السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ عمري 19 سنة, قررتُ منذ شهور معدودة أن أتبعَ ديني وأن أسلكَ طريق الحق؛ فبدأتُ بالصلاة في المنزل - وقد كنتُ تارِكًا لها - ثم حافظت على صلاة الجماعة, وفي الوقت نفسه تغلَّبْتُ على الاستمناء بعد حربٍ طويلة, ثم قطعت الاستماع للموسيقا, وحذفتُ معرف الفيسبوك الخاص بي دون رجعة، لعدم توفر منفعة فيه، وحتى أقطع الكلام مع أي فتاة.
استطعتُ - ولله الحمد - تدريجيًّا أن أبتعدَ عن الكثير مِن المُحَرَّمات، وما زلتُ أبحث في ديني وللهِ الحمد، بل تعرَّفْتُ مُؤَخَّرًا على طلبة علمٍ حريصين على دينهم, ونصحوني فأصبحتُ أُطالِع الكتب الدينية الموثوقة؛ ككتب الألباني - رحمه الله، والشيخ الفوزان... إلخ، وعرفتُ أنَّ إعفاء اللحية واجبٌ على المسلم, فلم أَعُدْ أحلقها ولا أقصها.
لكن مشكلتي الآن في إسبال الثوب، فقد كنتُ أظنُّ أنه مَن يفعل ذلك بغير خُيَلاء لا يأثم, وهذا عكس ما يقوله الألباني - رحمه الله، ومن ثَمَّ فأنا مُطالَبٌ بترْك الإسبال، لكن لديَّ عُقدة نفسيةٌ لم أستطع التغلُّب عليها منذ 4 سنوات، وهي أني كثير الشعر خاصَّة في رجلي ويدي، وأنا أسبل الثوب حتى في الحرِّ الشديد؛ لأني أجد نفسي مختلفًا عن الآخرين، ولا أعلم ماذا يمكن أن أفعل؟
فبعد تبين الحقيقة, والتي هي تحريم إسبال الثوب, وَجَبَ اتباع الحق, وأنا لست قادرًا نفسيًّا، وقد فكرتُ في لبس الجوارب الطويلة, لكن لا أعلم مدى جواز لبسها للرجل؟ كما أن ذلك لن يفيد هذا إلا في فصل الشتاء، أما في الصيف فسأكون مُطالَبًا بترْك الجوارب، وإلا فسوف يظُنُّ الناس أني أحمق، وسأضطر للبس سروال، وبذلك أكون منافقًا! فالمسألة نفسيةٌ منذ مدة طويلة.
كذلك بشرتي شديدة البياض, وشعر جسمي شديد السواد، وقد سبق لي أن حلقته عندما كنت صغيرًا لجهلي بالأمر، أرجو ألا تقولوا: علاَمة رجولة؛ لأني أعلم أن الرجولة ليستْ بالشعر، وأعلم أنه حتى الرجال في سن الثلاثين والأربعين ليسوا مثلي.
أخبروني ماذا أفعل، فأنا في حيرةٍ من أمري؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأهنئك - أيها الابن الكريم - على توبتك مما ذكرته مِن معاصٍ، واللهَ أسأل أن يُثَبِّتك على الحق، وقد أحسنتَ بمُصاحبة شباب متدينين، يأخذون بيدك للخير؛ فإن محبتهم تدوم وتتصل بدوام مَن كانت المحبة لأجله؛ كما قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]؛ لذلك كان ثوابهم أن الله تعالى يُناديهم يوم القيامة بما يسرُّ قلوبهم، ويذهب عنهم كل آفةٍ وشرٍّ؛ فيقول: ﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [الزخرف: 68 - 73].
فلا خوف يلحقهم فيما يستقبلونه مِن الأمور، ولا حزن يُصيبهم فيما مضى منها، وإذا انتفى المكروه مِن كل وجهٍ ثبت المحبوب المطلوب.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدُكم مَن يخالل))؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
أما مسألة الإسبال: فالإسبال المحرم إنما يكون إذا جاوز الكعبين، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا ينظر الله إلى مَن جرَّ إزاره بطرًا))؛ متفق عليه، ولأحمد والبخاري: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار))، وروى أحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج - أو لا جناح - فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، مَن جرَّ إزاره بطرًا لم ينظر الله إليه)).
فالبس ثوبًا أو سراويل إلى أول الكعبين، وما أظنك تحتاج بعدها لجوربٍ، أو غيره، وإن كان لبس الجورب سواءٌ كان طويلًا أو قصيرًا مباحًا، والظاهر مِن كلامك أنك ظننتَ أن تقصيرَ الثوب إلى نصف الساق واجبٌ عليك؛ ولذلك وقعتَ في الحرج.
ولتعلم - أيها الابن الكريم - أنه يجوز لك إزالة ما تشاء مِن شعر جسدك؛ فإن ذلك مِن جملة المباحات؛ حيث لم يردْ فيه دليلٌ خاصٌّ بتركه أو حلقه، فالشارعُ قد أمر بإعفاء شعر اللحية وتوفيرها، ونهى عن الأخذ منها، كما أمر بترك الحاجبين، وأمر بالأخذ مِن الشارب، وحلق العانة والإبط، وخيَّر في شعر الرأس بين الحلق والقص والترْك، وسكت عن باقي الشعر؛ كشعر الأنف والصدر، والساقين والساعدين، فيدخل فيما عفا الله عنه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحلالُ ما أحلَّ الله في كتابه، والحرامُ ما حرَّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه))؛ رواه الترمذي، والقول بالإباحة هو مذهب المالكية، قال في "الفواكه الدواني": "(ولا بأس بحلاق غيرها)؛ أي: غير العانة، (من شعر الجسد)؛ كشعر اليدين والرجلين، ونحوهما من بقية شعر الجسد، حتى شعر حلقة الدبر؛ إلا الرأس واللحية؛ فإن حلقهما بدعة؛ محرمة في اللحية، وغير محرمة في الرأس؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحلق رأسه إلا في التحلل من الحج، والظاهر من (لا بأس): الإباحة".
ولكني لم أفهم معنى قولك: "وسأضطر للبس سروالٍ، وبذلك أكون منافقًا": فلا أعلم أن في لبس السراويل سواءٌ العربية أو الإفرنجية نفاقًا.
وفقك الله لكل خير، وثبَّتنا وإياك على الصراطِ المستقيمِ