السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جمعنا اللهُ بكم مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - على الحوض، وأُشهِد الله أني أحبكم فيه.
أريدُ أن أعرفَ كلَّ ما يتعلَّق بالصور "الفوتوغرافية" من الناحية الشرعية، وهل الصور حقًّا تمنع مِن دخول الملائكة؟ وهل لتجنُّب ذلك يمكن وضعُها في درج المكتب، بدلًا مِن تعليقها على الحائط؟
أسالكم بالله أن تدعوا لي، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فشكر الله لك - أيها الأخ الكريم - حرصَك على معرفة حكم الشرع في الصور، ورزقنا الله وإيَّاك حسنَ الاستجابة، والانقياد لأحكام الشريعة الغرَّاء.
فإن التصويرَ "الفوتوغرافي" بالكاميرا لذوات الأرواح اختلف فيه العلماءُ بين مانعٍ ومُجِيزٍ، والذي نَدِينُ الله به هو المنعُ، وتجوز عند الحاجيَّات أو الضروريات؛ كالتصوير للهُوِيَّة، ورُخصة القيادة، أو تعلَّقتْ بذلك مَصلحة شرعية، ومَن تأمَّل نصوص الشريعة المحرِّمة للصور، وجدها تشملُ ذلك النوع؛ إما من جهة العموم أو بقياس الشمول؛ كما روى البخاريُّ ومسلم، عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة المصوِّرون))؛ فهو يشملُ كلَّ مصوِّر، ومعلومٌ أن المصوِّر "الفوتوغرافي" يدخل في عموم لفظ المصوِّرين؛ فهو جمعٌ دخلتْ عليه "أل" الاستغراقية، فيُفِيد العموم.
وفي الصحيحين أيضًا، عن عائشةَ أمِّ المؤمنين - رضي الله عنها -: أنها اشترتْ نُمْرُقةً فيها تصاوير، فلما رآها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب، فلم يدخلْه، فعَرَفتْ في وجهه الكراهية، فقلتُ: يا رسول الله، أتوب إلى الله، وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ماذا أذنبتُ؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بال هذه النُّمْرُقة؟))، قلتُ: اشتريتُها لك لتقعدَ عليها، وتُوسَّدها، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أصحابَ هذه الصور يوم القيامة يعذَّبون، فيقال لهم: أحيُوا ما خلقتُم))، وقال: ((إن البيتَ الذي فيه الصور لا تدخله الملائكةُ)).
وروى الترمذيُّ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صوَّر صورةً عذَّبه الله حتى ينفخ فيها - يعني: الروح - وليس بنافخٍ فيها، ومَن استمع إلى حديثِ قومٍ وهم يفرُّون منه، صبَّ في أذنه الآنُك يوم القيامة))، والأدلة في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية.
وعليه، فلا يجوز اقتناء تلك الصور للذِّكرى، أو تعليقها على الجدران، أو وضْعها في (ألبوم)؛ لأن ذلك ليس بغرضٍ معتَبر شرعًا، فيدخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخل الملائكةُ بيتًا فيه صورة))؛ متفق عليه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدعْ صورةً إلا طمستها))؛ رواه مسلم.
ولكن لو اقتنيتَها لحاجة معتَبرة؛ كأن تحتفظ بها؛ لكونك تحتاج إليها في المستقبل، فهذا لا بأسَ به - إن شاء الله.
وقد سُئِلت اللجنةُ الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز - رحمه الله - عن حكم التصوير، فأجابتْ - في الفتوى رقم (4513) - بالآتي:
"الذي يظهرُ للجنةِ أن تصويرَ ذوات الأرواح لا يجوز؛ للأدلة الثابتة في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه الأدلة عامَّة فيمَن اتخذ ذلك مهنةً يكتسب بها، أو لمن لم يتخذْها مهنةً؛ وسواء كان تصويرُها نقشًا بيدِه، أو عكسًا بالأستوديو، أو غيرهما من الآلات، نعم إذا دعتِ الضرورة إلى أخذ صورةٍ كالتصوير مِن أجل التابعية، وجواز السفر، وتصوير المُجْرِمين لضبطهم ومعرفتهم؛ ليقبض عليهم إذا أحدثوا جريمةً، ولجؤوا إلى الفرار، ونحو هذا مما لا بد منه - فإنه يجوز، وأما إدخال صور ذوات الأرواح في البيوت، فإن كانت ممتهنةً تداسُ بالأقدام، ونحو ذلك، فليس في وجودِها في المنزل محذور شرعي، وإن كانت موجودةً في جواز وتابعية، أو نحو ذلك، جاز إدخالها في البيوت، وحملها للحاجة، وإذا كان المحتفظ بالصور مِن أجل التعظيم، فهذا لا يجوز، ويختلف الحكم من جهة كونه شركًا أكبر أو معصية بالنظر لاختلاف ما يقوم في قلب هذا الشخص الذي أدخلها، وإذا أدخلها واحتفظ بها مِن أجل تذكُّر صاحبها، فهذا لا يجوز؛ لأن الأصل هو منعُها، ولا يجوزُ تصويرها وإدخالها إلا لغرضٍ شرعي، وهذا ليس من الأغراض الشرعية، وأما ما يوجد في المجلات من الصور الخليعة، فهذه لا يجوز شراؤها، ولا إدخالها في البيت؛ لما في ذلك من المفاسد التي تربو على المصلحة المقصودة مِن مصلحة الذكرى - إن كانت هناك مصلحة - وإلا فالأمرُ أعظمُ تحريمًا؛ وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمُهن كثيرٌ من الناس، فمَن اتقى الشبُهات، استبرأ لدينه وعِرضه، ومَن وقع في الشبهات، وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحِمَى، يوشك أن يرتعَ فيه، أَلَا وإن لكلِّ مَلِكٍ حمًى، أَلَا وإن حمى الله محارمه))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك))، وقال - صلى الله عليه وسلم - لرجلٍ جاء يسأله عن البر: ((البرُّ ما اطمأنتْ إليه النفس واطمأن إليه القلبُ، والإثمُ ما حاك في النفس وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك)).
هذا، ويمكنك الاحتفاظ بالصور التي تريدُها على الحاسوب، فإنها لا تدخل في التصوير المحرَّم، ما لم تخرج الصورة، وتُطبع على شيء ثابت كالورق، أو تكون الصورة لشيء محرَّم؛ كصور النساء الأجنبيات، فالصورُ التي لا جِرْمَ لها - أي ليست ورقية، ولا منحوتة، ولا مطبوعة، وإنما هي موجات كهربائية، أو حبس ظل، أو ما شابه - لا شيء فيها؛ كتصوير الفيديو، وكالجوَّال.
وفقك الله لكلِّ خيرٍ