إبطال القرآن الكريم لعقيدة التثليث
قدمنا إبطال ابن تيمية لعقيدة التثليث وهو يسير فيه مع هدي القرآنالكريم ، حيث أبطل القرآن تلك العقيدة في العديد من آياته كقوله تعالى:
(( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَتَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَاالْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىمَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُأَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَىبِاللّهِ وَكِيلاً)) .
يقول الرازي– عند تفسيره لقوله تعالى: (( وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ)) (النساء: من الآية171) :
المعنى: ولا تقولوا – والخطاب للنصارى – إن الله سبحانهواحد بالجوهر ثلاثة بالاقانيم ، أو لا تقولوا آلهتنا ثلاثة. . .
واعلم أن مذهب النصارى مجهول جدا ، والذي يتحصل منه أنهم أثبتواذاتا موصوفة بصفات ثلاثة ، إلا أنهم , وإن سموها صفات فهي في الحقيقة ذوات ، وبدليلأنهم يجوزون عليها الحلول في عيسى وفي مريم بأنفسها ، وإلا لما جوزوا أن تحل فيالغير ، وأن تفارق ذلك الغير مرة أخرى ، فهم وإن كانوا يسمونها بالصفات إلا أنهم فيالحقيقة يثبتون ذوات متعددة ، قائمة بأنفسها ، وذلك محض الكفر . فلهذا قال تعالى: (( وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌانْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ)) (النساء: من الآية171)
ثم أكد التوحيد بقوله: (( إِنَّمَا اللَّهُإِلَهٌ وَاحِدٌ)) (النساء: من الآية171). ثم نزه نفسه عن الولد بقوله: (( سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَلَهُ وَلَد )) أي سبحانه ما يكون له ولد.
ثم قال تعالى: ((لَهُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)) .
واعلم أنه سبحانه في كل موضع نزه نفسه عن الولد ، فذكر سبحانه أنهملكا ومالكا لما في السموات والأرض ، فقال في سورة مريم: ((إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً)) (مريم:93)
والمعنى : من كان مالكاً لكل السموات والأرض ، ولكل ما فيهما كانمالكا لعيسى ولمريم– عليهما السلام– لأنهما كانا في السموات والأرض ، وما كانا أعظم من غيرهما في الذات والصفات. وإذا كان مالكا لما هو أعظم منهما فيكون مالكا لهما من باب أولى . . . ثم قال(( وَكَفَى بِاللَّهِوَكِيلاً)) (النساء: من الآية171) . والمعنى أن الله سبحانه كاف في تدبير المخلوقات ، وفي حفظ المحدثات ، فلا حاجة معهإلى القول بإثبات إله آخر وهو إشارة إى ما يذكره المتكلمون من أنه سبحانه لما كانعالما بجميع المعلومات ، قادرا على كل المقدورات ، كان كافيا في الإلهية ، ولوفرضانا إلها آخر معه لكان معطلا لا فائدة منه ، وذلك نقص ، والناقص لا يكون إلها.
وبالجملة فلا نرى مذهبا فيالدنيا أشد ركالة وبعداً عن العقل من مذهب النصارى.
وقال تعالى أيضا في إبطال عقيدة التثليث: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّايَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (المائدة:73)
( ثالث ثلاثة ) ، أي أحد ثلاثة آلهة ، أو واحد من ثلاثة آلهة ،والنصارى يقصدون الأب : الذات ، والابن : الكلمة ، والروح : الحياة وأثبتوا الذاتوالكلمة والحياة ، وقالوا : إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاطالماء بالخمر ، واختلاط الماء باللبن وزعموا : أن الأب إله ، والابن إله ، والروحإله ، والكل إله واحد.
وأعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل ، فإن الثلاثة لا تكونواحداً ، والواحد لا يكون ثلاثة ، ولا يرى في الدنيا مقالة أشد فساداً ، وأظهربطلانا من مقالة النصارى.
ويقول القرطبي : قوله: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُثَلاثَةٍ)) أي أحد ثلاثة . وهذا قول فرق النصارى من الملكيةوالنسطورية واليعقوبية ، لأنهم يقولون : أب وابن وروح القدس ، إله واحد ، ولايقولون ثلاثة آلهة وهو معنى مذهبهم ،وإنمايمتنعون من العبارة وهي لازمةلهم.وما كان هكذا صح أن يحكى بالعبارة اللازمة ، وذلك أنهم يقولون : أنالابن إله ، والأب إله ، وروح القدس إله ، فأكفرهم الله بقولهم هذا ، وقوله: ((وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌوَاحِدٌ)) أي أن الإله لا يتعدد . وقوله تعالى: (( وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ)) أي يكفوا عن القول بالتثليث ليمسنهم عذاب أليم فيالدنيا والآخرة.
وقال البيضاوي: ((لَقَدْ كَفَرَالَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)) ، أي أحد ثلاثة وهو حكاية عما قاله النسطوريةوالملكانية منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة وما سبق قول اليعقوبية القائلينبالاتحاد. (( وَمَا مِنْ إِلَهٍإِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ)) وما فيالوجود ذات واجب مستحق للعبادة– من حيث إنه مبدأ جميع الموجودات– إلا إله واحد ، موصوفبالوحدانية متعال عن قبول الشركة. . .
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره لهذه الآية : أكد اللهسبحانه وتعالى بالقسم كفر الذين قالوا : ان الله الذي هو خالق السموات والارض ،ثالث أقانيم ثلاثة ، وهي الأب والابن والروح القدس.
يقول الله سبحانه وتعالى: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَهُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْأَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِجَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُمَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) (المائدة:17)