السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأةٌ متزوجةٌ منذ ثماني سنوات، أصاب أسناني الرباعية الأمامية تسوُّسٌ قبل زواجي، فذهبتُ للعيادة، وتبين أن السن تالفٌ ولا ينفع معه الحشو، ولا بد مِن تلبيسه.
وتلبيس السن يكون عن طريق برْد السنِّ الأصلي، ومعالجة العصَب، وتلبيس السن بالسيراميك، فلبَّست الأربع الأمامية، وكان الاختلافُ واضحًا جدًّا بين الأسنان الجديدة والأخرى مِن حيثُ الحجمُ واللون، فقمتُ بتلبيس الأسنان الثماني العليا التي بجانبها؛ لتوحيد اللون والشكل.
العيادةُ التي ركبتُ فيها أسناني لم تكنْ جيدةً، لذا كانت الأسنان كبيرةً لدرجة أن حجم الناب مثل حجم الضرس!
ساءت حالتي النفسية، وتعرَّضْتُ لمواقفَ محرجةٍ لا أستطيع نسيانها، كتمتُ فيها الغصَّة والدمعة.. حتى عندما أضحك فإني لا أفتح فمي، لأني أحس أنَّ أنظار الناس تتجه إلى أسناني.
والآن أنا أريد أن أعيدَ تلبيسة الأسنان في عيادة أفضل؛ حتى يكون شكلها مقبولًا، والأهم أن أرتاح نفسيًّا، لكن المشكلة أن زوجي يقول لي: "أنت تدخلين في اللعن، وتغيير خَلْق الله"! فكيف يكون هذا تغييرًا لخلق الله، وأنا أصلًا عالجتها قبْلَ ذلك؟
فهل صحيح أن هذا تغيير لخَلْقِ الله؟
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فَمَا دَامَ الأمرُ كَمَا ذكرتِ - أيتُها الأختُ الكريمةُ - فلا مانِعَ مِن إِجْراء تقويمٍ للأسنان عند طبيبٍ آخَرَ؛ لإزالة العُيوب التي تُسبِّب تشوُّهًا للخِلْقَة، وليس هذا الأمر مِن تغير خلْقِ الله الذي ورد فيه الحديثُ المخَرَّجُ في الصحيحين وغيرهما، عن عبدالله بن مسعود، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((لَعَنَ اللهُ الواشِماتِ والمستَوْشِماتِ، والنَّامِصاتِ والمُتَنمِّصاتِ، والمُتَفلِّجاتِ للحُسْن؛ المغيِّراتِ خلْقَ الله)).
قال ابن بَطَّال في "شرح صحيح البخاري" (9/ 167): والمُتَفَلِّجة: هي المفرِّقةُ بين أسنانِهَا المتلاصِقَةِ بالنحتِ؛ لتبعد بعضها من بعض، والفَلَجُ: تَبَاعُدُ ما بينَ الشَّيْئَيْنِ؛ يقال: منهُ رجلٌ أفلجُ، وامرأةٌ فلجاءُ.
قال الطبريُّ: في هذا الحديثِ البيانُ عن رسولِ اللهِ أنه لا يجوزُ لامرأةٍ تغييرُ شيءٍ من خلقها الذى خَلَقَهَا الله عليه بزيادةٍ فيهِ، أو نقصٍ منه؛ التماسَ التحسُّنِ بِهِ لزوجٍ، أو غيره؛ لأنَّ ذلك نقضٌ منها خَلْقَهَا إلى غير هيئَتِهِ، وسواءٌ فَلَجَتْ أسنانَهَا المستويَةَ البنيةِ، وَوَشَرَتْهَا، أو كانت لَهَا أسنانٌ طِوَالٌ فَقَطَعَتْ طلبًا للحُسْنِ، أو أسنانٌ زائدةٌ عَلَى المعروفِ من أسنانِ بني آدَمَ فَقَلَعَتِ الزوائِدَ من ذلك بغير علةٍ إلا طَلَبَ التَّحَسُّنِ والتَّجَمُّلِ، فإنها في كلِّ ذلك مُقْدِمَةٌ عَلَى ما نَهَى اللهُ تعالى عنهُ". اهـ.
فتغييرُ خلق الله أن يُفعل هذا طلبًا للحسن، وليس لحاجَةِ العِلَاج؛ فقد أذِن النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعَرْفَجَةَ - رضي الله عنه - لمَّا قُطِعَتْ أنفُهُ أن يتَّخِذَ أنفًا من ذَهَبٍ".
وقد نصَّ على ما قلنا الإمامُ النووي في "شرح مسلم" (14/ 107) تعليقًا على حديث ابن مسعود الذي ذكرناه حيث قال - رحِمه الله -: "قَوْلُه: (المُتَفَلِّجَات لِلحُسْنِ): فمَعْناهُ: يفْعَلْنَ ذَلِكَ؛ طَلَبًا لِلحُسْنِ, وفِيه إشَارَةٌ إلى أَنَّ الحَرَام هُوَ المَفْعُول لطلَبِ الحُسْن, أَمَّا لَو احْتَاجَتْ إليْهِ لعِلاجٍ أَوْ عَيْب في السِّنِّ ونَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ". اهـ.
فيجوزُ لَكِ - أيتُها الأختُ الكريمةُ - عملُ تقويمٍ لأسنانِكِ وتلبيسُها؛ لأن هذا من باب الطِّبِّ، وليس من التفليجِ المنهي عنه من أجل زِيادة الحُسْن، فذلك محرَّم غيرُ جائِزٍ؛ لِما فيه من تَغيير خَلْقِ الله؛ وقد قال تعالى: ﴿ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ﴾ [النساء: 119].
والله أسأل أن يشفي مرضى المسلمين