أنا فتاةٌ منَّ اللهُ عليَّ بالهداية، ووجدتُ السعادة، وكانتْ قُرَّة عيني في الصلاة.
أُعجِبتْ بي فتاةٌ في المدرسة، فقلتُ في نفسي: نِعْمَ فلانة! ومنذ ذلك الحين فقدتُ السعادة والإيمان ولذَّته وحلاوَتَهُ، وصِرتُ أصلِّي الفرض فقط إجبارًا، فما الحل؟
الجواب
بسم الله الموفق للصواب
وهو المستعان
أيتها العزيزة، كلُّ ما يمنع النفس مما تشتهي، ويقطع القلب مما يحب ويهوى، مِن المكاره التي يجب احتمالها، ما دامتْ تقودنا إلى الجنة؛ فقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات))؛ رواه مُسلم، والفروضُ المكتوبة مِن أشقِّ المكاره التي تحفُّ بجنات النعيم، فالجهادُ في سبيل الله - تعالى - من المكاره؛ ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]، والصلاةُ ثقيلةٌ وشاقَّة؛ ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، قال ابنُ كثيرٍ في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ ﴾؛ أي: «مَشَقَّةٌ ثقيلةٌ»، وكلُّ ما شقَّ على النفس حمْلُه فهو مِن المكاره! والحجُّ طاعةٌ شاقة، والصومُ حابسٌ للنَّفس مِنْ شهوة الأكل والشُّرب والجِماع، والزكاةُ مفروضةٌ على رغم ما جُبِلتْ عليه النفسُ مِن حبٍّ للمال؛ ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [البقرة: 177]!
فالأصلُ أن الطريق إلى الفردوس الأعلى طريقٌ غير مُعبَّد، طريقٌ موحِش ومتعِب ومُؤلِم، وأول ما يُسلَك مِن هذا الطريق فريضة الصلاة؛ ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، والخشوعُ كما يعرِّفه شيخُ الإسلام - رضي الله عنه - في "مجموع الفتاوى": هو «الخُضُوع لله - تعالى - والسكونُ والطمأنينةُ إليه بالقلب والجوارح»، ولما خضَعت جوارحُكِ لله - تعالى - واطمأنَّ قلبُك إليه، أصبحت الصلاة قُرَّة عين لكِ، كما أقرَّها - سبحانه وتعالى - في عين نبيه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: ((حُبِّب إليَّ مِن دنياكم النِّساء والطِّيب، وجُعِلت قُرَّة عيني في الصلاة))؛ رواه أحمدُ والنَّسائيُّ، قال ابنُ القيِّم - رحِمَه الله ورَضِي عنه - في كتابه "طريق الهجرتَيْن": "فقُرَّة العين فوق المحبَّة، فجعَل النساء والطِّيب مما يحبه، وأخبر أنَّ قرَّة العين التي يَطمئن القلب بالوصول إليها، ومحض لذَّته وفرحه وسروره وبهجته إنما هي في الصلاة، التي هي صِلة الله، وحضور بين يديه، ومناجاة له، واقتراب منه".
ثم لما زاحمتْ محبةُ تلك الفتاة محبةَ الله - تعالى - في قلبكِ؛ انحطَّت الصلاةُ مِن منزلة "قرة العين" لتحلَّ محلها فتاةُ المدرسة! فأثْقَلَتْ بمحبتِها على قلبكِ، فثقُلتْ لثِقَلِها الصلاةُ على نفسكِ!
ولو أنَّ هذا الحبَّ الذي جمَعكِ بتلك الفتاة في الله ولله، لكان محفِّزًا لكِ على الطاعات والصالحات بما فيها إقامة الصلاة، والمحافظة على السُّنن الرواتب، ولَذُقتِ بهذا الحبِّ حلاوةَ الإيمان؛ كما أخبر بذلك الحبيبُ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجَد حلاوة الإيمان؛ أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلا للهِ، وأن يَكره أن يعودَ في الكفر كما يَكره أن يُقذفَ في النار))؛ متَّفَق عليه، ولكن حبكما لم يكنْ في الله! وأنت تُدركين ذلك! فلتُنقِّي هذه المحبة مما عَلَق بها مِن شوائبَ وشهواتٍ؛ كي تَقَرَّ عينُكِ بالصلاة، وتتذوَّقي حلاوةَ الإيمان - بإذن الله - تعالى- وذلك لن يتمَّ إلا بالمجاهَدة؛ ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، وأفرضُ الجهاد جهادُ النفس، وجهادُ الهوى، وجهادُ الشيطان، وجهادُ الدنيا، فمَن جاهَد هذه الأربعةَ في الله؛ هداه الله سُبُل رضاه الموصِّلة إلى جنَّته، ومَن ترَك الجهادَ فاتَه مِن الهدى بحسب ما عطَّل مِن الجهاد"؛ "الفوائد"، لابن القيِّم.
وادْعي بنحو الدعاء وأمثاله: «اللهم إني أسألك حبَّك، وحبَّ مَن يُحبك، وحب عمَل يقرِّبني إلى حبِّك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعلْه قوةً لي فيما تحب، وما زَويتَ عني مما أحب فاجعلْه فراغًا لي فيما تحب، اللهم اجعلْ حبَّك أحب إليَّ مِن أهلي ومالي ومِن الماء البارد على الظمأ، اللهم حبِّبني إليك، وإلى ملائكتك، وأنبيائك، ورُسلك، وعبادك الصالحين، اللهم أَحي قلبي بحبِّك، واجعلني لك كما تُحب، اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله، وأرضيك بجهدي كله، اللهم اجعل حبِّي كله لك، وسَعيي كله في مرْضاتِك».
وعسى الله أن يَقرَّ عينكِ بالصلاة، ويجعلَ حبكِ لصديقتكِ في الله، غفَر اللهُ لكما، وأعانكما على ذِكْرِه وشُكرِه وحُسْن عبادتِه، آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المرْجِع والمآب