السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوجة منذ أكثر مِن سنة, وزوجي رائعٌ بكل المقاييس - حماه الله - ويكفيني أن أقول: "إن كان نصف الرجال مثله، لكان المجتمع بخير"، لكن المشكلة في الصلاة:
فبعد الزواج بدأ يترك الصلاة في المسجد أحيانًا, ويُصلي في المسجد أحيانًا حين أحثه على ذلك، وهو يقول: اصمتي فضميري يؤنبني، وأنا أحب المسجد, وأحب الصلاة فيه، ولا تتوقعي أني راضٍ عن نفسي، لكن المشكلة تكمُن في الناس؛ فهو غير اجتماعي, وعلاقاته محدودةٌ، إلا مع عائلته وأصدقائه المقربين فقط؛ لذلك يكره كلام الناس له أثناء ذهابه للمسجد, يكره تعليقاتهم له بالتخلُّف عن المسجد أحيانًا, يكره - على حدِّ قوله - إخراجهم لورقةٍ طويلةٍ فيها جميع الأسئلة التي يُريدون معرفتها عنه وعن عائلته.
احترتُ كيف أدعوه؟ مع العلم بأنه يُصلي الصلاة في وقتها, لكنه يصليها في البيت، وعند إيقاظه للصلاة يستيقظ من أول نداء، أريد خطوات عمليةً واضحةً حتى أتبعها وأنفِّذها.
الجواب
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فبارك الله لك في زوجك - أيتها الأخت الكريمة - وزادك رضًا به، وملأ بيتك سعادةً، وشكر الله لك حرصك على شأن الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام العملية.
اشرحي له بعدما يتقرر عنده حكم الجماعة وأنها واجبة وجوبًا عينيًّا على مَنْ يسمع النداء، مِن الرجال القادرين، ويأثم تاركها - أنَّ مَنْ صَلَّى في بيته من غير عذرٍ، فقد فاته أجرٌ عظيمٌ، وارتكب إثمًا مبينًا؛ لأن الله - جل وعلا - يقول في كتابه: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ﴾ [النساء: 102]؛ فأمر الله تعالى بالجماعة حال الخوف (الحرب)؛ ففي غيره أولى.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما، لأتوهما، ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم آمر رجلًا، فيُصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجالٍ، معهم حزمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة؛ فأحرق عليهم بيوتهم بالنار))؛ متفق عليه، فجعل التخلف عن صلاة الجماعة مِن صفات المنافقين.
وأنَّ الرجلَ ما دام يسمع النداء فعليه أن يجيبَ؛ حيث لم يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الأعمى أن يُصَلِّيَ في بيته، بل قال له: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأجِبْ))؛ رواه مسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سمِعَ النداء فلم يأته فلا صلاة له؛ إلا مِن عذرٍ))؛ رواه ابن ماجه، عن ابن عباس.
وفي صحيح مسلم: أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "مَن سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فلْيُحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنَّ، فإن الله شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوةٍ يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحط عنه بها سيئةً، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقامَ في الصف".
ثالثًا: أنَّ صلاة الجماعة لا يُخِلُّ بها إلا مَن ضعُف إيمانه، وحرم نفسه خيرًا عظيمًا، وليعلم أن الأجر على قدْرِ المشقة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه خمسًا وعشرين درجةً، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن، وأتى المسجد، لا يريد إلا الصلاة، لم يخط خطوةً إلا رفعه الله بها درجةً، وحط عنه خطيئةً، حتى يدخل المسجد، وإذا دخل المسجد، كان في صلاةٍ ما كانت تحبسه، وتصلي - يعني عليه الملائكة - ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه)).
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة، أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم))؛ رواه مسلم.
وعن أبيّ بن كعبٍ، قال: كان رجلٌ من الأنصار بيته أقصى بيتٍ في المدينة، فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فتوجعنا له، فقلت له: يا فلان، لو أنك اشتريت حمارًا يقيك من الرمضاء، ويقيك من هوام الأرض، قال: أما والله ما أحب أن بيتي مطنبٌ ببيت محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - قال: فحملت به حملًا حتى أتيت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، قال: فدعاه، فقال له مثل ذلك، وذكر له أنه يرجو في أثره الأجر، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لك ما احتسبت))؛ رواه مسلم.
وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: ((أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، قال: والبقاع خاليةٌ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم، - فقال: ((يا بني سلمة، دياركم، تكتب آثاركم))، فقالوا: ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))؛ رواه مسلم.
وهذا الحديث يدل على أنه لا يخل بملازمتها ما أمكن إلا محرومٌ مشؤومٌ؛ حتى قال الإمام الشوكاني في "السيل الجرَّار": "ولكن المحروم من حرم صلاة الجماعة؛ فإن صلاةً يكون أجرها أجر سبعٍ وعشرين صلاةً، لا يعدل عنها إلى صلاةٍ ثوابها جزءٌ من سبعةٍ وعشرين جزءًا منها - إلا مغبونٌ، ولو رضي لنفسه في المعاملات الدنيوية بمثل هذا، لكان مستحقًّا لحجره عن التصرف في ماله؛ لبلوغه من السفه إلى هذه الغاية، والتوفيق بيد الرب سبحانه". اهـ.
رابعًا: الاستعانة بالله، والحرص على طاعته تعالى، والرغبة فيما عنده، وطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك، وترك الكسل عن طلب الإعانة.
خامسًا: الإكثار من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وبمواطأة القلب واللسان، فالعبدُ عاجزٌ عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضارِّه، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله - عز وجل - فمَن أعانه الله فهو المعان، ومَن خذله فهو المخذول؛ فلا تحول للعبد من حالٍ إلى حالٍ، ولا قوة له على ذلك إلا بالله؛ ولذلك كانت "لا حول ولا قوة إلا بالله" من كنوز الجنة، فكلنا في حاجةٍ إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترْك المحظورات، والصبر على المقدورات كلها في الدنيا، وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ، ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله - عز وجل؛ لذلك قال - صلى الله عليه وسلم - قال: ((احرصْ على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تعجز))؛ رواه مسلم.
وأخيرًا: أوصيه بالإعراض وعدم الالتفات إلى الناس، وأقوالهم، وفضولهم، وليبدأ - من الآن - بالثورة على واقعه، وأن يخرج منه، وليبحث عن أسباب ضعفه، وليوقن من عون الله له؛ ما دام جادًّا صادقًا، ويمكنه أن يصلي في مسجدٍ بعيدٍ في البداية حتى يعتاد المواظبة، ويقوى، ثم ينتقل لمسجد الحي إن أراد، المهم ألا يترك الجماعة.
وفقه الله لكل خير