع الْجِيرَانُ وَالْأَوْلَادُ وَالْمَسَاكِينُ بها هنيئةً مكفيَّةَ الْمُؤْنَةِ، فَإِنَّ مَنْ أُهْدِيَ لَهُ لحمٌ مطبوخٌ مُهَيَّأٌ للْأَكْل مُطيَّبٌ، كَانَ فرحُهُ وسرورُهُ بِهِ أتمَّ من فَرَحِهِ بِلَحْمٍ نِيءٍ يحْتَاج إِلَى كُلفَةٍ، وَتَعَبٍ، فَلهَذَا قَالَ الإِمَام أَحْمد: يَتَحَمَّلُونَ ذَلِك، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَطْعِمَة الْمُعْتَادَة الَّتِي تجْرِي مُجْرى الشُّكْرَانِ كلُّهَا سَبِيلُهَا الطَّبْخُ.
فإن كان سؤالك مِن أجل التحرُّج لكسر عظامِهَا، فلا شيءَ فيه - أيضًا - وقد رُوِيَ عن عائشة أم المؤمنين وجابر بن عبدالله وعطاء أنهم نَهَوْا عن كسرِ عِظَامِ العقيقة، وإليه ذهب الإمام الشافعي، وأحمد بن حنبل، واستدلوا بحديث مرسل رواه أبو داود في مراسيله من حديث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسَلم - قَالَ فِي الْعَقِيقَة الَّتِي عقتها فَاطِمَةُ عَن الْحسن وَالْحُسَيْن: ((أَنِ ابْعَثُوا إِلَى الْقَابِلَة مِنْهَا بِرِجْلٍ، وَكُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَلَا تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا)).
وَذَهَبَ الإمامُ مالكٌ والزهريُّ إلى أنه لَا بَأْس بِكَسْر عِظَامِ العقيقة؛ لأنه لم يصحَّ في المنعِ من ذَلِكَ شيءٌ، ولا في كراهيته سُنةٌ يَجِبُ المصيرُ إليها.
وقد جَرَتِ العادةُ بِكَسْرِ عِظَامِ اللَّحم، وَفِي ذلك مصلحةُ أكْلِهِ، وتمامُ الانتِفَاعِ بِهِ، وقد أطال ابن القيم البحثَ في هذا في كتاب "تحفة المودود بأحكام المولود"، فليُراجَعْ؛ فَقَدْ نَصَرَ المنعَ، وَذَكَر وجوهًا في الحكمة من ذلك.
أَمَّا وضعُ القدمين حالَ السجود فالسنةُ أن تكون القدمان مرصوصتين - في حال السجود - كما ثبت في صحيح مسلم (486) من حديث عائشة - رضي الله عنهما - حين فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - فَوَقَعَتْ يَدُهَا على قدميه وهو ساجد؛ واليَدُ الواحدةُ لا تَقَعُ على القدمين إلا في حال التراصِّ.
وقد جاء - أيضًا - في صحيح ابن خزيمة (654) أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يَرُصُّ عَقِبَيْهِ.
أَمَّا أصابعُ القدمين فتكون موجَّهَةً نَحْوَ القِبْلَةِ.
أما إذا صادف العيدُ يوم الجمُعُةِ؛ فإن صلاة الجمعة يُرَخَّصُ في التخلف عنها لمن صلَّى العيد، إن شاء فعلها، وإن شاء تركها، وصلى ظهرًا، والدليل على ذلك؛ حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - حيث قال: ((صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العيدَ، ثم رَخَّصَ في الجمعة، فقال: من شاء أن يصليَ، فليصلِّ))؛ رواه أصحاب السنن، وصححه ابنُ خزيمة.
وللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه تجب الجمعة على من شَهِدَ العيدَ، كَمَا تجب سائرُ الجُمَعِ؛ للعُمُوماتِ الدَّالَّةِ على وُجُوب الجُمُعة؛ وهو قولُ الإمامِ مالكٍ، وغيره.
والثاني: تسقط عن أهل البَرِّ؛ مثلُ أهل العوالي، والشواذ؛ لأن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أرخص لهم في ترك الجمعة؛ لمَّا صلَّى بهم العيد، وهو قولُ الشافعيِّ.
والقولُ الثالثُ - وهو الصحيح -: أن من شهد العيد، سَقَطَتْ عنه الجُمُعَةُ، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة؛ ليشهدَهَا من شاءَ شُهُودَهَا، ومن لم يشهدِ العيدَ لَمْ تسقطْ عنه الجُمُعَةُ؛ وهذا هو المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه: كعمر، وعثمان، وابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير وغيرهم - رضي الله عنهم - ولا يُعرفُ عن الصحابة في ذلك خلافٌ.
وأصحابُ القولَيْنِ المتقدِّمَيْنِ لم يَبْلُغْهم ما في ذلك من السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -لمَّا اجْتَمَعَ في يومه عيدانِ، فَصَلَّى العيدَ، ثُمَّ رخص في الجُمُعَةِ، وفي لفظ أنه قال: ((أيها الناس، إنكم قد أصبتم خيرًا، فمن شاء أن يشهد الجمعة، فليشهد، فإنا مُجَمِّعُون))، وهذا الحديث رُوِيَ في السنن من وجهين؛ أنه صَلَّى العيد، ثُمَّ خَيَّرَ الناس في شهود الجمعة، وفي السنن حديث ثالث في ذلك أن ابن الزبير - رضي الله عنهما - كان على عهده عيدانِ، فَجَمَعَهُمَا أول النهار، ثم لم يصلِّ إلَّا العصر، وَذَكَر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فَعَلَ ذلك، وَذَكَرَ ذلك لابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: "قد أصاب السُّنةَ".
وأيضًا؛ فإنه إذا شَهِدَ العيدَ حَصَلَ مقصودُ الاجتماع، ثم إنه يصلي الظُّهْرَ إذا لم يشهدِ الجمعةَ، فتكون الظهر في وقتها، والعيدُ يُحَصِّلُ مقصودَ الجُمُعةِ، وفي إيجابها على الناسِ تضييقٌ عليهم، وتكديرٌ لمقصود عِيدِهِمْ، وما سُنَّ لهم من السرور فيه والانبساط.
فإذا حُبِسُوا عن ذلك، عَادَ العيدُ على مقصودِهِ بالإبطال، ولأن يوم الجمعة عيدٌ، ويوم الفطر والنحر عيدٌ، ومن شأنِ الشارعِ إذا اجْتَمَعَ عبادتانِ من جنسٍ واحدٍ إِدخالُ إحداهُما في الأُخرى؛ كَمَا يدخُلُ الوُضُوءُ في الغسل، وَأَحَدُ الغُسْلَيْنِ في الآخَرِ، واللهُ أعلمُ.
من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (24 / 210 - 213) بتصرف.
وفق الله الجميع لاتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم