الإسرائيليات
جمع إسرائيلية ، نسبة إلى بني إسرائيل ، والنسبة
في مثل هذا تكون لعجُز المركب الإضافي لا لصدره
وإسرائيل هو : يعقوب عليه السلام أي عبد الله وبنو
إسرائيل هم : أبناء يعقوب ، ومن تناسلوا منهم فيما بعد...
وقد عُرفوا "باليهود" أو بـ "يهود" من قديم الزمان أما من آمنوا
بعيسى : فقد أصبحوا يطلق عليهم اسم "النصاري" وأما من آمن بخاتم
الأنبياء : فقد أصبح في عداد المسلمين ، ويعرفون بمسلمي أهل الكتاب"(1)
ولفظ الإسرائليات وإن كان يدل بظاهره على على اللّون
اليهودي ,إلا أنه يراد به ما هو أوسع من ذلك وأشمل ,فالمراد به
ما يعم اللّون اليهودي واللّون النصراني معاً..والبعض قال :إن ذلك
أطلق من باب التغليب للجانب اليهودي على الجانب النصراني
لأن الجانب اليهودي هو الذي انتشر أمره وكثُر النقل عنه"(2)
"ومن التوراة وشروحها ، والأسفار وما اشتملت عليه ، والتلمود
وشروحه، والأساطير والخرافات ، والأباطيل التي افتروها
أو تناقلوها عن غيرهم : كانت معارف اليهود وثقافتهم ، وهذه
كلها كانت المنابع الأصلية للإسرائيليات التي زخرت بها بعض
كتب التفسير ، والتاريخ والقصص والمواعظ ، وهذه المنابع
إن كان فيها حق ، ففيها باطل كثير ، وإن كان فيها صدق
ففيها كذب صراح ، وإن كان فيها سمين ، ففيها غث
كثير ، فمن ثم انجر ذلك إلى الإسرائيليات ، وقد يتوسع
بعض الباحثين في الإسرائيليات ، فيجعلها شاملة لما
كان من معارف اليهود ، وما كان من معارف النصارى التي تدور
حول الأناجيل وشروحها ، والرسل وسيرهم ونحو ذلك ؛ وإنما
سميت إسرائيليات لأن الغالب والكثير منها إنما هو من ثقافة
بني إسرائيل ، أو من كتبهم ومعارفهم ، أو من أساطيرهم وأباطيلهم(3)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1):أهل الكتاب يُطلَقون على اليهود والنصارى ، ولكنهم في مثل هذا يراد بهم اليهود غالبا
لأنهم الذين كانوا يسكنون بالمدينة وما جاورها.
ولأن الكثرة الكاثرة من الإسرائيليات دخلت عن طريق اليهود.
الإسرائليات والموضوعات في كتب التفسيرلمحمد بن محمد أبي شهبة (11)
(2):من التحقيق والتعليق على كتاب التوابين لابن قدامة ل:خالد عبد اللطيف السبع العلمي (10)
(3): التفسير والمفسرون (ج 1 ص 165) من الإسرائليات والموضوعات(12)
مبدأ دخول الإسرائيليات على المسلمين:
نستطيع أن نقول: إن دخول الإسرائيات فى التفسير، أمر يرجع إلى عهد الصحابة رضى الله عنهم، غير أن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - لم يسألوا أهل الكتاب عن كل شئ، ولم يقبلوا منهم كل شئ، بل كانوا يسألون عن أشياء لا تعدو أن تكون توضيحاً للقصة وبياناً لما أجمله القرآن منها، مع توقفهم فيما يُلقى إليهم، فلا يحكمون عليه بصدق أو بكذب ما دام يحتمل كلا الأمرين، امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكَذِّبوهم، وقولوا: {آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا}.. الآية.
كما أنهم لم يسألوهم عن شئ مما يتعلق بالعقيدة أو يتصل بالأحكام، اللّهم إلا إذا كان على جهة الاستشهاد والتقوية لما جاء به القرآن. كذلك كانوا لا يعدلون عما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك إلى سؤال أهل الكتاب، لأنه إذا ثبت الشئ عن الرسول صلى الله عليه وسلم فليس لهم أن يعدلوا عنه إلى غيره..ومهما يكن من شئ فإن الصحابة - رضى الله عنهم - لم يخرجوا عن دائرة الجواز التى حدَّها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما فهموه من الإباحة فى قوله عليه السلام: "بلِّغوا عنى ولو آية، وحَدِّثوا عن بنى إسرائيل ولا حَرَج، ومَن كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".رواه البخاري(1)
أما التابعون فقد توسعوا في الأخذ عن أهل الكتاب فيما يخالف الشريعة الإسلامية فكثرت على عهدهم الروايات الإسرائيلية فى التفسير، ويرجع ذلك لكثرة مَن دخل مِنْ أهل الكتاب فى الإسلام، وميل نفوس القوم لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية، فظهرت فى هذا العهد جماعة من المفسِّرين أرادوا أن يسدُّوا هذه الثغرات القائمة فى التفسير بما هو موجود عند اليهود والنصارى، فحشوا التفسير بكثير من القصص المتناقض، ومن هؤلاء: مقاتل بن سليمان ...
ثم جاء بعد عصر التابعين مَن عظم شغفه بالإسرائيليات، وأفرط فى الأخذ منها إلى درجة جعلتهم لا يردُّون قولاً. ولا يحجمون عن أن يلصقوا بالقرآن كل ما يُروَى لهم وإن كان لا يتصوره العقل!!. واستمر هذا الشغف بالإسرائيليات، والولع بنقل هذه الأخبار التى أصبح الكثير منها نوعاً من الخرافة إلى أن جاء دور التدوين للتفسير، فَوُجِد من المفسِّرين مَنْ حشوا كتبهم بهذا القصص الإسرائيلى، الذى كاد يصد الناس عن النظر فيها والركون إليها.(2)
أقسام الإسرائيليات :
أخبار بني إسرائيل ، وأقاويلهم على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما علمنا صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة فما وافقه فهو : حق وصدق ، وما خالفه فهو : باطل وكذب ، قال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}.(1)
وهذا القسم صحيح ، وفيما عندنا غنية عنه ، ولكن يجوز ذكره ، وروايته للاستشهاد به ، ولإقامة الحجة عليهم من كتبهم ، وذلك مثل : ما ذكر في صاحب موسى عليه السلام ، وأنه الخضر فقد ورد في الحديث الصحيح ، ومثل ما يتعلق بالبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبرسالته ، وأن التوحيد هو دين جميع الأنبياء ، مما غفلوا عن تحريفه ، أو حرفوه ، ولكن بقي شعاع منه يدل على الحق.
وفي هذا القسم ورد قوله : صلى الله عليه وسلم : "بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار" رواه البخاري، قال الحافظ في الفتح : أي : لا ضيق عليكم في الحديث عنهم ؛ لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم ، والنظر في كتبهم ، ثم حصل التوسع في ذلك ، وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية ، والقواعد الدينية ؛ خشية الفتنة ، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك ، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمنهم من الاعتبار.(2)
القسم الثاني : ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه ، وذلك مثل : ما ذكروه في قصص الأنبياء ، من أخبار تطعن في عصمة الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، كقصة يوسف ، وداود ، وسليمان ومثل : ما ذكروه في توراتهم : من أن الذبيح إسحاق ، لا إسماعيل ، فهذا لا تجوز روايته وذكره إلا مقترنا ببيان كذبه ، وأنه مما حرفوه ، وبدلوه ، قال تعالى : {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِه}.
وفي هذا القسم : ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة عن روايته ، والزجر عن أخذه عنهم ، وسؤالهم عنه ، قال الإمام مالك رحمه الله في حديث : "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" : المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن : أما ما عُلِم كذبه فلا(3).
ولعل هذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر المسلمين : كيف تسألون أهل الكتاب ، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرءونه لم يشب ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله ، وغيروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا : هو من عند الله ، ليشتروا به ثمنا قليلا ، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم"(4) .
القسم الثالث : ما هو مسكوت عنه ، لا من هذا ، ولا من ذاك ، فلا نؤمن به ، ولا نكذبه ، لاحتمال أن يكون حقا فنكذبه ، أو باطلا فنصدقه ، ويجوز حكايته لما تقدم من الإذن في الرواية عنهم. ولعل هذا القسم هو المراد بما رواه أبو هريرة ، قال : "كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تصدقوا أهل الكتاب ، ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله ، وما أنزل إلينا ، وما أنزل إليكم" الآية (5)، ومع هذا : فالأولى عدم ذكره ، وأن لا نضيع الوقت في الاشتغال به ، وفي هذا المعنى : ورد حديث أخرجه الإمام أحمد ، وابن أبي شيبة والبزار ، من حديث جابر : أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه عليه ، فغضب ، قال : "لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق ، فتكذبوا به ، أو بباطل ، فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده لو أن موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني" ورجاله موثقون ؛ إلا أن في مجالد -أحد رواته- ضعفًا ، وأخرج البزار أيضا من طريق عبد الله بن ثابت الأنصاري : أن عمر نسخ صحيفة من التوراة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" ، وفي سنده جابر الجعفي ؛ وهو ضعيف ، قال الحافظ في الفتح : واستعمله : "يعني البخاري" في الترجمة : يعني عنوان الباب ، لورود ما يشهد بصحته من الحديث الصحيح.
قال ابن بطال عن المهلب : "هذا النهي في سؤالهم عما لا نص فيه ؛ لأن شرعنا مكتفٍ بنفسه ، فإذا لم يوجد فيه نص ، ففي النظر والاستدلال غنىً عن سؤالهم ، ولا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا ، والأخبار عن الأمم السالفة(6)(*).
ــــــــــــــــــــ
(1):المائدة : 48 ، 49.
(2):فتح الباري ج 6 ص 388.
(3): فتح الباري ج 6 ص 388.
(4) :ذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنه برقم :2832
(5):رواه البخاري
(6):فتح الباري ج 13 ص 284 ، 285.
(*):الإسرائيليات والموضوعات فى كتب التفسيرلأبي شهبة (ص:106-107-108)
الموقف من الإسرائليات:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-في فتاوى نور على الدرب :
الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا ومن غيره فيه يذكر من الإسرائليات
أن يعرض هذه الإسرائليات على ما في الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة فهو حق لا لأنه من خبر بني إسرائيل ولكنه لأنه موافق للكتاب والسنة وما خالفه فهو باطل وما لم يخالفه ولم يوافقه يعني ما لم تعلم مخالفته ولا موافقته فإنه يتوقف فيه ولا يحكم بصدقه ولا بكذبه.))فتاوى نور على الدرب للشيخ العثيمين
قال المفسِّر العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في تفسير سورة البقرة بعد أن ذِكر قصة بقرة بني إسرائيل:
((وبهذا التَّقرير نعرف أنه لا حاجة بنا إلى ما ذَكرهُ كثير من المفسِّرين مِن الإسرائيليَّات: مِن أن هذه البقرة كانت عند رجل بارٍّ بأمِّه، وأنهم اشترَوها منه بملء مَسكِها ذهبًا -يعني: بملء جلدها ذهبًا-!
وهذا مِن الإسرائيليات التي لا تُصدَّق، ولا تُكذَّب، ولكن ظاهر القرآن -هنا- يدل على كذبِها؛ إذ لو كان واقعًا؛ لكان نقلُه مِن الأهميَّة بمكان؛ لما فيه من الحثِّ على برِّ الوالدَين حتى نعتبر.
فالصَّواب أن نقول في تفسير الآية ما قال اللهُ -عزَّ وجلَّ-، ولا نتعرَّض للأمور التي ذَكرَها المفسِّرون -هنا- مِن الحكايات)). (1/238)
وقال -قبل ذلك- (1/234):
((ولا حاجةَ بنا إلى أن نُعلِّل لماذا قُتل، أو لأي غرض؛ فهذا ليس من الأمور التي تهمُّنا؛ لأن القرآنَ لم يتكلَّم بها.
ولكن غاية ما يكون: أن نأخذ عن بني إسرائيل ما لا يكونُ فيه قدحٌ في القرآن، أو تكذيب له)).
مواقف المفسرين من هذه الإسرائيليات:
اختلفت مواقف العلماء، ولا سيما المفسرون من هذه الإسرائيليات على ثلاثة أنحاء:
أ -فمنهم من أكثر منها مقرونة بأسانيدها، ورأى أنه بذكر أسانيدها خرج من عهدتها، مثل ابن جرير الطبري.
ب -ومنهم من أكثر منها، وجردها من الأسانيد غالباً، فكان حاطب ليل مثل البغوي الذي قال شيخ الإسلام ابن تيمية (1) عن تفسيره: إنه مختصر من الثعلبي، لكنه صانه عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة، وقال عن الثعلبي: إنه حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
جـ -ومنهم من ذكر كثيراً منها، وتعقب البعض مما ذكره بالتضعيف أو الإنكار مثل ابن كثير.
د -ومنهم من بالغ في ردها، ولم يذكر منها شيئاً يجعله تفسيراً للقرآن كرشيد رضا.(2)
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/304).
(2)تفسير الشيخ العثيمين (تفسير القرآن الكريم)مقدمة المجلد الأول